22- التبرك المشروع والتبرك الممنوع - جزء 2 من 2

ماجد بن سليمان الرسي
1446/11/24 - 2025/05/22 09:54AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

***

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأرسل الرسل لذلك قال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون﴾، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾.

***

أيها المؤمنون، تقدم في الخطبة الماضية عن التبرك المشروع، واليوم نتكلم بما يسر الله عن التبرك الممنوع.

***

عباد الله، عباد الله، التبرك الممنوع هو التماس البركة مما لم تدل الشريعة الإسلامية أن فيه بركة، كالتمسح بثياب أو بأيدي من يُظن فيهم الصلاح والاستقامة ابتغاء انتقال البركة، فهذا ممنوع لثلاثة أسباب:

الأول: أنه لا دليل على وجود البركة في تلك اليد أو ذلك الثوب الذي تُــمُــسِّح به أصلًا، فيكون من القول على الله بغير علم.

***

الثاني: أن التماس البركة من غير الله (عز وجل) يعتبر ضربًا من التألُّه لغير الإلـٰه الحق، ولذلك سمَّاه النبي )صلى الله عليه وسلم) تألُّـهًا في حديث أبي واقد الليثي )رضي الله عنه)، فعنه )رضي الله عنه) أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم) خرج وأصحابه إلى حنين، فمروا بشجرة خضراء عظيمة يقال لها ذات أنواط (أي أغصان)، كان المشركون يعكفون عندها ويتبركون بها ويعلقون عليها سيوفهم، معتقدين أن ذلك يزيدها مَضاءً فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبـي )صلى الله عليه وسلم): «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى لموسى: ﴿اجعل لنا إلـٰها كما لهم آلهة﴾، والذي نفسي بـيده لتركبن سُنَّة من كان قبلكم»([1]).

·      ففي هذا الحديث نجد أن بعض الصحابة -ممن كانوا حديثي عهد بإسلام ولم تزل بعض آثار الجاهلية باقية في نفوسهم- نجد أنهم قد اغتروا بما كان يفعله المشركون من طلب البركة من شجرة كانوا يَعكفون عندها - أي يقيمون طويلًا- ويتبركون بها ويعلقون أسلحتهم على أغصانها ظنًّا منهم أن هذا يزيدها قوة ومضاء، فطلبوا من الرسول )صلى الله عليه وسلم) أن يتخذ لهم شجرة يتبركون بها، فقال النبـي )صلى الله عليه وسلم): «سبحان الله»، تـنـزيهًا لله سبحانه عن أن يكون غيره يأتي بالبركة، أو أنه قالها تعجبًا من قولهم.

·      ثم قال )صلى الله عليه وسلم): «هذا كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ اجعل لنا إلـٰها كما لهم آلهة﴾»، فسمى النبي )صلى الله عليه وسلم) طلبهم التبرك تألُّـهًا أي تعبُّدًا، والتعبد لغير الله محرم([2]).

·      ثم قال: «لتركبُن سُنَّةَ مَن كان قبلكم»، أي لتــتبعن طريقة من كان قبلكم من الأمم من التبرك بالجمادات، وليس ذلك مخصوصًا بقرن النبـي )صلى الله عليه وسلم) بل هو كلٌّ عامٌّ، ويتأكد ذلك في القرون المتأخرة لقول النبـي )صلى الله عليه وسلم): «لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شَرٌّ منه حتى تلقوا ربَّكم»([3]).

·      وفي هذا الحديث من الفوائد؛ التغليظ على مَن طلب البركة من الجمادات.

·      وفيه أن المنتقل من الباطل إلى الحق لا يُؤْمَن أن يبقى في قلبه من ذلك الباطل.

·      وفيه أن النبي )صلى الله عليه وسلم) أوقف الجيش حتى يُصَفِّيهم من شوائب الشرك، ولم يمنعه المسير إلى الجهاد من الكلام فيه، لأن الموضوع يتعلق بعقيدة ربما لو مات أحدهم عليها لم ينفعه قتالُه مع رسول الله )صلى الله عليه وسلم).

·      وفيه أن التبرك بالقبور من جنس التبرك بالأشجار، لكونهما يشتركان في كونهما من التبرك بالجمادات الذي هو من التقرب للجمادات.

***

عباد الله، والسبب الثالث من أسباب النهي عن التبرك بالذوات أن بركة الذات خاصة بالنبـي )صلى الله عليه وسلم)، لأن الله قد جعل ذاته مباركة، وشَــرَع للناس التبرك بها، ولا يجوز قياس غيره عليه ولو كان من الصحابة رضوان الله عليهم، لعدم ورود الدليل على حلول البركة في غير ذات النبي )صلى الله عليه وسلم) وآثاره، فيكون التبرك بهم من البدع ومن الغلو بالذوات، وهو الأمر المؤدي إلى عبادتهم.

·      ويكفي دليلًا على بطلان التبرك بذوات المخلوقين من غير النبي )صلى الله عليه وسلم) أن الصحابة لم يتبـركوا بأحد بعد وفاة النبـي )صلى الله عليه وسلم)، ولو كان التبرك بغير الرسول )صلى الله عليه وسلم) جائزًا لتبرك الناس بـهم لأنَّهم أفضل الناس بعد رسـول الله )صلى الله عليه وسلم)، وهم الذين أثنى الله عليهم في التوراة والإنجيل والقرآن، كما أثنى عليهم الرسول )صلى الله عليه وسلم) في سنته، بل هم الذين اصطفاهم الله لصحبة نبـيه )صلى الله عليه وسلم).

قال الشيخ أحمد بن يحيى النجمي )رحمه الله):

«لم يُؤثر عن أحد منهم (أي من الصحابة) أنه تبرك بأحد بعد رسول الله )صلى الله عليه وسلم)، فمَن يأتي أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي )رضي الله عنهم)؟

بل مَن يأتي بعد هؤلاء أفضل من باقي العشرة المشهود لهم بالجنة، وهم السِّتَّة؟

بل مَن يأتي بعد العشرة أفضل من أهل بدر؟

بل مَن يأتي بعد أهل بدر أفضل من أهل الشجرة؟

بل مَن يأتي بعد أصحاب الشجرة أفضل من بقية أصحابه؟

ومع هذا فلم يؤثر عن مفضول منهم أنه تبَرَّك بفاضل، ولا عن تابعي أنه تبرك بصحابي، وذلك إجماع منهم على اختصاص الرسول )صلى الله عليه وسلم) بذلك في حياته، ولم يصح عن أحد منهم أنه تبرك به أو بقبره بعد موته، وكل ما ورد في ذلك فهو موضوع مفترى على أصحاب الرسول )صلى الله عليه وسلم)، على واضعيها ما يستحقون، ومن زعم أن التبرك بالموتى وأضرحة الموتى ومشاهد الموتى من الدين وسِير السلف الصالح فقد أعظم على الله الفرية، وأوغل في الكذب والبُهت، وسيلقى جزاء ما اقترفه من جرم، وعقوبة ما اختلقه من كذب لهدم الدين»([4]).

***

إنكار الأئمة للتمسح بالصالحين

عباد الله، والتمسح بمن هو دون النبي )صلى الله عليه وسلم) منكرٌ عظيمٌ، ولهذا أنكره الأئمة، فمن ذلك ما قاله علي بن عبدان الطيالسي: «مسحت يدي على أحمد بن حنبل، ثم مسحت يدي على بدني وهو يـنظر، فغضب غضبًا شديدًا، وجعل ينفض نفسه ويقول: عمَّن أخذتم هذا؟

وأنكره إنكارًا شديدًا»([5]).

***

وقال النووي )رحمه الله): «قال الفضيلُ بن عِياض )رحمه الله) ما معناه: «اتَّبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين»، ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته، لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع، وكيف يُبتغى الفضلُ في مخالفة الصواب؟»([6]).

***

أيها المسلمون، وقد صدرت فتوى من لجنة الافتاء بالمملكة العربية السعودية في حكم التبرك بالصالحين هذا نصُّها:

«وأما التبرك بالصالحين الأحياء فبدعة، لأن الصحابة )رضي الله عنهم) لم يفعلوه فيما بينهم لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم، ولأنه وسيلة إلى الشرك بهم فوجب تركُه، وقد يكون شركًا أكبر إذا اعتقد في الصالح أنه ينفع ويضر بتصرفه، وأنه يتصرف في الكون ونحو ذلك، وأما ما فعله الصحابة )رضي الله عنهم) مع النبي )صلى الله عليه وسلم) من التبرك بوضوئه وشعره فهذا من خصائصه، لما جعل الله في جَسَده وشَعره وعَرقه من البركة، ولا يُـلحق به غيرُه.

وبالله التوفيق وصَلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم».[7]

***

بـيان أدلة النهي عن التبرك بالقبور بالتمسح بها وتقبيلها

عباد الله، لقد أجمع السلف (رحمهم الله) من الصحابة ومن بعدهم على بدعية التمسح بالقبور ولو كان الـمُــتمَسَّح به هو قبـر النبـي )صلى الله عليه وسلم)، ومن أدلة ذلك:

·   ما روي عن أنس )رضي الله عنه) أنه رأى رجلًا وضع يده على قبـر النبـي )صلى الله عليه وسلم) فنهاه، وقال: «ما كنا نعرف هذا على عهد رسول الله )صلى الله عليه وسلم)»([8]).

·   وروى البيهقي في «شعب الإيمان» عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر  )رضي الله عنه) أنه كان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي )صلى الله عليه وسلم)، فصَلَّى عليه وسَلَّم ودعا له ولا يَمس القبر، ثم يُسَلِّم على أبي بكر، ثم قال: السَّلام عليك يا أبتِ([9]).

***

أيها المسلمون، ومما يدل على تحريم التبرك بالقبور، بالتمسح بها وتقبيلها؛ أن التمسح بالجمادات من طريقة أهل الجاهلية وعُبَّاد الأوثان وأهل الكتاب الذين كانوا يتمسحون بها ويسألونها ويتبركون بها ويستغيثون بها كاللات والعزى ومناة، فالواجب مخالفتهم لا التشبه بهم.

***

فصلٌ في ذكر كلام علماء المذاهب في ذم التمسح بالقبور

عباد الله، وبناء على ما تقدم من فتاوى الصحابة وقواعد الشرعية؛ أفتى علماء المذاهب بتحريم التمسح بالجمادات، قال السَّمهودي الشافعي([10]) )رحمه الله) في حكم وضع اليد على القبـر ما نصُّه: «قد أنكره - أي وضع اليد على القبـر- مالك والشافعي وأحمد أشدَّ الإنكار»([11]).

وقال ابنُ قدامة: «ولا يُستحب التمسح بحائط قبر النبـي )صلى الله عليه وسلم) ولا تقبـيله».

قال أحمد: «ما أعرف هذا».

قال الأثرم: «رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يَـمَــسُّون قبر النبي )صلى الله عليه وسلم)، يقومون من ناحية فيُسَلِّمون».

قال أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد): «وهكذا كان ابنُ عمر يَفعل»([12]).

وقال ابنُ تيمية )رحمه الله): «وأمَّا التمسح بالقبر أو الصلاة عنده أو قصده لأجل الدعاء عنده، معتقدًا أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره، أو النذر له ونحو ذلك فليس هذا من دين المسلمين، بل هو مما أُحدِث من البدع القبيحة التي هي من شُعب الشرك، والله أعلم وأحكم»([13]).

بل قد حكى ابن تيمية )رحمه الله) إجماع العلماء على تحريم التمسح بالجمادات عمومًا والقبور خصوصًا أو تقبيلها- وإن كان قبر النبي )صلى الله عليه وسلم)، فقال ما نصُّه:

«واتفق الأئمة على أنه لا يَمس قبر النبي )صلى الله عليه وسلم)، ولا يُقبله، وهذا كله محافظة على التوحيد، فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد»([14]).

وقال أيضًا: «وكذلك حجرة نبـينا )صلى الله عليه وسلم) وحجرة الخليل وغيرهما من المدافن التي فيها نبـي أو رجل صالح، لا يُستحب تقبـيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهيٌّ عن ذلك، وأما السجود لذلك فكفر، وكذلك خطابه بمثل ما يخاطب به الرب مثل قول القائل: اغفر لي ذنوبـي، أو انصرني على عدوي، ونحو ذلك»([15]).

وقال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدِي )رحمه الله): «فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يُشرع التبرك بشيء من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها، فإن هذا التبرك غُلو فيها وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها، وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم، وهذا عام في كل شيء، حتى مقام إبراهيم وحجرة النبـي )صلى الله عليه وسلم) وصخرة بـيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة، وأما استلام الحجر الأسود وتقبـيله واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله وخضوع لعظمته، فهو روح التعبد، فهذا تعظيم للخالق وتعبد له، وذلك تعظيم للمخلوق وتألُّه له، والفرق بـين الأمرين كالفرق بـين الدعاء لله الذي هو إخلاص وتوحيد والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتـنديد»([16]). انتهى.

***

فصل في حكم التمسح بالكعبة رجاء البركة

أيها المؤمنون، وأما الذين يتمسحون بالكعبة رجاء البركة فيقال لهم: قد أخرج الطبراني في «معجمه»([17]) وعبد الرزاق في «مصنفه»([18]) عن نسير بن ذعلوق أنَّ ابن الزبـير رأى الناس يمسحون المقام فنهاهم وقال: «إنكم لم تؤمروا بالمسح، إنما أمرتم بالصلاة».

وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾: «إنما أُمِروا أن يصلوا عنده ولم يُؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قَــبْلها»([19]).

***

تنبيه لولاة الأمر ورجال الحسبة

عباد الله، والواجب على ولاة الأمر ورجال الحسبة هدم الجمادات المعظمة والتي بُنيت غالبا للتبرك، قال ابنُ القيم رحمه الله: «لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يومًا واحدًا، فإنها شعائر الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهكذا حكم المَشاهد التي بُنيت على القبور التي اتُّخِذت أوثانًا وطواغيت تُعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنـزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، وأعظم شركًا عندها وبها، والله المستعان»([20]).

***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

***

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن بعض الناس قاس التمسح بالقبور على مسح الحجر الأسود وتقبـيله، واعتمدوا على هذا للقول بصحة عملهم!

والجواب على هذه الشبهة هو أن هذا القياس فاسد لأنه قياس مع الفارق، فإن النبـي )صلى الله عليه وسلم) قبَّل الحجر الأسود بقصد التعبد لله لا التبرك بالحجر كما يقصد هؤلاء، ولهذا قال عمر )رضي الله عنه) لما أتى الحجر الأسود: «واللهِ إني لأعلم أنك حَجَر لا تضر ولا تـنفع، ولولا أني رأيت النبـي )صلى الله عليه وسلم) يُقبلك ما قبَّلتك»([21]).

عباد الله، وقد تقدم كلام الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله حيث قال: «وأما استلام الحجر الأسود وتقبـيله واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله وخضوع لعظمته، فهو روح التعبد، فهذا تعظيم للخالق وتعبد له، وذلك تعظيم للمخلوق وتألُّه له، والفرق بـين الأمرين كالفرق بـين الدعاء لله الذي هو إخلاص وتوحيد والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتـنديد»([22]). انتهى.

 

***

أيها المؤمنون، لقد وردت آثار عن بعض السلف تقرر التمسح بالقبور، ولكنها عند الدراسة والتمحيص ضعيفة، لا يُعَوَّل عليها، فالواجب الحذر، فإن الإسلام جاء لإبطال التعلق بالجمادات، أيا كانت، على هيئة قبور أو أحجار أو أشجار أو غير ذلك، وإفراد التعلق بالله وحده.

***

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) رواه الترمذي (2180) واللفظ له، وأحمد (5/218)، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي».
([2]) انظر «أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة» للشيخ أحمد النجمي، (ص503).
([3]) رواه البخاري (7068) عن أنس )رضي الله عنه).
([4]) «أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة» (ص208)، بتصرف يسير.
([5]) «طبقات الحنابلة» (1/228)، (ذِكر من اسمه علي)، لابن أبي يعلى، تحقيق د. عبد الرحمـٰن العثيمين، الناشر: مكتبة العبيكان- الرياض.
([6]) «المجموع» للنووي (8/257- 258)، باختصار يسير.
[7] (فتوى رقم 5316)

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو: عبد الله بن قُعُود                               عضو: عبد الله بن غُدَيَّان

نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي / الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز

 
([8]) قاله نور الدين السمهودي في «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» (4/1402).
([9]) (8/88- 89) برقم (3854).
([10]) هو علي بن عبد الله السَّمهودي، القاهري الشافعي، توفي عام 911، له الكتاب المشهور: «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى». انظر  ترجمته موسعة في «الضوء اللامع» (5/218) للسخاوي.
([11]) «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» (4/1402).
([12]) «المغني»، آخر كتاب (الحج) (5/468)، ط هجر- مصر.
([13]) «مجموع الفتاوى» (24/321).
([14]) «الرد على الإخنائي» (ص149).
([15]) «مجموع الفتاوى» (27/136).
([16]) «القول السديد في مقاصد التوحيد»، باب (من تبرك بشجر وحجر ونحوهما)، باختصار.
([17]) «الـمعجم الكبيــر»، قطعة مِن مسانيد من اسـمه عبد الله، (ص 53)، تـحقيق: طارق بن عوض الله، ط. دار الراية- الرياض.
([18]) (5/49).
([19]) رواه ابن جرير في تفسير الآية المذكورة، ورواه الأزرقي في «تاريخ مكة»، باب (ما جاء في الأثر الذي في المقام وقيام إبراهيم عليه السلام عليه) (1/532)، الناشر: مكتبة الأسَدي- مكة.
([20]) «زاد المعاد» (3/506).
([21]) رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
([22]) «القول السديد في مقاصد التوحيد»، باب (من تبرك بشجر وحجر ونحوهما)، باختصار.

المرفقات

1747896856_خطبة جمعة في التبرك الممنوع.doc

1747896856_خطبة جمعة في التبرك الممنوع.pdf

المشاهدات 15 | التعليقات 0