وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً

عبدالرحمن اللهيبي
1447/01/16 - 2025/07/11 02:54AM

من المنقول بتصرف

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، الواعظون بها كثير، والعاملون بها قليل، جعلنا الله وإياكم من المتقين.

أيها المسلمون، إنها لكبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من موبقات الآثام، يشترك في ذلك فاعلها والراضي بسماعها

ألا إنها الغِيبة يا عباد الله. وهي ذكرك أخاك بما يكره، هي ذكر العيب بظهر الغيب

الغيبة يا مسلمون تشمل كلَ ذم في الغائب سواء بالكلام، أو بالغمزٍ، أو بالإشارة، أو بالكتابة.

والغيبة تكون في ذم أحدكم لأخيه وانتقاصه في دينه أو في خَلْقه وصورته أو خُلُقه وتعامله، أو في حسبه ونسبه ، أو في قوله وفعله.

ومن الغيبة أيضا التقليد على سبيل التهكم والتنقص، سواء كان التقليد لصوته أو مشيته، أو أسلوبه في الكلام، أو طريقته في الأكل، أو غير ذلك

الغيبة لقبحها وشناعتها يا مسلمون هي كمن يأكل لحمَ أخيه ميتا!! قال سبحانه : (وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) 

فما أسوأ تلك الصورة! إنها صورةُ ذلك الرجل الذي ينبش قبر أخيه المسلم ليستخرج جثته ثم يقضم لحمها بفمه فلا يزال يأكل منها حتى يترع ، فما أبشع ذلك المنظر!

قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي ﷺ: (حسبك من صفية كذا وكذا) تعني أنها قصيرة، فقال ﷺ ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))

وقال ﷺ: ((لما عَرَج بي ربي عز وجل ـ يعني إلى السماء ـ مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم))

ولأجل هذه النصوص وما فيها من الوعيد الشديد قال القرطبي رحمه الله: "والإجماع على أن الغيبة من كبائر الذنوب

قال بعض السلف: أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة.. ولكن يرون العبادة في الكف عن أعراض الناس.

قال ﷺ: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه))

والغيبة يا مسلمون قد تجعل صاحبها يوم القيامة من المفلسين ، وذلك لأن جزاء الحقوق والمظالم يوم القيامة ليس بالدرهم والدينار وإنما بالحسنات والسيئات

قيل لبعض الصالحين: لقد وقع فيك فلان حتى أشفقنا عليك ، قال: عليه فأشفقوا ...

ألا فطوبى لمن أمسك لسانه عن أعراض الناس ، ثم طوبى لمن أكرمه الله بقلب سليم ولسان صادق وحب لإخوانه المسلمين ، لسان حاله ومقاله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْونِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَـانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ)

 

 

 

 

أما بعد:

أيها المسلمون، والمستمع للغيبة شريك للمغتاب في الإثم ، ولا ينجيه من الإثم إلا أن ينكر بلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وإن قدر على القيام فليقم أو ليقطع الغيبة بحديث آخر.

وإن أكثر الناس اليوم يستمعون للغيبة ويصغون للمغتاب إما على سبيل التأييد والقبول أو على سبيل المجاملة ، وقد قال الله تعالى (إنكم إذا مثلهم) قال السعدي في تفسيرها: الراضي بالمعصية كالفاعل لها

فلله در المؤمن القوي الذي يأبى أن يُغتاب أحدٌ في مجلسه، ويأبى أن تسمع أذناه عيبَ أخيه المسلم؟!

كان ميمون رحمه الله لا يَغتاب أحدٌ عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام من المجلس.

فيا عبد الله إن لكل الناس عورات ومعايب، وزلات ومثالب فلا تطلبها ولا تسأل عنها ولا تبحث فيها ولا تتكلم بها وانشغل بعيبك عن عيوب الناس

ومن رأيت منه مثلبة وعيبا فاكتمه ولا تفضحه ، فإنك إن فضحته بغيبتك له في المجالس فسيفضحك الله ويكشف سترك ويُظهر للناس عيبك

فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته، وفي الخبر عن سيد البشر ﷺ: "من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال".

فاحفظ يا عبد الله حق أخيك وصن عرضه، واكتم عيبه ولا تستمع للمغتاب وأسكته ودافع عن أخيك وذُب عن عرضه ففي الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: "من ذب عن عرض أخيه كان حقًا على الله أن يعتقه من النار"

فاتقوا الله رحمكم الله وسارعوا إلى التوبة والإقلاع عن الغيبة وجانبوا الغل والحقد والضغينة والشحناء والتشفي فإن كل ذلك من دوافع الغيبة وبواعثها، واستغفروا لمن اغتبتم واذكروهم بخير كما ذكرتموهم بسوء ، واحفظوا ألسنتكم من آفات القول فإن اللسان من أكثر ما يدخل الناس النار ، واجعلوا أفواهكم رطبة عطرة بذكر الله لتفوزوا برضوان الله..

المشاهدات 332 | التعليقات 0