الإمام مسلم
2025-04-16 - 1446/10/18
التعريف
هو: أبو الحسين الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، والقُشيري نسبة إلى قُشير قبيلة من العرب معروفة سميت باسم جدها قُشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (لمزيد النسب انظر: مستفاد الرحلة والاغتراب:55-56، التمييز والفصل:1-335).
قال عنه الإمام النووي رحمه الله "القشيري نسباً، النيسابوري وطناً، عربي، وهو أحد الأعلام في هذا الشأن -يعني في علم الحديث-"(شرح النووي على صحيح مسلم،1-10).
ميلاد مسلم:
وُلِدَ مُسْلِمُ بن الحجَّاج سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ. (سير أعلام النبلاء للذهبي 12-558).
نشأته:
كان من عادة الناس زمنَ الإمام مسلم أن يبعثوا أولادهم إلى الكُتَّاب؛ لتعلم القرآن الكريم، وما يتبعه من علوم اللغة العربية، وكان الإمام مسلم ممّن نشأ في هذه الأماكن، وكان لوالده عليه فضلٌ كبيرٌ في تعليمه العلم الشرعي، فقد كان والده الحجاج بن مسلم شيخاً من الشيوخ الذين تصدَّروا لتعليم الناس العلوم الشرعية، مما دفعه للالتزام في طلب العلم والبحث عنه.
صفاته:
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: رَأَيْتُ شَيْخًا حسن الوَجْه وَالثِّيَاب، عَلَيْهِ رِدَاء حسن، وَعِمَامَة قَدْ أَرخَاهَا بَيْنَ كَتفيهِ. فَقِيْلَ: هَذَا مُسْلِم. فَتَقَدَّم أَصْحَاب السُّلْطَان، فَقَالُوا: قَدْ أَمر أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَكُوْنَ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ إِمَام المُسْلِمِيْنَ، فَقَدَّمُوهُ فِي الجَامِع، فكبَّر، وَصَلَّى بِالنَّاسِ. (سير أعلام النبلاء للذهبي 12-566)
أورد الحافظ ابن حجر من صفته عن الحاكم يقول: "كان تامَّ القامة، أبيض الرأس واللحية، يرخي طرف عمامته بين كتفيه" (تهذيب التهذيب: (10-127).
قد عُرِف الإمام رحمه الله بحسن الخلق، والجود والسخاء، حتى قيل عنه: "محسن نيسابور"، وكان يحفظ لسانه فلا يغتاب أحدًا أبدًا، وظل دؤوبًا في طلب الحديث حتى مات رحمه الله وأكرم مثواه. (العبر في خبر من غبر: (1-375).
أول سماع مُسْلِمِ بنِ الحجَّاج للعِلم:
في سنة ثَمَانِ عَشْرَةَ من حياته، مِنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ. ورحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر في طلب العلم. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13-100).
شيوخ مسلم:
القعنبي وأحمد بن يونس وإسماعيل بن أبي أويس وداود بن عمرو الضبي ويحيى بن يحيى والهيثم بن خارجة وسعيد بن منصور وشيبان بن فروخ، وآخرون كثير. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 5-426).
تلاميذ مسلم:
روى عن مسلم الترمذي وأبو الفضل أحمد بن سلمة وإبراهيم بن أبي طالب وأبو عمرو الخفاف وحسين بن محمد القباني وأبو عمرو المستملي وصالح بن محمد الحافظ وعلي بن الحسن الهلالي ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء وهما من شيوخه وعلي بن الحسين بن الجنيد وابن خزيمة وابن صاعد والسراج ومحمد بن عبد بن حميد وأبو حامد وعبد الله ابنا الشرقي وعلي بن إسماعيل الصَّفار وأبو محمد بن أبي حاتم الرازي وإبراهيم بن محمد بن سفيان ومحمد بن مخلد الدوري وإبراهيم بن محمد بن حمزة وأبو عوانة الإسفرائني ومحمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة وأبو حامد الأعمشي وأبو حامد بن حُسْنويه وآخرون. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ426).
مؤلفات الإمام مسلم:
كثيرة منها: كِتَاب (المُسْنَد الكَبِيْر) عَلَى الرِّجَال، كِتَاب (الجَامِع عَلَى الأَبْوَاب)، رَأَيْت بَعْضه بِخَطِّهِ، كِتَاب (الأَسَامِي وَالكنَى)، كِتَاب (المُسْنَد الصَّحِيْح)، كِتَاب (التمِييز)، كِتَاب (العِلَل)، كِتَاب (الوُحْدَان)، كِتَاب (الأَفرَاد)، كِتَاب (الأَقْرَان)، كِتَاب (سُؤَالاَته أَحْمَد بن حَنْبَلٍ)، كِتَاب (عَمْرو بن شُعَيْبٍ)، كِتَاب (الاَنتفَاع بِأُهُب السِّبَاع)، كِتَاب (مَشَايِخ مَالِك)، كِتَاب (مَشَايِخ الثَّوْرِيّ)، كِتَاب (مَشَايِخ شُعْبَة)، كِتَاب (مِنْ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَاو وَاحِد)، كِتَاب (المخضرمِيْن)، كِتَاب (أَوْلاَد الصَّحَابَة)، كِتَاب (أَوهَام المُحَدِّثِيْنَ)، كِتَاب (الطَّبَقَات)، كِتَاب (أَفرَاد الشَّامِيّين) (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 579)
وفاته:
قال أحمد بن سلمة: عُقِدَ لمسلم بن الحجاج مجلسٌ للمذاكرة، فذُكِرَ له حديث لم يعرفه فانصرف إلى منزله وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخلن أحدٌ منكم هذه الغرفة، فقِيل له: أُهديت لنا سَلة فيها تمر، فقال: قدموها إليَّ، فقدموها إليه، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة يمضغها فأصبح وقد فني التمر، ووجد الحديث. فقِيل إن الإمام مسلم مات بسبب ذلك.
تُوفي مُسلم بن الحجاج بنيسابور عشية يوم الأحد ودُفِنَ يوم الاثنين الخامس والعشرون من شهر رجب سنة إحدى وستين ومائتين من الهجرة. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 103)
العناصر
1- التعريف العام بالإمام مسلم ومكانته في الإسلام.
2- نسبه ونشأته
3- رحلاته في طلب العلم
4- علمه ومكانته بين العلماء
5- كتابه الأشهر: "صحيح مسلم"
6- وفاته
القصص
1- جَاءَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ، إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13-102)
2- كان مسلم يدافع عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين شيخه محمد بن يحيى الذهلي بسبب البخاري. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13-103)
3- قال أبو عبد الله محمد بن يعقوب: لما استوطن محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور أكثر مُسْلِمُ بن الحجَّاج الذهاب إليه فلما وقع بين محمد بن يحيى الذُّهْلي والبخاري ما وقع، من محنة اللفظ بالقرآن، ومُنع الناس من الذهاب إليه حتى هجر الناس البخاري، وخرج من نيسابور في تلك المحنة وقاطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زيارته فبلغ محمد بن يحيى الذُّهْلي أن مسلم بن الحجاج على مذهب البخاري، قديمًا وحديثًا وأنه عُوتِبَ على ذلك بالعراق والحجاز ولم يرجع عنه فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس وخرج من مجلسه وجمع كل ما كان كتب منه وبعث به على ظهر حمَّال إلى باب محمد بن يحيى فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلف عن مجلس الذَُهْلي، وعن زيارته. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13-103)
الاشعار
دفاع عن البخاري وَمُسلِم (قصيدة)
الصحيحان والمرضى
إِنَّ (الصَّحِيحَينِ) شَمسٌ *** لِلْعِلْمِ تَأْبَى الْأُفُولَا
كَمْ أَحرَقَتْ مِنْ ضَلَالٍ *** لِلْحَقِّ تُهدِي السَّبِيلَا
فِيْ كُلِّ شَرقٍ وَغَربٍ *** يَشفِي (الصَّحِيحُ) الْعَلِيلَا
شَجًا لِكُلِّ حَقُودٍ *** لِلصَّبِّ يَروِي الْغَلِيلَا
كَمْ حَارَبَ الحَقَّ قَومٌ *** وَازدَادَ عِزًّا طَوِيلَا
وَاللهُ إِنْ حَبَّ عَبدًا *** نَالَ الرِّضَا وَالْوُصُولا
إِنَّ الدِّيَارَ لَتَغدُوْ *** مِنْ غَيرِ عِلمٍ طُلُولَا
