أزواجك بالجنة

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-08-01 - 1447/02/07 2025-08-26 - 1447/03/03
عناصر الخطبة
1/من نعيم أهل الجنة 2/صفة نساء أهل الجنة 3/الحث على العفة وتجنب الفواحش 4/عقوبة الزنا وضرره

اقتباس

وأهلُ العفافِ لا يَستبدلونَ اللذّةَ المحرَّمةَ المُنَغَّصةَ المنقطعةَ باللذةِ الكاملةِ الدائمةِ في الجنّةِ، فلا تَرْضَ لنفسِكَ بالدُّوْنِ، وارْبأْ بها عن مَوَاقِعِ الهُوْنِ، ولا تتَّبِعْ خطواتِ الشيطانِ، بدءاً من مراسلةِ البناتِ، ثم النظرِ للمتبرجاتِ، ثم العارياتِ، ثم زنا الزانياتِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

 

أما بعدُ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[البقرة: 223].

 

تخيَّلْ أجملَ موقفٍ سيَمُرُّ بكَ، تخيَّلْ أولَ لحظاتِكَ حينَ تدخلُ مع بابِ الجنةِ، ثم ترحِّبُ بكَ الملائكةُ وتسلِّمُ عليكَ، ثم تأويْ إلى قصرِكَ في الجنةِ، وقد زالَ عنكَ تعبُ الدنيا ومرضُها وفقرُها وهمومُها وحزنُها وخوفُها، ثم تنظرُ من شُرفةِ قصرِكَ، وتحتَهُ الأشجارُ والثمارُ والأنهارُ والأطيارُ، وأنت متكئٌ على الأرائكِ، وبجانبِكَ زوجاتُكَ وأهلُكَ، وخَدَمُكَ الغلمانُ، ينتظرونَ منكَ إشارةً تطلبُهمْ، وتتنقَّلُ بين قصورِكَ العالياتِ الكثيراتِ المزخرفاتِ؛ (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)[الزمر: 20]، طِباقٌ فوقَ طِباقٍ، وتستمتعُ أنْ تزورَ كلَّ قريبٍ لكَ قد ماتَ قبلَكَ.

 

إنه نعيمٌ منوَّعٌ من المأكولِ والمشروبِ، والمنظورِ والمسموعِ، والملبوسِ والمركوبِ والمنكوحِ، والمأنوسِ والمصحوبِ؛ (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)[الإنسان: 20]، فالنعيمُ سائرُ ما يُتنعَّمُ به، والمُلكُ الكبيرُ أعظمُ من مُلكِ كلِّ ملوكِ الدنيا.

 

فلنعِشِ الآنَ نعيمًا واحدًا يسيراً، ضِمنَ نعيمٍ واسعٍ كبيرٍ، ألا وهوَ زوجاتُ أهلِ الجنةِ من نساءِ الدنيا الصالحاتِ، اللاتي هنَّ أجملُ من الحُورِ العِينِ، أما الحورُ فقدْ وصفَهُنَّ اللهُ -سبحانَهُ- بأنهن: (حُورٌ عِينٌ)[الواقعة: 22]، بِيضٌ واسعةُ الْعُيُونِ، مع شدةِ سوادِها، وصفاءِ بياضِها، وطولِ أهدابِها وسوادِها، كَأَنَّهُنَّ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ؛ (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)[الصافات: 49]، فخُذْ من اللؤلؤِ صفاءَ لونهِ ونعومةَ مَلمسهِ، وخُذْ من البَيضِ اعتدالَ بياضهِ ونقاوتهِ.

 

(كَوَاعِبَ)[النبأ: 33] قد تكعَّبَ ثديُها واستدارَ، ولم يتدلَّ إلى أسفلَ، (خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)[الرحمن: 70] كمُلَ خَلْقُها وخُلُقُها، (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)[البقرة: 25] طهُرَتْ ظواهرُهُنَّ من الحيضِ والبولِ والغائطِ، وطهُرَتْ بواطنُهُنَّ من الغلِّ والغيرةِ وأذَى الأزواجِ، مقصوراتٌ من التبرجِ لغيرِ أزواجِهنَّ، لا يخرُجنَ من منازلِهمْ، كلُّ واحدةٍ قد قصَرَتْ طَرفَها على زوجِها من محبتِها له ورضاها بهِ.

 

جمالٌ باهرٌ، ونعيمٌ ظاهرٌ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ؛ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا".

 

فيا لذةَ الأبصــارِ إنْ هي أقْبَلتْ *** ويا لذَّةَ الأسمــاع ِحينَ تَكَلَّمُ

 

فإن أردتَ سماعَ غنائِهنَّ فإنهنَّ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، وإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ:

 

نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا يُمِتْنَ    

نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَ  

نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّ

 

أما لذةُ نكاحِهِنَّ: "فلكلٍّ منهمْ زوجتانِ.. ولكلِّ واحدٍ من السراريْ زيادةٌ على الزوجتينِ على حسبِ منازلِهِمْ"(بتصرف من حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)، ويُعطَى في الجنةِ قوةَ مئةِ رجلٍ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْضِي فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى مِئَةِ عَذْرَاءَ"(رواه الطبراني في الصغير)، وكلَّما وطِئَها عادتْ بِكرًا كما كانتْ بلا تَوَالُدٍ، عَروبٌ جمعَتْ إلى حلاوةِ الصورةِ حُسنَ التبعلِ بحلاوةِ منطقِها وحُسنِ حركاتِها، لا يَمَلُّها ولا تَمَلُّهُ، كُلما جاءَ واحدةً قالتْ: واللهِ ما في الجنةِ شيءٌ أحبَّ إليَّ منكَ:

 

وجِماعُها فهو الشفاءُ لصَبــِّـها *** فالصَّبُّ منه ليسَ بالضَّجِرانِ

فيَضمُّها وتَضمـُّـهُ أرأيتَ مَعـ *** ـشُوقَينِ بعدَ البُعـدِ يلتقيانِ

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الداعي لدارِ السلامِ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الأنامِ.

 

أما بعدُ: فإن شاقتْكَ هذهِ الصفاتُ، وأخذَتْ بقلبِكَ هذهِ المحاسنُ:

 

فاسْمُ بعينَيــْكَ إلى نســـوةٍ *** مُهورُهُنَّ العمــلُ الصالحُ

 

وأهلُ العفافِ لا يَستبدلونَ اللذّةَ المحرَّمةَ المُنَغَّصةَ المنقطعةَ باللذةِ الكاملةِ الدائمةِ في الجنّةِ، فلا تَرْضَ لنفسِكَ بالدُّوْنِ، وارْبأْ بها عن مَوَاقِعِ الهُوْنِ، ولا تتَّبِعْ خطواتِ الشيطانِ، بدءاً من مراسلةِ البناتِ، ثم النظرِ للمتبرجاتِ، ثم العارياتِ، ثم زنا الزانياتِ، ثم ستنحَدِرُ إن لم تردعْ نفسَك، ولتَقُلْ كما قالَ يوسفُ -عليهِ السلامُ- لما قالتْ له أجملُ امرأةٍ: (هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف: 23].

 

فإن لم تَقطعْ خطواتِ الشيطانِ، فسيقعُ الفأسُ على الرأسِ، وحينَها تذكَّرْ قولَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، وَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ"(موطأ مالك والمستدرك على الصحيحين)، فإن صوَّرتَ ونشرتَ فيُخشَى عليكَ حَجْبُ التوبةِ عنكَ، ومضاعفةُ إثمِكَ كلَّما شُوهِدَ نشرُكَ وخِزْيُكَ؛ (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء: 32].

 

ومن تردَّتْ نفسُهُ مع بناتِ الليلِ فليتذكرْ يومَ عثرتِهِ بحفرتِهِ، وليخوِّفْها عذابَ الزُّناةِ في القبورِ، فقد قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قُلْتُ: مَا هَؤُلاَءِ؟! قَالَ: فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي"(متفقٌ عليهِ).

 

فاللهم حصِّنْ فروجَنا، ونوِّرْ قلوبَنا، وجنِّبْنا الفواحشَ والفتنَ، اللهمّ إنا نسألُكَ النعيمَ المقيمَ الذي لا يَحولُ ولا يَزولُ، اللَّهُمَّ أحسنْ وقوفَنا بَين يَديكَ، ولا تُخزِنا يومَ العرضِ عليكَ، اللهم بلغْنا ما لا تبلغُهُ آمالُنا وأعمالُنا من الخيراتِ، اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورِنا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، وافرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ. اللهم اجعلْهُمْ هُداةً مهتدينَ، اللهم افرُج لإخوانِنا بغزةَ النصرِ، واهزِمْ أعداءَنا يهودَ الغدرِ.

 

اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

أزواجك بالجنة.doc

أزواجك بالجنة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات