عناصر الخطبة
1/سبب الفشل في استغلال الإجازة 2/مسؤولية الأب تجاه أولاده 3/من آفات الإجازة والفراغ 4/من أضرار الصحبة السيئة 5/من البرامج المفيدة في الإجازةاقتباس
فأفضل ما قضيت به الأوقات، وأنفقت فيه الأعمار هو كتاب الله، قراءة وحفظا وتعلما، ودونكم الدورات المكثفة التي يعلن عنها في كل حي تقريبا، في المساجد والدور النسائية، ثم تعلم العلم النافع من قراءة كتاب، أو حفظ متن، أو حضور درس علمي....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد: فيا أيها الناس: نستقبل أياما هي أيام الراحة بالنسبة للطلاب، بعد عناء ثلاثة فصول طويلة، ولكن كيف سيقضي أولادنا هذه الإجازة؟ هل ستضيع في النوم، وأمام الأجهزة، وفي الشوارع، ومع قرناء السوء؟ ووالله إن الفراغ نعمة، ولكننا سنسأل عنه: فيمَ قضيناه؟ هل حفظناه أو ضيعناه؟.
أيها الآباء والمربون: غياب عنصر التخطيط عن حياتنا في جميع اتجاهاتها هو من أبرز عناصر الفشل فيها، والبراءة من هذه العلة ليست عسيرة، ولا تحتاج إلى طبيب ولا مهندس، كل ما تحتاجه التفاتة إلى ما يجب أن نفعله، أو حتى ما نود أن نفعله، فنجلس له، ونحدد الهدف منه بدقة، ثم نخضع له كل قوانا من أجل التخطيط الذي قد يستغرق منا زمنا، هو به جدير ولا شك.
الإجازة بالنسبة للطلاب تحرر من قيود لا حدود لها، وهي بالنسبة لكثير من الآباء ورطة لا يعرفون التخلص منها!.
كانت الأنشطة اليومية مضبوطة بالأوقات، النوم والمدرسة والأكل والصلاة واللعب والزيارات، كل له موعده الدقيق، بينما في الإجازة تتحطم جميع المواعيد بين هذه الأنشطة، وتنشأ عند كثير من الناس أنشطة جديدة، كثير منها في إطار اللهو واللعب والمرح والترفيه، بحجة أن الإجازة لم تخصص إلا لذلك!.
وهنا يبرز دور المربي الناصح، الذي يراقب الله في تربية من تحت يده، ممتثلا قوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم: 6]، فتجده يبحث لهم عما يملأ وقتهم بالمفيد النافع، أنه يعلم أنه مسؤول عنهم، ويخاف عليهم من آفات الفراغ، وما تجره من الويلات.
وأما آفات الإجازات فهي كثيرة جدا، ولا يجوز للآباء والأمهات أن يهربوا من مسؤولياتهم تجاهها.
أولها: قعود الأولاد، أيا كان الداعي للقعود، فإن الطفل خاصة، والإنسان بعامة في حاجة ماسة للحركة، وإذا كان علماء النفس يرون أن الطفل في حاجة إلى الحركة بنسبة 75% من وقته، فما الحال بالنسبة لأطفال سبيس تون ونتورك وبلاي ستيشن وغيرها؟ وهذا يجعلنا نبحث عن الألعاب الأكثر قدرة على الحركة، كالكرة، والدراجات، وركوب الخيل، والسباحة، وسباق الجري، وغير ذلك.
ثانيها: التلوث الفكري، وهو ما نجده الآن في عدد كبير من الفضائيات المفتوحة، والمواقع الإباحية، التي هدمت بيوتا كانت آمنة مطمئنة، وقذرت أعراضا كانت مصانة محفوظة، وغيرت نفوسا كانت عزيزة منيعة، ولا حل سوى تغييبها عن المنزل؛ لأن الفتنة لا تؤمن على أحد، ولا سيما في سن التشكل.
ثالثها: الصداقات الرديئة، والتي تتكاثر كالجراثيم في الجرح المفتوح، فمن عرض نفسه لذلك فقد وقع أو أوقع من تحت ولايته في أتون الدمار، ولا يقولن أحد: إنه قادر على حماية نفسه، والأمر لا يعدو مجرد صداقة بريئة، نهايتها الضحك والمزاح، بل إن النهايات التي شاهدناها لمثل ذلك: الفتنة، وضياع المروءة، وقلة الصلاة، وتعاطي التدخين أو المخدرات والخمرة، وسفر المعصية، وضياع الهدف حتى من الحياة، وفي النهاية عدم النجاح في أي شأن من شؤون الدنيا والآخرة.
أيها المربون: إنما هي شهران، لابد من التخطيط لها وإلا ذهبت أدراج الرياح، إن كثيرا من المربين للأسف في غفلة عمن تحت أيديهم.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: كما ذكرنا سابقا، لابد من إعداد الخطة الناجحة لقضاء هذه الإجازة، بما يعود على أولادنا بالنفع والفائدة، وإن لدينا برامجَ وقنواتٍ نستطيع من خلالها أن نملأ أوقات أولادنا بالمفيد، ونمر على بعض منها، فنحرص على المفيد الذي يكتسبون من خلاله مهارات جديدة مفيدة، أو ترويح عن النفس مباح، أو تعلم علم نافع.
فأفضل ما قضيت به الأوقات، وأنفقت فيه الأعمار هو كتاب الله، قراءة وحفظا وتعلما، ودونكم الدورات المكثفة التي يعلن عنها في كل حي تقريبا، في المساجد والدور النسائية، ثم تعلم العلم النافع من قراءة كتاب، أو حفظ متن، أو حضور درس علمي، ومن تلك البرامج الأندية الصيفية التي تقام تحت مظلة رسمية ويقوم عليها شباب ثقاة، ويجمعون في هذه الأندية بين المفيد والترويح عن النفس، واجعل ابنك في هذه الإجازة يكتسب خبرة، يتعلم لغة، يتعلم لغة الحاسب، يدخل دورة مفيدة، المهم ملء وقته بالمفيد.
وإذا كان لا بد من السفر، فليكن بعيدا عن البلدان التي يخلع فيها الحياء، ويبتذل فيها الإنسان، وتنتحر في لياليها الفضيلة، وأتوجه إلى بلدان أجد فيها متنفسًا روحيًا لأهذبها، وميدان فكري وعقلي بالاطلاع على حضارتها ومعطياتها المدنية والعلمية، وأحس فيها بطعم الراحة التي أحرقتها شمس بلدي الحبيب.
ولماذا البعد والجفاء ومكة والمدينة وأبها والطائف والباحة على مقربة منا، في منتجعاتها أجد كل أهدافي النبيلة من إجازة تمتد لشهرين كاملين وزيادة؟!.
أيها الناس: أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن: عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟"، فليست الأمور سبهللا، ولم يخلق العبد عبثا، بل هي أمور مقدرة، وشرائع مفروضة، وحدود مضروبة، والحساب غدا بين يدي الله -تعالى-.
التعليقات