وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا

عبدالرحمن اللهيبي
1446/12/24 - 2025/06/20 05:49AM
من المنقول بتصرف
 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَوِيِّ الْقَهَّارِ، الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ؛ لَا يَحْدُثُ في الكونِ شَأْنٌ إِلَّا بِقدَره وأَمْرِهِ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بلطفه وتدبيره ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُرِي عِبَادَهُ مِنْ دَلَائِلِ حكمته وقُوتِهِ، وبدائع صنعه وقدرته ، مَا يَدُلُّهُمْ بِهِ عَلَى ألوهيته وربوبيته ، وَيَدْعُوهُمْ به إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أصدق الخلق في الْيَقِينِ بِوَعْدِهِ، والثقة في انتقامه لأوليائه ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ في طرفة عين عَلَى أَنْ يغير الأحوال من حال إلى حال ، فيَقْلِبَ الأحلاف أعداءً، فيسلط الظالمين على الظالمين ، ويجعل بأسهم بينهم شديد ﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّـٰلِمِينَ بَعْضًۭا بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ﴾

أيها المسلمون، مهما تعاظم كيد الأعداء ، ومهما اشتد على المسلمين مكرهم، فإن الله يمكر بهم وهم لا يشعرون ، ويكيد سبحانه لأوليائه من حيث لا يحتسبون ، وينتقم لهم بما لا يتوقعون ، فهو القاهر فوق عباده، يقضي فيهم بما يشاء، ويحكم ما يريد ، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، وما شاء ربُّنا صنع، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)

أيها المسلمون، إنه منذ عقود من السنين.. والمستضعفون من المسلمين يعانون صنوف العذاب ، وألوان القتل والاضطهاد .. على أيدي الصهاينة الغادرين ، والصفويين الحاقدين .. فساموا المسلمين من حولهم سوء العذاب ، وتفننوا في شتى أنواع القتل والتنكيل والإرهاب.. بما لا يخطر على قلوب البشر الأسوياء،

ولا غرابة فتاريخ الدولتين الصفوية والصهيونية يقطر دما وخبثا .. ومكرا وإجراما ، حتى بلغ السيل منهم زُباه، والطغيان مداه، والظلم منتهاه، ولكن الظلم وربي لا يدوم ، ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) ، فإذا بالمنتقم الجبار يسلط بعضَهم على بعضهم ، فيقتل بعضهم بعضا ، ويذل بعضهم بعضا ، ويدمر بعضهم بعضا ، ويشرد بعضهم بعضا ، يخربون بيوتهم بأيديهم ، فتدمرت بلدانهم ، وسقطت البنايات الشاهقة فوق رؤوسهم ، حتى سُمع من تحت الأنقاض صراخُ نسائهم وأطفالهم ، تماما كما فعلوا من قبل بالمسلمين ، فشفى الله بذلك صدور المؤمنين ، وأذهب غيظ قلوبهم ، وانتقم الله لعباده المؤمنين دون أدنى جهد منهم أو قتال ، وكفى الله المؤمنين القتال..

( وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ متفق عليه)

أيها المسلمون: لقد كان المستضعفون يدعون ربهم بأن ينتقم لهم من أعدائهم بالكوارث والبراكين والزلازل ، ويضعون في دعائهم خططا يقترحون بها على الله لينتقم لهم ، فإذا بانتقام الله لهم يأتيهم في صورة ما كانت تخطر لهم على بال ، حتى أن الناس -بخُبَرَائِهِمْ وَمُحَلِّلِيهِمْ فِي دَهْشَةٍ مِنْ اقتتال هؤلاء القتلة المجرمين ، وانشغالهم بأنفسهم بعد أن كانوا من قبل متحالفين ، وفي العدوان على المسلمين كانوا شركاء متعاونين، ((فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ))

أيها المسلمون، إن الله سبحان قد سمع أنينَ المضطهدِين ، ورُفع إليه نداءُ الثكالى والمكروبين ، فأنفذ السهام إليه دعوة المظلوم، يرفعها الحيّ القيوم فوق الغيوم، يقول رسول الهدى ﷺ: ((و دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين)) ، ((وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (.) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) ، وقال الحق تبارك تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ)

أيها الناس، هل حسبتم أن الصفويين الجائرين ، والصهاينة الغادرين ، سيعيشون في أمان أبدا، أو سينعمون بسلام مطلقا، كلا والله ، فسنن الله لا تتبدل في الظالمين ، ستظل حياةُ المجرمين في رعب وقلق، وسيبقى عيشُهم في فزع وأرق؛ فهم محاطون بكلِّ مشاعر الكراهية والعِداء ، والبراءة والبغضاء، فأنَّا يكون لهم مستقبلٌ في البقاء ، (وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَاد ))

أيها المسلمون، ونحن نرى الناس اليوم يقتتلون في جوارنا ، ويُتخطفون من حولنا ، ((أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)) ، فما أحرانا ونحن نعيش في عافية ونعمة وأمان، أن نشكر الله ذا الفضل والإنعام، وأن نكون أوفياءَ للإسلام ، وأن نتطهّر من المعاصي والآثام، فوالله لن تُصان الأوطان ، ولن تحفظ الديار والبلدان .. إلا بطاعة الرحمن.. قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ ، فنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِهِ، وَجَمِيعِ سَخَطِهِ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِذُنُوبِنَا وَلَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا..

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

أما بعد:
عباد الله: اعلموا أنه لا يُسلط العدوُ على ديار المسلمين ، ولا يقع عليهم الظلم والبغي والعدوان ، إلا بسبب الغفلة والعصيان، قال ﷺ: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم))

كيف وفي المسلمين اليوم شهواتٌ ومُتع، ودنيا مؤثَرةً وهوًى متَّبع، وأجيالٌ مردت على الشهوات والعبث، وفي الأمة اليوم من الانحراف العقديّ ما يوجب الخذلانَ والحرمان، ففي بلاد المسلمين اليوم أضرحةٌ تُعبَد، وقبورٌ تُحجّ وتُقصَد، ويُذبح لها ويُسجَد، ويُطلب منها العون والمدّ، وأفعالٌ تناقض دينَ محمد ﷺ، فعلى المسلمين اليوم أن يبذلوا الجهود والأوقات ، للتمسك بالدين وإقامة التوحيد، ومحاربة ألوان الشرك والتنديد، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبث روح الاعتزاز بشعائر الإسلام، والتمسك بشرائعه الحسان ..

فاستديموا النعم يا مسلمون بالطاعات ، واسترشدوا بالعلماء الربانيين، فهم أرفع الناس قدراً، وأسلمُهم نظرا وفكراً، واحذروا دُعاةَ الانفتاح والتحرر والتغريب ، ودعاة الإفساد والفتن والفوضى والتخريب ..

قال تعالى : (( ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ))

فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أنه لا يخفى على الله ما وقع على أهل الإسلام من الظلم الكثير ، والجور الكبير، وإنَّ الله على نصرهم لقدير، فلله أيامٌ يُنتصر فيها من الباغي، ويُنتقِم فيها من الظالم العاثي، فتحلَّوا بالطاعة، والتزموا الجماعة .. فمن شذ شذ في النار

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلَّث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال قولاً كريماً: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...

المشاهدات 626 | التعليقات 0