يَومُ عَاشُورَاءَ، وَحِفْظُ اللهُ تَعَالَى وَنَصْرُهُ لمُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ

مبارك العشوان 1
1447/01/08 - 2025/07/03 15:25PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُول.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص 3]

قِصَّةُ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ مِنْ أَشْهَرِ القَصَصِ؛ وَلِعِظَمِهَا وَكَثْرَةِ عِبَرِهَا وَرَدَتْ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ كَثِيرًا، فَجَاءَتْ مَبْسُوطَةً مُفَصَّلَةً فِي مَوَاضِعَ؛ وَجَاءِتْ مُخْتَصَرَةً مُجْمَلَةً فِي مَوَاضِعَ أُخْرَ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى قِصَّةَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ مَعَ فِرْعَونَ، وَمَعَ السَّحَرَةِ، وَمَعَ الْإِسْرَائِيلِيِّ وَالْقِبْطِيِّ، وَمَعَ السَّامِرِيِّ، وَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعَ الْخَضِرِ، وَمَعَ الشَّيْخِ صَاحِبِ مَدْيَنَ وَابْنَتَيْهِ، وَقِصَّتَهُ لَمَّا كَلَّمَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ القَصَصِ الكَثِيرُ مِنَ الدُّرُوسِ وَالعِبَرِ.

وَحَدِيثُ اليَومِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنَ العِبَرِ فِي قِصَّةِ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ؛ وَهِيَ: [حِفْظُ اللهِ تَعَالَى لَهُ]

فَقَدْ مَرَّ بِهِ عَلِيهِ السَّلامُ الْكَثِيرُ مِنَ الشَّدَائِدِ، وَتَعَرَّضَ لِلْكَثِيرِ مِنَ الْأَخْطَارِ؛ فَمُنْذُ وِلَادَتِهِ كَانَ فِرْعَونُ يَقْتُلُ مَنْ يُولَدُ مِنَ الذُّكُورِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ فَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى وَنَجَّاهُ، وَأَلْهَمَ أُمَّهُ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ وَأَلَّا تَخَافَ عَلَيهِ وَلَا تَحْزَنَ، وَبَشَّرَهَا بِأَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهَا، وَأَنَّهُ سَيَجْعَلُهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.

حَفِظَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى فِي الْيَمِّ، وَحَفِظَهُ مِنَ الْقَتْلِ حِينَ وَجَدَهُ آلُ فِرْعَونَ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[القصص 9]

وَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى وَنَجَّاهُ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص  20- 21]

وَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى وَنَصَرَهُ عَلَى السَّحَرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}[الأعراف117-120]

وَحَفِظَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى حِينَ لَحِقَ بِهِ فِرْعَونُ وَجُنُودُهُ إِلَى الْبَحْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ، وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء 61 - 66]

حَفِظَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنَجَّاهُ مِنَ الْكُرُوبِ، وَنَصَرَهُ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وَمَنْ حَفِظَهُ اللهُ فَهُوَ المَحْفُوظُ؛ وَلَوْ أَحَاطَتْ بِهِ الكُرُوبُ وَلَوْ أَلَمَّتْ بِهِ الشَّدَائِدُ.

مَنْ نَصَرَهُ اللهُ فَهُوَ المَنْصُورُ وَلَا غَالِبَ لَهُ؛ وَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَذَلَهُ اللهُ فَلَا نَاصِرَ لَهُ؛ وَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ مَعَهُ؛ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران 160]

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ العَبْدَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى حِفْظِ اللهِ وَرِعَايَتِهِ؛ وَحَاجَتُهُ إِلَى رَبِّهِ لا تَنْفَكُّ عَنْهُ لَحْظَةً؛ القَوِيُّ مُحْتَاجٌ إِلَى اللهِ كَمَا الضَّعِيفُ مُحْتَاجٌ إِلَيهِ، وَالصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ كَذَلِكَ، وَالغَنِيُّ وَالفَقِيرُ، وَالصَّحِيحُ وَالمَرِيضُ، وَالمُسَافِرُ وَالمُقِيمُ.

صَاحِبُ القَصْرِ فِي قَصْرِهِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ؛ وَمَنْ هُوَ فِي البَحْرِ تَتَلاطَمُ الأمْوَاجُ بِهِ؛ الكُلُّ فِي أَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَى رَبَّهِ؛ وَلا تَقِلُّ حَاجَةُ هَذَا عَنْ حَاجَةِ هَذَا.

عِبَادَ اللهِ: أَلا فَاحْفَظُوا اللهَ تَعَالَى يَحْفَظْكُمْ، وَانْصُرُوهُ يَنْصُرْكُمْ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ يَكْفِكُمْ، وَسَلُوهُ تَعَالَى يُعْطِكُمْ.

جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرَوِى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ...) [إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ]

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيْمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَشَهْرُنَا هَذَا أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ؛ وَلَهُ مَزِيَّةٌ جَاءَتْ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ...) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]

أَمَّا عَنِ العَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمَ؛ فَهُوَ يَومُ عَاشُورَاءَ؛ وَفِيهِ وَقَعَ النَّصْرُ المُبِينُ لِمُوْسَى عَلَيهِ السَّلامُ وَمَنْ مَعَهُ؛ وَالذُلُّ وَالهَلاكُ العَظِيمُ لِفِرْعَونَ وَجُنُودِه.

وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ عَاشُورَاءَ؛ شُكْرًا للهِ تَعَالَى، وَاقْتِدَاءً بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ؛ فَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَيُصَامُ قَبْلَهُ التَّاسِعُ، لِقَولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَوْ يُصَامُ العَاشِرُ وَالحَادِي عَشَرَ.

وَلَا يُشْرَعُ  فِي عَاشُوْرَاءَ وَلَا فِي غَيرِهِ أيُّ عَمَلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّحِمِيْنِ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

ـــــــــــــــــــــــ

وتجدون هذه الخطبة وغيرها في قناة التليجرام(احرص على ما ينفعك) على الرابط التالي

https://t.me/benefits11111/2717

 

المرفقات

1751545276_يَومُ عَاشُورَاءَ، وَحِفْظُ اللهُ تَعَالَى وَنَصْرُهُ لمُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ.pdf

1751545296_يَومُ عَاشُورَاءَ، وَحِفْظُ اللهُ تَعَالَى وَنَصْرُهُ لمُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ.doc

المشاهدات 855 | التعليقات 0