وقفة مع وداع العام 1446هـ
عبدالرحمن سليمان المصري
وقفة مع وداع العام
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى: ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله : إن في انقضاء الأيام ، وتوالي الشهور والأعوام ؛ عبرة لأولي الألباب ، والله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ، ومراحل للآجال ، يعمرها الناس بما يعملون من خير أو شر ، ومن كانت مطيته الليل والنهار ؛ سير به وإن لم يسر ، فإن الليل والنهار ؛ مطيتان تقربان كل بعيد ، وتُبليان كل جديد ، وتطويان الأعمار ، وتشيبان الصغير ، وتفنيان الكبير.
عباد الله : ونحن على مشارف عام هجري جديد ، وتوديع عام هجري أوشك على الرحيل ، تصرمت أيامه ، وذهبت لياليه ، وسيرحل كما رحل قبله أعوام وأعوام ، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد ، ثم تمر به الأيام سراعا فإذا هو بآخر العام .
وكذا الأعمار ، فبينما الإنسان يتطلع إلى آخر عمره ؛ ويُأّمِّلُ آمالا يرجو نتاجها ، فإذا بحبل الأمل قد انقطع ، وببناء الأماني قد انهدم ، ﴿وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل ﴾الآية سبأ:54.
عباد الله: الدنيا دار ممر لا دار مقر ، هي ظل زائل ، وسراب راحل ، أولها عناء ، وآخرها فناء، أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، وصفوها مهما طاب فهو كدر ، وكل نعمة فيها فهي إلى زوال ، ﴿ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ﴾غافر:39 .
عباد الله : والناس مع عامهم الماضي ، حالهم كما قال الله عز وجل ؛ ﴿ فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ﴾فاطر :32 ، فتفكروا في دنياكم وسرعة زوالها ، واستعدوا للآخرة وأهوالها ، فكل يوم ينقضي فإنه يدني من الأجل .
فهنيئا لمن أودع عامه بالقربات ، ونافس فيه بالصالحات ، وجاهد فيه لترك المحرمات ، فخير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وشرهم من طال عمره وساء عمله ،إنه ما بين أن يثاب الإنسان على الطاعة والإحسان ، أو يعاقب على الإساءة والعصيان ، إلا أن يقال فلان قد مات ، وما أقرب الحياة من الممات.
عباد الله : والعبد بين حال قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه ، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه ، وحاضر إن لم يستفد منه ؛ ذهب منه وهو لا يشعر ، فليستدرك المسلم ما مضى بالتوبة مما فرط فيه ، وليستغل حاضره باغتنام أيامه ولياليه .
فليبادر المسلم إلى إيقاظ نفسه من غفلتها ، وإدراكها من سيئاتها ، وليقم بمعالجتها ، وليحذر كل الحذر من الزيغ والغفلة والغرور ، قال تعالى: ﴿أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون﴾ الشعراء : 205-207
وقال صلى الله عليه وسلم : " اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " رواه الحاكم وصححه الألباني.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله : إن الدنيا لا تساوي شيئا مقارنة بالآخرة ، فعمر الدنيا في جنب الآخرة قليل ، قال صلى الله عليه وسلم: " والله ما الدنيا في الآخرة ، إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ، فلينظر بم ترجع " رواه مسلم.
والمؤمن مأمور بعمارة الأرض ، والسعي في تحصيل أسباب الرزق ، بشرط أن يكون سعيه للآخرة ، أكثر منه للدنيا ، قال تعالى: ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾القصص:77 .
عباد الله : ليس الزهد بلبس المرقع من الثياب ، ولا باعتزال الناس ، فالدنيا لا تذم لذاتها ، فهي مزرعة الآخرة، وإنما الزهد بالتعفف عن الحرام ، وتجنب مظاهر الترف والإفراط في متع الدنيا ، والإقبال على عملِ الطاعات ، والتزود للآخرة بخير الزاد .
عباد الله: إن محاسبة النفس مطلوبة في كل وقت وأوان ، فحري بالمسلم أن يتفكر في انصرام الأيام ، ويراجع نفسه للتزود لدار القرار ، فمن لازم محاسبة النفس ، استقامت أحواله ، وصلحت أعماله ، وخف يوم القيامة حسابه ، وحضر عند السؤال جوابه ، فهنيئا لمن عرف الله فأطاعه ، وعرف الباطل فاتقاه ، فهذا عنوان الفلاح ، قال تعالى :﴿ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ﴾الإسراء:19 .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1750298836_وقفة مع وداع العام خطبة2.docx
1750298836_وقفة مع وداع العام خطبة2.pdf