تدرج

2025-09-14 - 1447/03/22

التعريف

أولًا: المعنى اللغوي:

 

قال ابن فارس: “الدّال والرّاء والجيم أصلٌ واحدٌ، يدلّ على مضيّ الشّيء، والمضيّ في الشّيء”. مقاييس اللغة: (٢/٢٧٥). وبناءً على ذلك فإن لفظ (درج) يدل على السير والمضي.

 

أما لفظ (درّج) بالتشديد، فتُبيّن معاجم اللغة أنه يفيد معنى الترقي شيئًا فشيئًا حتى يبلغ الغاية. ومنه ما جاء في لسان العرب: “درّجت العليل تدريجًا إذا أطعمته شيئًا قليلًا؛ وذلك إذا نقه حتى يتدرج إلى غاية أكله، كما كان قبل العلة درجة درجة”. لسان العرب، ابن منظور: (٢/٢٦٧). وعليه، فإن معنى (درّج) يتضمن التأنّي في تناول الشيء أو بلوغه على مراحل.

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يختلف مدلول التدرج في الاصطلاح عن معناه في اللغة؛ فهو يعني الأخذ بالأمر على مهل، مرحلة بعد أخرى، لا دفعة واحدة.

 

ويُفهم منه الانتقال من مرتبة إلى أخرى أعلى منها في الحس أو المعنى أو فيهما معًا، ومن هنا أُطلقت تسمية “الدرجات” على منازل الجنة، لكون بعضها يعلو فوق بعض، أخذًا من معنى الدرجة التي تدل على الرفعة والمنزلة.

 

وفي المجال الديني يُراد بالتدرج: الدخول في الدين شيئًا فشيئًا، رويدًا رويدًا، واستدراج الناس إليه درجة بعد درجة.

 

وقد عرّف الدكتور محمد مصطفى الزحيلي التدرج بقوله: “التدرج في التشريع: هو نزول الأحكام الشرعية على المسلمين شيئًا فشيئًا، طوال فترة البعثة النبوية، حتى انتهى بتمام الشريعة، وكمال الإسلام”. التدرج في التشريع والتطبيق في الشريعة الإسلامية: (ص ٢٧).

 

مجالات التدرج

 

لا يقتصر التدرج على نزول الأحكام الشرعية زمن البعثة، بل يشمل أيضًا تطبيقها بعد اكتمال التشريع. ومن ثم فإن مصطلح التدرج التشريعي يُستعمل في معنيين رئيسين:

 

1. التدرج في نزول الأحكام (زمن التشريع).

 

2. التدرج في تطبيق الأحكام بعد اكتمال التشريع.

 

العناصر

1- معنى التدرج.

 

2- مجالات التدرج في نزول الأحكام وفي تطبيقها.

 

3- أهمية التدرج.

 

4- أمثلة تطبيقية للتدرج في الشريعة.

 

5- التدرج في الدعوة والإصلاح.

 

6. الضوابط الشرعية للتدرج.

 

7. ثمار التدرج.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: ١٨٢].

 

2- قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النحل: ١]. الاستعجال نقيض التدرج؛ إذ التدرج الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة، والاستعجال عكسه، وهو طلب الأمر قبل أوانه.

 

3- قال تعالى: (خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الأنبياء ٣٧-٣٨].

 

4- قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: ١٣-١٤].

 

5- قال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنزلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نزلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا) [الإسراء: ١٠٥-١٠٦].

 

6- قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) [الفرقان: ٣٢].

 

7- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا) [الفرقان: ٤٥-٤٦].

 

8- قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم: ٥٤-٥٥].

 

9- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [لقمان ٢٩].

 

10- قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) [ق: ٣٨].

 

11- قال تعالى: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم: ٤٤-٤٥].

 

12- قال تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) [القيامة ١٦-١٩].

 

13- قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: ٢١٩].

 

14- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [النساء: ٤٣].

 

15- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: ٩٠-٩١].

 

16- قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: ١٨٤-١٨٥]. التدرج في حكم الصيام

 

17- قال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ) [غافر: ٥٥].

 

18- قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ) [هود: ١١٤].

 

19- قال تعالى: (أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: ٧٨].

 

20- قال تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل: ١٧- ١٨]. الزكاة في البداية لم تكن واجبة وبعد ذلك أوجبت كما في الآية التالية.

 

21- قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة ٤٣].

 

22- قال تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الروم ٣٩]. التدرج في تحريم الربا

 

23- قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء ١٦٠-١٦١].

 

24- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: ١٣٠-١٣٢].

 

25- قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة ٢٧٥-٢٧٩]. هذه الآيات الكريمة التي كانت المرحلة النهائية في تحريم الربا.

 

26- قال تعالى: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء: ١٦]. التدرج في عقوبة الزنا.

 

27- قال تعالى: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا) [النساء ١٥].

 

28- قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: ٢]. والمحصن عقوبته الرجم كما سيأتي في الأحاديث.

 

29- قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦]

 

30- قال تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران: ٧٩].

 

31- قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا..) [البقرة ٢٨٦].

 

32- قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: ١٨٥].

 

33- قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨].

 

34- قال تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: ٣٤].

 

35- قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: ١٢٥].

 

36- قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: ٣٤].

 

37- قال تعالى: (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَغْوِ في أيْمانِكم ولَكِنْ يُؤاخِذُكُمُ بِما عَقَّدْتُمُ الأيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِن أوسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِيكم أو كِسْوَتُهم أو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ ذَلِكَ كَفّارَةُ أيْمانِكم إذا حَلَفْتُمْ واحْفَظُوا أيْمانِكم) [المائدة: ٨٩].

 

 

الاحاديث

1- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قالَ عمرُ بنُ الخطّابِ: “لقد خَشيتُ أن يطولَ بالنّاسِ زمانٌ حتّى يقولَ قائلٌ: ما أجدُ الرَّجمَ في كتابِ اللَّهِ، فيضلُّوا بتركِ فريضةٍ من فَرائضِ اللَّهِ، ألا وإنَّ الرَّجمَ حقٌّ، إذا أُحْصِنَ الرَّجلُ وقامتِ البيِّنةُ، أو كانَ حَملٌ أوِ اعترافٌ، وقد قرأتُها الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زَنَيا فارجُموهما البتَّةَ رجمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ورجَمنا بَعدَهُ”. أخرجه ابن ماجه: (٢٥٥٣)، وصححه الألباني.

 

2- عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لَمّا بَعَثَ مُعاذًا -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- على اليَمَنِ، قالَ: “إنَّكَ تَقْدَمُ على قَوْمٍ أهْلِ كِتابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ عِبادَةُ اللَّهِ، فَإِذا عَرَفُوا اللَّهَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، فَإِذا فَعَلُوا، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ فَرَضَ عليهم زَكاةً مِن أمْوالِهِمْ وتُرَدُّ على فُقَرائِهِمْ، فَإِذا أطاعُوا بها، فَخُذْ منهمْ وتَوَقَّ كَرائِمَ أمْوالِ النّاسِ”. رواه البخاري: (١٤٥٨) ومسلم: (١٩).

 

3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: “الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ”. رواه البخاري: (٣٩)، ومسلم: (٢٨١٦).

 

4- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: سَأَلْتُ النبيَّ -صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ الجَدْرِ: أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قالَ: “نَعَمْ”. قُلتُ: فَما لهمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ في البَيْتِ؟ قالَ: “إنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بهِمُ النَّفَقَةُ”. قُلتُ: فَما شَأْنُ بابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قالَ: “فَعَلَ ذلكَ قَوْمُكِ؛ لِيُدْخِلُوا مَن شاؤُوا، ويَمْنَعُوا مَن شاؤُوا، ولَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بالجاهِلِيَّةِ، فأخافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ في البَيْتِ، وأَنْ أُلْصِقَ بابَهُ بالأرْضِ”. رواه البخاري: (١٥٨٤)، ومسلم: (١٣٣٣).

 

5- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: “فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هاجَرَ النبيُّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَفُرِضَتْ أرْبَعًا، وتُرِكَتْ صَلاةُ السَّفَرِ على الأُولى”. أخرجه البخاري: (٣٩٣٥)، ومسلم: (٦٨٥).

 

6- عائشة أم المؤمنين إنِّي عِنْدَ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، إذْ جاءَها عِراقِيٌّ، فَقالَ: أيُّ الكَفَنِ خَيْرٌ؟ قالَتْ: ويْحَكَ! وما يَضُرُّكَ؟ قالَ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أرِينِي مُصْحَفَكِ؟ قالَتْ: لِمَ؟ قالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ القُرْآنَ عليه؛ فإنَّه يُقْرَأُ غيرَ مُؤَلَّفٍ، قالَتْ: وما يَضُرُّكَ أيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيها ذِكْرُ الجَنَّةِ والنّارِ، حتّى إذا ثابَ النّاسُ إلى الإسْلامِ نَزَلَ الحَلالُ والحَرامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شَيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا: لا نَدَعُ الزِّنا أبَدًا، لقَدْ نَزَلَ بمَكَّةَ على مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وإنِّي لَجارِيَةٌ ألْعَبُ: (بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)[القمر: ٤٦]، وما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّساءِ إلّا وأَنا عِنْدَهُ، قالَ: فأخْرَجَتْ له المُصْحَفَ، فأمْلَتْ عليه آيَ السُّوَرِ. رواه البخاري: (٤٩٩٣).

 

 

الاثار

1- قال عبدالملك لأبيه: “ما أنت قائل لربك غداً إذا سألك فقال: رأيت بدعة لم تمتها وسنة لم تحيها؟” فقال له عمر: “رحمك الله وجزاك من ولد خيراً، وأرجو أن تكون من الأعوان على الخير، يا بني: إن قومك شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة، ومتى أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا عليّ فتقاً تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون عليّ من أن يراق بسببي محجنة من دم، أو ما ترضى ألا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين”.

 

2- قال له في مناسبة أخرى: “يا بني، إن الله ذم الخمر في القرآن مرتين ثم حرمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعونه جملة، ويكون من ذلك فتنة”.

 

3- قال عمر بن عبدالعزيز: “إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف ألا تحتمله قلوبهم، فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن نفرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا”.

 

4- قالَ ابنُ عباسٍ: “كونوا ربانيين حكماءَ فقهاءَ. ويقالُ: الرباني الذي يربِّي الناسَ بصغارِ العلمِ قبل كبارِه”. فتح الباري لابن حجر: (١/١٩٢) وقال: إسناده حسن، وروي بإسناد صحيح أن ابن مسعود وافقه.

 

5- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما أنت بمحدّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة”. أخرجه مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع: (١-١١).

 

6- عن علي رضي الله عنه قال: “حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟”. أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم، كراهية أن لا يفهموا: (١-٣٧)، رقم: (١٢٧).


 

القصص

“الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز جاء إلى الحكم بعد مظالم اقترفها بعض الذين سبقوه، فتدرّج في الإصلاح، ولـم يتعجل في التغيير، فدخل عليه ولده عبد الملك، فقال له: يا أبت: ما منعك أن تمضي لما تريده من العدل؟ فو الله! ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك، قال: يا بنيّ! إني إنّما أروّض النّاس رياضة الصّعب، وإنّي أريد أن أحيي الأمر من العدل، فأؤخّر ذلك حتّى أخرج معه طمعًا من طمع الدّنيا، فينفروا من هذه، ويسكنوا لهذه. انظر: الزهد، أحمد بن حنبل، (ص ٢٤٣)، رقم: (١٧٢٩)

 

الحكم

"كل من سار على الدرب وصل".

صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ للمهدي: (1-24).

متفرقات

1- قال ابن عاشور: “وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون خلق السماوات والأرض مدرجًا، وأن لا يكون دفعة؛ لأنه جعل العوالم متولدًا بعضها من بعض؛ لتكون أتقن صنعًا مما لو خلقت دفعة؛ وليكون هذا الخلق مظهرًا لصفتي علم الله تعالى وقدرته، فالقدرة صالحة لخلقها دفعة، لكن العلم والحكمة اقتضيا هذا التدرج، وكانت تلك المدة أقل زمن يحصل فيه المراد من التولد بعظيم القدرة؛ ولعل تكرر ذكر هذه الأيام في آيات كثيرة لقصد التنبيه إلى هذه النكتة البديعة من كونها مظهر سعة العلم، وسعة القدرة”. التحرير والتنوير: (٨/ ١٦١).

 

2- قال ابن القيم: “فأعد الآن النظر فيك وفي نفسك مرة ثانية من الذي دبّرك بألطف تدبير، وأنت جنين في بطن أمك في موضع لا يد تنالك، ولا بصر يدركك، ولا حيلة لك في التماس الغذاء، ولا في دفع الضرر، فمن الذي أجرى إليك من دم الأم ما يغذوك، كما يغذو الماء النبات، وقلب ذلك الدم لبنًا، ولم يزل يغذّيك به في أضيق المواضع وأبعدها من حيلة التكسب والطلب حتى إذا كمل خلقك واستحكم، وقوي أديمك على مباشرة الهواء، وبصرك على ملاقاة الضياء، وصلبت عظامك على مباشرة الأيدي، والتغلب على الغبراء، هاج الطلق من أمك، فأزعجك إلى الخروج أيما إزعاج إلى عالم الابتلاء” مفتاح دار السعادة: (١/٢٥٥- ٢٥٦).

 

3- قال صاحب المنار: “والحكمة في تحريم الخمر بالتدريج: أن الناس كانوا مفتونين بها حتى إنها لو حرّمت في أول الإسلام لكان تحريمها صارفًا لكثير من المدمنين لها عن الإسلام، بل عن النظر الصحيح المؤدي إلى الاهتداء به؛ لأنهم حينئذٍ ينظرون إليه بعين السخط، فيرونه بغير صورته الجميلة، فكان من لطف الله، وبالغ حكمته أن ذكرها في سورة البقرة بما يدل على تحريمها دلالة ظنية فيها مجال للاجتهاد؛ ليتركها من لم تتمكن فتنتها من نفسه”. المنار: (٧/٤٢).

 

4- قال القفال: “والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أنّ الله تعالى علم أنّ القوم كانوا ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بها كثيرًا، فعلم الله أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق عليهم، فلا جرم استعمل في التحريم هذا التدرج وهذا الرفق”. مفاتيح الغيب، الرازي: (٦-٣٩٦).

 

5- قال الشيخ عبد القادر بن ملا العاني: “وذلك أنه صلى الله عليه وسلم بعث والعرب على عادات مستحكمة فيهم، منها ما هو صالح للبقاء، لا ضرر فيه على تكوينها، ومنها ما هو ضار، يجب إبعادهم عنها، فاقتضت حكمته أن يتدرج في نهيهم عنها شيئًا فشيئًا”. بيان المعاني، العاني: (١-٢٠).

 

6- قال الأستاذ مصطفى شلبي: “والحكمة في ذلك التدرج أن هذا النوع من التشريع يكون أقرب إلى القبول والامتثال، خصوصًا مع أولئك العرب الذين كانوا في إباحية مطلقة، تجعلهم ينفرون من التكليف بالجملة”. المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: (ص ٧٥).

 

7- قال ابن كثير: “إنما كان يجب من الصلاة صلاتان، صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها، وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة”.

 

8- قال الرازي: “أراد بالدلوك زوالها، فدخل فيه صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم قال: (وقُرْآنَ الفَجْرِ) أراد صلاة الصبح”. مفاتيح الغيب، الرازي: (٦/٤٨٢).

 

9- قال ابن القيم رحمه الله: “ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه -أي: الصوم- إلى وسط الإسلام بعد الهجرة؛ لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج”. زاد المعاد: (٢/ ٢٩).

 

10- قال القرطبي: “ولو أنزل جملة بما فيه من الفرائض؛ لثقل عليهم...، وأيضًا: في تفريقه تنبيه لهم مرة بعد مرة، وهو أنفع لهم، وأيضًا فيه ناسخ ومنسوخ ولو نزل ذلك جملة؛ لنزل فيه الأمر بالشيء وبتركه وهو لا يصح”.

 

11- قال ابن القيم: “كان فرض الصلاة أولًا ركعتين ركعتين؛ لما كانوا حديثي عهد بالإسلام، ولم يكونوا معتادين لها، ولا ألفتها طباعهم وعقولهم فرضت عليهم بوصف التخفيف، فلما ذالت بها جوارحهم، وطوّعت بها أنفسهم، واطمأنت إليها قلوبهم، وباشرت نعيمها لذتها وطيبها، وذاقت حلاوة عبودية الله فيها، ولذة مناجاته، زيدت ضعفها، وأقرّت في السفر على الفرض الأول؛ لحاجة المسافر إلى التخفيف، ولمشقة السفر عليه، فتأمل كيف جاء كل حكم في وقته مطابقًا للمصلحة والحكمة! شاهدًا لله بأنه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، الذي بهرت حكمته العقول والألباب، وبدا على صفحاتها بأن ما خالفها هو الباطل، وأنها هي عين المصلحة والصواب”. مفتاح دار السعادة: (٢-٢٩).

 

12- قال ابن القيم في بيان الحكمة من ذلك: “لما كان -أي: الصوم- غير مألوف لهم ولا معتاد، والطباع تأباه إذ هو هجر مألوفها ومحبوبها ولم تذق بعد حلاوته وعواقبه المحمودة، وما في طيّه من المصالح والمنافع فخيّرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه، فلما عرفت علته -يعني: حكمته- وألفته، وعرفت ما ضمنه من المصالح والفوائد حتّم عليها عينًا، ولم يقبل منها سواه، فكان التخيير في وقته مصلحة، وتعيين الصوم في وقته مصلحة، فاقتضت الحكمة البالغة شرع كل حكم في وقته؛ لأن المصلحة فيه في ذلك الوقت” مفتاح دار السعادة: (٢-٢٩).

 

13- قال ابن حجر الهيتمي: “وحكمته -أي: التدرج في الصوم- الرفق بالأمة؛ لأنهم لما لم يألفوا الصوم كان تعيينه عليهم ابتداء فيه مشقة، فخيّروا بينه وبين الفدية أولًا، ثم لما قوي يقينهم، واطمأنت نفوسهم حتّم عليهم الصوم وحده، ونظير ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أول ما بعث لم يكلّف الناس إلا بالتوحيد فقط، ثم استمر على ذلك مدة مديدة، ثم فرض عليهم من الصلاة ما ذكر في سورة المزمل، ثم نسخ ذلك كله بالصلوات الخمس، وكان كلما ازداد ظهورًا وتمكنًا ازدادت الفرائض وتتابعت، كل ذلك لما قررته من الرفق والتدرج في المراتب حتى تؤخذ بحقها” إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام: (ص ٧٨-٧٩).

 

14- قال النسفي في معنى (لِنُثَبِّتَ) [الفرقان: ٣٢]: “لنقوي بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه؛ لأن المتلقي إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئًا بعد شيء، وجزءًا عقب جزء، ولو ألقي عليه جملة واحدة؛ لعجز عن حفظه، أو لنثبّت به فؤادك عن الضجر؛ وذلك بتواتر الوصول، وتتابع الرسول؛ لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب” مدارك التنزيل: (٢/٥٣٦).

 

15- قال صاحب الغرائب في بيان الحكمة من ذلك: “وتقريره من وجوه:

أحدها: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن قارئًا كاتبًا، بخلاف موسى وداود وعيسى عليهم السلام فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ، فأنزله الله عليه منجّمًا -في عشرين سنة، وعن ابن جريج: في ثلاث وعشرين-؛ ليكون أقرب إلى الضبط، وأبعد عن النسيان والسهو.

 

وثاني هذه الحكم: أن الاعتماد على الحفظ أقرب إلى التحصيل من الاعتماد على الكتابة، والحفظ لابد فيه من التدرج.

 

وثالثها: إن نزول الشرائع متدرجة أسهل على المكلف منها دفعة.

 

ورابعها: أن نزول جبريل ساعة فساعة مما يقوي قلبه، ويعينه على تحمل أعباء النبوّة والرسالة.

 

وخامسها: أن نزوله مفرّقًا يوجب وقوع التحدي على أبعاض القرآن وأجزائه، ونزوله جملة يقتضي وقوع التحدي على مجموعه، ولا ريب في أن الأول أدخل في الإعجاز.

 

وسادسها: أن نزوله بحسب الوقائع والحوادث أوفق في باب التكاليف والاستبصار، وأدل على الأخبار عن الحوادث في أوقاتها.

 

وسابعها: أن في تجديد منصب السفارة في كل حين مزيد شرف لجبريل”. غرائب القرآن: (٥/٢٣٦).

 

16- قال مناع القطان: “فهذه الآيات ناطقة بأن القرآن الكريم كلام الله بألفاظه العربية، وأن جبريل نزل به على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هذا النزول غير النزول الأول إلى سماء الدنيا، فالمراد به نزوله منجّمًا، ويدل التعبير بلفظ (التنزيل) دون الإنزال على أن المقصود النزول على سبيل التدرج والتنجيم، فإن علماء اللغة يفرّقون بين الإنزال والتنزيل، فالتنزيل لما نزل مفرقًا، والإنزال أعم.

 

ومن المعلوم أن القرآن قد نزل منجّمًا في ثلاث وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة بمكة على الرأي الراجح، وعشر بالمدينة، وجاء التصريح بنزوله مفرّقًا في قوله تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا) [الإسراء: ١٠٦]. أي: جعلنا نزوله مفرقًا؛ كي تقرأه على الناس على مهل وتثبت (وَنزلْنَاهُ تَنزيلا) بحسب الوقائع والأحداث.

 

أما الكتب السماوية الأخرى -كالتوراة والإنجيل والزبور- فكان نزولها جملة، ولم تنزل مفرّقة، يدل على هذا قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا) [الفرقان: ٣٢].

 

فهذه الآية دليل على أن الكتب السماوية السابقة نزلت جملة، وهو ما عليه جمهور العلماء، ولو كان نزولها مفرقًا لما كان هناك ما يدعو الكفار إلى التعجب من نزول القرآن منجّمًا، فمعنى قولهم: (لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) هلّا أنزل عليه القرآن دفعة واحدة كسائر الكتب؟ وما له أنزل على التّنجيم؟ ولم أنزل مفرقًا؟ ولم يرد الله عليهم بأن هذه سنته في إنزال الكتب السماوية كلها، كما رد عليهم في قولهم: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ) [الفرقان: ٧]. بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان: ٢٠]” مباحث في علوم القرآن: (ص ١٠٦).

 

17- قال الراغب الأصفهاني: “الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام”.

 

18- قال سيد قطب: “ولقد جاء هذا القرآن ليربي أمة، ولينشيء مجتمعًا، ويقيم نظامًا، والتربية تحتاج إلى زمن وتأثّر وانفعال بالكلمة، وإلى حركة تترجم التأثّر والانفعال إلى واقع، والنفس البشرية لا تتحوّل تحوّلًا كاملًا شاملًا بين يوم وليلة بقراءة كتاب شامل للمنهج الجديد، إنّما تتأثر يومًا بعد يوم بطرف من هذا المنهج، وتتدرج في مراقيه رويدًا رويدًا، وتعتاد على حمل تكاليفه شيئًا فشيئًا، فلا تجفل منه كما تجفل لو قدّم لها ضخمًا ثقيلًا عسيرًا”. في ظلال القرآن: (٥-٢٥٦٢).

 

19- قال الماوردي: “إن للعلم أوائل تؤدي إلى آخرها، ومداخل تُفضي إلى حقائقها، فليبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إلى أواخرها، وبمداخلها ليُفضي إلى حقائقها، ولا يطلب الآخر قبل الأول، ولا الحقيقة قبل المدخل، فلا يُدرك الآخر ولا يعرف الحقيقة؛ لأن البناء على غير أُسّ لا يُبنى، والثمر من غير غَرْس لا يُجنى”.

 

20- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما“ مجموع الفتاوى: (20-48).

 

21- قال ابن تيمية: “فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا فشيئًا، بمنزلة بيان الرسول لما بعث شيئًا فشيئًا، ومعلوم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبلّغ إلا ما أمكن عمله والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة، كما يقال: إذا أردت أن تطاع فامر بما يستطاع”. مجموع الفتاوى: (٣٠-٦٠).

 

22- قال الإمام ابن عبد البر: “طلب العلم درجات ومناقل ورُتب لا ينبغي تعدّيها، ومن تعدَّاها جُملة فقد تعدَّى سبيل السَّلف -رحمهم الله-، ومن تعدَّى سبيلهم عامدًا ضلّ، ومن تعدَّاه مُجتهدًا زلّ”.

 

23- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ فَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَتَدَبَّرَ أَنْوَاعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ وَقَدْ يَكُونُ الْوَاجِبُ فِي بَعْضِهَا -كَمَا بَيَّنْته فِيمَا تَقَدَّمَ -: الْعَفْوَ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ؛ لَا التَّحْلِيلَ وَالْإِسْقَاطَ. مِثْلَ: أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِهِ بِطَاعَةِ، فِعْلًا لِمَعْصِيَةِ أَكْبَرَ مِنْهَا؛ فَيَتْرُكُ الْأَمْرَ بِهَا دَفْعًا لِوُقُوعِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، مِثْلَ أَنْ تَرْفَعَ مُذْنِبًا إلَى ذِي سُلْطَانٍ ظَالِمٍ فَيَعْتَدِي عَلَيْهِ فِي الْعُقُوبَةِ، مَا يَكُونُ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ ذَنْبِهِ. وَمِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُنْكَرَاتِ، تَرْكًا لِمَعْرُوفِ هُوَ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً مِنْ تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ؛ فَيَسْكُتُ عَنْ النَّهْيِ، خَوْفًا أَنْ يَسْتَلْزِمَ تَرْكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ. فَالْعَالِمُ: تَارَةً يَأْمُرُ، وَتَارَةً يَنْهَى، وَتَارَةً يُبِيحُ، وَتَارَةً يَسْكُتُ عَنْ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ أَوْ الْإِبَاحَةِ، كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاحِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ، أَوْ النَّهْيِ عَنْ الْفَسَادِ الْخَالِصِ أَوْ الرَّاجِحِ. وَعِنْدَ التَّعَارُضِ: يُرَجَّحُ الرَّاجِحُ - كَمَا تَقَدَّمَ - بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُمْكِنِ: إمَّا لِجَهْلِهِ، وَإِمَّا لِظُلْمِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ جَهْلِهِ وَظُلْمِهِ؛ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَصْلَحُ الْكَفَّ وَالْإِمْسَاكَ عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ..” مجموع الفتاوى: (20-58).

 

24- قال النووي: “وينبغي أن يؤدّب المتعلم على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية”. التبيان في آداب حملة القرآن: (ص ٤١).

 

25- قال القاسمي: “وجمهور العلماء على أن من الواجب على الزوج أن يسلك في معالجته لزوجته تلك الأنواع الثلاثة على الترتيب، بأن يبدأ بالوعظ، ثم بالهجر، ثم بالضرب؛ لأن الله تعالى قد أمر بذلك؛ ولأنه قد رتّب هذه العقوبات بتلك الطريقة الحكيمة التي تبدأ بالعقوبة الخفيفة، ثم تتدرج إلى العقوبة الشديدة، ثم إلى الأكثر شدة”. محاسن التأويل، القاسمي: (٣-٩٩).

 

26- قال الرازي: وبالجملة، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه، والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب؛ وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق. مفاتيح الغيب: (١٠-٧٢).

 

27- قال ابن القيم: “نبأ الله نبيه بـقوله (اقرأ) وأرسله بـ (المدثر). ثمّ أمره بقوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) [الشعراء: 214]. ثم بقوله (وإنه لذكر لك ولقومك) [الزخرف: 44]. ثم مكة ومن حولها بقوله (لتنذر أم القرى ومن حولها) [الشورى: 7]. ثم العرب قاطبة، ثم العالمين أجمعين. وفي كل هذه المراحل لم يشرع للمسلمين القتال، بل أمروا بالكف والصبر والصفح. ثم أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بهجرة أصحابه الهجرتين إلى الحبشة. ثمّ أُمر بالهجرة إلى المدينة فهاجر. ثم أُذن له بقتال من قاتله، وأمر بالكف عمن اعتزله ولم يقاتله. ثم أُمر بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله. ثمّ كان له مع الكفار ثلاثة أحوال: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة. ثم أُمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم ما استقاموا عليه، فإن خاف منهم خيانة نبذ لهم عهدهم على سواء، ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بانتهاء العهد، وأما من نقض العهد بالفعل فأُمر بقتاله، ثمّ بعد نزول سورة التوبة جعل أهل العهد ثلاثة أقسام:

الأول: من نقض عهده، وقد أُمر بقتالهم. الثاني: من كان لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه أحداً، فأُمر أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم. الثالث: قسم لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمره أن يمهلهم أربعة أشهر، فإذا انقضت مدتهم قاتلهم”. زاد المعاد (3/143)

 

28- قال ابن تيمية: “فأمّا إذا كان المأمور والمنهيّ لا يتقيّد بالممكن: إمّا لجهله، وإمّا لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربّما كان الأصلح الكفّ والإمساك عن أمره ونهيه...، فالعالـم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخّر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التّمكّن، فإذا حصل من يقوم بالدّين من العلماء، أو الأمراء أو مجموعهما؛ كان بيانه لـما جاء به الرّسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرّسول لما بعث به شيئًا فشيئًا، ومعلومٌ أنّ الرّسول لا يبلّغ إلّا ما أمكن علمه والعمل به، ولـم تأت الشّريعة جملةً...، فكذلك الـمجدّد لدينه، والـمحيي لسنّته لا يبلّغ إلّا ما أمكن علمه والعمل به...، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرّمات، وترك الأمر بالواجبات؛ لأنّ الوجوب والتّحريم مشروطٌ بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشّرط، فتدبّر هذا الأصل فإنّه نافعٌ”. مجموع الفتاوى: (٢٠-٦٠).

 

29- قال ابن القيم رحمه الله: “إنكار المنكر أربع درجات: الأولى: أن يزول ويخلفه ضده. الثانية: أن يقل، وإن لم يزل بجملته. الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله. الرابعة: أن يخلف ما هو شر منه. فالدرجتان الأوليان: مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة” إعلام الموقعين: (3-4).

 

30- قال ابن حجر: “وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة؛ لأنها رأس العبادات البدنية، ثم أداء الزكاة؛ لأنها رأس العبادات المالية، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس”. فتح الباري: (٢-١٨٨).

 

31- قال الرازي في آية كفارة اليمين: “وبدأ سبحانه بالإطعام لأنه أعمّ وجودًا، والمقصود منه التنبيه على أنه سبحانه يراعي التخفيف والتسهيل في التكاليف” مفاتيح الغيب: (١٢/٦٤-٦٥).

 

32- قال الشيخ ابن عثيمين: “ولهذا كان من الحكمة في الدعوة ألا تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه، بل تدعوهم رويدًا رويدًا حتى تستقر عقولهم، وليس معنى: “بما يعرفون” أي: بما يعرفونه من قبل؛ لأن الذي يعرفونه من قبل يكون التحديث به من تحصيل الحاصل... فإن قيل: هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس وإن كانوا محتاجين لذلك؟

 

أجيب: لا ندعه، ولكن نحدّثهم بطريقة تبلغه عقولهم؛ وذلك بأن ننقلهم رويدًا رويدًا حتى يتقبّلوا هذا الحديث، ويطمئنوا إليه، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم، ويقال: هذا شيء مستنكر لا نتكلم به.

 

ومثل ذلك: العمل بالسنّة التي لا يعتادها الناس ويستنكرونها، فإننا نعمل بها، ولكن بعد أن نخبرهم بها، حتى تقبلها نفوسهم، ويطمئنوا إليها، ويستفاد من هذا الأثر: أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين، وينزّل كلّ إنسانٍ منزلته”. مجموع فتاوى ابن عثيمين: (١٠/٧٧٤- ٧٧٥) بتصرف.

 

 

الإحالات

كتاب: "خصيصة التدرج في الدعوة إلى الله (فقه التدرج)؛ لأمين الدميري