إحباط

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

الإحباط لغة: 

 

مصدر قولهم: أحبط عمله يحبطه، وأحبطه اللّه، وهو مأخوذ من مادّة (ح ب ط) الّتي تدلّ على “بطلان أو ألم” يقال: أحبط اللّه عمل الكافر أي أبطله. مقاييس اللغة لابن فارس: 2-130.

 

وقال الرّاغب: أصل حبط الأعمال من الحبط، وهو أن تكثر الدّابّة أكلا حتّى ينتفخ بطنها. المفردات للراغب: ص 153.

 

وقال الجوهريّ: يقال: حبط عمله حبطا وحبوطا: بطل ثوابه، والحبط: أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ بطونها، والإحباط (أيضا): أن يذهب ماء الرّكيّة فلا يعود كما كان. الصحاح للجوهري: 3-1118.

 

وذهب الفيروز اباديّ إلى أنّ حبوط العمل إمّا أن يكون مأخوذا من: حبط ماء الرّكيّة (البئر) إذا ذهب ذهابا لا يعود أبدا، وإمّا من قولهم: حبطت الدّابّة، من الحبط، وهو أن تأكل الدّابّة أكلا ينفخ بطنها. بصائر ذوي التمييز: 2/ 224- 225.

 

وقال ابن منظور: الحبط: من آثار الجرح، وقيل الحبط وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله، يقال: حبط البعير حبطا، فهو حبط، والجمع حباطى. لسان العرب 7-270. وحبطة، وفي الحديث الشّريف: “وإنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ” قال ابن الأثير: المعنى: أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب فتستكثر منه الماشية. النهاية لابن الأثير: 1-331. 

(حتّى تنتفخ فتموت)، قال الأزهريّ: ضربه صلّى اللّه عليه وسلّم مثلا للمفرط في الجمع (للمال) والمنع (من حقّه) وذلك أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب الّتي تحلوليها الماشية، فتستكثر منها، حتّى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الّذي يجمع الدّنيا ويحرص عليها ويشحّ بما جمع حتّى يمنع ذا الحقّ حقّه منها فيهلك في الأخرة بدخول النّار واستيجاب العذاب. نقلا عن لسان العرب 7-270. 

 

وقيّد بعضهم الحبط بأنّه انتفاخ يصحبه إمساك، فقال: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها، وقيل: الحبط: الانتفاخ أين كان من داء أو غيره، وقولهم: حبط جلده، معناه: ورم، قال ابن سيده: والحبط في الضّرع أهون الورم، وقولهم: حبط (فلان) حبطا وحبوطا: عمل عملا ثمّ أفسده. لسان العرب 7-272. 

 

وفي التّنزيل العزيز: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [محمد: 9]، قال القرطبيّ في معنى الآية: كرهوا ما أنزل اللّه من الكتب والشّرائع فأحبط (أبطل ولم يقبل) ما لهم من صور الخيرات كعمارة المساجد وقرى الضيف، وأصناف القرب، ولا يقبل اللّه الأعمال إلّا من مؤمن. تفسير القرطبي: 16-233. 

 

أمّا قوله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) فالمعنى: بطلت هذه الأعمال وفسدت، والآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام. تفسير القرطبي: 3/ 46-47.

 

قال الأزهريّ: ولا أرى حبط العمل (حبوطه) وبطلانه مأخوذا إلّا من حبط البطن، لأنّ صاحب البطن يهلك، وكذلك عمل المنافق يحبط، غير أنّهم سكّنوا الباء في حبوط الأعمال فقالوا حبط، وحرّكوها في حبوط البطن فقالوا: حبط، ومن الاستعمالات الأخرى لهذا الفعل قولهم: حبط دم القتيل إذا هدر، وحبطت البئر إذا ذهب ماؤها. لسان العرب: 7-272.

 

الإحباط اصطلاحا: 

 

قال الكفويّ: الإحباط هو إبطال الحسنات بالسّيّئات. الكليات: 1-72.

 

وقال أسعد رزق: الإحباط (وترادفه الخيبة) هو إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما، وسدّ الطّريق الّتي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه، سواء أكان السّعي نحو الهدف سعيا واعيا أو غير واع. موسوعة علم النفس: 1-11.

 

قلت: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في العصر الحديث بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة.

 

وقال بعض الباحثين المحدثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده. الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام؛ لمحمد عودة محمد، وكمال إبراهيم موسى: ص 126.

 

العناصر

1- معنى الإحباط.

 

2- أنواع الإحباط.

 

3- الإحباط قرين اليأس والقنوط.

 

4- من أسباب حبوط العمل.

 

6- وسائل وطرق لمعالجة الإحباط.

 

الايات

1- قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة: 217].

 

2- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [آل عمران: 21- 22].

 

3- قوله تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [هود: 15- 16].

 

4- قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود: 9- 11].

 

5- قوله تعالى: (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف: 87].

 

6- قوله تعالى: (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) [فصّلت: 49].

 

7- قال تعالى: (بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 55-56].

 

8- قال تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم: 36].

 

9- وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

 

10- قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28].

 

11- قال تعالى: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) [فصلت: 49].

 

الاحاديث

1- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " إنّ اللّه خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند اللّه من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند اللّه من العذاب لم يأمن من النّار”. رواه البخاري: 6469.

 

2- عن عبد اللّه بن مسعود -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: "للّه أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دوّيّة مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتّى أدركه العطش. ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فاللّه أشّد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده”. رواه مسلم: 2744.

 

3- عن سهل بن سعد السّاعديّ -رضي اللّه عنه- قال: نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رجل يقاتل المشركين- وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم - فقال: "من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا " فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتّى جرح، فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتّى خرج من بين كتفيه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ العبد ليعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل الجنّة، وإنّه لمن أهل النّار، ويعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل النّار وهو من أهل الجنّة، وإنّما الأعمال بخواتيمها" رواه البخاري: 6493.

 

4- عن أنس -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به. فإن كان لا بدّ متمنّيا فليقل: اللّهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي”. رواه مسلم: 2680.

 

5- عن عبدالله بن عباس -رضي اللّه عنهما- أن رجلًا قال يا رسولَ اللهِ ما الكبائرُ قال: "الشركُ باللهِ واليأسُ من رَوحِ اللهِ والقنوطُ من رحمةِ اللهِ". أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: ٥٢٠١ باختلاف يسير، والبزار كما في كشف الأستار؛ للهيثمي: ١٠٦، والطبراني في المعجم الأوسط؛ كما في مجمع الزوائد؛ للهيثمي: ١-١٠٩ واللفظ لهما.

 

6- عن فضالة بن عبيد -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثةٌ لا يُسأَلُ عنهم: رجلٌ فارَقَ الجماعةَ وعصى إمامَه فماتَ عاصيًا؛ فلا يُسأَلُ عنهُ، وأَمَةٌ أو عبدٌ أَبَقَ مِن سيدِه، وامرأةٌ غاب عنها زوجُها وكَفاها مَؤونةَ الدُّنيا فتبرَّجَت وتمرَّجت بعدَه وثلاثةٌ لا يُسْأَلُ عنهُم: رجلٌ نازعَ اللهَ رِداءَه؛ فإنَّ رداءَه الكِبرياءُ وإزارَه عِزُّهُ، ورجلٌ شكَّ في أمرِ اللهِ، والقَنُوطُ مِن رحمةِ اللهِ". أخرجه أحمد: ٢٣٩٨٨، والبخاري في الأدب المفرد: ٥٩٠، وصححه الألباني. 

 

7- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لو يعلَمُ المُؤمِنُ ما عِندَ اللهِ مِنَ العُقوبةِ ما طَمِعَ بجَنَّتِه أحَدٌ، ولو يَعلمُ الكافِرُ ما عِندَ اللهِ مِنَ الرَّحمةِ ما قَنِطَ مِن جَنَّتِه أحَدٌ". رواه مسلم: 2755.

 

8- عن أبي هُرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: "لا يزالُ يُستَجابُ للعَبدِ ما لم يدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستَعجِلْ، قيل: يا رَسولَ اللهِ، ما الاستِعجالُ؟ قال: يقولُ: قد دَعَوتُ وقد دَعَوتُ، فلم أرَ يَستَجيبُ لي؛ فيستَحسِرُ عِندَ ذلك ويدَعُ الدُّعاءَ". رواه البخاري: 6340 مختصرًا باختلاف يسير، ومسلم: 2735 واللفظ له.

 

9- عن خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ، قال: شَكَونا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُو مُتوسِّدٌ بُردَةً له في ظِلِّ الكَعْبةِ، قُلنا له: ألَا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألَا تَدْعو اللهَ لنا؟ قال: "كان الرَّجلُ فيمَنْ قبلَكم يُحفَرُ له في الأرْضِ، فيُجعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثْنتَينِ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه، ويُمشَطُ بأمْشاطِ الحَديدِ ما دُونَ لَحمِه مِن عظْمٍ أو عَصَبٍ، وما يصُدُّهُ ذلك عن دِينِه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمرَ، حتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوتَ، لا يَخافُ إلَّا اللهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِه، ولكنَّكم تَستعجِلونَ". رواه البخاري: 6943.

 

الاثار

1- عن ابن مسعود -رضي اللّه عنه- قال: "أكبر الكبائر الإشراك باللّه، والأمن من مكر اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، واليأس من روح اللّه". رواه عبد الرزاق في مصنفه: 226. 

 

2- عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي اللّه عنها- زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أرأيت قول اللّه (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)، [يوسف: 110] أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: واللّه لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عرّية، لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلّها (أو كذبوا) قالت: معاذ اللّه، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم، وصدّقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر. حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر اللّه. رواه البخاري: 3389. 

 

3- - قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "الفقيهُ حَقُّ الفقيهِ: مَن لم يُقنِّطِ النَّاسَ مِن رَحمةِ اللهِ، ولم يُرَخِّصْ لهم في مَعاصي اللهِ، ولم يُؤَمِّنْهم مِن عَذابِ اللهِ". رواه الدارمي: 297، وأبو نعيم في حلية الأولياء: 1-77، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 42-510.

 

4- قال ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "الهَلاكُ في اثنَتَينِ: القُنوطِ، والعُجبِ". رواه السمرقندي في تنبيه الغافلين: ص:485.

 

5- قال ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: "الكبائِرُ: الشِّركُ باللهِ، واليأسُ مِن رَوحِ اللهِ، والقُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ، والأمنُ مِن مَكرِ اللهِ". رواه الطبري في التفسير: 9193، والطبراني: 9-171 (8783) واللفظ له. قال ابنُ كثير في تفسير القرآن: 2-243: "رُويَ من طرقٍ عدَّةٍ عن أبي الطُّفيلِ عن ابنِ مسعودٍ، وهو صحيحٌ إليه بلا شَكٍّ".

 

.

5- قال مُحَمَّدُ بنُ سيرينَ: "لا تَيأسْ فتَقنَطَ فلا تَعمَلَ". رواه عبدُ بنُ حُميد كما في العجاب؛ لابن حجر العسقلاني: 1-479.

 

6- قال سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: "من ذَهَبَ يُقنِّطُ النَّاسَ مِن رَحمةِ اللهِ، أو يُقنِّطُ نَفسَه، فقد أخطَأ". رواه ابنُ أبي حاتم في التفسير: 13230.

 

7- قال أبو القاسِمِ المُطَرِّزُ: سَمِعتُ الجُنَيدَ بنَ مُحَمَّدٍ يقولُ لرَجُلٍ وهو يُكلِّمُه في شَيءٍ: "لا تَيأسْ مِن نَفسِك وأنتَ تُشفِقُ مِن ذَنبِك، وتَندَمُ عليه بَعدَ فِعلِك". حلية الأولياء)) لأبي نعيم (10-267.

 

8- قال مجاهد، في قوله تعالى: (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) [الممتحنة: 13] قال: كما يئس الكفّار في قبورهم من رحمة اللّه تعالى، لأنّهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ. بصائر ذوي التمييز: 5-376. 

 

9- قال محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: اللّهمّ، إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك. حلية الأولياء لأبي نعيم: 9-333. 

 

10- قال حُسَينٌ المَهديُّ: "المُتَفائِلُ مُؤمِنٌ باللهِ واثِقٌ به، يَعلمُ أنَّ القُنوطَ واليأسَ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ". صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال" 2-189.

 

11- قال أبو قِلابةَ: "الرَّجُلُ يُصيبُ الذَّنبَ فيقولُ: قد هَلَكتُ، ليس لي تَوبةٌ! فييأسُ مِن رَحمةِ اللهِ، وينهَمِكُ في المَعاصي؛ فنَهاهمُ الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]". معالم التنزيل؛ للبغوي: 1-217.

 

12- قال السَّفَّارينيُّ: "حالُ السَّلفِ رَجاءٌ بلا إهمالٍ، وخَوفٌ بلا قُنوطٍ. ولابُدَّ مِن حُسنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى". 

 

القصص

1- "حَجَّ أبو المُظَفَّرِ السَّمعانيُّ على البَرِّيَّةِ أيَّامَ انقَطَعَ الرَّكبُ، فأخذه الأعرابُ هو وجَماعةً، يقولُ: (أسَرونا، فكُنت أرعى جِمالَهم، فاتَّفقَ أنَّ أميرَهم أرادَ أن يُزَوِّجَ بنتَه، فقالوا: نَحتاجُ أن نَرحَلَ إلى الحَضَرِ لأجْلِ مَن يعقِدُ لنا، فقال رَجُلٌ مِنَّا: هذا الذي يرعى جِمالَكم فقيهُ خُراسانَ! فسَألوني عن أشياءَ، فأجَبتُهم وكَلَّمتُهم بالعَرَبيَّةِ، فخَجِلوا واعتَذَروا، فعَقدتُ لهمُ العَقدَ، وقُلت الخُطبةَ، ففرِحوا، وسَألوني أن أقبَل منهم شَيئًا فامتَنَعتُ، فحَمَلوني إلى مَكَّةَ وسَطَ العامِ". سير أعلام النبلاء: 19-115.

 

2- عن أبي عَبدِ اللهِ الباقطائيِّ، قال: سَمِعتُ عُبَيدَ اللهِ بنَ سُلَيمانَ يقولُ في وِزارَتِه، قال لي أبي: (كُنتُ يومًا في حَبسِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ المَلِكِ الزَّيَّاتِ في خِلافةِ الواثِقِ، آيَسَ ما كُنتُ مِنَ الفرَجِ، وأشَدَّ مِحنةً وغَمًّا، حتَّى ورَدَت عليَّ رُقعةُ أخي الحَسَنِ بنِ وهبٍ، وفيها شِعرٌ له:

مِحَنٌ أبا أيُّوبَ أنت مَحِلُّها *** فإذا جَزِعتَ مِنَ الخُطوبِ فمَن لها

إنَّ الذي عَقدَ الذي انعَقدَت به *** عُقَدُ المَكارِه فيك يُحسِنُ حَلَّها 

فاصبِرْ فإنَّ اللهَ يُعقِبُ فُرجةً *** ولعَلَّها أن تَنجَلي ولعَلَّها

وعسى تَكونُ قَريبةً مِن حَيثُ لا *** تَرجو وتَمحو عن جديدِك ذُلَّها

قال: فتَفاءَلتُ بذلك، وقَوِيَت نَفسي، فكتَبتُ إليه:

صَبَّرتَني ووعَظتَني وأنا لها *** وستَنجَلي بل لا أقولُ لعَلَّها

ويحُلُّها مَن كان صاحِبَ عَقدِها *** ثِقةً به إذ كان يملِكُ حَلَّها

قال: فلم أُصَلِّ العَتَمةَ ذلك اليومَ حتَّى أُطلِقتُ! فصَلَّيتُها في داري، ولم يمضِ يومي ذاك حتَّى فرَّجَ اللهُ عنِّي، وأُطلِقتُ مِن حَبسي، ورُويَ أنَّ هاتَينِ الرُّقعَتَينِ وقَعَتا بيَدِ الواثِقِ، الرِّسالةُ والجَوابُ، فأمَرَ بإطلاقِ سُليمانَ، وقال: واللهِ، لا تَرَكتُ في حَبسي مَن يرجو الفرَجَ، ولا سيَّما مَن خَدَمَني، فأطلقَه على كُرهٍ مِنِ ابنِ الجَرَّاحِ الزَّيَّاتِ لذلك". الفرج بعد الشدة؛ للتنوخي: 1/186-188).

 

3- "كان يحيى النَّحويُّ في أوَّلِ أمرِه مَلَّاحًا يَعبُرُ النَّاسُ في سَفينَتِه، وكان يُحِبُّ العِلمَ كثيرًا، فإذا عَبرَ مَعَه قَومٌ مِن إحدى دورِ العِلمِ التي كانت تَدرُسُ العِلمَ بجَزيرةِ الإسكندَريَّةِ فكانوا يتَحاورونَ في مَسائِلَ مِنَ العِلمِ فيسمَعُه وتَهَشُّ نَفسُه للعِلمِ، فلمَّا قَوِيَت رَويَّتُه في العِلمِ فكَّرَ في أمرِه وقال: قد بَلغتُ نَيِّفًا وأربَعينَ سَنةً مِنَ العُمرِ وما ارتَضْتُ بشَيءٍ وما عَرَفتُ غَيرَ صِناعةِ المَلاحةِ، فكيف يُمكِنُني أن أتَعَرَّضَ إلى شَيءٍ مِنَ العُلومِ، فبَينَما هو مُفكِّرٌ إذ رأى نَملةً قد حَمَلت نَواةَ تَمرةٍ، وهي تُريدُ أن تَصعَدَ بها إلى عُلوٍ، وكُلَّما صَعِدَت بها سَقَطَت، فلم تَزَل تُجاهدُ نَفسَها في طُلوعِها وهي في كُلِّ مَرَّةٍ يزيدُ ارتِفاعُها عنِ الأولى، فلم تَزَلْ نَهارَها وهو ينظُرُ إليها إلى أن بَلغَت غَرَضَها وأطلعَتْها إلى غايتِها، فلمَّا رَآها يحيى النَّحويُّ قال لنَفسِه: إذا كان هذا الحَيوانُ الضَّعيفُ قد بَلغَ غَرَضَه بالمُجاهَدةِ فأنا أولى أن أبلغَ غَرَضي بالمُجاهدةِ! فخَرَجَ من وقتِه وباع سَفينتَه ولازَم دارَ العِلمِ، وبَدَأ بعِلمِ النَّحوِ واللُّغةِ والمَنطِقِ، فبَرَعَ في هذه الأُمورِ وبَرزَ، ولأنَّه أوَّلَ ما ابتَدَأ بالنَّحوِ فنُسِبَ إليه واشتَهرَ به، ووَضعَ كُتُبًا كثيرةً منها تَفاسيرُ وغَيرُها". عيون الأنباء في طبقات الأطباء؛ لابن أبي أصيبعة: ص: 152.

 

4- عن إبراهيمَ بنِ مَسعودٍ قال: "كان رَجُلٌ مِن تُجَّارِ المَدينةِ يختَلفُ إلى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ فيُخالِطُه، ويُعَرِّفُه بحُسنِ الحالِ، فتَغَيَّرَت حالُه، فجَعَل يشكو ذلك إلى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، فقال جَعفَرٌ:

فلا تَجزَعْ وإن أعسَرتَ يومًا *** فقد أيسَرتَ في الزَّمَنِ الطَّويلِ

ولا تَيأسْ فإنَّ اليأسَ كُفرٌ *** لعَلَّ اللهَ يُغني عن قَليلِ

ولا تَظنُنَّ برَبِّك ظَنَّ سَوءٍ *** فإنَّ اللهَ أولى بالجَميلِ

قال: فخَرَجتُ مِن عِندِه وأنا أغنى النَّاسِ". الإشراف في منازل الأشراف؛ لابن أبي الدنيا: 520.

 

5- عن مُحَمَّد بن أبي رَجاء مَولى بَني هاشِم، قال: (أصابَني غَمٌّ شَديدٌ لأمُرّ كُنت فيه، فرَفعَت مَقعَدًا كُنت جالسًا عليه، فإذا رُقعة مَكتوبة، فنَظَرَت فيها فإذا فيها مَكتوب:

يا صاحِب الهَمِّ إنَّ الهَمَّ مُنقَطِع *** لا تَيأسنَ كأنَّ قد فرَّجَ الله

قال: فذَهَبَ عنِّي ما كُنت أجِدُ مِنَ الغَمِّ، ولم ألبَث أن فرَّجَ الله". الفرج بعد الشدة؛ لابن أبي الدنيا: 85.

 

6- قال أبو العَبَّاسِ ثَعلبٌ: حَدَّثَني الفضلُ بنُ سَعيدِ بنِ سَلمٍ، قال: "كان رَجُلٌ يطلُبُ العِلمَ فلا يقدِرُ عليه، فعَزَمَ على تَركِه، فمَرَّ بماءٍ ينحَدِرُ مِن رَأسِ جَبَلٍ على صَخرةٍ قد أثَّرَ الماءُ فيها، فقال: الماءُ على لطافتِه قد أثَّرَ في صَخرةٍ على كثافتِها! واللهِ لأطلُبَنَّ العِلمَ. فطَلبَ فأدرَك". الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع؛ للخطيب البغدادي: 2-179.

 

7- قال ابنُ أبي الفوارِسِ: "سَمِعتُ القاضيَ أبا بَكرِ بنَ عَبدِ الباقي يقولُ: (كُنت مُجاوِرًا بمَكَّةَ -حَرَسَها اللهُ تعالى- فأصابَني يومًا جوعٌ شَديدٌ لم أجِدْ شَيئًا أدفعُ به عنِّي الجوعَ، فوجَدتُ كيسًا مِن إبريسَمَ مَشدودًا بشرابةِ إبريسَمَ أيضًا، فأخَذتُه وجِئتُ إلى بَيتي، فحَلَلتُه فوَجَدتُ فيه عِقدًا مِن لُؤلُؤٍ لم أرَ مِثلَه، فخَرَجتُ فإذا شَيخٌ يُنادي عليه ومَعَه خِرقةٌ فيها خَمسُمِائةِ دينارٍ، وهو يقولُ: هذا لمَن يرُدُّ علينا الكيسَ الذي فيه اللُّؤلُؤُ، فقُلتُ: أنا مُحتاجٌ، وأنا جائِعٌ، فآخُذُ هذا الذَّهَبَ فأنتَفِعُ به، وأرُدُّ عليه الكيسَ، فقُلتُ له: تَعالَ إليَّ، وجِئتُ به إلى بيتي، فأعطاني عَلامةَ الكيسِ، وعَلامةَ الشَّرابةِ، وعَلامةَ اللُّؤلُؤِ، وعَدَدَه، والخَيطَ الذي هو مَشدودٌ به، فأخرَجتُه ودَفعتُه إليه. فسَلَّمَ إليَّ خَمسَمِائةِ دينارٍ، فما أخَذتُها، وقُلُت: يجِبُ أن أُعيدَه إليك ولا آخُذَ له جَزاءً! فقال لي: لا بُدَّ أن تَأخُذَ، وألحَّ عليَّ كثيرًا، فلم أقبَلْ، فتَرَكني ومَضى، وخَرَجتُ مِن مَكَّةَ ورَكِبتُ البَحرَ، فانكسَرَ المركَبُ وغَرِقَ النَّاسُ وهَلكَت أموالُهم، وسَلِمتُ أنا على قِطعةٍ مِنَ المَركَبِ، فبَقِيتُ مُدَّةً في البَحرِ لا أدري أينَ أذهَبُ، فوصَلتُ إلى جَزيرةٍ فيها قَومٌ، فقَعَدتُ في بَعضِ المَساجِدِ، فسَمِعوني أقرَأُ، فلم يَبقَ أحَدٌ إلَّا جاءَني وقال: عَلِّمْني القُرآنَ، فحَصَل لي منهم شَيءٌ كثيرٌ مِنَ المالِ. ثُمَّ رَأيتُ في ذلك المَسجِدِ أوراقًا مِن مُصحَفٍ، فأخَذتُها، فقالوا: تُحسنُ تَكتُبُ؟ فقُلتُ: نَعَم، فقالوا: عَلِّمْنا الخَطَّ، وجاؤوا بأولادِهم مِنَ الصِّبيانِ والشَّبابِ، وكُنتُ أُعَلِّمُهم، فحَصَل لي أيضًا مِن ذلك شَيءٌ كثيرٌ، فقالوا لي بَعدَ ذلك: عِندَنا صَبيَّةٌ يتيمةٌ ولها شَيءٌ مِنَ الدُّنيا نُريدُ أن تَتَزَوَّجَ بها، فامتَنَعتُ، فقالوا: لا بُدَّ، وألزَموني، فأجَبتُهم، فلمَّا زَفُّوها مَدَدتُ عَيني أنظُرُ إليها فوجَدتُ ذلك العِقدَ بعَينِه مُعَلَّقًا في عُنُقِها! فما كان لي حينَئِذٍ شُغلٌ إلَّا النَّظَرُ إليه، فقالوا: يا شَيخُ كسَرتَ قَلبَ هذه اليتيمةِ مِن نَظَرِك إلى هذا العِقدِ، ولم تَنظُرْ إليها، فقَصَصتُ عليهم قِصَّةَ العِقدِ، فصاحوا بالتَّهليلِ والتَّكبيرِ، حتَّى بَلغَ إلى جَميعِ أهلِ الجَزيرةِ، فقُلتُ:

ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشَّيخُ الذي أخَذَ منك العِقدَ أبو هذه الصَّبيَّةِ، وكان يقولُ: ما وَجَدتُ في الدُّنيا مُسلِمًا كهذا الذي رَدَّ عليَّ هذا العِقدَ، وكان يدعو ويقولُ: اللَّهمَّ اجمَعْ بَيني وبَينَه حتَّى أُزَوِّجَه بابنَتي، والآنَ قد حَصَلت، فبَقِيتُ مَعَها مُدَّةً ورُزِقتُ منها ولدَينِ.

ثُمَّ إنَّها ماتَت فورِثتُ العِقدَ أنا وولدايَ، ثُمَّ ماتَ الوَلَدانِ، فحَصَل العِقدُ لي فبِعتُه بمِائةِ ألفِ دينارٍ، وهذا المالُ الذي تَرَونَ مَعي مِن بَقايا ذلك المالِ!". يُنظَر: ذيل طبقات الحنابلة؛ لابن رجب الحنبلي: 1/443-445، شذرات الذهب في أخبار من ذهب؛ لابن العماد الحنبلي: 6/179-181.

 

الاشعار

1- قال أبو حاتم السّجستانيّ منشدا: 

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصّدر الرّحيب

وأوطأت المكاره واطمــأنّت *** وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها *** ولا أغـــنى بحيلتـه الأريب

أتاك على قنوط منك غوث *** يمنّ به اللّطيف المستجيب

وكلّ الحادثات إذا تنـاهت *** فموصول بها الفرج القريب

تفسير ابن كثير: 4-526.

 

2- قال الشَّافِعيُّ:

ولمَّا قَسا قَلبي وضاقَت مَذاهبي *** جَعَلتُ رَجائي دونَ عَفوِك سُلَّمَا

تعاظَمَني ذَنبي فلمَّا قَرَنتُه *** بعَفوِك رَبِّي كان عَفوُك أعظَما

فما زِلتَ ذا عَفوٍ عنِ الذَّنبِ لم تَزَلْ *** تجودُ وتَعفو مِنَّةً وتكَرُّمَا

فإن تَنتَقِمْ مِنِّي فلستُ بآيِسٍ *** ولو دَخَلَت نَفسي بجُرمي جَهنَّما

ولولاك لم يَغوَ بإبليسَ عابدٌ *** فكيف وقد أغوى صَفيَّك آدَما

وإنِّي لآتي الذَّنبَ أعرِفُ قَدْرَه *** وأعلمُ أنَّ اللهَ يعفو تَرَحُّمَا 

سير أعلام النبلاء: 10-76.

 

3- أنشَد بَعضُهم:

صَبرًا جَميلًا ما أقرَبَ الفَرَجَا *** مَن راقَبَ اللهَ في الأُمورِ نَجا

مَن صَدَقَ اللهَ لم ينَلْه أذًى *** ومَن رَجاه يكونُ حَيثُ رَجا

تاريخ دمشق: 15-238.

 

قال آخر: 

إذا كنت تغدو في الذنوب بعيدا *** وتخاف في يوم المعاد وعيدا

فلقد أتاك من المهيمن عفــوه *** وأفاض من نعمه عليك مزيدا

لا تيأسن من لطف ربك في الحشا *** في بطن أمك مضغة وولـيدا

ولو شاء أن تصلى جهنم خالدا *** ما كان الهم قلبك التوحيدا

المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري: ص 15

 

الدراسات

1- يتعرض الإنسان في حياته اليومية للكثير من المشكلات ومواقف الفشل أو عدم الوصول للنجاح المرغوب فيه، بالإضافة إلى تعرضه لظروف أقل ما يمكن أن توصف بأنها سيئة أو محبطة، فعلى سبيل المثال: ما نعيشه اليوم في عالم الواقع من خلافات ونزاعات عربية وأخبار يومية مؤلمة -والتي لا يُعرف منتهاها- يثير الكثير من مشاعر الحيرة والإحباط وفقدان الأمل، وكأن باب الأمل بات مغلقًا، وأن ما بُني في سنوات كثيرة قد يهدم في لحظات أو أيام قليلة! ولكن الرائي للواقع اليوم ينظر لما هو حاضر ولا يعلم ما هو آت، ولا ما يخبئه القدر له من أحلام وآمال قد تكون أفضل من الواقع، فعلينا التطلع للمستقبل بعين الأمل والتفاؤل بغد أفضل حتى لا نصل إلى مرحلة اليأس والقنوط من واقع مرير (النظر للجانب المليء من الكأس)، وعلينا أن نحاول رؤية عالمنا بأفضل مما هو عليه الآن، فنرنو ببصرنا لإشراقة فجر جديد، فجر تشرق فيه شمس التطور والتغيير، والعدل والتسامح، والنهضة والعمران، والأمل في الله بتغيير الحال. إن مشاعر الإحباط للفرد تأتي من عدم النجاح والفشل المتكرر في مواقف متعددة أو متتالية، وعدم القدرة على فعل ما يريد، كأن يبحث عن عمل ولا يجد ما يناسبه لعدة محاولات متتالية، أو يحبط نتيجة عدم التوصل لحلول للمشكلات التي يواجهها هو أو مجتمعه، وليس الفرد فقط من يقع بالإحباط واليأس، بل أحيانًا شعوب بأكملها تصل لحالة الإحباط.. فخروجها من مأزق ودخولها في مأزق آخر يتسبب في توليد مشاعر الإحباط واللاأمل.. ولكن الفشل وعدم تحقق الأهداف يفترض به أن يعلّم الإنسان مواقف جديدة للنجاح والتقدم نحو الأمام وتجاوز الواقع، فلا يرتكب الأخطاء نفسها، ولا يدع الزمان يكرر نفسه، بل يبحث عن حلول جديدة تعينه في واقع حياته، وفي تحسين ظروف مجتمعه.. فالناجح يرى من كل عقبة فرصة للتعلم والتقدم والنجاح، والمهزوم يرى من كل فرصة نجاح عقبة وإحباط! لكي تقف من جديد بعد موقف تعثر وألم، وتخفف من آلامك وأحزانك ومشاعر الإحباط لديك؛ أنصحك بما يلي: 

 

أولًا: لا تنتظر الرحمة والعطف من الآخرين وتقديم العون لك؛ لأن هذا العون قد يأتي وقد لا يأتي، وهذا ينطبق على الشعوب كما ينطبق على الأفراد.. فلا أحد يشعر بما تشعر به من مشاعر، ولا أحد يستطيع أن يضع نفسه بالكامل في مكانك! فأنت المسؤول الأول والأخير عن نفسك، وعن نجاحك وفشلك، ونجاح وفشل بلدك! فالتغيير يبدأ من داخلك، والمعاناة قد تكون من ضرورات التغيير أحيانًا!

 

ثانيًا: عليك بالجد والتعب والإصرار لتقف على أرض خصبة من جديد، فابحث عن حلول للمشكلات، ولا تقف عاجزًا مهزومًا أمام ما يصيبك، فادرس المشكلة من جميع جوانبها لتخرج بحلول إبداعية جديدة.

 

ثالثًا: تذكر أنه قد يشاركك الآخرون في فرحتك بنجاحك وقد لا يهتمون بذلك! فإن شاركوك فاسعد بذلك، وإن حاربوك فتجاوز الوضع وكأن شيئًا لم يكن، وإلا فإنك ستعود لدوامة الإحباط والفشل من جديد!

 

رابعًا: حينما تشعر بالإحباط تحدث مع من تحب، ومن يحب لك الخير ومن يدفعك للأمام، فلا تجلس مع المحبطين والمهبطين للعزائم والمدمرين الذين لا يرجون لك الخير، حتى إن كنت تحسبهم من أعز أصدقائك أو أقربائك!

 

خامسًا: لا تحاول الوقوف على كل كلمة جارحة أو موقف مؤلم.. وتجنب متابعة الأخبار المؤلمة والمحبطة (على القنوات الفضائية أو بالإنترنت) بشكل يومي إن كانت تسبب لك الإحباط، لأن بعض القنوات تتعمد إيصالك لتلك المرحلة من اليأس.

 

سادسًا: حينما تمر على ذاكرتك مواقف الإحباط والألم والتي ستثير الانفعالات السلبية لديك، فحاول تغيير مجرى تفكيرك وذكرياتك.. فابحث عن ذكريات وأفكار سعيدة ومفيدة، بدلًا من إغراق نفسك في دوامة الإحباط المدمرة لوضعك النفسي والصحي، وغيّر مكانك الذي تجلس به، ومارس أنشطة وهوايات تحبها.

 

سابعًا: اعلم دومًا أن الإنسان الناجح (والناجح فقط) هو من يتعرض للنقد والمحاربة ومحاولات الإحباط والتدمير.. فالبعض لا يحب أن يرى الآخرين بحال أفضل منه، أو يرى نجاحه بفشل الآخرين! فيعمل على محاربتهم، وتقويض نجاحاتهم بشتى الطرق! وما أكثر هؤلاء في زماننا! فلا تساعد أعداءك على تدمير ذاتك وتحقيق مخططهم، فتكون عدو نفسك، وتدمر إنجازاتك ونجاحاتك بنفسك وبأفكارك السلبية عن ذاتك وقدراتك! فركز على مصادر قوتك لا مصادر ضعفك.

 

ثامنًا: عند الشعور بالإحباط والفشل جدد أهدافك وضع لنفسك خطة جديدة لتنفيذها وحاول التمسك بها ومتابعة تحقيق ما أمكنك منها، وعزز نفسك في حال نجاحك بتحقيق أحلامك وأهدافك.. فدائما خط بأناملك خطة جديدة تمحو بها إساءات الماضي.

 

تاسعًا: تذكر أن الأنبياء والعظماء والعلماء تعرضوا للكثير من مواقف الإحباط والفشل، ولكنهم لم ييأسوا من رحمة الله تعالى ومن إمكاناتهم (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]، فالأنبياء استمروا في طريق الدعوة بكل ما أوتوا من قوة لإيصال الرسالة التي كلفوا بها، ولولا قوة عزمهم لضاقت بهم الأرض بما رحبت ولتوقفت دعوتهم منذ اللحظات الأولى في مسيرتهم، فليس لك أسوة خير من أنبياء الله تعالى في صبرهم وتحملهم الأذى ومواجهة مواقف الفشل والإحباط وكيفية تجاوزها، فتأمل قصة نوح عليه السلام مع قومه الذين لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم ويذكرهم بالله، وما آمن معه إلا قليل! وتذكر قصص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع قريش وعداءهم له وإيذاءه وإخراجه من بلدته، وتذكر قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، وقصة يوسف عليه السلام مع إخوته، وصالح عليه السلام مع قومه... لتأخذ العبرة وقوة التحمل.

 

عاشرًا: إن اجتاحتك مشاعر الإحباط فعليك بالتضرع لله عز وجل بالدعاء وقراءة القرآن الكريم والصلاة، فإنك حتما ستجد بها ما يسليك ويخفف عنك ويعينك على الخروج من واقعك المؤلم ويوصلك لحياة أفضل وأفكار أجمل، فلا يملك تغيير الحال إلا رب الكون ومدبر الشؤون والأحوال. ولكن إياك والاعتراض على قدر الله تعالى وما كتب لك؛ لأنك لا تعلم المستقبل، ولا تعلم أين سيكون الخير، فقد يكون الواقع في ظاهره العذاب ولكن في باطنه الرحمة، فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى. فتذكر مثلا عندما تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لموقف أليم محبط عند دعوته أهل الطائف حيث صدوه وآذوه وأخرجوا فتيانهم وصبيانهم ليرموا عليه الحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، فجلس على إثرها ملتجئا لله تعالى بالدعاء والمناجاة بكلمات عذبة منها: "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي". مرسل ضعيف رواه الطبراني في الكبير، وابن جرير في التاريخ، وابن سعد في الطبقات؛ عن ابن إسحاق؛ بدون سند؛ حيث قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذُكِرَ لي. وروي مرسلاً: عن محمد بن كعب القرظي، وعن الزهري. 

 

ففي قمة موقف الشدة والابتلاء تخرج كلمات التوكل على الله تعالى وطلب الرحمة منه، فتنزل على قلبه الطمأنينة وراحة النفس، ثم يبشره جبريل -عليه السلام- برضا الله تعالى، بل وباصطحابه في رحلة عليا مميزة فريدة.. رحلة الإسراء والمعراج لرؤية السموات السبع، ورؤية الجنة والنار، والدخول في عالم الغيبيات الإلهية بتقدير الله تعالى ورحمته، فلا رحمة أعظم من رحمة الله تعالى.

 

وأخيرًا، اعلم أن بقاء الحال من المحال، فما تعيشه من إحباط وألم لن يدوم، وكلما ازداد الكرب والألم والضيق اقترب الفرج، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].. فعليك بالإصرار والعزيمة على النجاح والتغيير والوصول للمبتغى، فنقطة الماء كفيلة بأن تثقب الصخر إن قُرنت بالمداومة! مجلة الوعي الإسلامي د. آندي حجازي

 

 

متفرقات

1- قال الطَّبَريُّ عند قوله تعالى: (بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 55 - 56] قال: "قال ضَيفُ إبراهيمَ له: بَشَّرناك بحَقٍّ يقينٍ، وعِلمٍ مِنَّا بأنَّ اللهَ قد وهَبَ لك غُلامًا عليمًا، فلا تَكُنْ مِنَ الذين يقنَطونَ مِن فضلِ اللهِ فييأسَونَ منه، ولكِنْ أبشِرْ بما بَشَّرْناك به واقبَلِ البُشرى... فقال إبراهيمُ للضَّيفِ: ومَن ييأسُ مِن رَحمةِ اللهِ إلَّا القَومُ الذين قد أخطؤوا سَبيلَ الصَّوابِ، وتَرَكوا قَصدَ السَّبيلِ في تَركِهم رَجاءَ اللهِ -ولا يخيبُ مَن رَجاه- فضلُّوا بذلك عن دينِ اللهِ". تفسير الطبري

 

2- قال الواحِديُّ: (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ): مِنَ الآيِسينَ، والقُنوطُ: اليأسُ مِنَ الخَيرِ. (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56] . قال ابنُ عَبَّاسٍ: يُريدُ: ومَن يَيأسُ مِن رَحمةِ رَبِّه إلَّا المُكذِّبونَ، وهذا يدُلُّ على أنَّ إبراهيمَ لم يكُنْ قانِطًا، ولكِنَّه استبعَدَ ذلك، فظَنَّتِ المَلائِكةُ به قُنوطًا، فنَفى ذلك عن نَفسِه، وأخبَرَ أنَّ القانِطَ مِن رَحمةِ اللهِ ضالّ". الوسيط في تفسير القرآن المجيد.

 

3- قال الطَّبَريُّ عند قوله تعالى: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) [يوسف: 87] قال: "يقولُ: ولا تَقنَطوا مِن أن يُرَوِّحَ اللهُ عنَّا ما نحن فيه مِنَ الحُزنِ على يوسُفَ وأخيه بفرَجٍ مِن عِندِه، فيُرينيهما؛إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، يقولُ: لا يقنَطُ مِن فرَجِه ورَحمَتِه ويقطَعُ رَجاءَه منه إلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ يعني: القَومَ الذين يجحَدونَ قُدرَتَه على ما شاءَ تَكوينَه". تفسير الطبري

 

4- قال ابن سعدي عند قوله تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم: 36] قال: "يُخبرُ تعالى عن طَبيعةِ أكثَرِ النَّاسِ في حالَيِ الرَّخاءِ والشِّدَّةِ؛ أنَّهم إذا أذاقَهمُ اللهُ منه رَحمةً مِن صِحَّةٍ وغِنًى ونَصرٍ ونَحوِ ذلك، فرِحوا بذلك فرَحَ بَطَرٍ لا فرَحَ شُكرٍ وتَبَجُّحٍ بنِعمةِ اللهِ. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: حالٌ تَسوؤُهم، وذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ المَعاصي، إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسونَ مِن زَوالِ ذلك الفقرِ والمَرَضِ ونَحوِه. وهذا جَهلٌ منهم وعَدَمُ مَعرِفةٍ". تفسير السعدي

 

5- قال ابن سعدي عند قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) [الزمر: 53] قال: "لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أي: لا تَيأسوا منها، فتُلقوا بأيديكم إلى التَّهلُكةِ، وتَقولوا: قد كثُرَت ذُنوبُنا، وتَراكمَت عُيوبُنا، فليس لها طَريقٌ يُزيلُها، ولا سَبيلٌ يصرِفُها؛ فتَبقَونَ بسَبَبِ ذلك مُصِرِّينَ على العِصيانِ، مُتَزَوِّدينَ ما يُغضِبُ عليكمُ الرَّحمَنَ، ولكِنِ اعرِفوا رَبَّكم بأسمائِه الدَّالَّةِ على كرَمِه وجودِه، واعلَموا أنَّه يغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا مِنَ الشِّركِ والقَتلِ والزِّنا والرِّبا والظُّلمِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الذُّنوبِ الكِبارِ". تفسير السعدي

 

6- قال ابنُ كثيرٍ: "وقَولُه: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) [الشورى: 28]؛ أي: مِن بَعدِ إياسِ النَّاسِ مِن نُزولِ المَطَرِ، يُنزِلُه عليهم في وقتِ حاجَتِهم وفقرِهم إليه، كقَولِه: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)، (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)؛ أي: هو المُتَصَرِّفُ لخَلقِه بما ينفَعُهم في دُنياهم وأُخراهم، وهو المَحمودُ العاقِبةِ في جَميعِ ما يُقدِّرُه ويفعَلُه". تفسير ابن كثير

 

7- قال الطَّبَريُّ: "(فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) [فصلت: 49] يقولُ: فإنَّه ذو يأسٍ مِن رَوحِ اللهِ وفرَجِه، قَنوطٌ مَن رَحمَتِه، ومِن أن يكشِفَ ذلك الشَّرَّ النَّازِلَ به عنه". تفسير الطبري.

 

8- قال المُباركفوريُّ: "إنَّ المُؤمِنَ قدِ اختصَّ بأن يطمَعَ في الجَنَّةِ، فإذا انتَفى الطَّمَعُ منه فقد انتَفى عنِ الكُلِّ، وكذلك الكافِرُ مُختَصٌّ بالقُنوطِ، فإذا انتَفى القُنوطُ عنه فقدِ انتَفى عنِ الكُلِّ. وورَدَ الحَديثُ في بَيانِ كثرةِ رَحمَتِه وعُقوبَتِه؛ كيلا يغتَرَّ مُؤمِنٌ برَحمَتِه فيأمَنَ مِن عَذابِه، ولا ييأسَ كافِرٌ مِن رَحِمتِه ويترُكَ بابَه". مرعاة المفاتيح: 8-80.

 

9- قال الحرالي: "والطمع يشرب القلب الحرص، ويختم عليه بطابع حب الدنيا، وحب الدنيا مفتاح كل شر وسبب إحباط كل خير". فيض القدير للمناوي: 3-460.

 

10- قال ابنُ الجَوزيِّ: "إيَّاك إيَّاك أن تَستَطيلَ زَمانَ البَلاءِ، وتَضجَرَ مِن كثرةِ الدُّعاءِ؛ فإنَّك مُبتَلًى بالبَلاءِ، مُتَعَبَّدٌ بالصَّبرِ والدُّعاءِ، ولا تَيأسْ مِن رَوحِ اللهِ وإن طال البَلاءُ". صيد الخاطر: ص: 439.

 

11- قال ابنُ الجَوزيِّ: "اقبَلْ نُصحي يا مَخدوعًا بغَرَضِه؛ إن ضَعُفتَ عن حَمل بَلائِه فاستَغِثْ به، وإن آلَمَك كَربُ اختيارِه فإنَّك بَينَ يدَيه، ولا تَيأسْ مِن رَوحِه وإن قَوِيَ خِناقُ البَلاءِ. باللهِ إنَّ مَوتَ الخادِمِ في الخِدمةِ حَسَنٌ عِندَ العُقَلاءِ" صيد الخاطر: ص: 210. 

 

12- قال مُحَمَّدٌ الغَزاليُّ: "على أطلالِ الماضي القَريبِ أوِ البَعيدِ يُمكِنُك أن تَنهَضَ لتَبنيَ مُستَقبلَك، ولا تَؤودَنَّك كثرةُ الخَطايا؛ فلو كانت رُكامًا أسودَ كزَبَدِ البَحرِ ما بالى اللهُ عَزَّ وجَلَّ بالتَّعفيةِ عليها إن أنتَ اتَّجَهتَ إليه قَصدًا، وانطَلقتَ إليه رَكضًا... وفي حَديثٍ قُدسيٍّ عنِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: "يا ابنَ آدَمَ، إنَّك ما دَعَوتَني ورَجَوتَني غَفرتُ لك على ما كان مِنك ولا أُبالي. يا ابنَ آدَمَ لو بَلغَت ذُنوبُك عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ استغفَرتَني غَفرتُ لك ولا أُبالي. يا ابنَ آدَمَ لو أتَيتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا ثُمَّ لَقِيتَني لا تُشرِكُ بي شَيئًا لأتَيتُك بقُرابِها مَغفِرةً". وهذا الحَديثُ وأمثالُه جُرعةٌ تُحيي الأمَلَ في الإرادةِ المُخَدَّرةِ، وتُنهِضُ العَزيمةَ الغافيةَ وهي خَجلى؛ لتَستَأنِفَ السَّيرَ إلى اللهِ، ولتُجَدِّدَ حَياتَها بَعدَ ماضٍ مُلتَوٍ مُستَكينٍ" جدد حياتك: ص: 15، 16.

 

13- قال مُحَمَّدٌ الغَزاليُّ: "وما أظُنُّ عاقِلًا يزهَدُ في البَشاشةِ، أو مُؤمِنًا يجنَحُ إلى التَّشاؤُمِ واليأسِ، ورُبَّما غَلبَتِ المَرءَ أعراضٌ قاهرةٌ فسَلبَته طُمَأنينَتَه ورِضاه، وهنا يجِبُ عليه أن يتَشَبَّثَ بالعِنايةِ العُليا؛ كي تُنقِذَه مِمَّا حَلَّ به؛ فإنَّ الاستِسلامَ لتَيَّارِ الكآبةِ بدايةُ انهيارٍ شامِلٍ في الإرادةِ يطبَعُ الأعمالَ كُلَّها بالعَجزِ والشَّلَلِ؛ولذلك كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُ أصحابَه أن يستَعينوا باللهِ في النَّجاةِ مِن هذه الآفاتِ" جدد حياتك: ص: 38.

14- قال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: "أيُّها المُؤمِنُ، إن كُنتَ أصَبتَ في السَّاعاتِ التي مَضَت فاجتَهِدْ للسَّاعاتِ التي تَتلو، وإن كُنتَ أخطَأتَ فكَفِّرْ وامحُ ساعةً بساعةٍ، الزَّمَنُ يمحو الزَّمَنَ، والعَمَلُ يُغَيِّرُ العَمَلَ، ودَقيقةٌ باقيةٌ في العُمرِ هي أمَلٌ كبيرٌ في رَحمةِ اللهِ" وحي القلم: 1-286، 287.

 

15- قال القاسِميُّ: "الجَزَعُ واليأسُ مِنَ الفرَجِ عِندَ مَسِّ شَرٍّ قُضِيعليه، وكُلُّ ذلك مِمَّا يُنافي عَقدَ الإيمانِ". محاسن التأويل: 6-499.

 

16- قال ابن القيم: "الخَوفُ الموقِعُ في الإياسِ: إساءةُ أدَبٍ على رَحمةِ اللهِ تعالى التي سَبَقَت غَضَبَه، وجَهلٌ بها". مدارج السالكين: 2-371.

 

17- قال القاسِميُّ: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) [الإسراء: 83] إشارةٌ إلى السَّبَبِ في وُقوعِ هَؤُلاءِ الضَّالِّينَ في أوديةِ الضَّلالِ، وهو حُبُّ الدُّنيا وإيثارُها على الأُخرى، وكُفرانُ نِعَمِه تعالى بالإعراضِ عن شُكرِها، والجَزَعِ واليأسِ مِنَ الفرَجِ عِندَ مَسِّ شَرٍّ قُضيَ عليه". محاسن التأويل

 

18- قال ابن حجر الهيتمي: "القانِطُ آيِسٌ من نَفعِ الأعمالِ، ومَن لازَمَ ذلك تَرَكها". الزواجر عن اقتراف الكبائر: 1-122.

 

19- قال فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ عند قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) أي: إذا مَسَّه فقرٌ أو مَرضٌ أو نازِلةٌ مِنَ النَّوازِلِ كان يئوسًا شَديدَ اليأسِ مِن رَحمةِ اللهِ... إن فازَ بالنِّعمةِ والدَّولةِ اغتَرَّ بها فنَسيَ ذِكرَ الله، وإن بَقيَ في الحِرمانِ عنِ الدُّنيا استَولى عليه الأسَفُ والحُزنُ ولم يتَفرَّغْ لذِكرِ اللهِ تعالى، فهذا المِسكينُ مَحرومٌ أبَدًا عن ذِكرِ اللهِ". مفاتيح الغيب

 

20- قال ابنُ القَيِّمِ وهو يُعَدِّدُ الكبائِرَ: "الكبائِرُ:... القُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ، واليأسُ مِن رَوحِ اللهِ... وتَوابعُ هذه الأُمورِ التي هي أشَدُّ تَحريمًا مِنَ الزِّنا وشُربِ الخَمرِ وغَيرِهما مِنَ الكبائِرِ الظَّاهرةِ، ولا صَلاحَ للقَلبِ ولا للجَسَدِ إلَّا باجتِنابِها، والتَّوبةِ منها، وإلَّا فهو قَلبٌ فاسِدٌ، وإذا فسَدَ القَلبُ فسَدَ البَدَنُ". مدارج السالكين: 1-133.

 

21- قال السَّعديُّ: "الإياسُ مِن رَحمةِ اللهِ من أعظَمِ المَحاذيرِ، وهو نَوعانِ: إياسُ الكُفَّارِ منها، وتَركُهم جَميعَ سَبَبٍ يُقَرِّبُهم منها، وإياسُ العُصاةِ بسَبَبِ كثرةِ جِناياتِهم أوحَشَتْهم، فمَلكَت قُلوبَهم، فأحدَثَ لها الإياسَ". تيسير الكريم الرحمن: 1-629.

 

22- قال الرَّازيُّ: "القُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ تعالى لا يحصُلُ إلَّا عِندَ الجَهلِ بأُمورٍ:

أحَدُها: أن يجهَلَ كونَه تعالى قادِرًا عليه.

وثانيها: أن يجهَلَ كونَه تعالى عالِمًا باحتياجِ ذلك العَبدِ إليه.

وثالثُها: أن يجهَلَ كونَه تعالى مُنَزَّهًا عنِ البُخلِ والحاجةِ.

والجَهلُ بكُلِّ هذه الأُمورِ سَبَبٌ للضَّلالِ؛ فلهذا المَعنى قال: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56]". يُنظَر: مفاتيح الغيب: 19-151، اللباب في علوم الكتاب؛ لابن عادل: 11-471.

 

23- قال ابنُ القَيِّمِ: "لا يَدَعُ الخَوفَ يُفضي به إلى حَدٍّ يوقِعُه في القُنوطِ واليأسِ مِن رَحمةِ اللهِ؛ فإنَّ هذا الخَوفَ مَذمومٌ، وسَمِعتُ شَيخَ الإسلامِ ابنَ تيميَّةَ رَحِمَه اللهُ يقولُ: حَدُّ الخَوفِ ما حَجَزك عن مَعاصي اللهِ، فما زادَ على ذلك فهو غَيرُ مُحتاجٍ إليه، وهذا الخَوفُ الموقِعُ في الإياسِ إساءةُ أدَبٍ على رَحمةِ اللهِ تعالى التي سَبقَت غَضَبَه، وجَهلٌبها". مدارج السالكين: 2-371.

 

24- قال فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ: "الكافِرُ يعتَقِدُ أنَّ السَّبَبَ في حُصولِ تلك النِّعمةِ سَبَبٌ اتِّفاقيٌّ، ثُمَّ إنَّه يستَبعِدُ حُدوثَ ذلك الاتِّفاقِ مَرَّةً أُخرى، فلا جَرَمَ يستَبعِدُ عودَ تلك النِّعمةِ، فيقَعُ في اليأسِ. وأمَّا المُسلمُ الذي يعتَقِدُ أنَّ تلك النِّعمةَ إنَّما حَصَلت مِنَ اللهِ تعالى وفضلِه وإحسانِه وطَولِه؛ فإنَّه لا يحصُلُ له اليأسُ، بل يقولُ: لعَلَّه تعالى يرُدُّها إليَّ بَعدَ ذلك أكمَلَ وأحسَنَ وأفضَلَ ممَّا كانت، وأمَّا حالَ كونِ تلك النِّعمةِ حاصِلةً فإنَّه يكونُ كَفورًا؛ لأنَّه لمَّا اعتَقدَ أنَّ حُصولَها إنَّما كان على سَبيلِالاتِّفاقِ أو بسَبَبِ أنَّ الإنسانَ حَصَّلها بسَبَبِ جِدِّه وجُهدِه، فحينَئِذٍ لا يشتَغِلُ بشُكرِ اللهِ تعالى على تلك النِّعمةِ". يُنظَر: مفاتيح الغيب: 17-322.

 

25- قال الغَزاليُّ: "أخبَرَ أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أن تُؤتى رُخَصُه كما يُحِبُّ أن تُؤتى عَزائِمُه؛ تَطييبًا لقُلوبِ الضُّعَفاءِ حتَّى لا ينتَهيَ بهمُ الضَّعفُ إلى اليأسِ والقُنوطِ، فيترُكونَ المَيسورَ مِنَ الخَيرِ عليهم بعَجزِهم عن مُنتَهى الدَّرَجاتِ، فما أُرسِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا رَحمةً للعالَمينَ كُلِّهم على اختِلافِ أصنافِهم ودَرَجاتِهم". إحياء علوم الدين: 4-278.

 

26- قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: "والقائِلُ: قد دَعَوتُ فلم أرَ يُستَجابُ لي، ويترُكُ قانِطًا مِن رَحمةِ اللهِ، وفي صورةِ المُمتَنِّ على رَبِّه، ثُمَّ إنَّه جاهلٌ بالإجابةِ؛ فإنَّه يظُنُّها إسعافَه في عَينِ ما طَلبَ، فقد يعلمُ اللهُ تعالى أنَّ في عَينِ ما طَلبَ مَفسَدةً". المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 7-63.

 

27- قال ابنُ القَيِّمِ: "مَنِ استَطال الطَّريقَ ضَعُف مَشيُه. 

وما أنت بالمُشتاقِ إن قُلتَ بَينَنا *** طُوالُ اللَّيالي أو بَعيدُ المَفاوِزِ". الفوائد: ص: 78.

 

28- قال ابنُ القَيِّمِ: "إذا جَرى على العَبدِ مَقدورٌ يَكرَهُه، فله فيه سِتَّةُ مَشاهدَ؛ أحَدُها: مَشهَدُ التَّوحيدِ، وأنَّ اللهَ هو الذي قدَّرَه وشاءَه وخَلقَه، وما شاءَ اللهُ كان وما لم يشَأْ لم يكُنْ، الثَّاني: مَشهَدُ العَدلِ، وأنَّه ماضٍ فيه حُكمُه عَدلٌ فيه قَضاؤُه، الثَّالثُ: مَشهَدُ الرَّحمةِ، وأنَّ رَحمَتَه في هذا المَقدورِ غالِبةٌ لغَضَبِه وانتِقامِه، ورَحمتُه حَشْوُه، الرَّابعُ: مَشهَدُ الحِكمةِ، وأنَّ حِكمَتَه سُبحانَه اقتَضَت ذلك لم يُقدِّره سُدًى ولا قَضاه عَبَثًا، الخامِسُ: مَشهَدُ الحَمدِ، وأنَّ له سُبحانَه الحَمدَ التَّامَّ على ذلك مِن جَميعِ وُجوهِه، السَّادِسُ: مَشهَدُ العُبوديَّةِ، وأنَّه عَبدٌ مَحضٌ مِن كُلِّ وجهٍ تَجري عليه أحكامُ سَيِّدِه وأقضيتُه بحُكمِ كونِه مِلكَه وعَبدَه، فيُصرِّفُه تَحتَ أحكامِه القدَريَّةِ كما يُصَرِّفُه تَحتَ أحكامِه الدِّينيَّةِ؛ فهو مَحَلٌّ لجَرَيانِ هذه الأحكامِ عليه". الفوائد: 1-32.

 

29- قال السَّعديُّ: "ورَد النَّهيُ عن تَمَنِّي المَوتِ للضُّرِّ الذي يَنزِلُ بالعَبدِ مِن مَرَضٍ أو فقرٍ أو خَوفٍ، أو وُقوعٍ في شِدَّةٍ ومَهلَكةٍ، أو نَحوِها مِنَ الأشياءِ؛ فإنَّ في تَمَنِّي المَوتِ لذلك مَفاسِدَ...منها: أنَّه يُضعِفُ النَّفسَ، ويُحدِثُ الخَورَ والكسَلَ، ويوقِعُ في اليأسِ، والمَطلوبُ مِنَ العَبدِ مُقاومةُ هذه الأُمورِ، والسَّعيُ في إضعافِها وتَخفيفِها بحسَبِ اقتِدارِه، وأن يكونَ مَعَه مِن قوَّةِ القَلبِ وقوَّةِ الطَّمَعِ في زَوالِ ما نَزَل به. وذلك موجِبٌ لأمرَينِ: اللُّطفُ الإلهيُّ لمَن أتى بالأسبابِ المَأمورِ بها، والسَّعيُ النَّافِعُ الذي يوجِبُه قوَّةُ القَلبِ ورَجاؤُه... فيَجعَلُ العَبدُ الأمرَ مُفوَّضًا إلى رَبِّه الذي يعلمُ ما فيه الخَيرُ والصَّلاحُ له، الذي يَعلمُ مِن مَصالحِ عَبدِه ما لا يعلمُ العَبدُ، ويُريدُ له مِنَ الخَيرِ ما لا يُريدُه، ويَلطُفُ به في بَلائِه كما يَلطُفُ به في نَعمائِه". يُنظَر: بهجة قلوب الأبرار: 1/175، 176.

 

30- قال السَّعديُّ: "إيَّاك والتَّحَسُّرَ على الأُمورِ الماضيةِ التي لم تُقدَّرْ لك؛ مِن فقدِ صِحَّةٍ أو مالٍ أو عَمَلٍ دُنيويٍّ ونَحوِها، وليكُنْ هَمُّك في إصلاحِ عَمَلِ يومِك؛ فإنَّ الإنسانَ ابنُ يومِه، لا يحزَنُ لِما مَضى، ولا يتَطَلَّعُ للمُستَقبَلِ حَيثُ لا ينفعُه التَّطَلُّعُ". مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي: 21- 258.

 

31- قال السَّعديُّ: "مِنَ الأسباب الموجِبةِ للسُّرورِ وزَوالِ الهَمِّ والغَمِّ: السَّعيُ في إزالةِ الأسبابِ الجالبةِ للهُمومِ، وفي تَحصيلِ الأسبابِ الجالبةِ للسُّرورِ، وذلك بنِسيانِ ما مضى عليه مِنَ المَكارِه التي لا يُمكِنُه رَدُّها، ومَعرِفتِه أنَّ اشتِغالَ فِكرِه فيها مِن بابِ العَبَثِ والمُحالِ، وأنَّ ذلك حُمقٌ وجُنونٌ، فيُجاهِدُ قَلبَه عنِ التَّفكُّرِ فيها، وكذلك يُجاهدُ قَلبَه عن قَلقِه لِما يستَقبلُه، مِمَّا يتَوهَّمُه مِن فقرٍ أو خَوفٍ أو غَيرِهما مِنَ المَكارِه التي يتَخَيَّلُها في مُستَقبَلِ حَياتِه، فيَعلمُ أنَّ الأُمورَ المُستَقبَلةَ مَجهولٌ ما يقَعُ فيها مِن خَيرٍ وشَرٍّ وآمالٍ وآلامٍ، وأنَّها بيَدِ العَزيزِ الحَكيمِ، ليسَ بيَدِ العِبادِ منها شَيءٌ إلَّا السَّعيُ في تَحصيلِ خَيراتِها، ودَفعِ مَضَرَّاتِها، ويَعلمُ العَبدُ أنَّه إذا صَرَف فِكرَه عن قَلقِه مِن أجلِ مُستَقبَلِ أمرِه، واتَّكل على رَبِّه في إصلاحِه، واطمَأنَّ إليه في ذلك، إذا فعَل ذلك اطمَأنَّ قَلبُه وصَلَحَت أحوالُه، وزال عنه هَمُّه وقَلَقُه". وسائل المفيدة للحياة السعيدة: ص: 23.

 

32- قال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: "أنت عَجَزتَ أيُّها الإنسانُ فأيقَنتَ أنَّك لا تَستَطيعُ أن تُغَيِّرَ أطوارَ الدُّنيا، ولكِن كيف نَسيتَ الذي يستَطيعُ أن يُغَيِّرَها، وهو يُغَيِّرُها كُلَّ طَرفةِ عَينٍ؟!". كلمة وكليمة: ص: 57.

 

33- قال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: "لا يُمكِنُ أن تُرضيَك الدُّنيا كُلَّما أحبَبتَ، ولا بكُلِّ ما تُحِبُّ؛ فلستَ أنتَ العاصِمةَ في مَملكةِ اللهِ، ولكِنَّ المُمكِنَ أن تَرضى أنتَ بما يُمكِنُ". كلمة وكليمة: ص: 57.

 

34- قال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: "سِرُّ سَعادةِ المُؤمِنِ على ما يجِدُ مِنَ الفقرِ والشَّقاءِ في هذه الحَياةِ: أنَّ في ضَميرِه مِن فِكرةِ الآخِرةِ وُجودًا إلهيًّا عَظيمًا، فيه الرِّضا الدَّائِمُ عنِ اللهِ، والصَّبرُ الدَّائِمُ على قَضاءِ اللهِ، والأمَلُ الدَّائِمُ في رَحمةِ اللهِ. فكُلُّ حِرمانِ الدُّنيا يذهَبُ في الرِّضا فلا حِرمانَ، وكُلُّ مَصائِبِها تَقَعُ في الصَّبرِ فتَتَحَوَّلُ مَعانيها، والأمَلُ الدَّائِمُ في رَحمةِ اللهِ قوَّةٌ للقوَّتَينِ". كلمة وكليمة: ص: 58.

 

35- قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: ينبَغي "استِدامةُ الدُّعاءِ وتَركُ اليأسِ مِنَ الإجابةِ، ودوامُ رَجائِهما، واستِدامةُ الإلحاحِ في الدُّعاءِ؛فإنَّ اللهَ يُحِبُّ المُلحِّينَ في الدُّعاءِ". المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 7-63.

 

36- قال الشيخ محمد الحمد: "اليأسَ مِنَ الإصلاحِ يقَعُ فيه كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فإذا عاينَ الشُّرورَ المُتَراكِمةَ والمَصائِبَ، والمِحَنِ والفِتَنَ، ومِنَ الفُرقةِ والتَّناحُرِ والاختِلافِ الذي يسري في صُفوفِ المُسلمينَ، يَئِسَ مِنَ الإصلاحِ،... ومِثلُ ذلك في شَأنِ كثيرٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّن يُسرِفُ على نَفسِه بالمَعاصي، ويَتيهُ في أوديةِ الرَّذيلةِ، فتَجِدُه يَيأسُ مِن إصلاحِ حالِه، والرُّقيِّ بها إلى الأمثَلِ، بل رُبَّما ظَنَّ أنَّ التَّغييرَ مُستَحيلٌ... وهذا كُلُّه مَظهَرٌ مِن مَظاهرِ دُنوِّ الهمَّةِ، وصِغَرِ النَّفسِ، والعَجزِ عن مواجَهةِ المَتاعِبِ والمَصاعِبِ". يُنظَر: الهمة العالية: 1-50.

 

37- قال الشيخ محمد الحمد: "لا يليقُ بالمُسلمِ أن ييأسَ مِن رَوحِ اللهِ ولا يقنَطَ مَن رَحمتِه، ولا يكونُ نَظَرُه مَقصورًا على الأُمورِ المادِّيَّةِ والأسبابِ الظَّاهرةِ، بل يكونُ مُتَلفِّتًا في قَلبِه في كُلِّ وقتٍ إلى مُسَبِّبِ الأسبابِ، إلى الكريمِ الوهَّاب، مُتَحَرِّيًا للفرَجِ، واثِقًا بأنَّ اللهَ سَيجعَلُ بَعدَ العُسرِ يُسرًا، ومِن هنا ينبَعِثُ للقيامِ بما يقدِرُ عليه مِنَ النُّصحِ والإرشادِ والدَّعوةِ، ويقنَعُ باليسيرِ إذا لم يُمكِنِ الكثيرُ، وبزَوالِ بَعضِ الشَّرِّ وتَخفيفِه إذا تَعَذَّرَ غَيرُ ذلك". يُنظَر: الهمة العالية: 1-50.

 

38- - لا خلاف في أن الشرك الذي هو أكبر الكبائر يحبط الثواب، قال الله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك)، فمن أشرك بالله بعد توحيده له تعالى، أو كفر مرتدا عن إيمانه، أو كانت كبيرته استحلال محرم أو تحريم حلال كذلك، فإنه يحبط ثواب أعماله للردة، وقد نص عليه الشافعي. واختلف هل يحبط العمل أيضا، بحيث يجب عليه إعادة الحج بعد عودته للإسلام، وهل يترتب الحبوط على مجرد الردة أو بالموت عليها، فذهب الشافعية - خلافا للحنفية - إلى أن الحبوط بالموت على الردة، لقوله تعالى: (فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، فعليه لا يجب إعادة الحج الذي فعله قبل ردته إذا أسلم بعدها، قال القليوبي: قيد بعضهم العمل الذي تحبطه الردة بما وقع حال التكليف لا قبله. القليوبي: 4-174. وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: 34-157.

 

39- قال حسين بن محمد المهدي: "التفاؤل هو الصخرة الصماء التي يتحطم على سطحها زعانف ‌الاحباط والياس والقنوط، فالمتفائل لا يعاني من الشلل الفكري والقنوط الروحي او الانهيار الجسدي عندما تتكالب عليه الازمات، وتكثر الامتحانات، وتضيق السبل، ويكثر الاعداء، فهو مبتسم متهلل الاساليب لا يتوقف عن الابداع ولا يحقر اراء الاخرين ولا يقلل من شان ما يراه او يعرض عليه من افكار بل يختار افضلها، والمتفائل مؤمن بالله واثق به يعلم ان القنوط والياس من عمل الشيطان، وفي الأمثال السائرة "لا حياة مع الياس ولا ياس مع الحياة" وفي الذكر الحكيم يخبرنا العزيز الحكيم فيما حكاه على لسان نبيه يعقوب الكريم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)؛ فالتفاؤل يصبغ على صاحبه البهجة والانتعاش والحيوية والنورانية، وذلك ما يبعث على محبته في قلوب الاخرين، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم (يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ) وقال ابن الرومي: 

قد أتَى عن نبيِّنا حبُّه الفأْ *** لَ مضيئاً بذلك البرهان

 

وقال آخر: 

فاليوم يا علم الأعلام كل ذكي *** حي اللثام غدا بالأمن متشحا

وكل فظٍّ رديِّ الخال منقبضاً *** وكل برٍّ حميد الفال منشرحا

 

وفي التفاؤل الرضا بقدر الله والسكينة بقضائه والاطمئنان الى مكتوبه، وهذه المعاني هي الحياة بمعناها الحقيقي وذوقها الرائع، وبلسمها العذب، فيا لله ما أروعها كلمة، ومن هنا يجب ان يدرك الاباء والتربويون والصحفيون وموجهو برامج الاعلام دورهم الكبير في اشاعة التفاؤل في عناصر المجتمع، والتحذير من هيمنة اليأس والقنوط وقطع الآمال، فالمتشائمون لا يصنعون مستقبلا ولا يتغلبون على مصاعب الحياة، لأنهم لا يحملون نورا يضيء لهم الطريق، بينما المتفائلون يحملون نورا في قلوبهم وفي ارواحهم وفي بصائرهم وفي بصيرتهم". صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال: 2-189-191.

 

40- يذكر الشيخ علي بن نايف الشحود أن الإحباط في الشعور من أخطر الأشياء وأكثرها تأثيرا في الشباب الذين يتهورون وهو: الإحباط في مشاعرهم من نواح عدة أول هذه النواحي: تسلط الأعداء وهيمنتهم على أحوال وأوضاع بل وبلاد الأمة الإسلامية في عجز فاضح وتخاذل واضح وسلبية مؤلمة ومحزنة: هذه عند الشباب المتحمس يرى ذلك فتغلبه عاطفته وتتقد حماسته وربما عند غياب ما سبق تضيع الرؤية وطيش العقل وينعدم الرأي السديد المبني على العلم الصحيح وهذا نحن نعرف واقعه ونعرف كم هي بلاد الإسلام التي احتلها الأعداء وتسلطوا عليها ليس لسنة ولا سنتين ولا لعقد ولا عقدين بل لما هو أكثر من ذلك ولعل فترات الزمن الأخيرة كان فيها كثير مما يعد هزائم وتراجعات المسلمين على مستويات عدة بل على المستويات الحضارية والعلمية وهذا عند من تتقد نفسه غيرة وحمية لابد أن يكون لها أثر فإذا زاد حجم هذه القوة حجم هذا العدوان وحجم هذه الهزائم أصبحت أكبر من أن تحتملها نفسه فيخرج إلى غير حد اعتدال وإلى غير تصرف الاتزان وهذا أمره أيضا واضح. الأثر الثاني في إحباط الشعور: أيضا كثرة الانحراف والخلل والتجاوز في مجتمعات المسلمين نفسها في حدود الله عز وجل. المسلم بين الهوية الإسلامية والهوية الجاهلية. جمع وإعداد: الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود: 1-191.

 

41- عباد الله: حياة الإنسان مليئة بالأكدار والمشاكل التي تنغص الحياة وتجعلها جحيماً بعدما كانت نعيماً.. والناس تجاه تلك المشاكل العامة: إما مؤمل بالخير والفرج وإما يائس من حصول الخير.. ولكل حكمه في شريعة الله.. وعندما نتدبر كتاب ربنا نجد أنه يدعو دائماً إلى التفاؤل، وحسن الظن، وانتظار الفرج.. أمل مع صبر, دون جزع ولا فزع.. وهذا الدين العظيم دائماً ما يدعو العبد إلى أن يكون مستبشراً بالخير، مطمئناً بما قدره الله عليه، منتظراً الفرج من مقدر الأمور وقاضيها -عز وجل-.. وقد نهى الله عن اليأس والقنوط مهما كانت الظروف والمصائب. فإذا ما عمل العبد معصية أو معاصي كثيرة فلا ييأس من مغفرتها ومحوها وفتح صفحة جديدة بيضاء.. واليأس من رحمة الله ومغفرة الله جريمة في حق العبد؛ لأن الله -تعالى- رحيم بعباده، يرحم من استغفره وتاب وأقلع عن السيئات... وهو يحب العبد الذي يعود إليه ويندم على ما قصر وفرط في جنب الله، ولهذا يقول الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

 

إن كثيراً من الناس عندما يعملون الجرائم العظام، والموبقات والمهلكات من السيئات، يدب إلى قلوبهم اليأس ويرون أن تلك الأمور تهلكهم، ولا يرون للتوبة باباً ولا منفذاً، ويقول الواحد منهم: كم عملت! وكم عصيت! وكم أسأت!.. لا يغفر الله لي!! لا يمكن أن تمحى تلك الذنوب بسهولة!! وهذا جرم في حق النفس وفي جنب الله. لأن الله يقبل توبة عبده إذا تاب، فلا يحل لمن وقع في الخطيئة أن يوسوس له الشيطان، ويبعده عن الرحمن.. وليتب إلى الله قبل فوات الأوان... عباد الله: هذا يعقوب -عليه السلام- يربي أبناءه - وهو النبي الكريم ابن الكريم- ويقول لهم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]

 

إن اليأس من رحمة الله كفر بالله؛ لأن في ذلك عدم تعظيم لله, وعدم معرفة سعة رحمة الله، أو إنكار لها واتكال على الأمور الظاهرة المحضة، دون لجوء إلى القادر الذي لا نراه ولكننا نرى آثاره الهائلة الكبيرة! عباد الله: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلن إعلاناً عاماً للبشرية كلها ويقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل". رواه مسلم. ففي هذا الحديث تقوية للآمال، ورفع للهمم، وحب للقوة والشجاعة، وترك للفتور والخور أو انتظار مقتضيات اليأس والإحباط، ودفع محاولة تبرير اليأس والقنوط، فالمؤمن الأقوى في كل الأمور: في الإيمان، في العلم والعمل، في مجابهة الأمور، في المخالطة والعزلة، في كل شؤونه، يعد مؤمناً ذكياً قوياً يستطيع - بعون الله- أن يخرج من كثير من المشاكل والأزمات.. لا كما يفعله كثير من ضعفاء الإيمان -مع أن فيهم خيراً- من تبرير الفشل والكسل والعجز بمسوغات إنما هي خروج عن حقيقة الأمور.. إن المؤمن القوي يحرص على ما ينفعه دوماً لا يخاف دون الله أحداً.. ثم هو مع ذلك الإقدام قد يصاب بمصيبة.. لكنه لا ييأس ولا يصاب بالإحباط بل يزيد إقدامه، ويقول عن تلك الأقدار والمصائب: قدر الله وما شاء فعل.. الله أكبر! ما أعظمها من كلمات لو تدبرهن عاقل.. إنه تفويض للأمور وإرجاع لها إلى باريها.. يا معشر الدعاة.. يا معشر المربين.. ويا معشر العاملين في ساحة الإسلام: الله الله بالتفاؤل والأمل، فإن ما ترونه اليوم من كيد أعداء الإسلام ليس إلا سحابة سوداء سوف تنجلي عن قريب.. واعلموا أن ما أصاب الأمة من فتور وخور وترك مسايرة الركب والسبق به، إنما جاء من حصول إحباط ويأس استولى على القلوب.. فصححوا المفاهيم وأمِّلوا الأمة بالخير... أخي المسلم: لا تيأس فالنصر قادم أما تؤمن بقول الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33]

 

ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).. رواه البخاري ومسلم. احذروا اليأس فإنه قتال بقلم: علي بن نايف الشحود.

 

الإحالات

1- كيف تواجه الاحباط ولحظات الياس والفشل؛ ليوصف ابو الحجاج.

 

2- معالجة الياس والإحباط في القرآن الكريم؛ د. ثاني موسى أياغي.

 

3- هكذا هزموا اليأس؛ لسوى العضيدان.

 

4- احذروا اليأس فإنه قتال بقلم: علي بن نايف الشحود.

 

الحكم

1- في الأمثال السائرة: "لا حياة مع الياس ولا ياس مع الحياة" الأدب والأخلاق والحكم والأمثال: 2-189.

 

2- "شَرٌّ مِنَ المَرْزِئَةِ سُوءُ الْخَلَفِ مِنْهَا".

المَرْزِئة: الرُّزْء، وهو المصيبة. قيل: أراد بالخلف ما يستوجبه من الصبر إن صبر، وسُوءه: أن ‌يُحْبِط ذلك بالجزع. مجمع الأمثال: 1-368.