عناصر الخطبة
1/كثرة نعم الله تعالى علينا 2/وجوب شكر النعم والمحافظة عليها 3/خطورة كفران النعم 4/تحريم الإسراف والتبذير 5/التحذير من مظاهر البطر والسرف والخيلاء 6/من مظاهر البطر البغيضة.اقتباس
كيف كفرت بأنعم الله؟ شكرت بهذه النعم غير الله، ووظَّفتها في معاصي الله تبخترًا وخُيلاء، وكِبرًا وتعاليًا على عباد الله؛ (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ)؛ أي: بعد الشِّبع، ولباس الخوف أي: بعد الأمن (بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)....
الخطبةُ الأولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أيها المؤمنون: إن أعظم نِعَم الله علينا ومِنَنه فينا أن هدانا للإيمان، وجعلنا من عباده المسلمين، يليها نعمة الأمن في الأوطان، والأمن في الأولاد الأهل والأموال.
ومن ذلك -يا عباد الله- هذه النعم التي نرفل بها في صحتنا وفي طعامنا وشرابنا، وفي ملابسنا ودورنا، هذه النعم إنما تدوم بشكر الله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7].
إن هذه النعم ضرب الله فيها الأمثال العظيمة في كلامه القرآن، وهي أمثال تأخذ بمجامع القلوب، ولا يفطن لها إلا مَن أنار الله قلبه بتوحيده؛ (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]؛ كيف كفرت بأنعم الله؟ شكرت بهذه النعم غير الله، ووظَّفتها في معاصي الله تبخترًا وخُيلاء، وكِبرًا وتعاليًا على عباد الله؛ (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ)؛ أي: بعد الشِّبع، ولباس الخوف أي: بعد الأمن (بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عبد الله بن عمرو -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُما-: "كلوا واشربوا والبسوا من غير إسرافٍ ولا مخيلة"(أخرجه النسائي ٢٥٥٩، وابن ماجه ٣٦٠٥، وأحمد ٦٦٩٥)؛ أي: من غير إسرافٍ في أكلكم وشربكم ولبسكم، ومن غير مخيلةٍ أي: من غير كِبْر ولا تعالٍ على عباد الله، همُّكم أن تُمْدَحُوا على ما تقدموا، وتتبختروا بما تقدموا من اللباس والطعام، والفُرش والأثاث تُفاخرون به غيركم، لا سيما في الولائم والحفلات بما يكون من نشر الصور والفيديوهات التي تزيد الناس حنقًا عليكم، وبطرًا بما آتاكم الله من نِعمه.
والله -جَلَّ وَعَلَا- يقول -وهو أصدق القائلين-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف:31].
إن الإسراف في المطاعم والمآكل، والحفلات والولائم والعزائم يُعتَبر مِن صُوَر كُفْر النِّعَم، والتبختر بها والكِبْر على الناس، ولن يدخل الجنة أحدٌ في قلبه مثقال ذرةٍ من كِبْر، لا بل إن هؤلاء المبذرين والمسرفين يصبحون إخوانًا للشياطين وليسوا من عباد الرحمن بهذا السرف والتبذير، قال الله -جَلَّ وَعَلَا-: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الإسراء:27].
روى ابن ماجه من حديث عائشة -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها، فوجد في طرف البيت كسرةً من خبزٍ عليها غبار، فأخذها -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ثم نفضها ونفخها، فقال: «يا عائشة، أكرِميها؛ فإن النِّعم فرَّارة إن فرَّت منكم فإنها لا تعود إليكم».
فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا البطر والسرف والخيلاء في مآكلكم ومطاعمكم، وفي ملابسكم ومراكبكم، وفي أثاثكم وفي بيوتكم، لا بل وفي قلوبكم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إعظامًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله ذلكم الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه وسار على نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبّ عنهم إلى يوم رضوانه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله جاع نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جوعًا ضُرِب به المثل، خرج ذات يوم -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وإذا أبو هريرة قد ألصق بطنه بالأرض من شدة الجوع، وكذا جاء أبو بكرٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- رابطًا على بطنه حجرًا، فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بطنه وقد ربط عليه حجرين اثنين، هذا وهو خير من وطئت قدماه على هذه البسيطة.
فاحذروا -عباد الله- احذروا البطر في مآكلكم ومشاربكم، واحذروا التزيد، وإلا كانت هذه من حسناتكم التي عُجِّلَت لكم، ثم إذا لقيتم ربكم لم تجدوا إلا ذنوبكم وسيئاتكم.
واعلموا -عباد الله- أن من المظاهر المشينة، ومظاهر البطر البغيضة مَن يصوِّر طعام وليمته في عرسٍ أو عزيمةٍ ونحوها، ثم ينشرها على الناس يُظهِر فسقه عليهم بما منَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- به عليه من هذه النعم، وقد تناسى الفقراء والمساكين والمحاويج، فلم يعطهم ولم يمدهم، ولن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرةٍ من كِبر.
وما هذا السرف والتبذير إلا ضربٌ من ضروب الكِبر التي نهانا عنها نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل ونهانا عنها ربنا، وينتبه لعواقبها وغوائلها العقلاء من عباد الله من الرجال والنساء.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات يا ذا الجلال والإكرام.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات