وَجَعَلَكُم مُلُوكَاً

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/12/23 - 2025/06/19 09:49AM

1
راشِد بن عبدِ الرحمن البِداح ( الزلفي- جامع ابن عثيمين) 24 ذو الحجة 1447 هـ
إن الحمدَ للهِ؛ نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِأنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا. من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه صلى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليماً كثيراً، أما بعدُ: فاتَّقُوا ربَّكُمْ واشكُرُوهُ.

آيةٌ من كتابِ اللهِ عجيبةٌ، يَذكرُ اللهُ فيها نعمَهُ العظيمةَ على بني إسرائيلَ، وأن اللهَ جعلَ فيهم أنبياءَ، ثم قالَ: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}[المائدة20] جعلَهم كلَّهمْ ملوكاً، ولم يجعلْ بعضَهم. يا عَجَباً! كيفَيكونونَ كلُّهم ملوكاً؟!

الجوابُ: خُذهُ منْ كلامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-لمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ ‌تَأْوِي ‌إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ. قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ. رواهُمسلمٌ().

ولذا قالَ ابنُ عباسٍ: (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) أي جعلَ لكم الزوجةَ والخادمَوالبيتَ(). ومصداقُ هذهِ الآيةِ انظروهُ في قولِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أصْبحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكأنَّمَا ‌حِيْزَتْ ‌لهُ الدُّنْيا. رواهُ الترمذيُّ وحسنهُالسيوطيُّ والألبانيُّ().

أرأيتَ كيفَ أنكَ في عِدادِ الملوكِ، فلم تُفجأْ بمسغبةٍ تُهلِكُكَ، ولم تُفجَعْ بعدوٍ يَتجهمُكَ، فاحمدِ اللهَ يزِدكَ، ولا تَستَهِنْ بنعمتهِ بلسانِحالِكَ، فتُسلَّبَها ولو ملكْتَ الممالكَ.

وقد اجتمعَ لكثيرٍ من الناسِ أضعافُ ما ذُكِرَ في هذا الحديثِ، ومع ذلكَ فهمْ منكِرونَ لها، محتقِرونَ ما همْ فيهِ، فهمْ كما قالَ تعالَى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾[النحل83].

فالثروةُ الحقيقةُ التي لا تُقدَّرُ بثمنٍ، بيتٌ آمنٌ؛ وجسدٌ معافَىً؛ ولقمةٌ هنيةٌ؛ وبالٌ مطمئنٌ. ولما قيلَ لحكيمٍ: ما النعمةُ؟ قالَ: النعمةُ في ثلاثٍ:

• الأمنُ، فلا لذةَ لخائفٍ.
• والغِنى؛ فلا لذةَ لفقيرٍ.
• والعافيةُ، فلا لذةَ لسقيمٍ().
فعندما تصبحُ في أمانٍ فهذهِ نعمةٌ كبيرةٌ، فاحمدِ اللهَ عليها، وتَفكَّرْفيمن هو فاقدٌ للأمانِ، وإذا كنتَ في عافيةٍ فهيَ نعمةٌ كبيرةٌ، فاحمدِ اللهَعليها، وتذكرْ مَنْ هو فاقِدُها، وإذا كانَ عندكَ قوتُ يومِكَ، بل قوتُ سَنَتِكَ،فهذهِ نعمةٌ كبيرةٌ، فاحمدِ اللهَ، واعلمْ أن في العالَمِ ملايينُ لا يجِدُونَ قوتَيومِهِمْ.

وليوقِنِ المؤمنُ بنصرِ اللهِ، ولا يَحمِلْ هَمَّ المستقبلِ، فإن أمرَهُ بيدِ اللهِ، وهو الذي يدبرُ الأمورَ، ويُقدِّرُ الأقدارَ، وعليهِ أن يُحسِنَ الظنَّ بربهِ، ويتفاءلْ بالخيرِ، ولا يَقُلْ كما {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[القصص79]

فَلَا تَـغْبِـطَـنَّ الْمُتْـرَفِـينَ فَإِنَّـهُ … عَلَى حَسْبِ مَا يُعْطِيهِمُ الدَّهْرُيَسْلُبُ()

أيُّها المؤمنونَ: النِّعمُ إذا ‌شُكِرَتْ ‌قرَّتْ وإذا كُفِرَتْ فرَّتْ(). فإذا ما حُطنا نِعَمَ اللهِ بالشكرِ، فنخشَى أن يَحِيقَ بنا ويَحِقَّ علينا قولُ ربِّنا-سبحانَه-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

فاحمدُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- على الهدايةِ للإسلامِ، واشكرُوه على الصحةِفي الأجسامِ، والأمنِ والكفايةِ بالرزقِ عن الآثامِ: ‏﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾[قريش3، 4].

الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُّ الصالحاتُ، والصلاةُ والسلامُ على المؤيدِبالمعجزاتِ، أما بعدُ: ففي الأزماتِ نستشعِرُ ونَتذاكَرُ قيمةَ الأمنِ في بلادِنا، ونستذكِرُ قولَ ربِّنا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ‌وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}[العنكبوت67].

أيُّها المسلمونَ: اسألُوا كبارَ السنِّ، واقرؤُوا كتبَ التاريخِ، التي تحكِيْ حالَ الناسِ من الجوعِ والخوفِ، قبلَ قيامِ هذهِ الدولةِ السعوديةِ-حفظَها اللهُ-، وخذُوا مثالاً واحداً فقطْ يذكرُهُ أحدُ المؤرخينَ، فيقولُ: (ولما دخلتْ سنةُ ألفٍ وثلاثِ مئةٍ وثمانٍ وعشرينَ [أي قبلَ مئةٍ وعشرينَ عاماًمن الآنَ] نفِدَتِ الأقواتُ، وأكلَ كثيرٌ من الناسِ الميتةَ، وشربُوا الدمَالمسفوحَ، وبعضُهم يطبخُهُ ويأكلهُ، وأكلَ آخرونَ الجلودَ الباليةَ بعدَحرقِها بالنارِ، وماتَ كثيرٌ من الناسِ جوعاً، وصارَ غالبُ قوتِهم من أعشابِ الأرضِ)().

فاللهم نحمدُكَ على الأمنِ في الأوطانِ، وعلى جبايةِ الثمراتِ من كلِّمكانٍ.

فلْنحفظْ أمنَنا ووحدتَنا، ولْنَصُنْ مملكتَنا، ولنمُسِكْ ألسنتَنا، ولندَعِ الخوضَ بالأحداثِ السياسيةِ، ولنَرُدَّ الأمرَ لولاةِ أمرِنا، عملاً بقولِربِّنا: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء83]. والهجُوا بدعاءِ نبيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي لَمْ يَكُنْ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ ‌رَوْعَاتِي»().

• فاللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ ‌رَوْعَاتِنَا.
• اللهُمَّ أَعِنَّا ‌عَلَى ‌شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
• اللهم ندعوكَ مُتضرِّعينَ أن تحفظَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ.
• اللهم احفظْ أديانَهم وأبدانَهم وبلدانَهم، وأموالَهم وأعراضَهم.
• اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وعمَلِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِهِ، وزِدْهُم عزًا لنصرةِ الإسلامِ. اللهم افرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ، وبصِّرهم بمخطَّطاتِ أعدائِنا.
• اللهم اقبلْ تَوباتِنا، واغسلْ حَوباتِنا، وأجِبْ دعواتِنا، وسددْ ألسِنتَنا.
• اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1750315773_‎⁨وجعلكم ملوكا⁩.docx

1750315773_‎⁨وجعلكم ملوكا⁩.pdf

المشاهدات 442 | التعليقات 0