وَالنَّاسِ مِنْ غَيرِ عِلمٍ *** يَغدُوْنَ دَومًا طُبُولَا
وَالْجَهلُ مَوتٌ وَقَتلٌ *** وَالْعِلمُ يُحيِي الْجَهُولَا
فَاقَ (الْبُخَارِيُّ) فَضلًا *** وَصِحَّةً وَقبُولا
صَارَ (الصَحِيحَانِ) أَصلًا *** لِلْمُسلِمينَ أَصِيلا
وَ(مُسلِمٌ) طَابَ نَهرًا *** بَعدَ (الْبُخارِيِّ) نِيلَا
مَاْ قِيلَ: عِنْدَ الْبُخارِي *** أَوْ مُسلِمٍ، صَحَّ قِيلَا
وَلا يَزالَانِ نُورًا *** يَشعُّ جِيلًا فَجِيلَا
حَقٌّ وَهَديٌ وَخَيرٌ *** وَالْحَقُّ أَهدَى سَبِيلا
عَادَاهُما كُلُّ فَسلٍ *** فَعادَ صِفرًا ذَلِيلا
كَمْ خَامِلٍ سَبَّ شَمسًا *** مَا ازْدَادَ إِلَّا خُمُولَا
وَدَائمًا فِيْ عَنَاءٍ *** مَنْ يَطلُبُ الْمُستَحِيلَا
موقع الألوكة.
متفرقات
أقوال العلماء في الإمام مسلم:
1- قال شيخه مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار: حُفَّاظ الدُّنْيَا أَرْبَعَة: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيّ، وَمُسْلِم بِنَيْسَابُوْرَ، وَعَبْد اللهِ الدَّارِمِيّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2-16)
2- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَم الحَافِظ: إِنَّمَا أَخْرَجَتْ نَيْسَابُوْرُ ثَلاَثَةَ رِجَال: مُحَمَّد بن يَحْيَى، وَمُسْلِم بن الحَجَّاجِ، وَإِبْرَاهِيْم بن أَبِي طَالِبٍ. (سير أعلام النبلاء للذهبي 12-565)
(3) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ مُسْلِم ثِقَة مِنَ الحُفَّاظِ، كَتَبْتُ عَنْهُ بِالرَّيّ، وَسُئِلَ أَبِي عَنهُ، فَقَالَ: صَدُوْقٌ. (تذكرة الحفاظ للذهبي 2-589)
4- قال إِسْحَاقُ الكَوْسَج: لَنْ نعْدم الخَيْر مَا أَبقَاك الله لِلْمُسْلِمِيْنَ. (تذكرة الحفاظ للذهبي 2-589)
5- قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زُرعة وأبا حاتم يقدِّمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13-101)
6- قال محمد بن أحمد بن حمدان الحيري: سألت أبا العباس بن سعيد بن عقدة: أيهما أحفظ البخاري أو مسلم؟ فقال: كان محمد عالمًا ومسلم عالمًا، فأعدت عليه مرارًا فقال: يقع لمحمد الغلط في أهل الشام وذلك لأنه أخذ كتبهم ونظر فيها فربما ذكر الرجل بكُنيته ويُذكر في موضع آخر باسمه يظنهما اثنين، وأما مسلم فقلما يُوجد له غلط في العِلل لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع ولا المراسيل. (المقصود بالمقاطيع أقوال الصحابة والتابعين في الفقه والتفسير) (تذكرة الحفاظ للذهبي 2-589)
7- قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاء: كَانَ مُسْلِم بن الحَجَّاجِ مِنْ عُلَمَاءِ النَّاس، وَمِن أَوْعِيَة العِلْم. (سير أعلام النبلاء للذهبي 12-579)
8- قال مسلمة بن قاسم: كان مسلم ثقةٌ، جليلُ القَدْر، من الأئمة. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 5-427)
9- قال ابنُ حجر العسقلاني: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مُفْرِط لم يحصل لأحدٍ مثله بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل وذلك لما اختص به من جميع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى وقد نسج على منواله جماعةٌ عن النيسابوريين فلم يبلغوا منزلة مسلم. وحفظت منهم أكثر من عشرين إمامًا ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 5-427)
10- قَالَ أَحْمَد بن سَلَمَةَ: كُنْت مَعَ مُسْلِم فِي تَأَلِيف (صَحِيْحه) خَمْسَ عَشْرَةَ سنَة. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 566)
11- قال مسلم بن الحجاج: صنَّفْتُ هَذَا (المُسْنَد الصَّحِيْح) مِنْ ثَلاَث مائَة أَلْف حَدِيْث مَسْمُوْعَة. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13صـ 101)
12- قَالَ مَكِّيّ بن عبدَان: سَمِعْتُ مسلمًا يَقُوْلُ: عرضت كِتَابِي هَذَا (المُسْنَد) عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، فُكُلُّ مَا أَشَار عليّ فِي هَذَا الكِتَاب أَن لَهُ عِلَّة وَسببًا تركته، وَكُلّ مَا قَالَ: إِنَّهُ صَحِيْح لَيْسَ لَهُ علَّة، فَهُوَ الَّذِي أَخرجت. وَلَوْ أَنَّ أَهْل الحَدِيْث يَكْتُبُوْنَ الحَدِيْث مَائَتَي سنَة، فمدَارهُم عَلَى هَذَا المُسْنَد. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12صـ 568)
13- عَدَدُ أحاديث صحيح مسلم: أربعة آلاف حديث دون المكرر، وبالمكرر: اثنا عشر ألف حديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ40)
14- انفرد مسلمُ بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولًا من حيث أنه جعل لكل حديث موضعًا واحدًا يليق به جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه، فيصعب على الطالب جمع طُرق الحديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ31)
15- قال أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله): شرط مسلم (رحمه الله تعالى) في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالمًا من الشذوذ والعِلة، وهذا حد الصحيح، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيحٌ بلا خِلاف بين أهل الحديث، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ32)
16- قال أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله) جميع ما حَكَمَ مسلمُ -رحمه الله- بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوعٌ بصحته، والعِلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر وهكذا ما حَكَمَ البخاريُّ بصحته في كتابه وذلك لان الأمة تلقت ذلك بالقبول. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ38)
17- من تحري مُسْلِم بن الحجَّاج اعتناؤه بالتمييز بين حدثنا وأخبرنا وتقييده ذلك على مشايخه وفي روايته وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما وأن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة، وأخبرنا لما قُرِئ على الشيخ. وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق. قال محمد بن الحسن الجوهري المصري وهو مذهب أكثر أصحاب الحديث، الذين لا يحصيهم أحدٌ. ورُوِى هذا المذهب أيضًا عن ابن جُريج والأوزاعي وابن وهب والنسائي، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ41)
18- اعتنى الإمام مُسْلِمُ بن الحجَّاج بضبط اختلاف لفظ الرواة كقوله حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان،قال أو قالا حدثنا فلان، وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث أو صِفة الراوي أو نَسَبه أو نحو ذلك فإنه يبينه، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى ولكن كان خفيًا لا يتفطن له إلا ماهرٌ في علوم الحديث. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ:42:41)
19- يظهر تحري مسلم في صحيحه في مثل قوله: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان (يعنى بن بلال) عن يحيى وهو (ابن سعيد) فلم يستجز الإمام أن يقول سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد لكون لم يقع في روايته منسوبًا، فلو قاله منسوبًا لكان مخبرًا عن شيخه أنه أخبره بنَسَبه ولم يخبره. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ:43:42)
20- يمتاز مسلم بحُسْنِ ترتيبه للأحاديث على نسق يقتضيه تحقيقه وكمال معرفته بمواقع الخطاب ودقائق العِلم وأصول القواعد وخفيات عِلم الأسانيد ومراتب الرواة وغير ذلك. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ43)
21- قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: عَابَ عائبون مسلمًا بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح ولا عيب عليه في ذلك بل جوابه من أوجه ذكرها الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله:
(1) أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يُقالُ الجرح مقدمٌ على التعديل، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتًا مفسر السبب، وإلا فلا يُقبل الجرح إذا لم يكن كذا. وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي وغيره ما احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة عُلم الطعن فيهم من غيرهم محمولٌ على أنه لم يثبت الطَّعن المؤثر.
(2) أن يكون ذلك واقعًا في المتابعات والشواهد لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولًا بإسناد نظيف، رجاله ثقات ويجعله أصلًا ثم يتبعه بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدَّمه.
(3) أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخْذه عنه باختلاط حَدَثَ عليه، فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب، فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي عَرُوبة وعبد الرازق وغيرهما ممن اختلط آخرا ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.
(4) أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيًا بمعرفه أهل الشأن في ذلك وهذا العذر قد رُويناه عنه تنصيصًا، وهو خِلاف حاله فيما رواه عن الثقات أولًا ثم أتبعه بمن دونهم متابعة وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ47:45)
22- صنف جماعة من الحفَّاظ على صحيح مسلم كتبًا، وكان هؤلاء تأخروا عن مسلم وأدركوا الأسانيد العالية وفيهم من أدرك بعض شيوخ مسلم فخرَّجوا أحاديث مسلم في مصنفاتهم المذكورة بأسانيدهم تلك. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح (رحمه الله):هذه الكتب المخرَّجة تلتحق بصحيح مسلم في أن لها سمة الصحيح وإن لم تلتحق به في خصائصه كلها، ويستفاد من مخرَّجاتهم ثلاث فوائد علو الإسناد وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة ثم أنهم لم يلتزموا موافقته في اللفظ لكونهم يروونها بأسانيد أخر فيقع في بعضها تفاوت فمن هذه الكتب المخرجة على صحيح مسلم كتاب أبى جعفر أحمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري الزاهد العابد، ومنها المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن محمد بن رجا النيسابوري الحافظ، وهو متقدم يشارك مسلمًا في أكثر شيوخه، ومنها مختصر المسند الصحيح المؤلف على كتاب مسلم للحافظ أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرايني، روى فيه عن يونس بن عبد الأعلى وغيره من شيوخ مسلم ومنها كتاب أبي حامد الشازكي الفقيه الشافعي الهروي، يروى عن أبي يعلى الموصلي، ومنها المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي النيسابوري الشافعي، ومنها المسند المستخرج على كتاب مسلم للحافظ المصنف أبى نُعَيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ومنها المخرَّج على صحيح مسلم للإمام أبي الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه الشافعي وغير ذلك والله أعلم. (مسلم بشرح النووي جـ1صـ48)
الإحالات
1- الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح ومحدث الإسلام الكبير؛ مشهور حسن سلمان.
2- الإمام مسلم ومنهجه في صحيحه؛ محمد عبد الرحمن طوالبة.
3- الإمام مسلم أحد أئمة الإسلام مؤلف صحيح مسلم؛ د. علي الربيعي.