ولم يُصرّوا
د. سلطان بن حباب الجعيد
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلتَّوَّابِ ٱلرَّحِيمِ، غَافِرِ ٱلذَّنْبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ، شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ، ذِي ٱلطُّولِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ.
وَٱلصَّلَاةُ وَٱلسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ ٱللَّهِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ ٱللَّهِ، سَيِّدِ ٱلْأَوَّلِينَ وَٱلْآخِرِينَ، وَخَيْرِ مَنْ تَابَ وَأَنَابَ لِرَبِّهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ ٱلدِّينِ
وَبَعْدُ:
ٱتَّقُوا ٱللَّهَ عِبَادَ ٱللَّهِ، وَٱعْلَمُوا أَنَّ ٱلْمُتَّقِينَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ، كَمَا قَالَ عَنْهُمْ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ﴾ [ٱلنُّور: ٥٢].
أَيُّهَا ٱلنَّاسُ: إِنَّنَا أَحْوَجُ مَا نَكُونُ إِلَيْهِ؛ ٱلتَّوْبَةُ وَٱلْإِنَابَةُ إِلَى ٱللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَٱسْتِغْفَارُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ؛ فَٱلذُّنُوبُ كَثِيرَةٌ، وَٱلْأَخْطَاءُ جَسِيمَةٌ، وَٱلْمَوْتُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.
أَيُّ خَسَارَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَابِلَ ٱلْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى ذُنُوبِهِ دُونَ تَوْبَةٍ، فَهُوَ بِهَذَا قَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْخَطَرِ، فَلَيْسَ أَشَدَّ مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ وَنَقْمَتِهِ وَمَقْتِهِ.
يَقُولُ ٱللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَذِّرًا مِنْ هَذِهِ ٱلْحَالِ، وَحَاثًّا عَلَى ٱلتَّوْبَةِ قَبْلَ حُلُولِ ٱلْأَجَلِ: ﴿إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّوْءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [ٱلْنِسَاء: ١٧-١٨].
إِنَّنَا إِذْ نَتَحَدَّثُ وَنُذَكِّرُ أَنْفُسَنَا بِٱلتَّوْبَةِ، فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلسَّبَبِ ٱلَّذِي يَصِلُنَا بِٱللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُجَدِّدُ ٱلْعَهْدَ مَعَهُ، وَيُوصِلُنَا إِلَى أَعْظَمِ مَنْزِلَةٍ وَأَشْرَفِهَا وَهِيَ حُبُّهُ لَنَا، يَقُولُ تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [ٱلْبَقَرَة: ٢٢٢].
وَإِذْ نَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلتَّوْبَةِ، فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ فَرَحِ ٱللَّهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إِذَا تَابَ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ. قَالَ رَسُولُ ٱللَّهِ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لِلَّهِ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَعَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيْسَ مِنْهَا، فَتَوَجَّهَ إِلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْأَيْسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، وَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ ٱلْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِيوَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ ٱلْفَرَحِ.” [أخرجه مسلم].
وَإِذْ نَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلتَّوْبَةِ، فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلْبَابِ ٱلَّذِي لَا يُؤْصَدُ فِي وَجْهِ أَحَدٍ، فَهُوَ مَفْتُوحٌ حَتَّىٰ تَطْلُعَ ٱلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوْ تَبْلُغَ ٱلرُّوحُ ٱلتَّرَاقَ. قَالَ رَسُولُ ٱللَّهِ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ ٱلشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَٱللَّهُ عَلَيْهِ” [أخرجه مسلم].
وَقَالَ عَلَيْهِ ٱلسَّلَامُ: “إِنَّ ٱللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ ٱلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ” [أخرجه أحمد].
وَإِذْ نَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلتَّوْبَةِ، فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ ٱلسَّبَبِ ٱلَّذِي يَمْحُو بِهِ ٱللَّهُ كُلَّ ذَنْبٍ، مَهْمَا عَظُمَ؛ فَمَنْ أَقْلَعَ عَنْ ذَنْبِهِ وَنَدِمَ، وَلَمْ يُقَارِفْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ وَلَا يُبَالِي، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [ٱلْأَنْعَام: ٥٤].
وَقَالَ ٱللَّهُ كَمَا فِي ٱلْحَدِيثِ ٱلْقُدُسِيِّ: “يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَىٰ مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَآدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عِنَانَ ٱلسَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ ٱلْأَرْضِ خَطَايَا،ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.” [أخرجه الترمذي وأحمد]
وَإِلَيْكُمْ هَذِهِ ٱلْقِصَّةُ، ٱلَّتِي تَفْتَحُ أَبْوَابَ ٱلرَّجَاءِ عَلَىٰ مِصْرَاعَيْهَا، وَتَرْغِبُ كُلَّ مُذْنِبٍ أَنْ يُقْبِلَ عَلَىٰ رَبِّهِ، وَأَلَّا يَبْقَىٰ أَسِيرَ ذَنْبِهِ، وَأَلَّا يُصْغِيَ لِلشَّيْطَانِ إِذَا قَالَ لَهُ: “لَا فَائِدَةَ مِنْ تَوْبَتِكَ فَذَنْبُكَ عَظِيمٌ”:
جَاءَ مَاعِزُ ٱلْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ ٱللَّهِ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِٱلزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مُحْصَنٌ، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَشْهَدُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، يَنْصَرِفُ عَنْهُ ٱلنَّبِيُّ ﷺ، وَيُلْقِنُهُ ٱلْأَعْذَارَ لَعَلَّهُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَسْلَمَ مِنَ ٱلْحَدِّ، فَلَمَّا أَصَرَّ وَأَقَرَّ أَمَرَ بِهِ ٱلنَّبِيُّ ﷺ فَرُجِمَ.
فَلَمَّا سَمِعَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنَ ٱلصَّحَابَةِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: “ٱنظُرْ إِلَىٰ هَذَا ٱلَّذِي سَتَرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ”، لَمْ يَزَلْ بِنَفْسِهِ حَتَّىٰ رُجِمَ رُجْمَ ٱلْكَلْبِ، فَسَكَتَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَوَجَدَ جِيفَةَ حِمَارٍ، فَقَالَ: “أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟” فَقَالَا: “هَا نَحْنُ ذَا يَا رَسُولَ ٱللَّهِ”. فَقَالَ: “كُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا ٱلْحِمَارِ”. فَقَالَا: “يَا نَبِيَّ ٱللَّهِ وَمَنْ يَأْكُلُ هَذَا!” فَقَالَ عَلَيْهِ ٱلسَّلَامُ: “مَا نَلْتُمَا مِنْ عَرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ ٱلْجِيفَةِ، وَٱلَّذِي نَفْسِي بِهِ، إِنَّهُ ٱلْآنَ فِي ٱلْأَنْهَارِ ٱلْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا”. [أخرجه أبو داود، وأصله في البخاري].
وَكَذَلِكَ قِصَّةُ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي أَتَتْ رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ وَهِيَ حُبْلَىٰ مِنَ ٱلزِّنَا، فَقَالَتْ: “يَا رَسُولَ ٱللَّهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ”. فَدَعَا ٱلنَّبِيُّ ﷺ وَلِيَّهَا فَقَالَ: “أَحْسِنْ إِلَيْهَا”، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي، فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا ٱلنَّبِيُّ ﷺ، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّىٰ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: “تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُولَ ٱللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟” قَالَ: “لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ لَوسَعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ؟” [أخرجه مسلم].
فَانْظُرْ يَا رَعَاكَ ٱللَّهُ، كَيْفَ أَنَّ ذَنْبَهُمَا هُوَ ٱلَّذِي أَوْصَلَهُمَا إِلَى ٱلْجَنَّةِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا قَارَنَه ٱلْنَدَمُ وَٱلتَّوْبَةُ، كَمَا أَنَّ بَعْضَ ٱلْحَسَنَاتِ تُوصِلُ صَاحِبَهَا إِلَى ٱلنَّارِ إِذَا قَارَنَهَا إِعْجَابٌ وَرِياءٌ وَمَنٌّ.
أَيُّهَا ٱلنَّاسُ: إِنَّ ٱلذُّنُوبَ وَٱلْآثَامَ أَسَاسُ كُلِّ بَلَاءٍ؛ فَمَا نَجِدُهُ مِنْ ضِيقٍ وَكَرْبٍ فِي أَنْفُسِنَا؛فَمِنْهَا. وَمَا نَجِدُهُ مِنْ ضِيقٍ فِي ٱلْأَرْزَاقِ وَغَلَاءِ فِي ٱلْأَسْعَارِ؛ فَمِنْهَا. وَمَا نَجِدُهُ مِنْ فِتَنٍ وَاضْطِرَابَاتٍ وَخَرَابَاتٍ وَحُرُوبٍ وَفَسَادٍ فِي ٱلْبُلْدَانِ؛ فَمِنْهَا.
فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَحُولَ دُونَ وُقُوعِ كُلِّ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِنَا وَأَرْزَاقِنَا وَبُلْدَانِنَا، فَعَلَيْنَا بِٱلتَّوْبَةِ وَٱلْإِنَابَةِ وَٱلرُّجُوعِ إِلَىٰ ٱللَّهِ، وَٱلٱنطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَرْكِ مَا سَلَفَ مِنَّا وَكَانَ مِنَ ٱلتَّفْرِيطِ فِي جَنْبِهِ، ٱمْتِثَالًا وَٱسْتِجَابَةً لِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عِنْدَمَا قَالَ لَنَا: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَارُ﴾ [ٱلتحريم: ٨].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا …
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ، وَٱلصَّلَاةُ وَٱلسَّلَامُ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ …
وَبَعْدُ:
أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ: بِٱلتَّوْبَةِ وَٱلْاِسْتِغْفَارِ، وَعَدَمِ ٱلْإِصْرَارِ نَنْتَظِمُ فِي سِلْكِ ٱلْمُتَّقِينَ، فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِهِمُ ٱلَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا ٱلْقُرْآنُ أَنَّهُمْ إِذَا أَخْطَأُوا وَأَذْنَبُوا رَجَعُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ وَمَوْلَاهُمْ، وَنَدِمُوا عَلَىٰ مَا كَانَ مِنْهُمْ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥].
وَلْيَعْلَمْ - إِخْوَةَ ٱلْإِسْلَامِ - أَنَّ مِنَ ٱلْمَفَاهِيمِ ٱلْخَاطِئَةِ حَوْلَ ٱلتَّوْبَةِ، ٱلِاعْتِقَادُ بِأَنَّ ٱلتَّوْبَةَ تَكُونُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي ٱلْعُمْرِ، فَإِذَا مَا فَعَلَهَا ٱلْمَرْءُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَهَا، أَضْحَىٰ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ مُخَاطَبًا بِهَا.
أَوِ ٱلِاعْتِقَادُ أَنَّهَا يُشْترَطُ لَهَا زِيٌّ بِعَيْنِهِ، أَوْ يَلْزَمُ مِنْ أَجْلِهَا تَغْيِيرُ كُلِّ مَا لَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهُ، مِنْ عَادَاتِكَ وَطِبَاعِكَ وَحَيَاتِكَ ٱلسَّالِفَةِ، أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ، مِمَّا يُعَرْقِلُ بِهِ ٱلشَّيْطَانُ ٱلتَّوْبَةَ وَيُثَقِّلُهَا عَلَيْكَ.
ٱلتَّوْبَةُ وَٱلِاسْتِغْفَارُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَمَلًا يَوْمِيًّا لَا يَتَخَلَّفُ، نُمَارِسُهَا بِكُلِّ هُدُوءٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، نَغْسِلُ بِهَا دَرَنَ ٱلذُّنُوبِ وَٱلْخَطَايَا عَنْ قُلُوبِنَا، وَنُبَيِّضُ بِهَا سَوَادَ صُحُفِنَا، كَمَا نَغْسِلُ بِٱلْمَاءِ كُلَّ يَوْمٍ دَرَنَ وَأَوْسَاخَ أَجْسَادِنَا وَثِيَابِنَا.
وَلَنَا فِي رَسُولِنَا وَحَبِيبِنَا عَلَيْهِ ٱلسَّلَامُ أُسْوَةٌ، فَقَدْ قَالَ عَنْ نَفْسِهِ: “وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي ٱلْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْسَبْعِينَ مَرَّةً” [أخرجه البخاري].
ٱللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ ٱلتَّوَّابِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ ..
المرفقات
1766671337_ولم يصروا ( وورد).docx
1766671337_ولم يصروا ( PDF).pdf