التحذير من الزنا ودواعيه

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-07-04 - 1447/01/09 2025-07-16 - 1447/01/21
عناصر الخطبة
1/الزنا من كبائر الذنوب 2/ما توعد الله به الزناة من العقوبات 3/من مفاسد الزنا وأضراره 4/تحريم الشريعة كل وسيلة إلى الزنا

اقتباس

من الذنوب التي تنافي العفة الزنا، وهو من أعظم الفواحش ومن أشدها ضرراً، نهانا الله -سبحانه وتعالى- عنه بل نهانا عن كل وسيلة توصل إليه؛ لأن الذي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وسماه الله -سبحانه- فاحشة، وأخبر أنه بئس الطريق...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: لقد أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده بالعفة وأثنى على الحافظين لفروجهم، فقال وهو يذكر صفات المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)[المؤمنون: 5].

 

وإن من الذنوب التي تنافي العفة الزنا، وهو من أعظم الفواحش ومن أشدها ضرراً، نهانا الله -سبحانه وتعالى- عنه بل نهانا عن كل وسيلة توصل إليه؛ لأن الذي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وسماه الله -سبحانه- فاحشة، وأخبر أنه بئس الطريق، قال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء: 32].

 

وسلب الله -سبحانه- أهله الإيمان الكامل، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"،  

وأمر بإقامة الحد الشرعي على فاعله، فإن كان غير متزوج فإنه يجلد مائة جلدة، ويغرب عاماً عن بلده؛ حتى يبتعد عن المعصية ومكانها، قال -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[النور: 2].

 

وأما إن كان محصناً -أي: متزوجاً- فإنه يرجم بالحجارة حتى الموت؛ لأن الله -عز وجل- مَنًّ عليه بالفرج الحلال فذهب إلى الحرام، وتلذذ جميع البدن بهذه المعصية، فناسب أن يتألم جميع البدن بالحجارة.

 

وتوعد الله -سبحانه وتعالى- الزناة بالعذاب المضاعف في الآخرة، والعقوبة الشديدة في البرزخ، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)[الفرقان: 68 - 69]، وفي حديث سمرة بن جندب في صحيح  البخاري في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورؤيا الأنبياء حق، جاء في هذا الحديث: أنه انطلق مع الملكين، "فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟"، وجاء في آخر الحديث: "هم الزناة"، نعوذ بالله من هذا العذاب، فالجزاء من جنس العمل، فهؤلاء الزناة والزواني تلذذت فروجهم بالحرام فتشتعل فروجهم ناراً -والعياذ بالله-.

 

عباد الله: إن للزنا مفاسده عظيمة جداً، ففيه اختلاط الأنساب، حيث تدخل المرأة إذا حملت من الزنا على زوجها ولداً ليس له. 

 

ومن مفاسده: إهلاك النسل، فإن الزاني والزانية يسعيان لقتل الحمل، ولو عاش فإنه يحرم الحنان والتربية، وقد يتجه إلى الفساد في المجتمع.

 

ومن مفاسده: الزنا التعدي على حرمات الناس وانتهاك أعراضهم، والتعدي على حرمات أهل المرأة وزوجها، فيحصل بعده العداوة والبغضاء، جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ، مَهْ. فَقَالَ: "ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا"، قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ"، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. 

 

 ومن مفاسد الزنا: أنه يولد الإمراض النفسية والقلبية والبدنية، وقد انتشرت في هذا الزمان الذي كثر فيه الزنا ودواعيه أمراضٌ لم تكن موجودة قبل ذلك، يموت بسببها الآلاف من الناس في العالم، جاء عند الحاكم وهو حسن لغيره من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإذا ظهر الزنا والربا في قرية؛ فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله".

 

ومن مفاسد الزنا: ذهاب الغَيرة عند الزاني على أهله -والعياذ بالله-.

 

ومن مفاسد الزنا: ما قاله ابن القيم -رحمه الله- أنه سبب في إفساد أهله. 

 

فنسأل الله -تعالى- أن يرزقنا العفة عن الحرام، ويحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين، وأن يهدينا سواء السبيل.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: سمعتم في الخطبة الأولى شيئاً مفاسد الزنا وعقوباته في الدنيا والآخرة، فعلى المسلم أن يحذر الوقوع فيه، بل يحذر دواعيه وما أكثرها في هذا الزمان، ولا يقل إنسان: إن هذا الكلام ليس موجهاً لي؛ فأنا بعيد عن هذه الأمور، بل على المسلم أن يخاف ويسأل الله -سبحانه- أن يحفظه من فتنة النساء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: "اتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أولَ فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

 

ومن أجل خطر الزنا قال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا)[الإسراء: 32]، فكل طريق يوصل إلى الزنا ويدعو إليه حرمته الشريعة، فمن ذلك التبرج والسفور، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59]، (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) أي: إنهن شريفات (فَلَا يُؤْذَيْنَ) يعني من الفساق.

 

وأمر الله -تعالى- بغض البصر عن النظر إلى ما حرم، ومن ذلك النظر إلى النساء الأجنبيات، فقال -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النور: 30]، فقدم غض البصر على حفظ الفرج؛ لأنه من أسباب حفظ الفرج.

 

وحرمت الشريعة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية ولو كانت زوجة أخيك، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"(متفق عليه)، والحمو: قريب الزوج كالأخ.

 

وكذلك مصافحة المرأة الأجنبية، والاختلاط بين الرجال والنساء، خاصة مع وجود التبرج، وسفر المرأة بلا محرم.

 

ومن الأمورِ الخطيرة التي استجدت في هذا الزمان الشبكات العنكبوتية، بما فيها من مواقع التواصل، فهي سلاحٌ ذو حدين، وللأسف إن كثيراً من الناس يستخدمونها استخداماً سيئاً، فربما تواصل الرجال مع النساء أو العكس، فيتدرج بهم الشيطان حتى يوقعهم في الزنا -والعياذ بالله-.

 

فالواجب على المسلم والمسلمة الحذر من الزنا ودواعيه، فليس في هذا الطريق إلا حياةَ النكدِ والهمِ والعذاب الدنيوي والأخروي.

 

اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

 

المرفقات

التحذير من الزنا ودواعيه.doc

التحذير من الزنا ودواعيه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات