يَنشُرُون كلَّ شيءٍ ( تعميم وزاري )
راشد بن عبد الرحمن البداح
يَنشُرُونَ كلَّ شيءٍ ( راشد البداح – الزلفي ) 14 محرم 1447
الْحمد لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). أما بعدُ:
فيا أيُّها المؤمنونَ: إن المتأملَ يُدرِكُ أنَّ وسائلَ الإعلامِ بأنواعِها،صارتْ مصدرَ أخبارِنا ومعلوماتِنا، وهي الموجِّهُ لانفعالاتِنا واهتماماتِنا، ولكنَّ المصداقيةَ في كثيرٍ منها غيرُ متوفرةٍ، خصوصاً حينَتتدخَّلُ في عواطفِنا ورغباتِنا، وأما مع الذكاءِ الاصطناعيِّ فالأمرُ مَهُولٌ جداً.
ومن جراءِ ذلك صِرنا نُصدِّقُ كثيراً من الإشاعاتِ التي تُسوِّقُالأمانيَ؛ لتَبُثَّها للناسِ على أنها بشائرُ، فتتلقَّفُها قلوبُ الطيِّبينَعلى أنها حقائقُ لا تَقبلُ الشكَّ، وما سرعةُ تصديقِنا للإشاعاتِ إلا كمهربٍ نفسيٍ أمامَ واقعٍ قد لا نرضاهُ، وفي النهايةِ نرضخُ لسلطانِالحقيقةِ القاهرِ.
وهنا نقِفُ جميعاً أمامَ أربعِ حقائقَ، نُذكِّرُ بها أنفسَنا، والذينَيَتلقَّفُونَ ملفَّقَاتِ الأخبارِ، ويُبشِّرونَ بها غيرَهم بِنِيَّاتٍ طيبةٍ،ويُوعَظُ بها مختلِقُو الإشاعاتِ ومروِّجُوها:
الحقيقةُ الأولَى: ليسَ كلُّ ما يُعلَمُ يُقالُ، وليسَ كلُّ ما يُسمعُيُذاعُ، ولو كان صحيحاً، وفي الناسِ ظلمٌ وجهلٌ، وفيهم حسدٌ وكيدٌ، وفيهم تَعَجُّلٌ وقلةُ مبالاةٍ، والسلامةُ لا يَعدِلُها شيءٌ، وقد قالَ حبيبُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. رواهُ مسلمٌ().
الحقيقةُ الثانيةُ: علينا أن نكونَ يَقِظِينَ عندَ تَلَقي الأخبارِ،فليسَ صحيحاً أن يُنشَرَ خبرٌ عبرَ رسائلِ الجوالاتِ مَصدَرُهُ أيُّ قناةٍ، أو موقعُ (إنترنتٍ) أو تغريدةٌ، أو رسالةُ (واتسأبٍ)، ومَن يَتَقَبَّلُ ويَنقُلُ بلا تمحيصٍ فليَعلَمْ أن الناسَ لن يُصدِّقُوهُ مستقبلاً. فلا بدَّ من تَلَقِّي الأخبارِ من مَصدرٍ موثوقٍ، فإن لم يكن موثوقاً فلا أقلَّ من أن يكونَمعلوماً، بحيثُ يَنالُ شرفَ الصدقِ، وتلحقُهُ مَعَرَّةُ الكذبِ و(بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا).
(وقد أَمرَنا اللهُ -تعالَى- بالتبيُّنِ فقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} فالتزامُ "التبيُّنِ" للأخبارِ، والتثبُّتِ منها واجبٌ، وكمْ من خبرٍ لا يصحُّ أصلاً، وكمْ من خبرٍ صحيحٍ، لكنْ حُرِّفَ وزِيدَعليهِ كذباً. فلا تُقرِّرْ بعدَ الخبرِ إلا أن يقومَ عندَكَ قائمُ البرهانِ كقائمِالظهيرةِ)().
ثالثاً: علينا تبصيرَ مَنْ يَنشرونَ كلَّ شيءٍ بطِيبةٍ وحُسنِ قصدٍ، ومواجهتَهم بالحقيقةِ، وعدمَ مجاملةِ المشاعرِ على حسابِ العقلِ والنقلِ.وعلينا أن نرفضَ جعلَ أنفسِنا رواحلَ لنقلِها، بحيثُ نُصَدِّقُها ثم نُسَوِّقُها، فـ (مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ).
ولنقطعْ دابرَ كلِّ قالةِ سوءٍ فشَتْ فآذَتْ وأصمَّتِ الآذانَ، بأن ينصرِفَ كلٌ منا لما هو أجدَى، وأن يُعرِضَ عن القالةِ صَفحًا؛ لأنكستفتحُ يدَكَ فلا تجدُ فيها إلا قبضَ الريحِ.
رابعاً: الصدقُ فضيلةٌ إسلاميةٌ، ومروءةٌ عربيةٌ، والكذبُ فاحشةٌ حَرَّمَهاالإسلامُ، وأَنِفَ منها مشركُو العربِ، حتى قالَ أبُو سفيانَ -وهو مشركٌبين يدَي هرقلَ-: وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ. فلم يكنْ يَقبلُأن يوجدَ في تاريخهِ كِذبةٌ واحدةٌ، ولو كانت على عدوِهِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندَ مَلِكٍ سيُصدِّقُهُ.
فلنخشَ نحنُ من روايةِ الإشاعاتِ، فَيَأْثِرَ الناسُ علينا كذباً. ولنُنافِسْأن نكونَ ممن قالَ عنهمُ الصادقُ المصدوقُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا()
الحمدُ للهِ أصدقِ القائلينَ، والصلاةُ والسلامُ على {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}، أما بعدُ:
أيُّها الإخوةُ الأخيارُ الأغيارُ: أتدرونَ ما المرادُ بالإشاعةِ باختصارٍ؟ المرادُ بها الكذبُ، والكذبُ أقبحُ الأخلاقِ. وترويجُ ونشرُ الإشاعةِ يعني نشرَالكذبِ.
وإن من أسبابِ رواجِ الإشاعةِ والاستهانةِ بنشرِها: ضعفَ الخوفِ من اللهِ وعذابهِ. ولو أن ناقلَ الأخبارِ بلا تمحيصٍ خوَّفَ نفسَه بتلكَ الرؤيا المفزعةِ التي رآها رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَا تساهَل في مراسلاتهِ ومحادثاتهِ، ألا وهيَ تلك الرُؤْيَا الطويلةُ لصورٍ مفزعةٍ، ممن يعذَّبونَ في قبورِهِم، فقد رأى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رأى: رَجُلاًجَالِسًا، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ،وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. فقال له الملكان: أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ().
أرأيتَ بشاعةَ التعذيبِ بالقبورِ، وسببُهُ بشاعةُ التكذيبِ في القلوبِ.
• فاللهم اجعلنا من الصادقينَ والصدِّيقينَ.
• اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَوْلِ كَمَا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْعَمَلِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ الَّلغْوِ وَالْهَذْرِ، كَمَا نَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعِيِّ وَالْحَصْرِ.
• اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ إلَّا إلَيْكَ، وَمِنْ الذُّلِّ إلَّا لَكَ.
• اللهم احفظْ شبابَنا وشوابَّنا من فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ.
• اللهم احفظْ دينَنا وحدودَنا وجنودَنا، وأجواءَنا وأرجاءَنا.
• اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وعمَلِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِهِ، وزِدْهُم عزًا لنصرةِ الإسلامِ. وافرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.
• اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
المرفقات
1751840335_ينشرون كل شيء.docx
1751840335_ينشرون كل شيء.pdf