وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (تعميم)
يوسف العوض
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الإِنسَانَ، وَعَلَّمَهُ البَيَانَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ وَإِيَّايَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ سَبِيلُ الفَلَاحِ، وَطَرِيقُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
عِبَادَ اللهِ : يقَولُ اللهُ تعَالى : " وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ " فَفِي الآيَةِ تَذْكِيرٌ لِلإِنْسَانِ بِنِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ هَذِهِ الجَوَارِحِ: كَيْفَ اسْتَعْمَلَهَا؟ أَفِي الطَّاعَةِ أَمْ فِي المَعْصِيَةِ؟ فاللِّسَانَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَمَانَةٌ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ أَخْطَرُ جَوَارِحِ الإِنسَانِ إِذَا لَمْ يُضْبَطْ بِالتَّقْوَى وَالخَوْفِ مِنَ اللهِ.
« قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:"إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا».
فَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ يَا عِبَادَ اللهِ، فَفِي اللِّسَانِ غِيبَةٌ، وَنَمِيمَةٌ، وَكَذِبٌ، وَسُوءُ ظَنٍّ، وَإِشَاعَاتٌ كَاذِبَةٌ، تُفْسِدُ القُلُوبَ، وَتُفَرِّقُ الجَمَاعَةَ، وَتُؤَجِّجُ الفِتَنَ.
« قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:"لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ» ، يَا مَنْ تَغْتَابُونَ إِخْوَانَكُمْ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَهُمْ وَهُمْ غَافِلُونَ؟! يَا مَنْ تَنْقُلُونَ الكَلَامَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإِخْوَةِ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يَبْعَدَكُمُ اللهُ عَنْ رَحْمَتِهِ؟!
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مِنْ أَخْطَرِ مَا يَفْعَلُهُ اللِّسَانُ نَشْرُ الإِشَاعَاتِ، وَخُصُوصًا فِي أَزْمِنَةِ الفِتَنِ وَالخَوْفِ، فَكَمْ مِنْ إِشَاعَةٍ هَدَمَتْ بُيُوتًا، وَفَرَّقَتْ مُجْتَمَعَاتٍ، وَأَثَارَتِ الرُّعْبَ فِي القُلُوبِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾.
عِبَادَ اللهِ : كُونُوا أُمَّةَ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ واحْذَرُوا الكَذِبَ فِي المَقَامَاتِ وَالْمَنَشُورَاتِ، وَتَثَبَّتُوا قَبْلَ أَنْ تَنْقُلُوا خَبَرًا، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
« عِبَادَ اللهِ : اتَّقُوا اللهَ فِي أَلْسِنَتِكُمْ، وَاجْعَلُوهَا أَدَاةً لِذِكْرِ اللهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الخَيْرِ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ، وَلَا تَجْعَلُوهَا سَبَبًا لِسُخْطِ اللهِ وَبُغْضِ العِبَادِ ، قَالَ ﷺ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَنَقِّنَا مِنَ الإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ.
المرفقات
1751886961_خطر اللسان.docx