الحياة السعيدة والجد في نيلها

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-09-28 - 1447/04/06
عناصر الخطبة
1/خطورة الميل إلى الملذات واتباع الهوى 2/التألم لكثرة المعرضين عن الدين 3/حقيقة الحياة السعيدة 4/المنافسة الحقة في الحق لا في الباطل 5/لزوم الحق والاستقامة عليه.

اقتباس

إن الوقت في هذه الحياة ثمين، وإن المنافسة الحقة في الحق لا في الباطل، في الأعمال الصالحة لا في الملاعب والملاهي، في الوقوف عند حدود الله لا في تعدّيها، وفي الأعمال التي تُصلح القلوب والأبدان والأعراض والأموال، لا في عمل الشيطان الذي يُفسدها....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق تقواه، وتذكروا أن مِن أهمها: إخلاص العمل لوجه الله، والانقياد لطاعته، والتذلل بين يديه، والشكر لنعمه، فهو -تعالى- لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا هملاً، بل خلقنا لعبادته وطاعته، وأرسل الرسل لأجل ذلك؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[سورة النحل: 36].

 

ووعد -تعالى- مَن أطاعه وأطاع رسوله أن يُدخله جنته، وتوعَّد مَن عصاه وعصى رسوله وتعدَّى حدوده أن يُدخله ناره، مبينًا ما في الجنة من نعيم وخلود وفوز، وما في النار من خلود وعذاب مهين، قال -تعالى-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[سورة النساء: 13-14]، فما أعظم الفوز لمن حصل له، وما أشد العقاب على مَن وقع عليه.

 

معشر المسلمين: لا يخفى أن من أعظم أسباب الهلاك ما ابتلي به الإنسان من الميل إلى الملذات والشهوات، واتباع الهوى والشيطان، فتراه يغفل عن هذا الابتلاء، فيقع في ما لا تُحمد عقباه، دون أن يفكر فيما أعطاه الله من قدرات للتمييز بين الحق والباطل؛ (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[سورة البلد: 8-10].

 

 فهل فكّر هذا الإنسان في ميله في العاجل دون الآجل، وهل فكّر في الشَّرَك الذي نصبه له عدوه إبليس، وهل تحمَّل مشقة الصبر على مكافحة نفسه وهواه، أم يُردي نفسه في طرق الهاوية بدون مبالاة ولا اهتمام؟ وذلك لقلة خوفه من ربه، وضعف إيمانه بالبعث والجزاء، وما أكثر من هذه حالته وغفلته، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 وحين يصل الأمر إلى التألم لكثرة المعرضين عن الدين؛ فتذكَّر قوله -تعالى-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)[سورة يوسف: 103]، وقوله -تعالى-: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[سورة آل عمران: 20].

 

 ومما يدل أيضًا على حقيقة أمر الإنسان وغفلته عن طاعة ربه، أنه لو خاف من الله حقًّا وعظَّم أمره لم يَعْصه ولم يخالف شريعته، ولو آمَن بالبعث والجزاء حقًّا لاستعد للقاء الله الموعود وجزائه الحتمي، ولم ينسى ذلك أو يستخفّ به.

 

أيها المسلمون: ليست الحياة السعيدة العيش في هذه الحياة الدنيا، والاستمتاع بالملذات الزائلة، والسرور بها، وإنما الحياة السعيدة التي فيها السلوك الحسن المُوصِّل لأعلى المقامات، وأشرفها، ومن هنا تخفّ وطأة التعب على المؤمن، إذا كان هدفه سليمًا، وطريقه واضحًا جليًّا.

 

بل ترخص عنده مظاهر هذه الدنيا، ويزول عنه بريقها، فيقبل إلى ربه محبًّا وراغبًا ومستحضرًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل الناس يغدو فبائع نفسه؛ فمعتقها أو موبقها"، ويسوق نفسه بتخويفها من نار تلظى، وبنهيها عن الهوى، راغبًا في جنة المأوى، قوي الإيمان بقوله -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[سورة النازعات: 37-41].

 

  معشر المسلمين: إن الوقت في هذه الحياة ثمين، إن الوقت ثمين، وإن المنافسة الحقة في الحق لا في الباطل، في الأعمال الصالحة لا في الملاعب والملاهي، في الوقوف عند حدود الله لا في تعدّيها، وفي الأعمال التي تُصلح القلوب والأبدان والأعراض والأموال، لا في عمل الشيطان الذي يُفسدها.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[سورة المائدة: 90-91].

 

بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أنعم علينا بكتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له الحي القيوم، العالم بكل شيء فلا تخفى عليه خافية.

 

 وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ نبي قام لله حتى تورمت قدماه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- واتباع مرضاته، فما أحسن مَن يتثبت في أمور دينه ودنياه، حتى يكون على النهج الصحيح، والطريق القويم، في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال: "قل آمنت بالله ثم استقم"، فما أعظم هذا السؤال في الإسلام! وما أوجز الجواب عليه! وما أشرف ما تضمنه وأعظمه!

 

عباد الله: وحين يسأل العبد عما يقرّبه إلى ربه ومغفرته ومرضاته ومحبته، فلا يخفى أن مِن أهم ما يتقرب به أداء الفرائض على الوجه الأكمل، وكذلك النوافل، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- قال: مَن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه".

 

 فما أعظمها من استجابة! وما أشرفها من محبة!، فالله الله -يا عباد الله- في الإدلاج إلى هذه السعادة والعز والشرف، وذلك بالإيمان به -تعالى-، والاستقامة على طاعته، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل، وليكن هوانا تبعًا لما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولنكثر من الدعاء للوصول إلى هذه المطالب الشريفة والعون عليها، ومن ذلك أن نقول دبر كل صلاة: "اللهم أعنّا على ذِكْرك وشكرك وحسن عبادتك"، وغير ذلك من الدعاء المناسب، فهو -تعالى- ولي ذلك والقادر عليه.

 

هذا وصلوا على نبينا امتثالاً لأمر ربنا، فقد قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life