عناصر الخطبة
1/المحافظة على الصحة من واجبات الشريعة 2/حث الإسلام على التداوي 3/الوقاية من المرض لا ينافي التوكل 4/من الأسباب الشرعية للوقايةاقتباس
إِنَّ أَخَذَ التَّطْعِيمِ مُسْتَحَبٌ، وَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ يَنْوِي بِذَلِكَ حِفْظَ صِحَّتِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَمُجْتَمَعِهِ، فَهُوَ عِبَادَةٌ يُؤْجِرُ عَلِيهَا، خَاصَّةً مَعَ دُخُولِ فَصْلِ الشِّتَاءِ، وَتَقَلُّبِ الْأَجْوَاءِ حَيْثُ تَنْتَشِرُ عَدْوَى الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ؛ مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى مُضَاعَفَاتٍ خَطِيرَةٍ عَلَى كِبَّارِ السِّنِّ وَغَيرِهِمُ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ أَمَرَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَفِعْلِ الْأسْبَابِ، أَحَمِدَهُ -سُبْحَانَهُ- عَلَى جَزِيلِ نَعْمَائِهِ وَسَابِغِ عَطَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِّيكَ لَهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيِّرُ الْمُتَوَكِّلِينَ، وَأُفَضِّلُ الْمُتَفَائِلَيْنَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغِرِّ الْمَيَامِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ المُؤمنينَ-؛ فَهِيَ زَادُ الصَالحِينَ، وَنَجَاةٌ مِنْ كُرُبَاتِ يَومِ الدِينِ (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف: 128].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى سَلَاَمَةِ النُّفُوسِ وَالْأبدَانِ مَنْ آكَدِ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)[النساء: 29]، وَتَقَرَرَ فِي الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْعُ الضَّرَرِ والإضّرَارِ.
وَالتَّوَكُلُ عِبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، وَهُوَ صِدْقُ الْاِعْتِمَادِ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- مَعَ فَعَلِ الْأسْبَابِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أفْضَلُ الْمُتَوَكِّلِينَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَالَجُ وَيُعَالِجُ، وَإِذَا قَاتَلَ الْعَدُوَّ يَلْبَسُ الدُّرُوعَ وَيَحْتَمِي، بَلْ لَبِسَ دِرْعَيْنِ فِي غَزْوَةِ أُحْدٍ، وَهَذَا وِقَايَةٌ مِنْ شَرِ الْأَعْدَاءِ، وَنَهَى -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّيْرَةِ، وَأَمْرَ بِأخْذِ الْحَذِرِ، وَعَمَلِ الْأسْبَابِ مِنْ عَدْوَى الْأَمْرَاضِ، فَقَالَ: "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَكَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَدْ وَجَّهَ الْإِسْلَامُ إِلَى ضَرُورَةِ التَّدَاوِي مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، وَالْأخْذِ بِأسْبَابِ الشِّفَاءِ وَالْعِلَاَجِ الَّتِي يُوصِي بِهَا الْأَطْبَاءُ وَالْمُخْتَصُّونَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَقَالَ: "تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضْعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمِ"(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ).
وَالتَّطْعِيمُ دَاخِلٌ فِي جِنْسِ الدَّوَاءِ وَالْعِلَاَجِ الْمَأْمُورِ بِهِ شَرَعَاً، وَيَعْتَبِرُ تَطْعِيمُ الْأَشْخَاصِ ضِدَّ الْأَوْبِئَةِ عِلَاَجًا وِقَائِيًّا مِنَ الْمَرَضِ الَّذِي يَخْشَى مِنْهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْإِسْلَامُ هَذَا الْمَبْدَأَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تُصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمْرَاتٍ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ؛ لَمْ يَضُرَّهُ سِحْرٌ وَلَا سُمٌّ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ)، كَمَا شَرَعَ قَوَاعِدَ الْحَجَرِ الصِّحِيِ فِي مَرَضِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-:"إِذَا سَمِعْتُم بِالطَّاعُونِ بِأَرَضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقْعَ بِأَرَضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تُخْرِجُوا مِنْهَا"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).
وَإِنَّ دَفْعَ الْأَمْرَاضِ بِالتَّطْعِيمِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، كَمَا لَا يُنَافِيهِ دَفْعُ أدْوَاءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحِرِّ وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، بَلْ لَا تَتِمْ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ إِلَّا بِمُبَاشِرَةِ الْأسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي نَصَبِهَا اللهَ -تَعَالَى- مُقْتَضَيَاتٍ لِمُسَبِّبَاتِهَا قَدْرَاً وَشَرَعَاً، قَالَ الْعَلَاَمَةُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ تَطْعِيمِ الْحُمَّى الشَّوْكِيَّةِ: "اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْإِبَرِ لَيْسَ فِيهِ بِأُسٌ، وَلَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، بَلْ هُوَ مِنْ فَعَلِ الْأسْبَابِ النَّافِعَةِ الَّتِي يَدْفَعُ اللهُ بِهَا الشَّرَّ".
إِنَّ أَخَذَ التَّطْعِيمِ مُسْتَحَبٌ، وَإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ يَنْوِي بِذَلِكَ حِفْظَ صِحَّتِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَمُجْتَمَعِهِ، فَهُوَ عِبَادَةٌ يُؤْجِرُ عَلِيهَا، خَاصَّةً مَعَ دُخُولِ فَصْلِ الشِّتَاءِ، وَتَقَلُّبِ الْأَجْوَاءِ حَيْثُ تَنْتَشِرُ عَدْوَى الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ؛ مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى مُضَاعَفَاتٍ خَطِيرَةٍ عَلَى كِبَّارِ السِّنِّ وَغَيرِهِمُ، وَقَدِ وَفَّرَتْ بِلَادُنَا -حَرَسَهَا اللهُ- تَّطْعِيمَاتِ (الانْفلونْزَا الْمَوْسِمِيَّةِ) مَجَّانًا لِلْمُوَاطِنِينَ وَالْمُقِيمِينَ؛ لِلْمُسَاهَمَةِ فِي الْوِقَايَةِ مِنَ الْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ.
اللَّهُمَّ احْرُسْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاحْفَظْنَا بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُضَامُ، يَا ذَا الْجَلَاَلِ وَالْإكْرَامِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطبَةُ الثَّانيةُ:
الْحَمْدُ للّهِ وَكَفَى، وَسَلَاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
وَبَعْدُ: فَاتَّقُوْا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ رَبِكُمْ، وَأَحْسَنُوا الظَّنَ بِهِ، وَتَحَصَّنُوا بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَخُذُوا بِأسْبَابِ الْوِقَايَةِ الْمَشْرُوعَةِ مَعَ الثِّقَةِ بِاللهِ؛ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف: 64].
وَاِعْلَمُوا- رَحِمَكُمِ اللهُ- أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاَةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيهِ، فَقَالَ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ، وَصَلِّ عَلَى الآلِ الْأَطْهَارِ، وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَجَمِيعِ الصَّحْبِ الْأَخْيَارِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادَمَ الحَرَمِينِ الشَرِيفَينِ، وَوَليَ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ احْفَظْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَفِي السُّودَانِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ كَنْ لَهُمْ نَاصِرَاً وَمُعَيَّنَاً، وَمُؤَيِّدَاً وَظَهِيرَاً، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ، وَاشْفِ مَرْضَاَهُمْ، وَاِرْحَمْ مَوْتَاَهُمْ، وَفَرَجْ كَرْبَهُمْ، وَأَبَدِلْ خَوْفَهُمْ أمْنَاً، يَا أَرَحَمَ الرَّاحِمَيْنَ.
عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
التعليقات