تبني
2025-09-20 - 1447/03/28
التعريف
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: "الباء والنون والواو كلمة واحدة، وهو الشيء يتولد عن الشيء، كابن الإنسان وغيره. وأصل بنائه بنو، والنسبة إليه بنوي، وكذلك النسبة إلى بنت وإلى بنيات الطريق. فأصل الكلمة ما ذكرناه، ثم تفرع العرب. فتسمي أشياء كثيرة بابن كذا، وأشياء غيرها بنيت كذا، فيقولون ابن ذكاء الصبح، وذكاء الشمس، لأنها تذكو كما تذكو النار. قال:
وابن ذكاء كامن في كفر وابن ترنا
: اللئيم. قال أبو ذؤيب:
فإن ابن ترنا إذا جئتكم *** يدافع عني قولا بريحا
شديدا من برح به. وابن ثأداء: ابن الأمة. وابن الماء: طائر. قال:
وردت اعتسافا والثريا كأنها *** على قمة الرأس ابن ماء محلق
وابن جلا: الصبح، قال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة يعرفوني
مقاييس اللغة: (1-303)
وقال ابن منظور: "والدعي أيضا: المتبنى الذي تبناه رجل فدعاه ابنه ونسبه إلى غيره، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، تبنى زيد بن حارثة فأمر الله عز وجل أن ينسب الناس إلى آبائهم وأن لا ينسبوا إلى من تبناهم فقال: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" لسان العرب: (14-261).
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
هو قبول طفل أجنبي ضمن أسرة معينة ومنحه مكانة الابن الشرعي، بحيث تكون له جميع الحقوق والواجبات كالابن الحقيقي، ويثبت له النسب كما يثبت للابن الحقيقي. حقوق الطفولة في الشريعة، هلالي عبدالإله أحمد: (ص ٧٨٩)، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، عبدالكريم زيدان: (٩-٤٣٧).
العناصر
1- معنى التبني
2- تنزيه الله تعالى عن التبني
3- التبني في الأمم السابقة
4- التبني عند العرب قبل الإسلام
5- طرق القرآن في نقض التبني
6- البدائل الشرعية للتبني في الإسلام
الايات
1- قال الله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكِذْبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل: 116]. دلالة على أهمية الصدق في النسب والحقوق.
2- قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب: 5].
3- قوله تعالى: (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الأحزاب: 40].
4- قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام: 152]. إرشاد إلى رعاية اليتيم وعدم الاستغلال، بدلاً من التبني الكامل.
5- قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) [البقرة: 220]. التأكيد على حقوق اليتيم ورعايته دون مزج النسب.
الاحاديث
1- عن سعد بن أبي وقاص وأبو بكرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ ادَّعى إلى غيرِ أَبِيهِ، وَهو يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فالْجَنَّةُ عليه حَرامٌ". رواه البخاري: (٦٧٦٦).
2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَرْغَبُوا عن آبائِكم، فمَن رَغِبَ عن أَبِيهِ فهو كُفْرٌ". أخرجه البخاري: (٦٧٦٨)، ومسلم: (٦٢).
3- عن علي بن أبي طالب أنه قالَ في خطبته: "مَن زَعَمَ أنَّ عِنْدَنا شيئًا نَقْرَؤُهُ إلّا كِتابَ اللهِ وَهذِه الصَّحِيفَةَ، قالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ في قِرابِ سَيْفِهِ، فقَدْ كَذَبَ، فِيها أَسْنانُ الإبِلِ، وَأَشْياءُ مِنَ الجِراحاتِ"، وَفِيها قالَ النبيُّ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "المَدِينَةُ حَرَمٌ ما بيْنَ عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، فمَن أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا، أَوْ آوى مُحْدِثًا، فَعليه لَعْنَةُ اللهِ والْمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ منه يَومَ القِيامَةِ صَرْفًا، وَلا عَدْلًا، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعى بها أَدْناهُمْ، وَمَنِ ادَّعى إلى غيرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمى إلى غيرِ مَوالِيهِ، فَعليه لَعْنَةُ اللهِ والْمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ منه يَومَ القِيامَةِ صَرْفًا، وَلا عَدْلًا". أخرجه البخاري: (٧٣٠٠)، ومسلم: (١٣٧٠).
4- عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليسَ مِن رَجُلٍ ادَّعى لِغَيْرِ أبِيهِ -وهو يَعْلَمُهُ- إلّا كَفَرَ، ومَنِ ادَّعى قَوْمًا ليسَ له فيهم، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ". أخرجه البخاري: (٣٥٠٨)، ومسلم: (٦١).
5- عَنْ أبِي إسْحاقَ، قيلَ لِلْبَراءِ بن عازب: وأنا أسْمَعُ أوَلَّيْتُمْ مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَومَ حُنَيْنٍ؟ فقالَ: أمّا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فلا كانُوا رُماةً، فقالَ: "أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ". أخرجه البخاري: (٤٣١٦)، ومسلم: (١٧٧٦).
القصص
ذكر ابن حجر في كتابه قصة تبنِّي النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه فقال: "زارت سُعْدَى أم زيد بن حارثة قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبيات بني مِعن، فاحتملوا زيداً وهو غلام، فأتوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبتْه له، قال: فحجَّ ناس من كلب (قبيلته)، فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي..، فانطلقوا فأعلموا أباه ووصفوا له موضعاً، فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدِما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حَرَم الله، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا وأحسن في فدائه فإنا سندفع لك، قال: وما ذاك؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال: أوَ غير ذلك؟ ادعوه فخيِّروه، فإنِ اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء، قالوا: زدتنا على النَصف (الإنصاف)، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي، قال: فأنا منْ قدْ علِمْتَ، وقد رأيتَ صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك، قال: نعم، إني قد رأيتُ من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحِجْر فقال: اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدُعِيَ زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام". الإصابة في تمييز الصحابة: (1-564).
متفرقات
1- قال ابن جرير: "القول في تأويل قوله تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) [الأحزاب: 5][ص:12] يقول الله تعالى ذكره: انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم. يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه زيد ابن محمد" تفسير الطبري.
2- قال ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والادعاء إلى غيره. وقيد في الحديث بالعلم، ولا بد منه في الحالتين، إثباتا ونفيا؛ لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء، المتعمد له". فتح الباري: (6-541).
3- قال ابن تيمية: "كل ما وصف به الرب نفسه من صفاته فهي صفات مختصة به يمتنع أن يكون له فيها مشارك أو مماثل فإن ذاته المقدسة لا تماثل شيئا من الذوات وصفاته مختصة به فلا تماثل شيئا من الصفات؛ بل هو سبحانه أحد صمد (لم يلد ولم يولد) (ولم يكن له كفوا أحد) فاسمه (الأحد دل على نفي المشاركة والمماثلة واسمه (الصمد دل على أنه مستحق لجميع صفات الكمال كما بسط الكلام على ذلك في الشرح الكبير المصنف في تفسير هذه السورة. وصفات التنزيه كلها؛ بل وصفات الإثبات: يجمعها هذان المعنيان". مجموع الفتاوى: (17-107).
4- قال ابن بطال: "وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز تحويل النسب، وقد نسخ الله المواريث بالتبني بقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم) [الأحزاب: 5]. وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من انتسب إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مواليه، فكان حكم الولاء كحكم النسب في ذلك، فكما لا يجوز بيع النسب ولا هبته، فكذلك لا يجوز بيع الولاء ولا هبته، ولا نقله وتحويله، وإنه للمعتق كما قال، عَلَيْهِ السَّلام، وهذا ينفى أن يكون الولاء الذي يسلم على يديه وللملتقط". شرح صحيح البخاري لابن بطال: (7-51).
5- قال النووي معلقا على قوله: "ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن ادعوهم لآبائهم" قال العلماء كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيدا ودعاه ابنه وكانت العرب تفعل ذلك يتبنى الرجل مولاه أو غيره فيكون ابنا له يوارثه وينتسب إليه حتى نزلت الآية فرجع كل إنسان إلى نسبه إلا من لم يكن له نسب معروف فيضاف إلى مواليه كما قال الله تعالى فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين" شرح مسلم (15-195).
6- قال ابن القيم: "إنه يدعى لأبيه لا لأمه فيقال فلان ابن فلان قال تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) الأحزاب 5 والولد يتبع أمه في الحرية والرق ويتبع أباه في النسب والتسمية تعريف النسب والمنسوب ويتبع في الدين خير أبويه دينا فالتعريف كالتعليم والعقيقة وذلك إلى الأب لا إلى الأم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم وتسمية الرجل ابنه كتسمية غلامه". تحفة المودود بأحكام المولود: (ص 135).
7- قال القرطبي: "قوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه. وفي قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد دليل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر إلى أن نسخ الله ذلك بقوله: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) أي أعدل. فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا فيقال: كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان. وقال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي يعني في الدين قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة). تفسير القرطبي: (14-119).
8- قال القرطبي: "لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة لقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم). وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس قاله قتادة. ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبني فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به. فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه. ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه وإن كان متعمدا. وكذلك سالم مولى أبي حذيفة كان يدعى لأبي حذيفة. وغير هؤلاء ممن تبني وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه. وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد فإن قاله أحد متعمدا عصى لقوله تعالى: (ولكن ما تعمدت قلوبكم) أي فعليكم الجناح". تفسير القرطبي: (14-120).
9- قال الإمامُ ابن دقيق العيد: "وشرطَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - العلمَ؛ لأن الأنساب قد يتراخى فيها مدد الآباء والأجداد، ويتعذر العلم بحقيقتها، وقد يقع الاختلال في النسب في الباطن من جهة النساء ولا يشعر به، فشرط العلم لذلك)" الإحكام شرح عمدة الأحكام, كتاب الطلاق باب اللعان حديث 8 (4-59).
10- قال السهيلي: "كان يقال: زيد بن محمد حتى نزل: (ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ) فقال: أنا زيد بن حارثة، وحُرِّم عليه أن يقول: أنا زيد بن محمد، فلما نُزِع عنه هذا الشرف وهذا الفخر، أكرمه الله وشرَّفه بخصوصية لم يَخُصْ بها أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أنه ذكره باسمه في القرآن الكريم، فقال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا)، وفي ذلك تأنيس له، وعِوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم له".
11- قال ابن هشام: "زيد بن حارثة بن شراحيل (شُرَحْبِيل) بن كعب.. وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق، فيهم زيد بن حارثة وصيف (خادم) فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد، وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئتِ فهو لك، فاختارت زيداً فأخذته، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه، وذلك قبل أن يوحَى إليه. وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعاً شديداً، وبكى عليه حين فقده، فقال:
بكيتُ على زيد ولم أدْرِ ما فعل أحيٌّ فيُرْجَى أم أتى دونه الأجل
ثم قدِم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئْتَ فأقِم عندي، وإن شئتَ فانطلق مع أبيك، فقال: بل أقيم عندك. فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله فصدقه وأسلم..".
12- قال ابن بطال: "ليس معنى هذين الحديثين أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود، وإنما المراد به مَن تحوَّل عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالِمًا عامدًا مختارًا، وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره، ويصير الولد ينسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) [الأحزاب: 5]، وقوله سبحانه وتعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) [الأحزاب: 4]، فنسب كل واحد إلى أبيه الحقيقي وترك الانتساب إلى من تبناه، لكن بقي بعضهم مشهورًا بمن تبناه، فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي؛ كالمقداد بن الأسود، وليس الأسود أباه، وإنما كان تبناه واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني، وكان أبوه حليف كندة، فقيل له: الكندي ثم حالف هو الأسود بن عبديغوث الزهري، فتبنَّى المقداد فقيل له: ابن الأسود؛ انتهى ملخصًا، قال: وليس المراد بالكفر حقيقة الكفر التي يخلد صاحبها في النار". فتح الباري: (12-55).
13- قال الحافظ: "وقال بعض الشراح: سبب إطلاق الكفر هنا أنه كذب على الله، كأنه يقول: خلقني الله من ماء فلان، وليس كذلك؛ لأنه إنما خلقه من غيره". فتح الباري: (12-55).
14- قال الحافظ: "قوله: "ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله"، كذا وقع هنا كفر بالله ولم يقع قوله بالله في غير رواية أبي ذر، ولا في رواية مسلم: ولا الإسماعيلي وهو أولى، وإن ثبت ذاك فالمراد من استحل ذلك مع علمه بالتحريم، وعلى الرواية المشهورة، فالمراد كفر النعمة، وظاهر اللفظ غير مراد، وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلًا شبيهًا بفعل أهل الكفر، وعند مسلم من أبي عثمان النهدي قال: لَمَّا ادعى زياد لقيت أبا بكرة، فقلت له: ما هذا الذي صنعتم، إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذناي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: "من ادعى أبًا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرامٌ"، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". فتح الباري: (6-540).
15- قال الحافظ: "والمراد بزياد الذي ادعى زياد بن سمية وهي أمه كانت أمة للحارث بن كلدة زوجها لمولى عبيد، فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، فلما كان في خلافة عمر، سمع أبو سفيان بن حرب كلام زياد عند عمر، وكان بليغًا فأعجبه، فقال: إني لأعرف من وضعه في أمه ولو شئت لسميته، ولكن خاف من عمر، فلما وَلِيَ معاوية الخلافة كان زياد على فارس من قبل علي، فأراد مداراته، فأطمعه في أنه يلحقه بأبي سفيان، فأصغى زياد إلى ذلك، فجرت في ذلك خطوب إلى أن دعاه معاوية وأمَّره على البصرة، ثم على الكوفة، وأكرَمه وسار زياد سيرته المشهورة وسياسته المذكورة، فكان كثير من الصحابة والتابعين ينكرون ذلك على معاوية، محتجين بحديث الولد للفراش، قال: وإنما خص أبو عثمان أبا بكرة بالأفكار؛ لأن زيادًا كان أخاه من أمه". فتح الباري: (12-54).
16- قال الحافظ: "وقوله: "فليتبوأ"، أي ليتخذ منزلًا من النار، وهو إما دعاء أو خبر بلفظ الأمر، ومعناه هذا جزاؤه إن جوزي وقد يعفى عنه وقد يتوب، فيسقط عنه، قال: وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقُيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا؛ لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له، وفيه جواز إطلاق الكفر على المعاصي، لقصد الزجر كما قررناه، ويؤخذ من رواية مسلم تحريم الدعوى بشيء ليس هو للمدعي، فيدخل فيه الدعاوي الباطلة كلها مالًا وعلمًا وتعلمًا ونسبًا وحالًا وصلاحًا ونعمة وولاءً، وغير ذلك، ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك". فتح الباري: (6-540).
17- قال الحافظ: "وهذا يقتضي أن من قال لآخر: أنت فاسق، أو قال له: أنت كافر، فإن كان ليس كما قال، كان هو المستحق للوصف المذكور، وأنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء لكونه صدق فيما قال، ولكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقًا ولا كافرًا ألا يكون آثمًا في صورة قوله له: أنت فاسق، بل في هذه الصورة تفصيل إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز، وإن قصد تعييره وشهرته بذلك، ومَحض أذاه، لم يجز لأنه مأمور بالستر عليه وتعليمه وعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق لا يجوز له أن يفعله بالعنف؛ لأنه قد يكون سببًا لإعراضه وإصراره على ذلك الفعل، كما في طبع كثير من الناس من الأنفة، لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة، وقال أيضًا: من قال ذلك يعني رميه بالكفر لمن يعرف منه الإسلام، ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر، فإنه يكفر بذلك، فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه وجب الكفر على أحدهما، وقال القرطبي: حيث جاء الكفر في لسان الشرع، فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية، وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم وترك شكر المنعم والقيام بحقه.
قال: وقوله: "باء بها أحدهما"؛ أي رجع بإثمها، ولازم ذلك وأصل البوء اللزوم، ومنه أبوء بنعمتك؛ أي أُلزمها نفسي، وأُقر بها، قال: والهاء في قوله بها راجع إلى التكفيرة الواحدة التي هي أقل ما يدل عليها لفظ كافر، ويحتمل أن يعود إلى الكلمة، والحاصل أن المقول له إن كان كافرًا كفرًا شرعيًّا، فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معية ذلك القول وإثمه، كذا اقتصر على هذا التأويل في رجع وهو من أعدل الأجوبة". فتح الباري: (10-466).
18- قال السعدي عند تفسيره لقوله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا): "وكان سبب نزول هذه الآيات، أن الله تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه وأن أزواجهم، لا جناح على من تبناهم، في نكاحهن. وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولا من رسوله، وفعلا وإذا أراد الله أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى "زيد بن محمد" قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} فقيل له: "زيد بن حارثة". وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد وقع في قلب الرسول، لو طلقها زيد، لتزوَّجها، فقدر الله أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فراقها". تفسير السعدي: (ص: 665)
19- قال ابن دقيق العيد: "وهذا وعيد عظيم لمن كفَّر أحدًا من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلقٌ كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة، وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد، فغلبوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم، والحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بإنكار متواتر من الشريعة عن صاحبها، فإنه حينئذ يكون مكذبًا للشرع". إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: (1-420).
20- سئل ابن باز عن: شخص وجد بنتًا صغيرة لقيطة، عاشت عنده حتى الآن، وأنه ضمها في تابعيته، وأعطى لها اسمه، ما حكم علاقة البنت به شرعًا، وهل تستمر تسمية البنت بلقب العائلة، وهل يخبر البنت عند زواجها أنه ليس أبوها الحقيقي؟
فأجاب: نعم، لا بد من هذا، تنسب إليهم؛ لأنهم أولياؤها، ربوها، وأحسنوا إليها، ولكن لا تكون بنتًا له، ينسبها إلى غيره، بنت عبدالله، بنت عبدالرحمن، الناس كلهم عباد الله، عبدالله، عبدالرحمن، عبداللطيف، ولا ينسبها إليه؛ لأنها لو نسبها إليه قد يظن أنها بنت له؛ فترث مع أولاده، وتصير محرمًا لهم، لا هذا لا يجوز، هذا فيه خطر عظيم.
أما كونه أحسن إليها، ورباها هذا له أجر في ذلك، لكن إذا كان ما رضعت من زوجته، ولا من بناته، ولا من أخواته، له زواجها، أجنبية يعتبرها، ولأولاده أن يتزوجوها، أما إذا كانت زوجته أرضعتها؛ لأنها كانت صغيرة قبل الفطام، يعني فأرضعتها زوجته، يكون أبًا لها، أو أرضعته بنته؛ يكون جدًا لها، أو أرضعته أخته؛ يكون خالًا لها".
21- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الذي عليه الوعيد هو الذي ينتمي إلى غير أبيه، لأنه غير راض بحسبه ونسبه، فيريد أن يرفع نفسه، ويدفع خسيسته بالانتماء إلى غير أبيه؛ فهذا هو الذي عليه اللعنة والعياذ بالله.
يوجد والعياذ بالله، من يفعل ذلك للدنيا؛ ينتسبون إلى أعمامهم دون آبائهم، للدنيا.
مثل ما يوجد الآن أناس لديهم جنسيتان، ينتسب إلى عمه، أو إلى خاله، أو ما أشبه ذلك، لينال بذلك شيئا من الدنيا؛ هذا أيضا حرام عليه، ولا يحل له ذلك.
والواجب على من كان كذلك أن يعدل تبعيته، وجنسيته، وكذلك بطاقته، ولا يبقيها على ما هي عليه" شرح رياض الصالحين: (6-592).
22- جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "أنا رجل أبلغ من العمر الآن سبعين عاما، تسميت باسم خالي بسبب سكني في بيته منذ حداثة سني، كعادة أهل البلد، حيث إن خالي كان عقيما، علما بأني لم أرث منه شيئا، وقد أثبت هدا الاسم بالأوراق الرسمية، فأصبح منذ ذلك الحين هو: (م. ر. س. م)، واشتهرت به عند الناس، وتسمى به أولادي وأحفادي، والذي يقارب عددهم الآن خمسين فردا، علما بأن اسمي الحقيقي هو: (م. ع. م. م)، وبلغني مؤخرا حديث النبي صلى الله عليه وسلم بحرمة من ادعى لغير أبيه، فأخشى أن يلحقني إثم ذلك، والسؤال:
1- هل ينطبق الحديث على حالتي؟ 2- هل يلحقني إثم إن لم أستطع فعل ذلك بسبب صعوبة الإجراءات في المحاكم عندنا؟ 3- هل يجوز عند تعديل الاسم أن أضيف (آل ربيعة) على الاسم الحقيقي، نسبة إلى البيت الذي ترعرعت فيه ولاشتهاري به؟
الجواب: يجب عليك تغيير اسمك إلى النسب الصحيح؛ لما ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر رواه أحمد والبخاري ومسلم وما جاء عن سعد وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه.
ومنها ما جاء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة رواه أبو داود.
وهذه الأحاديث وإن اختلفت ألفاظها: كلها ترجع إلى تهديد من انتسب إلى أب غير أبيه، بحرمانه من الجنة، واستحقاقه عذاب النار، لتغييره نسبه، وخلطه في الأنساب، وهذا يترتب عليه فساد كثير، يترتب عليه حرمان وارث، وتوريث من ليس بوارث، وتحريم أبضاع مباحة، وإباحة أبضاع محرمة، والطعن في نسبه، وازدراء أصوله التي تولد منها، وعقوق لها.. إلى غير هذا من الفساد والآثار السيئة، ومن أجل ذلك استوجب لعنة الله المتتابعة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
بكر أبو زيد... عبد العزيز آل الشيخ... صالح الفوزان... عبد الله بن غديان... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (20-364).
الإحالات
1- التبني في الإسلام، يحيى الشامي.
2- ثبوت النسب، ياسين الخطيب.
3- أحكام اللقيط، عمر السبيل.
4- حقوق الطفولة في الشريعة، هلالي عبدالإله أحمد.