تسخير

2025-10-07 - 1447/04/15

التعريف

قال ابن فارس: “سَخَرَ: السين والخاء والراء أصلٌ مطّردٌ مستقيمٌ يدلّ على الاحتقار والاستذلال، ومن ذلك قولنا: سخر الله عز وجل الشيءَ، وذلك إذا ذلَّله لأمره وإرادته، ثم قال: ومن الباب: سخرتُ منه، إذا هزئتُ به، ولا يزالون يقولون: سخرتُ به، وفي كتاب الله تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا۟ مِنْهُ) [هود: ٣٨]”. مقاييس اللغة: (٣-١٤٤)

 

والتسخير هو تذليل الشيء وجعله منقادًا لغيره، وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا، ومنه قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [إبراهيم: ٣٣]، أي: ذلَّلهما، فكل ما انقاد لك أو تهيأ على مرادك فقد سُخِّر لك. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور: (٤-٣٥٣)، تاج العروس؛ للزبيدي: (١١-٥٢٢).

 

فالتسخير له معنيان:

الأول: التذليل والانقياد، ومنه قوله تعالى: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون: ١١٠].

 

الثاني: السخرية والاستهزاء، ومنه قوله تعالى: (سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) [التوبة: ٧٩].

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

التسخير في الاصطلاح: هو تذليل الشيء وجعله منقادًا للآخر، وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا.

 

ومنه قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [إبراهيم: ٣٣]. انظر: المفردات؛ للراغب الأصفهاني (ص: ٤٠٢)، بصائر ذوي التمييز؛ الفيروزآبادي (٣-٢٠٣)

 

وقال ابن عاشور: “والتسخير حقيقته تذليلُ ذي عملٍ شاقٍّ أو شاغلٍ بقهرٍ وتخويف، أو بتعليمٍ وسياسةٍ بدون عوض”. انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي (ص: ٣٤٧-٣٤٨.)

العناصر

1- معنى التسخير

 

2- أشكال التسخير

 

3- آثار التسخير الإيمانية والحياتية

 

4- حكمة الله من التسخير

 

5- التدرّب على الاستفادة من التسخير في الحياة

 

الايات

1- قال الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].

 

2- قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 54].

 

3- قال تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: 2].

 

4- قال تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [إبراهيم: 32-33].

 

5- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 10-14].

 

6- قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[النحل:79].

 

7- قال تعالى: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ)[الأنبياء:79-82].

 

8- قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الْحَجِّ: 36-37].

 

9- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَجِّ: 65].

 

10- قال تعالى: (وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت: 61].

 

11- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لُقْمَانَ:20].

 

12- قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) [فَاطِرٍ: 12-13].

 

13- قال تعالى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) [ص: 18].

 

14- قال تعالى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ص: 36-39].

 

15- قال تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [الزخرف: 13].

 

16- قال تعالى: (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحرَ لِتَجرِيَ الفُلكُ فِيهِ بِأَمرِهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 12-13].

 

17- قال تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[يونس: 101].

 

18- قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70].

 

19- قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 10-13].

 

20- قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)[الكهف:93-96].

 

21- قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ * فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)[يس: 71-76].

 

22- قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[الزخرف: 31-32].

 

23- قال تعالى: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[النَّحْلِ: 65-67].

 

24- قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات:25-28].

 

25- قال تعالى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)[الرَّحْمَنِ: 10-13].

 

26- قال تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا *مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)[عبس: 24-32].

 

27- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا ‌مِنْ ‌رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].

 

28- قال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)[الإسراء: 12].

 

29- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون)[يونس: 5].

 

الاحاديث

عن عبدالله بن عمر أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ إذا اسْتَوى على بَعِيرِهِ خارِجًا إلى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قالَ: "سُبْحانَ الذي سَخَّرَ لَنا هذا، وَما كُنّا له مُقْرِنِينَ، وإنّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنا هذا البِرَّ والتَّقْوى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنا سَفَرَنا هذا، واطْوِ عَنّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصّاحِبُ في السَّفَرِ، والْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المالِ والأهْلِ، وإذا رَجَعَ قالَهُنَّ، وَزادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ، لِرَبِّنا حامِدُونَ". رواه مسلم: (١٣٤٢).

 

عن أبي ذر الغفاري أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ يَوْمًا: "أتَدْرُونَ أيْنَ تَذْهَبُ هذِه الشَّمْسُ؟" قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ قالَ: "إنَّ هذِه تَجْرِي حتّى تَنْتَهي إلى مُسْتَقَرِّها تَحْتَ العَرْشِ، فَتَخِرُّ ساجِدَةً، فلا تَزالُ كَذلكَ حتّى يُقالَ لَها: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طالِعَةً مِن مَطْلِعِها، ثُمَّ تَجْرِي حتّى تَنْتَهي إلى مُسْتَقَرِّها تَحْتَ العَرْشِ، فَتَخِرُّ ساجِدَةً، ولا تَزالُ كَذلكَ حتّى يُقالَ لَها: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طالِعَةً مِن مَطْلِعِها، ثُمَّ تَجْرِي لا يَسْتَنْكِرُ النّاسَ مِنْها شيئًا حتّى تَنْتَهي إلى مُسْتَقَرِّها ذاكَ تَحْتَ العَرْشِ، فيُقالُ لَها: ارْتَفِعِي أصْبِحِي طالِعَةً مِن مَغْرِبِكِ، فَتُصْبِحُ طالِعَةً مِن مَغْرِبِها"، فقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أتَدْرُونَ مَتى ذاكُمْ؟ ذاكَ حِينَ (لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا) [الأنعام: ١٥٨]". رواه مسلم: (١٥٩).

الاثار

1- عن عليٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أشدُّ خلقِ ربِّك عشرةٌ الجبالُ والحديدُ ينحِتُ الجبالَ والنّارُ تأكُلُ الحديدَ والماءُ يُطفِئُ النّارَ والسَّحابُ المُسخَّرُ بينَ السَّماءِ والأرضِ يحمِلُ الماءَ والرِّيحُ ينقُلُ السَّحابَ والإنسانُ يتَّقي الرِّيحَ بيدِه ويذهَبُ لحاجتِه والسُّكرُ يغلِبُ الإنسانَ والنُّومُ يغلِبُ السُّكرُ والهمُّ يمنَعُ النَّومَ فأشدُّ خلقِ ربِّك الهمُّ". أخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم: (٢٥٩١)، والطبراني في المعجم الأوسط: (٩٠١) كلاهما بلفظه، وابن عساكر في تاريخ دمشق: (٤٢-٤٠٠) بنحوه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (٨-١٣٥): "رجاله ثقات‏ ".

 

2- عنْ أُبيِّ بنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- قال: "لا تَسُبُّوا الرِّيحَ؛ فإنَّها مِن نَفَسِ الرَّحمنِ، قولُهُ تَعالى: (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ والسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ والْأَرْضِ) [البقرة: ١٦٤] ولكن قولوا: اللَّهُمَّ إنّا نَسأَلُكَ مِن خَيرِ هذه الرِّيحِ، وخَيرِ ما فيها، وخَيرِ ما أُرسِلَتْ به، ونَعوذُ بكَ مِن شَرِّها، وشَرِّ ما فيها، وشَرِّ ما أُرْسِلَتْ به". رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين: (٣١١٦) وقال: "صحيح على شرط الشيخين".

 

3- قال قتادة: "إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا، فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب، فإن كان لله فليداوم، وإن كان لغير الله فيسقط عنه”. تفسير ابن كثير: (4-439).

 

الاشعار

1- قال محمد إقبال:

 شرف الشمس مسير مطلق ** فيه من فوق البرايا تخفق

لا تكن نهرا من السحب يمد ** وكن البحر عبابا لا يحد

اقصدن تسخير كل العالم ** لترى سلطان أهل العالم

ديوان محمد اقبال 1357 هـ (ص: 134).

 

2- قال محمد إقبال:

أدهم الفكر الذي يطوى الفضاء ** والذي يجتاز آفاق السماء

ساقه في الكون حاجات الحياه ** فهو في الأرض وفي النجم خطاه

يبتغى في الكون تسخير القوى ** لترى فيه بأعلى مستوى

ديوان محمد اقبال 1357 هـ (ص: 172).

 

الحكم

1- "قَوْلهم يركب الصعب من لَا ‌ذَلُول لَهُ". أَي يحمل نَفسه على الشدائد من لَا يجد مَا يَنَالهُ فِي سهولة. جمهرة الأمثال: (2-422). ويضْرب في القناعة بِيَسِير الْحَاجة إِذا فَاتَ جليلها. المستقصى في أمثال العرب: (2-412)

 

2- "أطَاعَ يَداً بِالْقَوْدِ فَهْوَ ‌ذَلُول". يضرب للصعب يَذِلُّ ويسامح، ونصب "يدا" على التمييز. مجمع الأمثال: (1-433).

 

3- "الّلسَانُ مَرْكَبٌ ‌ذَلُولٌ". يعني أن الإنسان يقدر على قوله الخير والشر، فلا يعود لسانه مقَالة السوء. مجمع الأمثال: (2-188).

 

متفرقات

1- قال الرازي في تفسير قوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ) أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ولا أحد من الحديد ولا أكثر هيبة من النار، وقد سخرها لكم وسخر الحيوانات أيضاً حتى ينتفع بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها والانتفاع بالنظر إليها".

 

2- قال ابن كثير: يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السموات سقفاً محفوظاً والأرض فرشاً (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى)، ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك وما هناك إلى هنا وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقاً للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) أي يسيران لا يفتران ليلاً ولا نهارًا".

 

3- قال ابن كثير: “يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام، فمنها مخالفته بين الليل والنهار، ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار، وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام، ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك؛ ولهذا قال: (لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) أي: في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) فإنه لو كان الزمان كله نسقاً واحداً وأسلوباً متساوياً لما عرف شيء من ذلك".

 

4- قال السعدي في تفسير قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)، وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض ولما أودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف الأشجار والثمرات وأجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريباً ولا شكا".

 

5- قال السعدي في تفسير هذه الآية: "هو الذي سخر لكم الأرض وذللها، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم، من غرس وبناء وحرث، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة، (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) أي: لطلب الرزق والمكاسب. (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي: بعد أن تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحاناً، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة، تبعثون بعد موتكم، وتحشرون إلى الله، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة".

 

6- قال البغوي: "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، بإذنه. وسخر لكم الأنهار، ذللها لكم تجرونها حيث شئتم. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، يجريان فيما يعود إلى مصالح العباد ولا يفتران، قال ابن عباس دؤو بهما في طاعة الله عز وجل، وسخر لكم الليل والنهار، يتعاقبان في الضياء والظلمة والنقصان والزيادة".

 

7- قال البغوي: "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا يعني: السمك، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها يعني: اللؤلؤ والمرجان، وترى الفلك مواخر فيه، جواري فيه. قال قتادة: مقبلة ومدبرة وهو أنك ترى سفينتين إحداهما تقبل والأخرى تدبر تجريان بريح واحدة”. تفسير البغوي: (3-74).

 

8- قال البغوي: "(وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)؛ أي: لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل، والميد: هو الاضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر: ميد، قال وهب: لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة: إن هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلق الجبال، وأنهارا وسبلا أي: وجعل فيها أنهارا وطرقا مختلفة، لعلكم تهتدون، إلى ما تريدون فلا تضلون عنه". تفسير البغوي: (3-74).

 

9- قال ابن كثير: "يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السماوات سقفا محفوظا والأرض فرشا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع. وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى، وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك، وما هناك إلى هنا، وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقا للعباد من شرب وسقي، وغير ذلك من أنواع المنافع. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين أي يسيران لا يفتران ليلا ولا نهارا (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) [يس: 40] (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) [الأعراف: 54] فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتعارضان، فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) [فاطر: 13] (ألا هو العزيز الغفار) [الزمر:5] [تفسير ابن كثير: (4-439).

 

10- قال السعدي: "يخبر تعالى: أنه وحده (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) على اتساعهما وعظمهما، (وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وهو: المطر الذي ينزله الله من السحاب، (فَأَخْرَجَ) بذلك الماء (مِنَ الثَّمَرَاتِ) المختلفة الأنواع (رِزْقًا لَكُمْ) ورزقا لأنعامكم (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) أي: السفن والمراكب (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) فهو الذي يسر لكم صنعتها وأقدركم عليها، وحفظها على تيار الماء لتحملكم، وتحمل تجاراتكم، وأمتعتكم إلى بلد تقصدونه. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ) لتسقي حروثكم وأشجاركم وتشربوا منها. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) لا يفتران، ولا ينيان، يسعيان لمصالحكم، من حساب أزمنتكم ومصالح أبدانكم، وحيواناتكم، وزروعكم، وثماركم، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ) لتسكنوا فيه (وَالنَّهَارَ) مبصرا لتبتغوا من فضله”.  تفسير السعدي: (ص: 426).

 

11- قال السعدي معلقا على قوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ): "أي: سخر لكم هذه الأشياء لمنافعكم وأنواع مصالحكم بحيث لا تستغنون عنها أبدا، فبالليل تسكنون وتنامون وتستريحون، وبالنهار تنتشرون في معايشكم ومنافع دينكم ودنياكم، وبالشمس والقمر من الضياء والنور والإشراق، وإصلاح الأشجار والثمار والنبات، وتجفيف الرطوبات، وإزالة البرودة الضارة للأرض، وللأبدان، وغير ذلك من الضروريات والحاجيات التابعة لوجود الشمس والقمر. وفيهما وفي النجوم من الزينة للسماء والهداية في ظلمات البر والبحر، ومعرفة الأوقات وحساب الأزمنة ما تتنوع دلالاتها وتتصرف آياتها، ولهذا جمعها في قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي: لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر فيما هي مهيأة له مستعدة تعقل ما تراه وتسمعه، لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظر حظ البهائم التي لا عقل لها" تفسير السعدي: (ص: 437).

 

12- قال السعدي: "هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم، وأنه لم يسوِّ بينهما، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتا، سائغا شرابها، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون، وأن يكون البحر ملحا أجاجا، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ولأنه ساكن لا يجري، فملوحته تمنعه من التغير، ولتكون حيواناته أحسن وألذ، ولهذا قال: (وَمِنْ كُلٍ) من البحر الملح والعذب (تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) وهو السمك المتيسر صيده في البحر، (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) من لؤلؤ ومرجان وغيرهما، مما يوجد في البحر، فهذه مصالح عظيمة للعباد. ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر، أن سخره الله تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب، فتراها تمخر البحر وتشقه، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر، ومن محل إلى محل، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم، فيحصل بذلك من فضل الله وإحسانه شيء كثير، ولهذا قال: (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ومن ذلك أيضا إيلاجه تعالى الليل بالنهار والنهار بالليل، يدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، كلما أتى أحدهما ذهب الآخر، ويزيد أحدهما وينقص الآخر، ويتساويان، فيقوم بذلك ما يقوم من مصالح العباد في أبدانهم وحيواناتهم وأشجارهم وزروعهم. وكذلك ما جعل الله في تسخير الشمس والقمر، الضياء والنور، والحركة والسكون، وانتشار العباد في طلب فضله، وما فيهما من تنضيج الثمار وتجفيف ما يجفف، وغير ذلك مما هو من الضروريات، التي لو فقدت لَلَحِقَ الناس الضرر. وقوله: (كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى) أي: كل من الشمس والقمر، يسيران في فلكهما ما شاء الله أن يسيرا، فإذا جاء الأجل، وقرب انقضاء الدنيا، انقطع سيرهما، وتعطل سلطانهما، وخسف القمر، وكورت الشمس، وانتثرت النجوم”.  تفسير السعدي: (ص: 686).

 

13- قال السعدي معلقا على قوله: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) "أي: وسخر تعالى لعباده السفن الجواري، التي تمخر البحر وتشقه بإذن الله، التي ينشئها الآدميون، فتكون من كبرها وعظمها كالأعلام، وهي الجبال العظيمة، فيركبها الناس، ويحملون عليها أمتعتهم وأنواع تجاراتهم، وغير ذلك مما تدعو إليه حاجتهم وضرورتهم، وقد حفظها حافظ السماوات والأرض، وهذه من نعم الله الجليلة، فلذلك قال: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)”.  تفسير السعدي: (ص: 830).

 

14- قال السعدي: "(وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أي: مدت مدًا واسعًا، وسهلت غاية التسهيل، ليستقر الخلائق على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغراسها، والبنيان فيها، وسلوك الطرق الموصلة إلى أنواع المقاصد فيها”. تفسير السعدي: (ص: 922).

 

15- قال ابن القيم: "وإذا نظرت الى الارض وكيف خلقت رأيتها من اعظم آيات فاطرها وبديعها خلقها -سبحانه- فراشا ومهادا وذللها لعباده وجعل فيه ارزاقهم واقواتهم ومعايشهم وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم وارساها بالجبال فجعلها اوتادا تحفظها لئلا تميد بهم ووسع اكنافها ودحاها فمدها وبسطها وطحاها فوسعها من جوانبها وجعلها كفاتا للأحياء تضمهم على ظهرها ما داموا احياء وكفاتا للأموات تضمهم في بطنها إذا ماتوا فظهرها وطن للأحياء وبطنها وطن للأموات وقد اكثر تعالى من ذكر الارض في كتابه ودعا عباده الى النظر اليها والتفكر في خلقها فقال تعالى (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) الله الذي جعل لكم الارض قرارا الذي جعل لكم الارض فراشا افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت وإلى ارض كيف سطحت ان في السموات والارض لآيات للمؤمنين وهذا كثير في القرآن فانظر اليها وهي ميتة هامدة خاشعة فإذا انزلنا عليها الماء اهتزت فتحركت وربت فارتفعت واخضرت وانبتت من كل زوج بهيج فأخرجت عجائب النبات في المنظر والمخبر بهيج للناظرين كريم للمتناولين فأخرجت الاقوات على اختلافها وتباين مقاديرها واشكالها والوانها ومنافعها والفواكه والثمار وانواع الادوية ومراعي الدواب والطير ثم انظر قطعها المتجاورات وكيف ينزل عليها ماء واحدا فتنبت الازواج المختلفة المتباينة في اللون والشكل والرائحة والطعم والمنفعة واللقاح واحد والام واحدة كما قال تعالى (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) فكيف كانت هذه الاجنة المختلفة مودعة في بطن هذه الام وكيف كان حملها من لقاح واحد صنع الله الذي اتقن كل شيء لا إله إلا هو ولولا ان هذا من اعظم آياته لما نبه عليه عباده وهداهم الى التفكير فيه قال الله تعالى (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) فجعل النظر في هذه الآية وما قبلها من خلق الجنين دليلا على هذه النتائج الخمس مستلزما للعلم بها ثم انظر كيف احكم جوانب الارض بالجبال الراسيات الشوامخ الصم الصلاب وكيف نصبها فأحسن نصبها وكيف رفعها وجعلها اصلب اجزاء الارض لئلا تضمحل على تطاول السنين وترادف الامطار والرياح بل اتقن صنعها واحكم وضعها واودعها من المنافع والمعادن والعيون ما اودعها ثم هدى الناس الى استخراج تلك المعادن منها والهمهم كيف يصنعون منها النقود والحلي والزينة واللباس والسلاح وآلة المعاش على اختلافها ولولا هدايته -سبحانه- لهم الى ذلك لما كان لهم علم شيء منه ولا قدرة عليه ومن آياته الباهرة هذا الهواء اللطيف المحبوس بين السماء والارض يدرك بحس اللمس عند هبوبه يدرك جسمه ولا يرى شخصه فهو يجرى بين السماء والارض والطير مختلفة فيه سابحة بأجنحتها في أو أمواجه عند هيجانه كما تضطرب امواج البحر فإذا شاء -سبحانه- وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحا للسحاب يلقحه بحمل الماء كما يلقح الذكر الانثى بالحمل وتسمى رياح الرحمة المبشرات والنشر والذاريات والمرسلات والرخاء والواقع ورياح العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيما وأودعه عذابا اليما وجعله نقمة على من يشاء من عباده فيجعله صرصرا ونحسا وعاتيا ومفسدا لما يمر عليه وهي مختلفة في مهابها فمنها صبا ودبور وجنوب وشمال وفي منفعتها وتاثيرها اعظم اختلاف فريح لينة رطبة تغذى النبات وابدان الحيوان واخرى تجففه واخرى تهلكه وتعطبه وأخرى تشده وتصلبه وأخرى توهنه وتضعفه ولهذا يخبر -سبحانه- عن رياح الرحمة بصيغة الجمع لاختلاف منافعها وما يحدث منها فريح تثير السحاب وريح تلقحه وريح تحمله على متونها وريح تغذى النبات ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها جعل لكل ريح ريحا مقابلتها تكسر سورتها وحدتها ويبقى لينها ورحمتها فرياح الرحمة متعددة وأما ريح العذاب فإنه ريح واحدة ترسل من وجه واحد لاهلاك ما ترسل باهلاكه فلا تقوم لها ريح اخرى تقابلها وتكسر سورتها وتدفع حدتها بل تكون كالجيش العظيم الذي لا يقاومه شيء يدمر كل ما اتى عليه وتأمل حكمة القرآن وجلالته وفصاحته كيف طرد هذا في البر وأما في البحر فجاءت ريح الرحمة فيه بلفظ الواحد كقوله تعالى (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان) فإن السفن إنما تسير بالريح الواحدة التي تأتي من وجه واحد فإذا اختلفت الرياح على السفن وتقابلت لم يتم سيرها فالمقصود منها في البحر خلاف المقصود منها في البر إذ المقصود في البحر ان تكون واحدة طيبة لا يعارضها شيء فأفردت هنا وجمعت في البر ثم انه -سبحانه- اعطى هذا المخلوق اللطيف الذي يحركه اضعف المخلوقات ويخرقه من الشدة والقوة والباس ما يقلق به الاجسام الصلبة القوية الممتنعة ويزعجها عن اماكنها ويفتتها ويحملها على متنه فانظر اليه مع لطافته وخفته إذا دخل في الزق مثلا وامتلأ به ثم وضع عليه الجسم الثقيل كالرجل وغيره وتحامل عليه ليغمسه في الماء لم يطق ويضع الحديد الصلب الثقيل على وجه الماء فيرسب فيه فامتنع هذا اللطيف من قهر الماء له ولم يمتنع منه القوي الشديد وبهذه الحكمة امسك الله -سبحانه- السفن على وجه الماء مع ثقلها وثقل ما تحويه وكذلك كل مجوف حل فيه الهواء فإنه لا يرسب فيه لان الهواء يمتنع من الغوس في الماء فتتعلق به السفينة المشحونة الموقرة فتأمل كيف استجار هذا الجسم الثقيل العظيم بهذا اللطيف الخفيف وتعلق به حتى امن من الغرق وهذا كالذي يهوى في قليب فيتعلق بذيل رجل قوي شديد يمتنع عن السقوط في القليب فينجو بتعلقه به فسبحان من علق هذامواجه كما تسبح حيوانات البحر في الماء وتضطرب جوانبه”.  مفتاح دار السعادة (1 199-201).

 

16- قال ابن القيم: "(هُوَ الَّذِي جعل لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النشور) أخبر -سبحانه- أَنه جعل الأَرْض ذلولا منقادة للْوَطْء عَلَيْهَا وحفرها وشقّها وَالْبناء عَلَيْهَا وَلم يَجْعَلهَا مستصعبة ممتنعة على من أَرَادَ ذَلِك مِنْهَا وَأخْبر -سبحانه- أَنه جعلهَا مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا وَأخْبر أَنه دحاها وطحاها وَأخرج مِنْهَا ماءها ومرعاها وثبَّتها بالجبال ونهج فِيهَا الفجاج والطرق وأجرى فِيهَا الْأَنْهَار والعيون وَبَارك فِيهَا وقدّر فِيهَا أقواتها وَمن بركتها أَن الْحَيَوَانَات كلهَا وأرزاقها وأقواتها تخرج مِنْهَا وَمن بركاتها أَنَّك تودع فِيهَا الْحبّ فتخرجه لَك أَضْعَاف أَضْعَاف مَا كَانَ وَمن بركاتها أَنَّهَا تحمل الْأَذَى على ظهرهَا وَتخرج لَك من بَطنهَا أحسن الْأَشْيَاء وأنفعها فتوارى مِنْهُ كل قَبِيح وَتخرج لَهُ كل مليح وَمن بركتها أَنَّهَا تستر قبائح العَبْد وفضلات بدنه وتواريها وتضمّه وتؤويه وَتخرج لَهُ طَعَامه وَشَرَابه فَهِيَ أحمل شَيْء للأذى وأعوده بالنفع فَلَا كَانَ من التُّرَاب خير مِنْهُ وَأبْعد من الْأَذَى وَأقرب إِلَى الْخَيْر”. الفوائد: (ص: 17).

 

17- قال ابن القيم: "أَنه -سبحانه- جعل لنا الأَرْض كَالْجمَلِ الذلول الَّذِي كَيْفَمَا يُقَاد ينقاد وَحسن التَّعْبِير بمناكبها عَن طرقها وفجاجها لما تقدّم من وصفهَا بِكَوْنِهَا ذلولا فالماشي عَلَيْهَا يطَأ على مناكبها وَهُوَ أَعلَى شَيْء فِيهَا وَلِهَذَا فسرت المناكب بِالْجَبَلِ كمناكب الْإِنْسَان وَهِي أعاليه قَالُوا وَذَلِكَ تَنْبِيه على أَن الْمَشْي فِي سهولها أيسر وَقَالَت طَائِفَة بل المناكب الجوانب والنواحي وَمِنْه مناكب الْإِنْسَان لجوانبه وَالَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بالمناكب الأعالي وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي يمشي عَلَيْهِ الْحَيَوَان هُوَ العالي من الأَرْض دون الْوَجْه الْمُقَابل لَهُ فان سطح الكرة أَعْلَاهَا وَالْمَشْي إِنَّمَا يَقع فِي سطحها وَحسن التَّعْبِير عَنهُ بالمناكب لما تقدّم من وصفهَا بِأَنَّهَا ذَلُول ثمَّ أَمرهم أَن يَأْكُلُوا من رزقه الَّذِي أودعهُ فِيهَا فذلّلها لَهُم ووطّأها وفتق فِيهَا السبل والطرق الَّتِي يَمْشُونَ فِيهَا وأودعها رزقهم فَذكر تهيئة الْمسكن للِانْتِفَاع والتقلب فِيهِ بالذهاب والمجيء وَالْأكل مِمَّا أودع فِيهَا للساكن ثمَّ نبّه بقوله وَإِلَيْهِ النُّشُورُ على أنّا فِي هَذَا الْمسكن غير مستوطنين وَلَا مقيمين بل دخلناه عابري سَبِيل فَلَا يحسن أَن نتخذه وطنا ومستقرّا وَإِنَّمَا دخلناه لنتزوّد مِنْهُ إِلَى دَار الْقَرار فَهُوَ منزل عبور لَا مُسْتَقر حبور ومعبر وممر لَا وَطن ومستقر فتضمّنت الْآيَة الدّلَالَة على ربوبيّته ووحدانيّته وَقدرته وحكمته ولطفه والتذكير بنعمه وإحسانه والتحذير من الركون إِلَى الدُّنْيَا واتخاذها وطنا ومستقرا بل نسرع فِيهَا السّير إِلَى دَاره وجنّته فَالله فِي مَا ضمن هَذِه الْآيَة من مَعْرفَته وتوحيده والتذكير بنعمه والحث على السّير إِلَيْهِ والاستعداد للقائه والقدوم عَلَيْهِ والإعلام بِأَنَّهُ -سبحانه- يطوي هَذِه الدَّار كَأَن لم تكن وَأَنه يحي أَهلهَا بعد مَا أماتهم وَإِلَيْهِ النشور”.  الفوائد: (ص: 18).

 

18- قال الغزالي: "أما الأرض فمن آياته أن خلق الأرض فراشا ومهادا وسلك فيها سبلا فجاجا وجعلها ذلولا لتمشوا في مناكبها وجعلها قارة لا تتحرك وأرسى فيها الجبال أوتادا لها تمنعها من أن تميد ثم وسع أكنافها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت إعمارهم وكثر تطوافهم فقال تعالى والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون وقال تعالى هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وقال تعالى الذى جعل لكم الأرض فراشا وقد أكثر فى كتابه العزيز ممن ذكر الأرض ليتفكر في عجائبها فظهرها مقر للأحياء وبطنها مرقد للأموات قال تعالى: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) فانظر إلى الأرض وهى ميتة فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت واخضرت وأنبتت عجائب النبات وخرجت منها أصناف الحيوانات ثم انظر كيف أحكم جوانب الأرض بالجبال الراسيات الشوامخ الصم الصلاب وكيف أودع المياه تحتها ففجر العيون وأسال الأنهار تجري على وجهها وأخرج من الحجارة اليابسة ومن التراب الكدر ماء رقيقا عذبا صافيا زلالا وجعل به كل شيء حي فأخرج به فنون الأشجار والنبات من حب وعنب وقضب وزيتون ونخل ورمان وفواكه كثيرة لا تحصى مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والصفات والأرابيح يفضل بعضها على بعض في الأكل تسقى بماء واحد وتخرج من أرض واحدة. فإن قلت: إن اختلافها باختلاف بذورها وأصولها فمتى كان فى النواة نخلة مطوقة لعناقيد الرطب ومتى كان فى حبة واحدة سمع سنابل فى كل سنبلة مائة ثم انظر إلى أرض البوادي وفتش ظاهرها وباطنها فتراها ترابا متشابها فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ألوانا مختلفة ونباتا متشابها وغير متشابه لكل واحد طعم وريح ولون وشكل يخالف الآخر فانظر إلى كثرتها واختلاف أصنافها وكثرة أشكالها ثم اختلاف طبائع النبات وكثرة منافعه وكيف أودع الله تعالى العقاقير المنافع الغريبة فهذا النبات يغذي وهذا يقوي وهذا يحيي وهذا يقتل وهذا يبرد وهذا يسخن وهذا إذا حصل في المعدة قمع الصفراء من أعماق العروق وهذا يستحيل إلى الصفراء وهذا يقمع البلغم والسوداء وهذا يستحيل إليهما وهذا يصفى الدم وهذا يستحل دما وهذا يفرح وهذا ينوم وهذا يقوى وهذا يضعف فلم تنبت من الأرض ورقة ولا تبنة إلا وفيها منافع لا يقوى البشر على الوقوف على كنهها وكل واحد من هذا النبات يحتاج الفلاح في تربيته إلى عمل مخصوص فالنخل تؤثر الكرم يكسح والزرع ينقى عنه الحشيش والدغل وبعض ذلك يستنبت ببث البذر فى الأرض وبعضه بغرس الأغصان وبعضه يركب فى الشجر ولو أردنا أن نذكر اختلاف أجناس النبات وأنواعه ومنافعه وأحواله وعجائبه لا نقضت الأيام في وصف ذلك فيكفيك من كل جنس نبذة يسيرة تدلك على طريق الفكر فهذه عجائب النبات، ومن آياته الجواهر المودعة تحت الجبال والمعادن الحاصلة من الأرض ففي الأرض قطع متجاورات مختلفة فانظر إلى الجبال كيف يخرج منها الجواهر النفيسة من الذهب والفضة والفيروزج واللعل وغيرها بعضها منطبعة تحت المطارق كالذهب والفضة، وكيف هدى الله الناس إلى استخراجها وتنقيتها واتخاذ الأواني والآلات والنقود والحلى منها ثم انظر إلى معادن الأرض من النفط والكبريت والقار وغيرها وأقلها الملح ولا يحتاج إليه إلا لتطييب الطعام ولو خلت عنه بلدة لتسارع الهلاك إليها فانظر إلى رحمة الله تعالى كيف خلق بعض الأراضي سبخة بجوهرها بحيث يجتمع فيها الماء الصافي من المطر فيستحيل ملحا مالحا محرقا لا يمكن تناول مثقال منه ليكون ذلك تطييبا لطعامك إذا أكلته فيتهنأ عيشك وما من جماد ولا حيوان ولا نبات إلا وفيه حكمة وحكم من هذا الجنس ما خلق شيء منها عبثا ولا لعبا ولا هزلا بل خلق الكل بالحق كما ينبغي وعلى الوجه الذى ينبغي وكما يليق بجلاله وكرمه ولطفه ولذلك قال تعالى وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقنهما إلا بالحق”. إحياء علوم الدين: (4/ 440-441).

 

19- قال التويجري: "وسبحان من جعل الأرض بالنسبة للإنسان كالأم، بل أشفق من الأم، فقد أمر الله الأم أن تسقيك لوناً واحداً من اللبن، وأمر الأرض أن تطعمك وتسقيك ألواناً من المأكولات والمشروبات. وكنت في بطن الأم الصغرى تسعة أشهر فما مسك جوع ولا عطش، كنت مطيعاً لله، دعاك إلى الخروج إلى الدنيا فخرجت إليها مطيعاً. وأنت الآن في بطن الأم الكبرى، وقد سخر الله لك كل شيء، وهو اليوم يدعوك إلى الخروج إلى الآخرة بالإيمان والأعمال الصالحة مراراً فلا تجيبه؟... وفي خلق الأرض آيات وعجائب وعبر، لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله، كما قال -سبحانه-: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) ... [الذاريات: 20]. ومن آياتها: خلقها بهذا الحجم الهائل العظيم، وسعتها وكبر خلقها، وتسطيحها ليستقر عليها الحيوان، فهي كروية لها سطح. ومن آياتها: أن جعلها -سبحانه- قراراً وفراشاً، لتكون مقر الحيوان ومساكنه. وجعلها -سبحانه- بساطاً يسير عليها الحيوان والإنسان بيسر وسهولة، وجعل فيها الفجاج والسبل: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)) [نوح: 19 - 20]، وجعلها الله عزَّ وجلَّ مهاداً ذلولاً، تُوطأ بالأقدام، وتضرب بالمعاول والفؤوس، وتُحمل على ظهرها الأبنية الثقال، فهي ذلول مسخرة لما يريد العبد منها في تحقيق مصالحه، من بناء وزراعة وصناعة”. موسوعة فقه القلوب: (1-486).

 

20- قال التويجري: "ومن رحمته -سبحانه- أن جعل الأرض ذلولاً، لم يجعلها في غاية الصلابة والشدة كالحديد فيمتنع حفرها وشقها، والغرس والزرع فيها، ولم يجعلها سائلة لا يمكن الزرع والغرس فيها، ولا رخوة لا يمكن السير عليها، والبناء فوقها، بل جعلها -سبحانه- قراراً بين الصلابة والدماثة، بحيث تصلح للسير والمشي، وتقبل الزرع والغرس، وتحمل المباني والأجسام الثقيلة: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15]. موسوعة فقه القلوب: (1-487).

 

21- قال التويجري: "ومن رحمته -سبحانه- أن خلق الأرض كثيفة غبراء، فصلحت أن تكون مستقراً للنبات والحيوان والأنام. لم يجعلها -سبحانه- شفافة لا يستقر عليها النور، فلا تقبل السخونة، فتكون باردة لا يعيش عليها ولا فيها حيوان ولا نبات. ولم يجعلها صقيلة براقة، لئلا يحترق ما عليها بسبب انعكاس أشعة الشمس، كما يشاهد من احتراق القطن عند انعكاس شعاع الجسم الصقيل الشفاف عليه". موسوعة فقه القلوب: (1-487).

 

22- قال التويجري: "فهي ذلول وحلوب، وهي مذللة للسير عليها بالقدم، وعلى الدابة، وعلى السيارة، وعلى الفلك التي تمخر البحار، ومذللة للزرع والجني والحصاد، ومذللة للحياة فيها بما تحويه من هواء وماء وتربة تصلح للزرع والإنبات. هذه الأرض التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، وهي دابة متحركة، بل رامحة راكضة، وهي في الوقت نفسه ذلول لا تلقي براكبها عن ظهرها، ولا تتعثر خطاها، ولا تهزه وترهقه كالدابة غير الذلول. ثم هي حلوب كما هي ذلول، فكم يخرج الله منها من المياه؟، وكم يخرج الله منها من الثمار والحبوب؟، وكم يخرج الله منها من البترول والغاز والمعادن؟.... إن هذه الدابة التي نركبها تدور بأمر الله حول نفسها، وتدور حول الشمس، وتدور مع المجموعة الشمسية، فهذه ثلاث دورات للأرض. فسبحان من خلقها، وسبحان من أمسكها، وسبحان من أجراها وحركها. ومع هذا الركض كله، يبقى الإنسان على ظهرها آمناً مستريحاً، مطمئناً معافى، لا تتمزق أوصاله، ولا تتهدم بيوته، ولا يقع مرة عن ظهره هذه الدابة الذلول: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15]". موسوعة فقه القلوب: (1/ 492-493).

 

23- قال ابن جرير في تفسير قوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) من شمس وقمر ونجوم (وَمَا فِي الْأَرْضِ) من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم (جَمِيعًا مِنْهُ) يقول تعالى ذكره: جميع ما ذكرت لكم أيها الناس من هذه النعم نعم عليكم من الله أنعم بها عليكم وفضل منه تفضل به عليكم وجميعها منه ومن نعمه فلا تجعلوا له في شرككم له شريكا بل أفردوه بالشكر والعبادة وأخلصوا له الألوهة فإنه لا إله لكم سواه". تفسير الطبري سورة الجاثية (آية: 13).

 

24- "وهذه اللفتة إلى ملكوت السماوات والأرض، وإلى ظاهرة الليل والنهار، وإلى تسخير الشمس والقمر، توحي إلى الفطرة بحقيقة الألوهية التي لا يليق معها أن يكون هناك ولد ولا شريك، فالذي يخلق هذا الخلق وينشئه إنشاء، لا يحتاج إلى الولد ولا يكون معه شريك، وآية الوحدانية ظاهرة في طريقة خلق السماوات والأرض، وفي الناموس الذي يحكم الكون، والنظر المجرد إلى السماوات والأرض يوحي بوحدة الإرادة الخالقة المدبرة". في ظلال القرآن: (٥-٣٠٣٨).

 

25- قال الرازي: “وأما الاستدلال بأحوال الشمس والقمر: فهو قوله سبحانه وتعالى: (وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأجَلٍ مُسَمًّى) [الرعد: ٢].

 

واعلم أن هذا الكلام اشتمل على نوعين من الدلالة: النوع الأول: قوله: (وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ)، وحاصله يرجع إلى الاستدلال على وجود الصانع القادر القاهر بحركات هذه الأجرام، وذلك لأن الأجسام متماثلة، فهذه الأجرام قابلة للحركة والسكون، فاختصاصها بالحركة الدائمة دون السكون لا بد له من مخصص، وأيضًا أن كل واحدة من تلك الحركات مختصة بكيفية معينة من البطء والسرعة، فلا بد أيضًا من مخصص، لا سيما عند من يقول الحركة البطيئة معناها حركات مخلوطة بسكنات، وهذا يوجب الاعتراف بأنها تتحرك في بعض الأحياز وتسكن في البعض، فحصول الحركة في ذلك الحيز المعين والسكون في الحيز الآخر؛ لا بد فيه أيضًا من مرجح....

 

ثم قال: والنوع الثاني: من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله: (كُلٌّ يَجْرِي لِأجَلٍ مُسَمًّى)، وفيه قولان:

 

الأول: قال ابن عباس: للشمس مائة وثمانون منزلًا، كل يوم لها منزل، وذلك يتم في ستة أشهر، ثم إنها تعود مرة أخرى إلى واحد منها في ستة أشهر أخرى، وكذلك القمر له ثمانية وعشرون منزلا، فالمراد بقوله: كل يجري لأجل مسمى هذا، وتحقيقه: أنه تعالى قدر لكل واحد من هذه الكواكب سيرًا خاصًا إلى جهة خاصة، بمقدار خاص من السرعة والبطء، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يكون لها بحسب كل لحظة ولمحة حالة أخرى ما كانت حاصلة قبل ذلك.

 

والقول الثاني: أن المراد: كونهما متحركين إلى يوم القيامة، وعند مجيء ذلك اليوم تنقطع هذه الحركات وتبطل تلك السيرات، كما وصف الله تعالى ذلك في قوله: (إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) [التكوير: ١-٢]". تفسير الرازي سورة الرعد (آية: 2).

 

26- قال المهايمي: "إن ربط العالم بعضه ببعض دليل توحيده، وجعل البعض سبب البعض، دليل حكمته، وجعل الكل مسخرًا للإنسان، دليل كمال جوده، فمن أنكر هذه الآيات ولم يشكر هذه النعم، استوجب أعظم وجوه الانتقام". محاسن التأويل؛ للقاسمي: (٨-٤٢٨).

 

27- قال الشوكاني: "والمراد من هذا: تنبيه العباد أن من قدر على هذه الأشياء فهو قادر على البعث والإعادة، ولذا قال: (لَعَلَّكم بِلِقاءِ رَبِّكم تُوقِنُونَ) [الرعد: ٢]. أي: لعلكم عند مشاهدة هذه الآيات توقنون بذلك لا تشكون فيه، ولا تمترون في صدقه". فتح القدير، سورة الرعد (آية: 2).

 

28- "إن هذا المخلوق الصغير.. الإنسان.. يحظى من رعاية الله سبحانه بالقسط الوافر، الذي يتيح له أن يسخر هذه الخلائق الكونية الهائلة، وينتفع بها على شتى الوجوه، وذلك بالاهتداء إلى سنن الكون الإلهي الذي يحكمها، والذي تسير وفقه ولا تعصاه! ولولا هذا الاهتداء إلى طرف السر ما استطاع الإنسان بقوته الهزيلة المحدودة أن ينتفع بشيء من قوى الكون الهائلة، بل ما استطاع أن يعيش معها وهو هذا القزم الصغير، وهي هذه المردة الجبابرة من القوى والطاقات والأحجام والأجرام، والبحر أحد هذه الجبابرة الضخام التي سخرها الله للإنسان، فهداه إلى شيء من سر تكوينها وخصائصها عرف منه هذه الفلك التي تمخر هذا الخلق الهائل، وهي تطفو على ثبج أمواجه الجبارة ولا تخشاها!". في ظلال القرآن؛ سورة الجاثية: (آية: 12).