أين الله؟

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-11-07 - 1447/05/16 2025-12-02 - 1447/06/11
عناصر الخطبة
1/الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم 2/صبر النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة 3/التأكد من الإيمان قبل عتق الرقاب 4/الإيمان بعلو الله على خلقه

اقتباس

لكم في رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- أسوةٌ، بل هو الأسوة الحسنة والقدوة العظمى لنا في هذه الدنيا، أمرنا الله -جل وعلا- بترسُّم خطاه، والسَّيْر على منهاجه والاهتداء بهديه، والاستنان بسُنّته....

الخطبة الأولى:

الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مؤمنًا بألوهيته مقرًّا بربوبيته مصدقًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك ما عاند به أو جحد وشك وكفر.

 

وأصلّي وأسلّم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

أما بعد: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: أيها المعلمون! أيها المتعلمون! أيها الصادقون! لكم في رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- أسوةٌ، بل هو الأسوة الحسنة والقدوة العظمى لنا في هذه الدنيا، أمرنا الله -جل وعلا- بترسُّم خطاه، والسَّيْر على منهاجه والاهتداء بهديه، والاستنان بسُنّته، فإليكم –يا رعاكم الله- هذا الموقف من مواقفه الكثيرة الدالة على دلِّه وخلقه وشمائله، وعلى حسن تعليمه وتأديبه.

 

روى مسلمٌ في الصحيح من حديث معاوية بن الحكم السُّلمي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "حضرتُ الصلاة مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-؛ فعطس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحمك الله –أي وهو في صلاته، قال: فرمقني الناس بأبصاركم، قلتُ: ويحكم، ما شأنكم؟ فما زالوا يرمقونني حتى ظننتُ أنهم يُسكتوني فسكتُ، فلما فرغتُ من صلاتي أتيته -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، فوالله ما رأيتُ معلمًا أحسن منه تعليمًا، لا قبله ولا بعده، فوالله ما كهرني ولا شتمني ولا ضربني".

 

 تأملوا في هذه الثلاث لاءات -يا عباد الله-؛ "ما كهرني"؛ أي: ما تغيَّر وتمعر وجهه فيَّ.

 "ما شتمني": ما سبني، ولا قال لي قالة شتمٍ. "ولا ضربني": مع جرير ما تكلم به في صلاته، حيث تكلم في الصلاة كلامًا لو كان يعلمه لبطلت صلاته، لما قال: ويحكم، واثكل أمياه، وهذا كلامٌ لا يصلح في الصلاة يا عباد الله.

 

 ثم قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- لمعاوية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "يا معاوية، إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس، إنما هي للتكبير والاستغفار وقراءة القرآن"، هذا تعليمه، وهذا تأديبه، وهذا توجيهه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-، فأين نحن من ذلك كله، يا عباد الله؟

 

 ثم قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- لمعاوية حيث تبلجت أسارير وجهه، قال: يا رسول الله إنَّا كنا في قطيع جاهليةٍ وشر، وإن أقوامًا منا كانوا يأتون الكهان، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "فلا تأتهم"، وهم مدَّعُو عِلْم الغيب سواءٌ بالاستعانة بالجن وهم كهنةٌ وسحرة، أو أنهم يتطببون على الناس ويأخذون أموالهم وقلوبهم وهم المشعوذة.

 

قال: "وإن منا قومًا يا رسول الله يتطيرون"؛ أي: يتشاءمون، قال: "ذلك شيءٌ يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم"، وفي روايةٍ: "فلا يصدنكم".

 

قال معاوية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "وإن منا قومًا يا رسول الله يضربون بالرمل"، قال: "كان نبيٌّ من أنبياء الله يضرب بالرمل؛ فمن وافق ضربه فنعم، وإلا فلا"؛ معنى ذلك أن الضرب بالرمل من علوم الغيب لا يعلمها البشر إلا بوحيٍ من الله، فسدَّ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- هذا الباب.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فقال معاوية بن الحكم السلمي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في تتمة حديثه: "يا رسول الله، إنه كانت لي جاريةٌ ترعى لي غنم من قِبَل سِلع أو من قِبَل أُحدٍ الجوانية، وإن الذئب عدا على غنمي، فاستفرد منها واحدة، وإني اطلعتُ عليها فرأيت أن الذئب عدا على الغنم، فصككتها صكة -أي: ضربها على وجهها-، وإني آسف كما يأسف الناس، أي يشتد غضبي، وإني يا رسول الله، عليّ عتق رقبة، أفأعتقها؟"

 

قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "يا معاوية، ائتني بها" فجاء بها جاريةً صغيرة فقال لها: "يا هذه أين الله؟"، قالت: الله في السماء، قال لها: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "اعتقها؛ فإنها مؤمنة".

 

لأن عتق الرقاب لا بد أن يُشترط في الرقبة المُعْتَقة أن تكون رقبةً مؤمنة؛ لقول الله -جل وعلا-: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)[النساء: 92]، فبذلك استوثق -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- من إيمانها، لا أنه يمتحنها ويختبرها على دينها وعلى عقيدتها.

 

 فاللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد صلاةً وسلامًا دائمين أبدين سرمدين إلى يوم مرضاتك يا رب العالمين.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.

 

اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.

 

 اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.

 

اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

المرفقات

أين الله؟.doc

أين الله؟.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات