أمية

2025-04-30 - 1446/11/02

التعريف

 

أولًا: المعنى اللغوي

 

الأمية: مصدر صناعي يدل على الجهالة أو الغفلة، وهي مؤنث "الأمي"، ويُراد بها نسبة الشخص إلى الأم أو الأمة، أي أنه لم يتعلم الكتابة أو القراءة، ويُوصف كذلك بالعيي الجافي. وجمعها "أميون". انظر: لسان العرب، ابن منظور، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية.

 

فالأمي: هو من بقي على حالته الفطرية، لم يتعلم الكتابة ولا القراءة، وبقي على طبيعته التي وُلد عليها. انظر: لسان العرب، ابن منظور، تاج العروس، الزبيدي.

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي

 

الأمية: صفة تُطلق على من بقي على أصل ولادته، لم يتعلم الكتابة أو لا يُحسنها لعجزه عن إجادتها. انظر: الكليات، الكفوي، ص ١٨٢.

 

وقد بيّن علماء التفسير أن الأمية لها معنيان:

معنى عام: يُقصد به الجهل والضلال والظلام، ولا تزول هذه الحالة عن أمة إلا بالعلم والهدى، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال نبي وكتاب.

 

معنى خاص: يُراد به عدم معرفة الكتابة، ولا يزول هذا الوصف عن الفرد حتى يتعلمها. انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١/١٢٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٨١٦.

 

وقد توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أزال الأمية عن أمته بالقدر الكافي الذي يضمن نقل الدين كاملًا، سليمًا، من جيل الصحابة إلى التابعين، ومنهم إلى من بعدهم إلى يومنا هذا.

 

وعليه، فإن المعنى الاصطلاحي يتفق مع المعنى اللغوي في جزئه الأول، أما المعنى الثاني من الاصطلاح فيرتبط بجزء خاص من المعنى اللغوي.

 

العناصر

1- مفهوم الأمية

 

2- الأمية وخلق الإنسان

 

3- الرسول الكريم والأمية

 

4- الأمية والرسالة

 

5- أنواع الأمية

 

6- علاج الأمية

 

7- أثر انتشار الأمية على الفرد والمجتمع

 

الايات

1- قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)[البقرة: 78-79].

 

2- قال تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 20].

 

3- قال تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 113].

 

4- قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا في الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 75].

 

5- قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)[الْأَعْرَافِ:157].

 

6- قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النَّحْلِ:78].

 

7- قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 193-194]. لتسمعه وتفهمه بقلبك، لا مكتوبا لتقرأه.

 

8- قال تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)[العنكبوت: 48].

 

9- قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا... الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى: 52].

 

10- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الجمعة:2].

 

11- قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق: 1-5].

 

12- قال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) [هود: ٤٩].

 

الاحاديث

1- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذا وهَكَذا". يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ، ومَرَّةً ثَلاثِينَ. رواه البخاري: (١٩١٣)، ومسلم: (١٠٨٠).

 

2- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: لَمّا اعْتَمَرَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في ذِي القَعْدَةِ، فأبى أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حتّى قاضاهُمْ على أنْ يُقِيمَ بها ثَلاثَةَ أيّامٍ، فَلَمّا كَتَبُوا الكِتابَ، كَتَبُوا: هذا ما قاضى عليه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، قالوا: لا نُقِرُّ لكَ بهذا، لو نَعْلَمُ أنَّكَ رَسولُ اللَّهِ ما مَنَعْناكَ شيئًا، ولَكِنْ أنْتَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، فقالَ: أنا رَسولُ اللَّهِ، وأنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ لِعَلِيِّ بنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: امْحُ رَسولَ اللَّهِ، قالَ عَلِيٌّ: لا واللَّهِ لا أمْحُوكَ أبَدًا، فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الكِتابَ، وليسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، ...". الحديث أخرجه البخاري: (٤٢٥١)، ومسلم: (١٧٨٣). فمَحاها بيَدِه -صلى الله عليه وسلم- بعْدَ أنْ أشارَ له علِيٌّ.

 

3- عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أشار له علي وَلا حَرَجَ". أخرجه البخاري: (٣٤٦١). إشارة إلى عدم اعتماده على القراءة في أخذ الأخبار.

 

4- قالت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: أخْبَرَنِي: أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعارِضُهُ بالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه قدْ عارَضَنِي به العامَ مَرَّتَيْنِ، ولا أرى الأجَلَ إلّا قَدِ اقْتَرَبَ، فاتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي، فإنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أنا لَكِ قالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكائِي الذي رَأَيْتِ، فَلَمّا رَأى جَزَعِي سارَّنِي الثّانِيَةَ، قالَ: يا فاطِمَةُ، ألا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِساءِ المُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدَةَ نِساءِ هذِه الأُمَّةِ. أخرجه البخاري: (٦٢٨٥)، ومسلم: (٢٤٥٠).

 

5- عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي". أخرجه البخاري: (٦٠٠٨)، ومسلم: (٦٧٤). أي تعلموا بالمشاهدة، وليس من كتاب.

 

6- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: رَأَيْتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْمِي على راحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: "لِتَأْخُذُوا مَناسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه". رواه مسلم: (١٢٩٧). أي بالنظر والتطبيق العملي، لا من كتاب.

 

7- عن عبدالرحمن بن أبزى رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهون جيرانَهم، ولا يُعلِّمونهم، ولا يَعِظونَهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم؟ ! وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانِهم، ولا يتفقَّهون ! ولا يتَّعِظون؟ ! واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم، ويُفقِّهونهم، ويعِظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم، ويتفقَّهون، ويتَّعِظون، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ. ثم نزل. فقال قومٌ: مَن ترونَه عَنِيَ بهؤلاءِ؟ قال: الأشعريِّينَ، هم قومٌ فقهاءُ، ولهم جيرانٌ جفاةٌ من أهلِ المياهِ والأعرابِ فبلغ ذلك الأشعريِّينَ، فأتوا رسولَ اللهِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ ! ذكرتَ قومًا بخيرٍ، وذكرتَنا بشرٍّ، فما بالُنا؟ فقال: لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم وليَعِظُنَّهم، وليأمرُنَّهم، ولينهونَّهم، وليتعلمَنَّ قومٌ من جيرانِهم ويتَّعظون ويتفقّهون، أو لأعاجلنَّهم العقوبةَ في الدنيا. فقالوا: يا رسولَ اللهِ ! أَنُفَطِّنُ غيرَنا؟ فأعاد قولَه عليهم، فأعادوا قولَهم: أَنُفطِّنُ غيرَنا؟ فقال ذلك أيضًا. فقالوا: أَمهِلْنا سنةً، فأمهلَهم سنةً، ليُفقِّهونهم، ويُعلِّمونهم، ويعِظونهم. ثم قرأ رسولُ اللهِ هذه الآيةَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي)". أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة: (١١١٨) بلفظه مختصرا، وابن عساكر في تاريخ دمشق: (٣٢/٥٧) باختلاف يسير. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب: (٩٧).

 

الاثار

قال ابن عباس: “كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أميًا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب”. تفسير القرطبي في سورة الأعراف آية: 157.

متفرقات

1- قال ابن عثيمين رحمه الله عند قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) [البقرة: ٧٨] "قال الله تعالى: (مِنْهُمْ) من اليهود، (أُمِّيُّونَ) جمع أميّ، والأميّ هو الذي لا يفهم القراءة، إما لا يفهم لفظها أو لا يفهم معناها، لو إن حتى اللي ما يفهم المعنى يسمى: أميًّا؛ لأن قراءة اللفظ بدون فهم المعنى ما يفيد، الأمي يشمل من لا يعرف القراءة، ومن يعرفها ولا يعرف المعنى؛ ولهذا قال: (لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ)، (لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ)؛ أي: لا يدرونه ولا يصل إلى قلوبهم علمه، (إِلَّا أَمَانِيَّ) هنا الاستثناء منقطع، يعني: لكن أماني، ويجوز أن يكون متصلًا، أي: لا يعلمونه إلا علم أماني، و(الأماني) جمع (أمنية)، والأمنية تحتمل معنيين:

أحدهما: ما يتمناه الإنسان في نفسه، والثانية: القراءة، والمعنى الثاني أنسب بالآية، يعني: لا يفهمون القرآن ولكنهم يقرؤونه بدون فهم، ويدل على هذا قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [الحج ٥٢]؛ أي: في قراءته، ومنه قول الشاعر في عثمان رضي الله عنه:

تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ∗∗∗ وَآخِرَهُ لَاقَى حِمَامَ الْمَوَارِدِ

 

تمنى بمعنى: قرأ كتاب الله، فقوله: (إِلَّا أَمَانِيَّ) جمع أمنية وهي القراءة، وما أكثرهم اليوم في المسلمين! أكثر المسلمين اليوم ما يعرفون القرآن إلا أماني، ولا يحرصون على أن يفهموا معنى القرآن؛ لأن هذا خلاف الواقع". تفسير ابن عثيمين.

 

2- قال ابن عثيمين رحمه الله عند قوله تعالى: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ)[آل عمران: 20]. قال: "ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عظيم منة الله عز وجل على العرب ببعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وجه ذلك أنه قال: (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ) فرْق بين الوصفين بين من أوتي الكتاب وبين الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، فالذين أوتوا الكتاب أصحاب علم وأصحاب كتاب، والأميون أصحاب جهل لكنهم ببعثة الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا هم أهل الكتاب حقًّا؛ لأن هذا الكتاب الذي نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصفه الله بأنه مصدِّق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه، فصار -والحمد لله- صار هؤلاء الأميون هم أهل الكتاب الحق، فيكون في هذا بيان عظيم منة الله عز وجل على العرب ببعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث كانوا في الأول أميين جاهلين، وفي الثاني أهل كتاب وزكاء: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران ١٦٤].

 

3- قال ابن سعدي عند قوله تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء: ١١٣] قال: "وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى. فإنه -صلى الله عليه وسلم- كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين، فكان أعلم الخلق على الإطلاق، وأجمعهم لصفات الكمال، وأكملهم فيها، ولهذا قال: (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) ففضله على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم من فضله على كل مخلوق وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها". تيسير الكريم الرحمن.

 

4- قال الألوسي عند قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا في الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ...)[آلِ عِمْرَانَ: 75]. قال: "قولهم (ليس علينا في الأميين سبيل)؛ أي ليس علينا فيما أصبناه من أموال العرب عتاب وذم، أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بايع اليهود رجالا من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم عن بيوعهم، فقالوا: ليس علينا أمانة ولا قضاء لكم عندنا لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم، فقال الله تعالى: (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)؛ أي أنهم كاذبون، وقال الكلبي: قالت اليهود: الأموال كلها كانت لنا فما في أيدي العرب منها فهو لنا وأنهم ظلمونا وغصبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم". تفسير الألوسي.

 

5- قال الألوسي عند قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) [الأعراف ١٥٧] قال: "أي الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو على ما قال الزجاج نسبة إلى أمة العرب؛ لأن الغالب عليهم ذلك. وروى الشيخان وغيرهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب". أو إلى أم القرى؛ لأن أهلها كانوا كذلك، ونسب ذلك إلى الباقر -رضي الله تعالى عنه- أو إلى أمه كأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها، ووصف-عليه الصلاة والسلام- بذلك تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته -صلى الله تعالى عليه وسلم-، فهو بالنسبة إليه -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام صفة مدح، وأما بالنسبة إلى غيره فلا، وذلك كصفة التكبر؛ فإنها صفة مدح لله -عز وجل- وصفة ذم لغيره". تفسير الألوسي.

 

للإشارة إلى ذلك قيل: (على قلبك) دون (عليك) الأخصر. وقيل: إن هذا؛ لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب".

 

6- قال ابن سعدي عند قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النَّحْلِ:78]. قال: "هو المنفرد بهذه النعم حيث (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) ولا تقدرون على شيء ثم إنه (جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها وفضلها ولأنها مفتاح لكل علم، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بأقبح المقابلة". تيسر الكريم الرحمن

 

7- قال القاضي عياض: "ليست المعجزة مجرد كونه أميًا، فإن المعجزة حاصلة بكونه صلى الله عليه وسلم كان أولاً كذلك، ثم جاء بالقرآن وبعلوم لا يعلمها الأميون".

 

قال الرازي في تفسيره: "أجل معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأشرفها أنه كان رجلاً أميًا" ... إلى أن يقول: "ظهور هذه العلوم العظيمة عليه مع أنه كان رجلاً أميًّا لم يلقْ أستاذًا، ولم يطالع كتابًا، من أعظم المعجزات".

 

8- قال ابن حجر عند حديث: "إنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ" قال: "وقوله أمية بلفظ النسب إلى الأم فقيل أراد أمة العرب لأنها لا تكتب أو منسوب إلى الأمهات أي إنهم على أصل ولادة أمهم أو منسوب إلى الأم لأن المرأة هذه صفتها غالبا وقيل منسوبون إلى أم القرى وقوله لا ‌نكتب ‌ولا ‌نحسب تفسير لكونهم كذلك وقيل للعرب أميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا إلا النزر اليسير". فتح الباري: 4-127.