توديع

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الوداع - بفتح الواو - لغة: اسم مصدر بمعنى التوديع، كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم.

 

قال الفيومي: وادعته موادعة صالحته والاسم الوداع - بالكسر - وودعته توديعا، والاسم الوداع بالفتح، وهو أن تشيعه عند سفره. القاموس المحيط، والمصباح المنير. 

 

وقال ابن منظور: الوداع توديع الناس بعضهم بعضا عند المسيرة. انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط.

 

وكل من المسافر والمقيم مودع ومودع، يقال: أراد فلان السفر، فودعنا وودعناه. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.

 

العناصر

1- تعريف التوديع.

 

2- جواز توديع الميت وذلك بتقبيله ومشاهدة وجهه والدعاء له قبل تكفينه.

 

3- من أدب المدعو توديع العلماء والدعاة إذا أرادا سفرا.

 

4- جواز صلاة التطوع في السفر عند توديع المنازل.

 

5- من آداب الإخوة توديع المسلم أخاه عند إرادة السفر.

 

6- أدب توديع الجيش.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) [الضحى: 3].

 

2- قوله تعالى: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم: 47-48].

 

3- قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النصر: 1-3].

 

الاحاديث

1- عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث وقال لنا: “إن لقيتم فلانا وفلانا لرجلين من قريش سماهما فحرقوهما بالنار” قال: ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج فقال: “إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما” رواه البخاري: 2954.

 

2- عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين. أخرجه ابن خزيمة: ١٢٦٠ واللفظ له، وأبو يعلى: ٤٣١٥، والخرائطي في مكارم الأخلاق: ٨٢١، وضعفه الألباني.

 

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه كانَ يقولُ للرَّجلِ إذا أرادَ سفرًا ادنُ منِّي أودِّعكَ كما كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يودِّعنا فيقولُ: "أستودعُ اللَّهَ دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملِك". أخرجه أبو داود: ٢٦٠٠، والترمذي: ٣٤٤٣ واللفظ له، وابن ماجه: ٢٨٢٦.

 

4- عن محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي مرفوعاً كان إذا ودع الجيش قال: "أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم“ أخرجه أبو داود: ٢٦٠١، والنسائي في السنن الكبرى (١٠٣٤١) باختلاف يسير.

 

5- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بمِنًى: “أتَدرُونَ أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. فقال: فإنَّ هذا يومٌ حرامٌ. أفتَدرونَ أيُّ بلَدٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: بَلَدٌ حَرامٌ. أفتَدرُون أيُّ شَهرٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: شَهرٌ حرامٌ. قال: فإنَّ اللهَ حَرَّم عليكم دِماءَكم وأمواَلكم وأعراضَكم كحُرمةِ يَومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بَلَدِكم هذا”. وقال هِشامُ بنُ الغازِ: أخبَرَني نافِعٌ عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: وَقَف النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يومَ النَّحرِ بينَ الجَمَراتِ في الحَجَّةِ التي حَجَّ بهذا، وقال: “هذا يومُ الحَجِّ الأكبَرِ”، فطَفِقَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: “اللَّهمَّ اشهَدْ”. ووَدَّع النّاسَ، فقالوا: هذه حَجَّةُ الوَداعِ. رواه البخاري: 1742.

 

6- عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ على رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ المُشْرِكُونَ: قدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (والضُّحى واللَّيْلِ إذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى: ١-٣]. أخرجه البخاري: ١٢٤٥ ومسلم: ١٧٩٧. 

 

7- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا ودَّعَ رجلاً أخذَ بيدِهِ فلاَ يدعُها حتّى يَكونَ الرَّجلُ هوَ يدعُ يدَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ويقولُ: "استودِعُ اللَّهَ دينَكَ وأمانتَكَ وآخرَ عملِكَ". أخرجه أبو داود: ٢٦٠٠، والترمذي: ٣٤٤٢ واللفظ له، وابن ماجه: ٢٨٢٦، وصححه الألباني.

 

8 - عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمِرَ النّاسُ أنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلّا أنَّه خُفِّفَ عَنِ الحائِضِ". رواه البخاري: ١٧٥٥، ومسلم: ١٣٢٨.

 

9- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ما صَلّى النبيُّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلاةً بَعْدَ أنْ نَزَلَتْ عليه: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ) إلّا يقولُ فِيها: سُبْحانَكَ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. أخرجه البخاري: ٤٩٦٧، ومسلم: ٤٨٤.

 

10- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال كانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مع أشْياخِ بَدْرٍ، فَكَأنَّ بَعْضَهُمْ وجَدَ في نَفْسِهِ، فَقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنا ولَنا أبْناءٌ مِثْلُهُ؟! فَقالَ عُمَرُ: إنَّه مَن قدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعاهُ ذاتَ يَومٍ فأدْخَلَهُ معهُمْ، فَما رُئِيتُ أنَّه دَعانِي يَومَئذٍ إلّا لِيُرِيَهُمْ، قالَ: ما تَقُولونَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ)؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنا أنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ونَسْتَغْفِرَهُ إذا نُصِرْنا وفُتِحَ عَلَيْنا، وسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، فَقالَ لِي: أكَذاكَ تَقُولُ يا ابْنَ عَبّاسٍ؟ فَقُلتُ: لا، قالَ: فَما تَقُولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللَّهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم أعْلَمَهُ له، قالَ: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ)، وذلكَ عَلامَةُ أجَلِكَ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّابًا)، فَقالَ عُمَرُ: ما أعْلَمُ منها إلّا ما تَقُولُ. أخرجه البخاري: ٤٩٧٠.

 

الاثار

1- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا ودَّعَ رجلًا أخذَ بيدِه، فلا يَدَعُها حتّى يكونَ الرَّجلُ هوَ الَّذي يَدَعُ يدَه ويقولُ: "أستَودِعُ اللهَ دِينَكَ، وأمانتَكَ، وخَواتيمَ عملِكَ". أخرجه أبو داود: ٢٦٠٠، والترمذي: ٣٤٤٣، وابن ماجه: ٢٨٢٦، وصححه الألباني في صحيح الجامع: ٤٧٩٥. 

الاشعار

1- قال بشار بن برد:

إِن ‌الوَداعَ من الأحبابِ نافلةٌ *** للظاعنينَ إِذا ما يَمَّموا بلدا

ولسْتُ أَدري إِذا شَطَّ المزارُ غداً *** هل تجمعُ الدارُ أم لا تلتقي أبدا

مجمع الحكم والأمثال: 1-365.

 

2- قصيدة د/ مصطفى السباعي رحمه الله (‌وداع راحل)

أهاجك الوجد أم شاقتك آثار *** كانت مناني نعم الأهل والدار

وما لعينك تبكي حرفة وأسىً *** وما لقلبك قد ضجت به النار

على الأحبة تبكى أم على طلل *** لم يبق فيه أحباء وسمّار

وهل من الدهر نشكو سوء عشرته *** لم يوف عهدا ولم يهدأ له ثار

هيهات يا صاحبي آس على زمن *** ساد العبيد به وأقتيد أحرار

أو أذرف الدمع في حب يفاركني *** أو في اللذائذ والآمال تنهار

فما سبتني قبل اليوم غانية *** ولا دعاني إلى الفحشاء فجار

أَمَتُّ في الله نفسا لا تطاوعني *** في المكرمات لها في الشر أضرار

وبعت في الله دنيا لا يسود بها *** حق ولا قادها في الحكم أبرار

وإنما حزني في صبية در جوار *** غفلٍ عن الشر لم توقد لهم نار

قد كنت أرجو زماناً أن أقودهم *** للمكرمات فلا ظلم ولا عار

والآن قد سارعتْ دربي إلى كفن *** يوماً سليبه بر وجبار

بالله يا صبيتي لا تهلكوا جزعاً *** على أبيكم طريق الموت أقدار

تركتكم في حمى الرحمن يكلؤكم *** من يهده الله لا توبقه وزار

وأنتم يا أهيل الحي صبينكم *** أمانة عندكم هل يهمل الجار

أفدى بنفس أما لا يفارقها *** هم وتنهار حزناً حين أنهار

فكيف تسكن بعد اليوم من شجن *** يا لوعة الثكل ما في الدار ديار

وزوجة منحتتي كل ما ملكت *** من صادق الود تحنان وأنبار

عشنا زماناً هنيئاً من تواصلنا *** فكم يؤرق بعد العز إدبار

وأخوة جعلوني بعد فقد أبي *** أباً لآمالهم روض وأزهار

استودع الله صحباً كنت أدخرهم *** للنائبات لنا أنس وأسمار

الملتقى في جنات الخلد إن قبلت *** منا صلاة وطاعات وأذكار

أبيات مختارة تشتمل على عقيدة، نصائح، مواعظ، وصايا، حكم، أمثال، أدب؛ لعبد الله بن محمد البصيري: 85-86.

 

3- عباس محمود العقاد

حَسْبُ الفنادقِ أن تذكرنا *** مرَّ الفناءِ بكلِّ من يَحْيا

تبدو الوجوهُ لعينِ عابرِها *** وتغيبُ عنه كأنها رُؤْيا

في كل ‌توديعٍ وتفرقةٍ *** شيٌ من التوديعِ للدنيا

مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي؛ لأحمد قبش: 8-332.

 

4- كان من عادة العرب ‌توديع أحبتهم وأصدقائهم ورد ذلك في أشعارهم وأخبارهم، قال ابن زريق:

استَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً *** بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ

وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي *** صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ

وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً *** وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ

صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ لحسين بن محمد المهدي: 1-214.

 

5- قال أحدهم:

لِلَّهوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّها *** قُبَلٌ يُزَوَّدُها حَبيبٌ راحِلُ

جَمَحَ الزَمانُ فَما لَذيذٌ خالِصٌ *** مِمّا يَشوبُ وَلا سُرورٌ كامِلُ

 صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ لحسين بن محمد المهدي: 1-215.

 

6- قال أبو العلاء المعري:

كم بَلْدَةٍ فارَقْتُها ومَعاشِرٍ *** يُذْرُونَ من أسَفٍ علَيّ دُمُوعا

وإذا أضاعَتْني الخُطوبُ فلنْ أرى *** لِوِدادِ إِخْوانِ الصَّفاءِ مُضِيعا

خالَلْتُ تَوْديعَ الأصادِقِ للنّوى *** فمتى أُوَدّعُ خِلّيَ التّوْديعا

 صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ لحسين بن محمد المهدي: 1-215.

 

7- قال أبو العلاء المعري:

أُوَدِّعُ يَومي عالَماً إِنَّ مِثلَهُ *** إِذا مَرَّ عَن مِثلي فَلَيسَ يَعودُ

صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ لحسين بن محمد المهدي: 1-215.

 

8- قال المعري:

‌أوَدِّعُ يوماً عالماً أن مِثْلَه *** إِذا مرَّ عن مِثْلي فليس يعودُ

مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي؛ لأحمد قبش: 4-324.

 

9- قال الآخر:

وما الدهر والأيام إلاّ كما ترى *** رزية مال أو ‌فراق حبيب

مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي؛ لأحمد قبش: 9-304.

 

10- قال ابن الطفيل :

يا باكياً فرقةَ الأحبابِ عن شَحَطٍ *** هلا بكيتَ ‌فراقَ الرُّوحِ للبدنِ

نورٌ تردَّدَ في طينٍ إِلى أجلٍ *** فانحازَ علواً وخَلىَّ الطينَ للكفنِ

يا شدَّ ما افترقا من بعدِ ما اعتنقا *** أظنها هدنةً كانتْ على دخنِ

إِن لم يكنْ في رضا الله اجتماعهما *** فيا لها صفقةً تمتْ على غبنِ

مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي؛ لأحمد قبش: 4-292.

 

متفرقات

1- قال الدكتور سعيد بن علي بن وهب القحطاني: من أدب المدعو توديع العلماء والدعاة إذا أراد سفرا: ظهر في هذا الحديث أن من الأدب توديع العلماء والدعاة قبل السفر؛ ولهذا قال أبو هريرة - رضي الله عنه - في هذا الحديث في شأن النبي صلى الله عليه وسلم: “ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج”. فينبغي أن يعتني المدعو وكذلك الداعية بتوديع العلماء في بلده؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده، وتوديع أصحابه له أيضا. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 151، وانظر: عمدة القاري للعيني 14/ 221 وانظر فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري لسعيد بن علي بن وهب القحطاني.

 

2- قال الطاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى: (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا). مريم: 47، 48]: سلام عليك سلام توديع ومتاركة. وبادره به قبل الكلام الذي أعقبه به إشارة إلى أنه لا يسوءه ذلك الهجر في ذات الله تعالى ومرضاته. ومن حلم إبراهيم أن كانت متكارته أباه مثوبة بالإحسان في معاملته في آخر لحظة. التحرير والتنوير (16/121.

 

3- قال الألباني تعليقاً على حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ودع رجلا أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع يد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: “ أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك “: يستفاد من هذا الحديث الصحيح جملة فوائد: الأولى: مشروعية التوديع بالقول الوارد فيه " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك " أو يقول: " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه”. الثانية: الأخذ باليد الواحدة في المصافحة، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة، وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة. ففي " لسان العرب ": " والمصافحة: الأخذ باليد، والتصافح مثله، والرجل يصافح الرجل: إذا وضع صفح كفه في صفح كفه، وصفحا كفيهما: وجهاهما، ومنه حديث المصافحة عند اللقاء، وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه”. الفائدة الثالثة: أن المصافحة تشرع عند المفارقة أيضا ويؤيده عموم قوله صلى الله عليه وسلم " من تمام التحية المصافحة " وهو حديث جيد باعتبار طرقه ولعلنا نفرد له فصلا خاصا إن شاء الله تعالى، ثم تتبعت طرقه، فتبين لي أنها شديدة الضعف، لا تلصح للاعتبار وتقوية الحديث بها، ولذلك أوردته في " السلسلة الأخرى:1288. ووجه الاستدلال بل الاستشهاد به إنما يظهر باستحضار مشروعية السلام عند المفارقة أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم، وإذا خرج فليسلم، فليست الأولى بأحق من الأخرى”. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بسند حسن. فقول بعضهم: إن المصافحة عند المفارقة بدعة مما لا وجه له، نعم إن الواقف على الأحاديث الواردة في المصافحة عند الملاقاة يجدها أكثر وأقوى من الأحاديث الواردة في المصافحة عند المفارقة، ومن كان فقيه النفس يستنتج من ذلك أن المصافحة الثانية ليست مشروعيتها كالأولى في الرتبة، فالأولى سنة، والأخرى مستحبة، وأما أنها بدعة فلا، للدليل الذي ذكرنا. وأما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا قد تلاقيا قبل ذلك فهي سنة كما علمت. السلسلة الصحيحة ح16.

 

4- قال ابن القيم رحمه الله: كان إذا ودع أصحابه في السفر يقول لأحدهم أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. وجاء إليه رجل وقال يا رسول الله إني أريد سفرا، فزودني. فقال زودك الله التقوى. قال زدني. قال وغفر لك ذنبك. قال زدني. قال ويسر لك الخير حيثما كنت. وقال له رجل إني أريد سفرا، فقال أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف " فلما ولى، قال " اللهم ازو له الأرض وهون عليه السفر. زاد المعاد: 2/407.

 

5- قال الشوكاني تعليقاً على كلام السائب بن يزيد: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع: والتشييع الخروج مع المسافر لتوديعه وفيه الترغيب في تشييع الغازي وإعانته على بعض ما يحتاج إلى القيام بمؤنته، لأن الجهاد من أفضل العبادات والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات. وفي الحديث دليل على مشروعية تلقي الغازي إلى خارج البلد، ولما في ذلك من التأنيس له والتطييب لخاطره والترغيب لمن كان قاعداً في الغزو. نيل الأوطار.

 

6- قال ابن الهمام: يودع المسافر أهله وإخوانه، ويستحلهم، ويطلب دعاءهم، ويأتي إليهم لذلك، وهم يأتون إليه إذا قدم. فتح القدير: 2 / 319.

 

7- قال ابن علان: وهذا لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أتى أصحابه فسلم عليهم، وإذا قدم من سفر أتوا إليه فسلموا عليه قال: وإنما كان هو المودع لأنه المفارق، والتوديع منه. والقادم يؤتى إليه ليهنأ بالسلامة. شرح الأذكار 5 / 112- 113.

 

8- قال النووي: السنة أن يقول المودع للمسافر ما ورد أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. حديث: أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا... أخرجه الترمذي 5-499 وقال: حديث حسن صحيح، قال الخطابي: الأمانة هنا أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله أو ما في معناهما، وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر، وقد تصيبه فيه المشقة والتعب، فيكون سببا لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق.

 

9- قال ابن عبد البر: إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع أخوانه فإن الله جاعل في دعائهم بركة. الآداب الشرعية لابن مفلح: 1/450.

 

10- قال فهد بن يحى الغماري: يستحب توديع المسافر أهله وأصحابه: بقوله: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه). رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في الجامع برقم 958. ويردون عليه: (نستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك). رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في الجامع برقم 957. ويقال كذلك: (زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيث كنت) وكلها صحيحة. رواه الترمذي والحاكم وحسنه الحافظ]. والحكمة من قولهم نستودع الله دينك..: لأن السفر مظنة للتقصير والتساهل في أمور الدين بسبب المشقة، وعدم الرقيب من البشر، والبعد عنهم فكان الدعاء بذلك مناسباً للحال. المختصر في أحكام السفر ص 19.

 

الإحالات

1- بهجة المجالس وأنس المجالس - القرطبي 2/246 دار الكتب العلمية.