أهل الزكاة

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-11-14 - 1447/05/23 2025-12-03 - 1447/06/12
التصنيفات: الزكاة
عناصر الخطبة
1/إحكام أحكام الدين وشرائعه 2/تشريع الإسلام للزكاة 3/الأصناف المستحقة للزكاة 4/لا مجاملة في توزيع الزكاة.

اقتباس

(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ)؛ أتدرون من هم في سبيل الله؟ إنهم المجاهدون لإعلاء كلمة الله، المجاهدون في سبيل الله دون أعراضهم ودون أهليهم وأموالهم، ودون حياض أوطانهم، هؤلاء المجاهدون يُعَانُون من الزكاة ما تُسدُّ به حوائجهم ورواتبهم، والأمر في هذا متعلقٌ بأمر ولي أمر المسلمين.....

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بوصية الإسلام، بوصية الله لعباده وأوليائه، بوصية الله للأولين والآخرين؛ (وَلَقَدْ وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131]؛ فتقوى الله -يا عباد الله- هي المنجية في هذه الدنيا من الهلكة، والمنجية يوم القيامة من عذاب الله وسخطه، منجيةٌ في الدنيا من الضلالة، ومنجيةٌ يوم القيامة من الوقوع في غضب الله ومقته وسخطه.

 

عباد الله: أوْكَل الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلى نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- بيان كثيرٍ من أحكام الدين وشرائعه، ولكن ثمة أحكامًا تولَّى الله بيانها في القرآن، فجاءت السُّنة مُبيِّنةً بها على جهة الإكمال، من ذلك المواريث فيما يتعلق بالفرائض.

 

 ومن ذلك أيضًا -يا عباد الله- بيان الأصناف المستحقة للزكاة، فإن الله حصرها في ثمانية أصناف كما جاء في آية سورة براءة في قول الله -جل وعلا-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60]، وفي قوله -جل وعلا-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ)؛ أسلوب حصر، أي: أن هذه الصدقات وهي الزكوات المفروضة منحصرةٌ في هذه الأقسام الثمانية.

 

أتدرون من هم -يا عباد الله- على جهة الإيضاح والتفصيل؟

 أولهم: الفقراء؛ وهم المعدمون، يجد يومًا قوت يومه واليوم الآخر لا يجده، وربما وجد قوت شهره والثاني لم يجده، فإن هذا هو الفقير المعدم.

 

 وأما المساكين فجمع مسكين؛ وهو الذي لا يجد ما يكفيه من قوته وقوت مَن يلزمه نفقتهم إلى سنة، وبالتالي صار الفقراء أخص من المساكين، وصار المساكين أعم من الفقراء.

 

 (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيهَا)؛ وهم السعاة، يبعثهم ولي الأمر ليجمعوا هذه الزكوات، سواءٌ من بهيمة الأنعام أو من الخارج من الأرض، أو من زكاة عروض التجارة، أو من النقدين الذهب والفضة وما كان في حكمهما، فيفرض لهم من هذه الزكاة نفقةً لهم في جمعها وفي السعاية في تحصيلها.

 

 (وَفِي الرِّقَابِ)، أتدرون من هم الرقاب؟ إنهم الذين كانوا أرقاء، كانوا عبيدًا رجالاً أو إماءً وكاتبوا مواليهم على العتق، فإن هؤلاء يُعانون من الزكاة على ما يدفع عنهم الرق، طلبًا للحرية التي جاءت الشريعة بالتشوف إليها.

 

(وَالْغَارِمِينَ)؛ والغارمون -يا عباد الله- هم الذين عليهم الديون المستحقة الواجبة الدفع ولا يستطيعون لها تحصيلاً، ولا لهذه الديون دفعًا، هؤلاء هم الغارمون، وهم على ضربين؛ إما غارمون لحظّ أنفسهم في حاجتهم الضرورية من مساكن أو سياراتٍ أو طعام وما جرى مجرى ذلك، أو أنهم غارمون لحظّ غيرهم في دَفْع البلاء والفاقة والحاجة عن غيرهم.

 

أما هذه القروض التي لم يسلم منها غنيٌّ ولا فقير ولا تاجرٌ ولا غيره، ولا عسكريٌّ ولا مدني، هذه القروض المأخوذة من البنوك فإنها لا تُعدّ من الغارمين؛ لأن هذه القروض والحالة هذه تُستوفى أقساطها شهريًّا من الرواتب، وبالتالي فلا يحتجن محتجّ أنه عليه دَيْن، ثم يطلب الزكاة، أو يهرب من دفعها، فإن هذا لا ينفعه عند ربه -سبحانه وَتَعَالى-.

 

 (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ)؛ أتدرون من هم في سبيل الله؟ إنهم المجاهدون لإعلاء كلمة الله، المجاهدون في سبيل الله دون أعراضهم ودون أهليهم وأموالهم، ودون حياض أوطانهم، هؤلاء المجاهدون يُعَانُون من الزكاة ما تُسدُّ به حوائجهم ورواتبهم، والأمر في هذا متعلقٌ بأمر ولي أمر المسلمين.

 

 (وَاِبْنِ السَّبِيلِ)؛ وابن السبيل -يا عباد الله- هو ذلك الغني في بلده لكنه سافر وانقطعت به النفقة وانقطعت به الحاجة، فهذا يُعَان من الزكاة ما يُرجعه ويُوصّله عائدًا إلى وطنه وإلى أهله.

 

 (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)؛ فلا يجوز أن تُدفع الزكاة إلى غير هؤلاء أيًّا كانت حالهم، وكثيرٌ من الناس يسأل فيقول: إن ابن أخي يتيم وهذا اليتيم هل أُعطيه من الزكاة؟ الله -جل وعلا- لم يقل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين واليتامى، فاليتم -يا عباد الله- ليس سببًا لدفع الزكاة لصاحبه، وإنما هو سببٌ للعطف عليه حتى يبلغ، فلا يُتْم بعد البلوغ، وإلا صار الشيبان وكبار السن في أعراف الناس وفي دين الله أيتامًا، فإن اليتم إنما ينتهي ببلوغ هذا اليتيم.

 

وإنما اليُتْم -يا عباد الله- سببٌ لرحمته والعطف على اليتيم، أما إعطاء الزكاة فلا بد أن يكون في نفسه إما فقيرًا أو مسكينًا أو من أحد الأصناف الثمانية. هذا ما بيَّنه الله لنا في القرآن، فلا مجال فيه للعواطف، ولا مجال فيه للبرّ يبرّ فيه الإنسان معارفه وأقاربه يريد أن يعطيهم من الزكاة.

 

وإنه مما جنت به مروءات بعض الناس أنه يُعين قريبه على نكاح، يعين على زواج، فيعطيه هذه المعونة من الزكاة وهو ليس أهلاً لها، وهذا لا تبرأ به الذمة، بل هو حيلةٌ في إخراج الزكاة في غير محلها. نعم؛ إذا كان القريب من المستحقين للزكاة، وثانيًا: لا تلزمك نفقتهم فإن إعطاءهم من الزكاة والحالة هذه صلةٌ وبرّ وليست هي من باب المجاملة، وإنما هي من أداء حق الله -عَزَّ وَجَلَّ- على صاحبها.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: يا عباد الله: فاتقوا الله حق تقاته، وانظروا إلى هذا المال فإنه وديعةٌ من الله إليكم؛ ليختبركم ويمتحنكم ما تصنعون به، فأدُّوا فيه زكاة أموالكم، طيبةً بها نفوسكم، طاعةً لربكم؛ حيث جعل الزكاة ركنًا من أركان دينكم؛ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)[التوبة: 103].

 

 وفي قوله -جل وعلا-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) أمرٌ مُوجَّهٌ من الله -سبحانه وَتَعَالى وَجَلَّ في عُلَاه- إلى نبيه محمدٍ ومصطفاه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- أن يأخذ الزكاة منهم، وفي هذا أن الزكاة إذا طلبها وليّ الأمر لم تبرأ الذمة إلا بدفعها إليه؛ لأن ولي الأمر يقوم في هذا المقام مقام الذي يُنفِّذ أحكام الشريعة وإقامة فرائض الدين خصوصًا هذه الزكاة.

 

واعلموا -عباد الله- أن مِن الناس مَن قد يقول: إلى أين أخرج الزكاة؟ إذا لم تعرف هؤلاء الأصناف الثمانية، وتتحقق منهم، وتتأكد أنهم أهلٌ لها فادفع الزكاة إلى الجهات الرسمية الموثوقة، فإنه بهذا تبرأ بها ذمتك ويخرجونها عنك، ومن ذلك هيئة الزكاة والدخل، فإن حساباتهم معروفة، فإذا لم تعرف المستحقين للزكاة من غير مجاملةٍ لك لأقاربك، أو عاطفة لك لأصحابك، فإنك إذا لم تحقق هؤلاء المستحقين للزكاة فعلاً فادفعها إلى الجهات الرسمية الموثوقة، وهي تؤدي هذا الركن عنك.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.

 

اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.

 

 اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.

 

اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

أهل الزكاة.doc

أهل الزكاة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات