الله الصمد

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-08-15 - 1447/02/21 2025-09-23 - 1447/04/01
عناصر الخطبة
1/حديث القرآن عن الله تبارك وتعالى 2/سورة الإخلاص ثلث القرآن 3/معاني سورة الإخلاص 4/من معاني اسم الله الصمد 5/كمال وحدانية الله وعظمته وجلاله 6/مقتضى الإيمان بالأسماء والصفات.

اقتباس

والصمد في معناه الثالث: هو السيد الكامل في سؤدده، فلا ينتقص سيادته في ملكه، ولا على خلقه -جَلَّ وَعَلا-، أما ملوك البشر، أما ملوك الخلق فإن سيادتهم منقوصة، فلو دامت لمن قبلهم لم تصل إليهم....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها الناس! فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

لما تفاخرت العرب بأنسابها وأحسابها وجاءهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بهذه الدعوة العظيمة، بدعوة التوحيد، قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، ابن من هو؟ فأنزل الله -جَلَّ وَعَلا- نسبه في القرآن في سورةٍ عظيمةٍ من سور القرآن تعدل ثلث القرآن، وهي سورة قل هو الله أحد (سورة الإخلاص)، أنزلها الله -جَلَّ وَعَلا- يبين فيها نسبه، قل لهم يا محمد: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[سورة الإخلاص: 1- 4].

 

 هذه السورة هي نسب الله -جَلَّ وَعَلا- في وحدانيته فلا ثاني له، فلا ثاني له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا مضادّ له ولا مسامٍ له في أسمائه ولا في صفاته.

 

 هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأن القرآن ثلاثة مضامين؛ توحيدٌ لله -جَلَّ وَعَلا- وقد اشتملت عليه هذه السورة، وقصصٌ وعبر وقد توزعت في القرآن، والمضمون الثالث: أحكامٌ وتشريعات وهذه توزعت في القرآن أيضًا.

 

ولهذا قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين : "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن؟ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".

 

وهذه السورة العظيمة يحفظها المسلمون صغارهم وكبارهم، شيوخهم ونساؤهم، يحفظونها، لكن مَن وقف منّا -يا عباد الله- عند مضامينها وعند معانيها؟

 

قل لهم يا محمد: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)؛ فالله -جَلَّ وَعَلا- واحدٌ في ذاته، وواحدٌ في أسمائه وصفاته، وواحدٌ في عبادته وألوهيته، لا شريك له ولا قسيم له، ولا شبيه، ولا ند، ولا نظير.

 

(اللَّهُ الصَّمَدُ)؛ والصمد من أسماء الله، فما معنى الصمد؟ الصمد -يا عباد الله- دارت معاني السلف فيه على ثلاثة معان:

 

المعنى الأول: أنه الذي تصمد إليه المخلوقات في حوائجها، أي تقصده في سرّائها وضرائها، وفي طلب الغوث منه -سبحانه- لا من غيره، لا من ملكٍ مقرب ولا من نبيٍّ مرسل ولا من وليٍّ من الأولياء.

 

والمعنى الثاني من معاني الصمد: الصمد الذي لا جوف له؛ فالله -جَلَّ وَعَلا- لا يحتاج إلى الطعام ولا إلى الشراب، لأنه الذي يطعِم وهو لا يُطعَم، الله -جَلَّ وَعَلا- يطعم خلقه، وهو ليس بحاجةٍ للطعام.

 

والصمد في معناه الثالث: هو السيد الكامل في سؤدده، فلا ينتقص سيادته في ملكه، ولا على خلقه -جَلَّ وَعَلا-، أما ملوك البشر، أما ملوك الخلق فإن سيادتهم منقوصة؛ فلو دامت لمن قبلهم لم تصل إليهم.

 

(اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)؛ فلم يزعم أحدٌ أن الله -جَلَّ وَعَلا- وُلد من أبوين، ولكنه قطع ذلك لئلا يتوهمه متوهم، أو يظنه ظانّ، أما مَن نسبوا إلى الله الولد فهم الشذاذ من بني آدم، الذين أشركوا مع الله -جَلَّ وَعَلا- شركًا في الربوبية، أو شركًا في العبادة، أو شركًا في الأسماء والصفات.

 

فزعمت العرب أن الملائكة بنات الله، نسبوا إلى الله -جَلَّ وَعَلا- ما تبرؤوا منه، فيما لو بُشر أحدهم به ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، ونسبت اليونانيون في فلاسفتهم وأممهم إلى الله الولادة، أن الآلهة نزلت على جبال أولمبياد شرقي أثينا فتوالدت وتناسلت.

 

وزعمت اليهود أن عزيرًا ابن الله، كما زعمت النصارى أن المسيح بن مريم ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا عظيمًا، نزه -جَلَّ وَعَلا- نفسه عن الولد؛ (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)؛ (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا)[الإسراء: 111]، وهذا من كمال وحدانيته، وكمال فردانيته -سبحانه وَتَعَالى-. 

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي تعالى في ملكوته وحدانيةً وعزًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله أعظم من وحّد الله -جَلَّ وَعَلا-، وعرَّفنا بأسمائه وصفاته.

 

عباد الله: إن الله -جَلَّ وَعَلا- لم يكن له كفو أحد؛ أي لا أحد يكافئه -سبحانه- لا في ذاته، ولا في ربوبيته، ولا في وحدانيته، ولا في ألوهيته وعبادته، ولا في أسمائه ولا صفاته، ولا في أفعاله.

 

نعم، لا أحد يماثله -جَلَّ وَعَلا-، ولا أحد يكافيه، ولا أحد يساميه، ولا أحد ينادده، فلا تجعلوا لله أندادًا، وقال -جَلَّ وَعَلا-: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم: 65] أي: لا أحد يساميه -جَلَّ وَعَلا- في أسمائه الحسنى وفي صفاته العلا، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11]، هذا كله مشمولٌ في قوله -جَلَّ وَعَلا-: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[سورة الإخلاص: 4].

 

كذلك ليس أحدًا يكافئه -جَلَّ وَعَلا- في ربوبيته وملكه، وفي قدرته وفي عزته، كذلك لا أحد يكافئه في عبادته، ولهذا من جعل مع الله ندًّا في العبادة ولو في عبادةٍ واحدة أشرك مع الله شركًا لا يغفره الله له.

 

ومقتضى ذلك -يا عباد الله- إيمانكم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة".

 

فما معنى "أحصاها" –يا رعاكم الله-؟ إن معنى "أحصاها"؛ أي عدّها من الكتاب والسنة الصحيحة، فلم ينسب لله اسمًا من أسمائه لم يثبت له في الكتاب ولا في السنة، وكذلك لم يصف الله بوصفٍ لم يصف الله به نفسه أو يصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

ثانيًا: الإيمان بمقتضى هذه الأسماء والصفات، تعظيمًا لله -جَلَّ وَعَلا-، وإجلالاً وعبوديةً، وانطراحًا بين يديه، وله -جَلَّ وَعَلا- كامل الأسماء وجليل الصفات.

 

ثالثًا: التوسل إلى الله بها دعاءً وعبودية وإيمانًا وابتهالاً له بهذه الأسماء الحسنى؛ (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف: 180].

 

نعم أيها المؤمنون: وأنت أيها المهموم، وأنت أيها المكروب، الجؤوا إلى الله -جَلَّ وَعَلا- ومجّدوه بما مجد به نفسه من أسمائه الحسنى وصفاته العلا، وتوسلوا إلى الله -جَلَّ وَعَلا- بها، ففي الصحيح من حديث عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أنها قالت: يا رسول الله، إن أنا وافقتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني"؛ توسلت إلى الله باسمه العفو، وتوسلت إلى الله -جَلَّ وَعَلا- بصفته وهي محبته للعفو، والمطلوب "فاعف عني"، نفعني الله وإياكم بهذا الهدي العظيم

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم رحمةً ترحم بها حالنا، وترحم بها شيوخنا، وترحم بها بهائمنا.

 

اللهم إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، اللهم فارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الركع والبهائم الرتع، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً.

 

اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب، اللهم أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك، يا ذا الجلال والإكرام، لبلدنا هذا خاصة، ولبلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.

 

 اللهم عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الشرك والكفر وأهله، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته ومستشاريه إلى البر والتقوى، اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهديين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.

 

اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، يا خير الماكرين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كن لهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا.

 

 اللهم إن هؤلاء تتابعوا عليهم، اللهم ولا ناجي لهم ولا منجي ولا حسب إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم كن لجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم ورميهم، وأعذنا وإياهم من عدوك وعدونا يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

الله الصمد.doc

الله الصمد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات