عناصر الخطبة
1/ صِفة حَوض النبي -صلى الله عليه وسلم-. 2/ من يحظى بالشُّربِ منه. 3/ المطرودُونَ عن حَوضِه -صلى الله عليه وسلم-. 4/ الرَّدُّ على إنكارِ الـحَداثيّينَ والـمُحْدِثين.اقتباس
ويومئذٍ يفرَحُ المؤمنونَ، تولاّهُم ربُّهم، فأعطى كلَّ نبيٍّ حَوضًا يَسقِي منهُ مَن تبِعَه مِن المؤمنينَ، يَقُولُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً....
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ذي الجَلالِ والكَمالِ، تنزَّهَ عنِ النِّدِّ والنَّظيرِ والمثالِ، وتقدَّسَ عنِ السِّنَةِ والنَّومِ والزَّوالِ، وأشهدُ أن لّا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللَّهَ -عبادَ اللَّهِ- حقَّ التَّقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عبادَ اللهِ: إنَّ لَنَا مَوعدًا معَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أتَدرونَ متى اللِّقاءُ؟
إِلَيكُمُ الصُّورةَ كأنَّها رأيُ عينٍ!
يحشُرُ اللهُ الأُممَ يومَ القيامَة، وتكونُ الأُمّةُ المحمديّةُ آخرَها وخيرَها، يقُولُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ”(رواه ابنُ مَاجه).
وبَينَمَا الأُممُ جاثيةٌ، تدنو الشَّمسُ من رُؤوسِ العِبادِ مقدارَ مِيلٍ، حَتّى إنَّها تُعطَى يومَ القِيامةِ حَرَّ عَشرِ سِنينَ، كما قالَ سلمانُ الفارسيُّ -رضيَ اللهُ عنه-، يَقُولُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ”(رواه مسلم).
حَرٌّ عظيمٌ، وازدحامٌ شديدٌ، وزمنٌ طويلٌ، وحِسَابٌ وأهوَالٌ، كَربٌ وعَرَقٌ، وعطشٌ يكادُ يقطعُ الأنفاسَ، حتّى يستغيثَ الكفّارُ قائلينَ: “عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا”.
ويومئذٍ يفرَحُ المؤمنونَ، تولاّهُم ربُّهم، فأعطى كلَّ نبيٍّ حَوضًا يَسقِي منهُ مَن تبِعَه مِن المؤمنينَ، يَقُولُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً”(رواه الترمذي).
يسبِقُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُمّتَه إلى الحَوضِ الذي أعطاهُ ربُّه، يُهيِّئُ لهم فيه مَشْرَبًا ورِيًّا، هو أَعظمُ حِياضِ الأَنبياءِ جميعًا، يأتي مَاؤُه مِن نَّهرِ الكَوثرِ في الجنَّةِ، وصَفَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- طولَه وعَرضَه، ولونَ مائِه، ومَذاقَه، وطِيبَ ريحِه، وبُرودتَه، بل وَصَفَ آنِيَتَه، فانظرْ إلى بديعِ وَصفِه، قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا”(رواهُ البخاريُّ ومُسلم).
وسَألَهُ عنه أبو ذرٍّ الغِفاريُّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- يومًا فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ”(رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “فِيهِ مِيزَابَانِ يَنْثَعِبَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مِنْ وَرِقٍ (يعني: مِن فِضَّة)، وَالْآخَرُ مِنْ ذَهَبٍ، أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فِيهِ أَبَارِيقُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ”(رواه أحمَد).
هَلْ تَعلمُ ما يحصُلُ لِمَن شَرِبَ مِن هٰذَا الحَوْضِ العَظِيمِ ومائِهِ المُبارَكِ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا”(رواه البخاري ومسلم)، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا”(رواه ابنُ حِبّان).
يُؤتَى بِمِنبَرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيهِ مُعَلِّمًا دَاعِيًا وَاعِظًا مُذَكِّرًا بِرَبِّهِ، فَيُوضَعُ عِندَ الحَوْضِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “مِنبَرِي عَلَى حَوْضِي”(رواه البُخَارِيُّ وَمُسْلِم).
وَيَقِفُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو أُمَّتَهُ لِيَشرَبُوا مِن حَوْضِهِ، وَيُدْفَعُ عَنهُ مَن لَيسَ مِن أُمَّتِهِ.
أَتَدْرِي بِأَيِّ شَيءٍ سَيَعرِفُكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن مِليَارَاتِ البَشَرِ فِي أَرضِ المَحشَرِ؟
يَعرِفُنَا مِن آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَا ظَنُّكَ يَا تَارِكَ الصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيءٍ تُعرَفُ يَومَ القِيَامَةِ أَنَّكَ مِنَ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ؟ يقولُ -صلى الله عليه وسلم-: “تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ، وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ، كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ” قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ أَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: “نَعَمْ، لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ”(رواه مسلم).
هُنَا اللِّقَاءُ، هُنَا المَوعِدُ الَّذِي وَعَدَنَا نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم- أَن يَلقَانَا عِندَهُ، فإنَّه صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَالَ: “إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ (يعني سابُقٌ لكُم)، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا”(رواه البخاري ومسلم).
هٰذَا المَوعِدُ وَاللِّقَاءُ أَنتَ مَدعُوٌّ إِلَيهِ أَيضًا، وَلَيسَ أَصحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَط، فَإِنَّهُ يَشتَاقُ إِلَى لُقْيَاكَ كَمَا تَشتَاقُ إِلَيهِ، قال -صلى الله عليه وسلم- يومًا لأصحابه: “وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا” قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: “أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ”. فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَقَالَ: “أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟” قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: “فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ”(رواه مسلم).
أَتَدْرِي مَن أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَى حَوْضِهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، الشُّعْثُ رُؤُوسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا، الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ، وَلاَ تُفْتَحُ لَهُمُ أَبْوَابُ السُّدَدِ، الَّذِينَ يُعْطُونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلَا يُعْطَوْنَ الْحَقَّ الَّذِي لَهُمْ”(رواه الترمذي وابن أبي عاصم).
هَؤُلَاءِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ، الَّذِينَ تَرَكُوا أَموَالَهُم وَدِيَارَهُم لِلَّهِ، قَدِمُوا المَدِينَةَ فَقَضَوا حَيَاتَهُم فِي الفَقرِ وَالحَاجَةِ، حَتَّى إنَّ أَحَدُهُم لَا يَجِدُ إِلَّا ثَوبًا، لَا تَرضَى بِنِكَاحِهِ النِّسَاءُ المُتَنَعِّمَاتُ، وَلَا تُفتَحُ لَهُم أَبوَابُ المَجَالِسِ، حُرِمُوا مِنْ كَثِيرٍ مِن حُقُوقِهِم، وَمَعَ ذٰلِكَ أَدَّوُا الَّذِي عَلَيهِم لِلَّهِ وَلِدِينِهِ وَلِعِبَادِهِ غَيرَ مَنقُوصٍ، فَهَؤُلَاءِ وَمَن سَارَ عَلَى دَربِهِم أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَى الحَوْضِ.
إِلَّا أَنَّهُ مَا أَعظَمَ الحَسْرَةَ يَومَئِذٍ، إِذْ يُطرَدُ نَاسٌ مِن أُمَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَن حَوْضِهِ، فَمَن هَؤُلَاءِ المُجرِمُونَ؟
إِنَّ أَوَّلَ مَن يُطرَدُ عَن حَوْضِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: تِلكَ القِلَّةُ الَّتِي لَا تُعَدُّ مِن أَصحَابِهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ ارتَدُّوا عَن دِينِهِ بَعدَ مَوتِهِ، بَعدَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِم بِرُؤيَةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسلَمُوا لَكِن لَم يَدخُلِ الإِيمَانُ قُلُوبَهُم، فَمَا لَبِثُوا أَنِ ارتَدُّوا بَعدَ وَفَاتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَمَا أَشقَى مَن مَاتَ مِنهُم عَلَى ذٰلِكَ، كالّذِينَ قاتَلَهُم أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ والصّحابَةُ -رَضِيَ اللهُ عنهُم-!
يَرَاهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَادِمِينَ نَحوَهُ، إِلَّا أَنَّهُم تَمنَعُهُمُ المَلَائِكَةُ، فيقول: “أَيْ رَبِّ! أُصَيْحَابِي! أُصَيْحَابِي! فيقال: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ”(رواه البخاري ومسلم)، وتقُولُ المَلَائِكَةُ: “إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ”(رواه البخاري ومسلم).
بل يأتيهِ الرَّجُلُ يُنادِي علَيه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فيقول: “أَمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ، وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمُ الْقَهْقَرَى”(رواه أحمد).
يُطْرَدُ عن حَوْضِهِ المُحْدِثونَ في دينِهِ ما لم يَشْرَعْهُ، أَهْلُ البِدَعِ والضَّلالاتِ، الذينَ ابْتَعَدوا في العَقائِدِ والشَّرَائعِ، إنَّهُم يُطْرَدونَ عن حَوْضِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فيَسألُ: “فِيمَ هَذَا؟” فَيُقَالُ: “إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ”، فيقول: “سُحْقًا”(رواه مُسلِم).
يُطْرَدُ عن حَوْضِهِ الظَّلَمةُ وأعوانُهُم ممَّن زَيَّنَ لهم الظُّلمَ ونَشَرَ لهم الأكاذيبَ، يقُولُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ، مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ”(رواه النسائي).
إنَّ هؤلاءِ جميعًا أعرَضوا عن حَوضِ شريعتِهِ وسُنَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم- في الدُّنيا، فحُرِموا الوُرودَ على حَوضِهِ يومَ القِيامَة، ولا يَرِدُ عليهِ فيَرتَوِيَ من حَوضِهِ -صلى الله عليه وسلم- يَومَئِذٍ، إلّا مَن أقبَلَ على سُنَّتِهِ في الدُّنيا فارتَوَى منها.
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
عبادَ اللهِ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: “سَيَأْتِي قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْحَوْضِ، وَيُكَذِّبُونَ بالشَّفاعَة، ويُكَذِّبُون بِقَومٍ يَخرُجُونَ مِنَ النَّار”(رواه ابنُ أبي عاصِم).
إنَّ الإيمانَ بحَوضِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- واجبٌ، وإنكارَهُ ضَلالٌ وزَيْغٌ، وقد جاءَ فيه عن أكثرَ من خمسينَ صحابيًّا أحاديثُ بلَغَت حدَّ التَّواترِ، ومعَ ذلك تَرَى مَن في قلوبِهِم زَيْغٌ يَرُدُّونَ تلك الأحاديثَ، يَزْعُمونَ أنَّهُم حداثيّونَ، وهُم مُحْدِثونَ أفّاكُونَ ضالّونَ، نقولُ لهم كما قال أبو بَرْزَةَ رضيَ اللهُ عنه: “فمَنْ كذَّبَ بِهِ فَلَا سَقاهُ اللهُ مِنه!”(رواه أبو دَاوُد).
إِنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ حُجَّةٌ في العَقَائدِ والأَحكَامِ، فمَا ثَبَتَ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فهو حُجَّةٌ ودِينٌ وشَرعٌ، ومَن رَدَّ حديثَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فهو هالِكٌ.
إنَّ هؤلاءِ الذينَ يَزْعُمونَ الحداثةَ لا يُقَدِّسونَ دينًا ولا قُرآنًا ولا سُنَّةً، وإنَّما يُقَدِّسونَ ما عليه الغربُ الكافِرُ، فإنْ وافقَ الدِّينُ أهواءَهم قبِلوه، وإلّا تَرَكُوه، حالُهم كما أخبَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ”(رواه أبو داود).
اللَّهُمَّ انصُرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ.
اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعَفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقُوَّتِكَ يا قويُّ يا متينُ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم