يوم عاشوراء .. يوم النصر
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، نَاصِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَاصِمِ الْجَبَّارِينَ، الَّذِي نَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْقَهَّارُ.
نَـحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى سَابِغِ إِحْسَانِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَجُو بِهَا يَوْمَ يُسْأَلُ النَّاسُ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَسَيِّدُ الْأَصْفِيَاءِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَـيَا عِبَادَ اللهِ، أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْـمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ .. إِنَّ فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ عِبَرًا لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ، وَفِي سِيَرِ الطَّوَاغِيتِ دَرْسٌ لِكُلِّ غَافِلٍ وَمُتَكَبِّرٍ.
وَمِنْ أَبْرَزِ مَنِ اشْتَهَرَ بِالْكِبْرِ وَالْعُتُوِّ وَالْفُجُورِ: فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، ذَلِكَ الْـمَجْرِمُ الَّذِي ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، وَقَالَ ]أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[ وَقَالَ ]يَا أَيُّهَا الْـمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي[.
فَـيَا لِلْكِبْرِ! وَيَا لِلْجَهْلِ! يَا لَهُ مِنْ ضَعِيفٍ يَنْفُخُ نَفْسَهُ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ!
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ ..
إِنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكْتَفِ بِالْـكُفْرِ، بَلْ زَادَ عَلَيْهِ فَسَادًا وَقَتْلًا، وَظُلْمًا وَطُغْيَانًا ]إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا، يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْـمُفْسِدِينَ[.
وَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ نَبِيَّهُ مُوسَى، قَالَ فِرْعَوْنُ بِسَخَافَةٍ ]أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا[ وَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ]إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ[ إِنَّ لِكُلِّ طَاغِيَةٍ نِهَايَةً، وَلِكُلِّ مُتَكَبِّرٍ سَقْطَةً، وَإِنْ أَمْهَلَ اللهُ، فَإِنَّهُ لَا يُهْمِلُ.
فَلَمَّا طَغَى فِرْعَوْنُ وَتَجَبَّرَ، أَرَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ الْكُبْرَى، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ، فَكَفَرَ وَاسْتَكْبَرَ.
حَتَّى جَاءَ يَوْمُ الْفَصْلِ، يَوْمُ النَّصْرِ، فِي مَشْهَدٍ جَلِيلٍ يُزَلْزِلُ الْقُلُوبَ، أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُوسَى أَنْ يَخْرُجَ لَيْلًا بِقَوْمِهِ، فَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا الْبَحْرَ، قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى ]إِنَّا لَمُدْرَكُونَ[ فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ]كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ ]أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ[ فَانْفَلَقَ الْبَحْرُ، وَسَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِيهِ يَبَسًا، فَغَرِقَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فِي مَاءٍ كَانَ نَجَاةً لِلْمُؤْمِنِينَ ]فَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً، وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ[ وَقَالَ ]فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى[.
فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. فَـمَنْ تَشَبَّهَ بِفِرْعَوْنَ فِي الْكِبْرِ وَالظُّلْمِ، فَـعَاقِبَتُهُ مَحْتُومَةٌ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْكِبْرِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الْـمُتَوَاضِعِينَ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَيَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعَزِّ سُلْطَانِهِ. نَـحْمَدُهُ عَلَى نِعْمَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِنَا، وَنَسْتَغْفِرُهُ مِنْ زَلَّاتِنَا وَتَقْصِيرِنَا.
فَـيَا عِبَادَ اللهِ... تَفَكَّرُوا وَاعْتَبِرُوا! إِنَّنَا نُقْبِلُ عَلَى يَوْمٍ جَلِيلٍ، وَمَوْقِفٍ عَظِيمٍ مِنْ مَوَاقِفِ التَّارِيخِ، إِنَّهُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي رَفَعَ اللهُ فِيهِ رَايَةَ الْحَقِّ، وَدَحَرَ الطُّغْيَانَ وَالظُّلْمَ.
فِيهِ نَجَّى اللهُ سَيِّدَنَا مُوسَى وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ الْجَبَّارَ وَجُنُودَهُ، جَعَلَهُمُ اللهُ آيَةً لِمَنْ يَتَفَكَّرُ وَيَتَّعِظُ.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْـمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ (مَا هَذَا؟) قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. فَقَالَ ﷺ (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. وَقَالَ ﷺ (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ).
فَصِيَامُهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَخَيْرُهُ جَسِيمٌ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ نَصُومَ مَعَهُ تَاسُوعَاءَ؛ لِـمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ، لِقَوْلِهِ ﷺ (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ، لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ).
فَاغْتَنِمُوا فُرْصَةَ هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِالصِّيَامِ، وَالشُّكْرِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِابْتِهَالِ، وَالِاتِّبَاعِ لِهَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَارْزُقْنَا صِيَامَ عَاشُورَاءَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَاكْتُبْنَا فِيهِ مِنَ الْـمَقْبُولِينَ.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الْـكَذِبِ، وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ.
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَعِزَّ دِينَكَ وَكَلِمَتَكَ، وَارْفَعِ الرَّايَةَ لِمَنْ نَصَرَ دِينَكَ وَاتَّبَعَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1751588315_يوم عاشوراء يوم النصر.pdf
1751588327_يوم عاشوراء يوم النصر.docx