الحركة والعجلة في الصلاة

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-11-07 - 1447/05/16 2025-11-18 - 1447/05/27
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/السرقة من الصلاة 2/نماذج من صلاة السلف 3/شدة عناية السلف واهتمامهم بالصلاة 4/أثر المسيء في صلاته لا تقتصر عليه وحده

اقتباس

إنَّ الذي يُسِيءُ صلاتَهُ سَيَتَلَقَّنُها منهُ أولادُهُ، وإنْ كانَ معلِّماً فسَيَقتدِي بهِ تلاميذُهُ، وإنْ كانَ إماماً فالخَطْبُ أَشَدُّ، فأنتَ إذا نصحتَهُ صَحَّحْتَ عبادَتَهُ وعبادةَ مَنْ وَرَاءَهُ ومَن يَرَاهُ، ولمَّا رَأَى مَالِكُ بْنُ دِيْنَارٍ رَجُلاً يُسِيْئُ صَلَاتَهُ، فَقَالَ: "مَا ‌أَرْحَمَنِيْ ‌بِعِيَالِهِ"...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ، الذي لَمْ يَزَلْ بِنعُوتِ الجلاَلِ والجَمالِ متصِفاً، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ مُقِرَّاً بوحدَانيَّتِهِ ومُعْترِفاً، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسُولُهُ النبيُّ المصطفَى، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ ومَنْ سَارَ علَى نهِجِهِ واقتفَى.

 

أمَّا بعدُ: فاتقُوا مَنْ هوَ أهلٌ للتقوَى، وأهلٌ للمغفِرَةِ.

 

إنهُ لِصٌّ خَطِيرٌ، إنَّهُ سَارِقٌ لَمْ يَسْرِقْ مَالاً، بَلْ سَرَقَ مَا هُوَ أَغْلَى مِنَ المَالِ، أَتَدْرُونَ مَنْ هُوَ؟! لِنَسْمَعِ الجَوَابَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذْ يَقُولُ: "إِنَّ أَسْوَأَ ‌النَّاسِ ‌سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ"، قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا؟ قَالَ: "لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا"(مسند أحمد)، فَقَدْ جَعَلَ لِصَّ الصَّلاةِ شرًّا مِنْ لِصِّ الأَمْوَالِ.

 

وقدْ ردَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً ثلاثَ مَرَّاتٍ، يأمرُهُ أنْ يُعيدَ صلاتَهُ؛ لأنهُ أساءَ في أدائِهَا، ولمْ يَطمَئِنَّ فيها، فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يقولُ لهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، ‌فَإِنَّكَ ‌لَمْ ‌تُصَلِّ"(متفق عليه)، والصَّلَاةُ -كَمَا قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ-: "مِكْيَالٌ، فمَنْ أَوْفَى أُوفِيَ لَهُ، وَمَنْ نَقَصَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قِيلَ لِلْمُطَفِّفِينَ"(شعب الإيمان).

 

ولأجلِ أنْ نُدرِكَ الفَرْقَ بينَ صَلَاتِنا وحَرَكَتِنَا وَعَجَلَتِنَا فيها، وبينَ صلاةِ سَلَفِنَا؛ فإليكُمْ شَيئاً مِنْ سِيْرَتِهِمْ في صَلَاتِهِمْ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَائِمًا ‌يُصَلِّي يَوْمَ حُوصِرَ، وَحِجَارَةُ الْمَنْجَنِيقِ تَقَعُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فمَا يَلْتَفِتُ، وَجَاءَهُ حَجَرٌ فَأَحرَقَ بَعْضَ ثَوْبِهِ، فَمَا تَحَرَّكَ.

 

وكَانَ عَطَاءٌ بَعْدَمَا كَبِرَ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَيَقْرَأُ مِئَتَيْ آيَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَائِمٌ، مَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ، وكَانَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ إِذَا صَلَّى كَأَنَّهُ ثَوْبٌ مُلْقًى -أَيْ: لَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ-، ومرَّةً صَلَّى بالْمَسْجِدِ، فَوَقَعَ جِدارُ الْمَسْجِدِ، فَفَزِعُوا، ومَا تَحَرَّكَ ابْنُ يَسَارٍ.

 

والْعَنْبَسُ بْنُ عُقْبَةَ إِذَا سَجَدَ وَقَعَتِ الْعَصَافِيرُ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ طُولِ سُجُودِهِ، ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ لَوْ أَكَلَ الذُّبَابُ وَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُطَيِّرْهُ، وقَالَتِ ابْنَةٌ لِجَارِ ‌مَنْصُورِ ‌بْنِ ‌الْمُعْتَمِرِ: "يَا أَبَتِ، أَيْنَ الْخَشَبَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي سَطْحِ مَنْصُورٍ قَائِمَةً؟"، قَالَ: "يَا بُنَيَّةُ، ذَاكَ مَنْصُورٌ كَانَ ‌يَقُومُ اللَّيْلَ".

 

وكَانُوا‌‌ إِذَا رَأَوُا مَنْ يَنقُرُ الصَّلَاةَ عَلَّمُوهُ، قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: "مَثَلُ الَّذِي يَرَى مَنْ يُسِيءُ صَلَاتَهُ فَلَا يَنْهَاهُ، كَمَنْ يَرَى النَّائِمَ تَنْهَشُهُ حَيَّةٌ ثُمَّ لَا يُوقِظُهُ"، رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا ‌يُتِمُّ ‌رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: "مَا صَلَّيْتَ، ولَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، ورَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً لَمْ ‌يُتِمَّ ‌رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ: "أَعِدْ"، ونَظَرَ صَحَابِيٌ إِلَى رَجُلٍ ‌يُصَلِّي أَخَفَّ صَلَاتَهُ فَعَاتَبَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي ذَكَرْتُ ضَيْعَةً لِي"، قَالَ: "أَكْبَرُ الضَّيْعَةِ أَضَعْتَ".

 

وقَالَ عَمْرُو بْنُ شَدَّادٍ: "كُنْتُ أُصَلِّي أَمَامَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الشَّبَابِ كَنَقْرِ الدِّيكِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ، قُلْتُ: قَدْ صَلَّيْتُ، قَالَ:‌‌ كَذَبْتَ، وَاللهِ مَا صَلَّيْتَ، وَاللهِ لَا تَرِيمُ حَتَّى تُصَلِّيَ، فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَتْمَمْتُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَقَالَ مِسْوَرٌ: وَاللهِ لَا تَعْصُونَ اللهَ وَنَحْنُ نَنْظُرُ مَا اسْتَطَعْنَاهُ"(الأمر بالمعروف لابن أبي الدنيا).

 

وقصةٌ عجيبةٌ للْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ: فإنَّهُ "لَمَّا كَانَ شابَّاً صَلَّى مَرَّةً بِجَنْبِ إِمَامِ التَّابِعِيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَجَعَلَ يُسابِقُ الْإِمَامَ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ سَعِيدٌ بِطَرْفِ رِدَائِهِ وقَالَ لَهُ: يَا سَارِقُ يَا خَائِنُ، تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ!، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ بِهَذَا ‌النَّعْلِ ‌وَجْهَكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَضَتِ السَّنَواتُ، وَصَارَ الْحَجَّاجُ أَمِيْرَاً عَلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ فإِذَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ بَيْنَ طُلَّابِهِ، فَخَافُوا عَلَيهِ مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ لَهُ الحَجَّاجُ: أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلِمَاتِ؟ فَضَرَبَ سَعِيدٌ صَدْرَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَزَاكَ اللهُ مِنْ مُعَلِّمٍ وَمُؤَدِّبٍ خَيْرًا، مَا صَلَّيْتُ بَعْدَكَ صَلَاةً إِلَّا وَأَنَا أَذْكُرُ قَوْلَكَ، ثُمَّ قَامَ وَمَضَى"(البداية والنهاية).

 

أيُّها المؤمِنونَ: إنَّ الذي يُسِيءُ صلاتَهُ سَيَتَلَقَّنُها منهُ أولادُهُ، وإنْ كانَ معلِّماً فسَيَقتدِي بهِ تلاميذُهُ، وإنْ كانَ إماماً فالخَطْبُ أَشَدُّ، فأنتَ إذا نصحتَهُ صَحَّحْتَ عبادَتَهُ وعبادةَ مَنْ وَرَاءَهُ ومَن يَرَاهُ، ولمَّا رَأَى مَالِكُ بْنُ دِيْنَارٍ رَجُلاً يُسِيْئُ صَلَاتَهُ، فَقَالَ: "مَا ‌أَرْحَمَنِيْ ‌بِعِيَالِهِ"، فَقِيْلَ لَهُ: يُسِيْئُ هَذَا صَلَاتَهُ وَتَرْحَمُ عِيَالَهُ؟! قَالَ: "إِنَّهُ كَبِيْرُهُم وَمِنْهُ يَتَعَلَّمُونَ".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ وكَفَى، وَصَلاةً وَسَلاماً عَلَى النَّبيِّ المُصْطَفَى.

 

أمَّا بَعْدُ: فلْنُراجِعْ أنفُسَنَا في أمرِ صَلاتِنا، ولْنُجاهِدْهَا على الامتِنَاعِ عن الحَرَكةِ في أثنائِهَا، وعن العَجَلةِ في أدائِها، وجرِّبْ صلاةً بلا عَجَلَةٍ ولا حركةٍ، وسترَى الفرقَ الكبيرَ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1 - 2].

 

ولْنَتَعَاهَدْ صَلاةَ أولادِنا وطلابِنا، ولْنتناصَحْ بينَنَا، فإنَّ وَضْعَ أكثرِنا في صلاتِنا مُخجِلٌ بينَ يدَيْ ربِّنَا، فإنْ أَحْسَنَّا وقوفَنَا بين يدَيْ ربِّنا فَسَنَجِدُ مَذاقاً لذيذاً لصلاتِنا، وأثَرَاً طيِّباً في حياتِنا، وأما في الآخرةِ فقدْ قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمهُ اللهُ-: "للْعَبدِ بَين يَدَيِ اللهِ ‌مَوقِفانِ: مَوقفٌ فِي الصَّلَاةِ، ومَوقفٌ يَوْمَ لِقَائِهِ، فَمَنْ قَامَ بِحَقِّ الْموقفِ الأولِ هُوِّنَ عَلَيْهِ الْمَوقفُ الآخَرُ، وَمَنِ استَهَانَ بِهَذَا الْموقفِ شُدِّدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْموقِفُ"(الفوائد)، فاللهم أحسِنْ وُقُوفَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ.

 

اللهم اجعلنا من المقيمِينَ للصلاةِ ومِن ذرياتِنا، ربَّنا وتقبَّلْ دعاءِ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ، وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهم احفظْ دينَنَا وبلادَنا وحدودَنا وجنودَنا، وأَدِمْ أمنَنا، واحْمِ أرجاءَنَا وأجواءَنَا، وادحَرْ أعداءَنا، وأجِبْ دعاءَنا، اللهم احفَظْ إمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وسدِّدْهُ ووليَّ عهدِهِ لهُدَاكَ.

 

اللهم صَلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

الحركة والعجلة في الصلاة.doc

الحركة والعجلة في الصلاة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات