عناصر الخطبة
1/أسباب انتشار الأمراض 2/سبل مواجهة الأمراض والأوبئة 3/اتخاذ الأسباب الشرعية المباحة للعلاج 4/التحذير من التداوي بالحرام 5/من وسائل الوقاية من الأمراض.اقتباس
انتشار الأمراض في الناس لها أسبابٌ ظاهرة وأسبابٌ باطنة؛ فمن الأسباب الظاهرة هذه المأكولات والمشروبات والمستنشقات، وما يكون من حلول هذه الأوبئة، وتعاقب الناس بعدم اتخاذ أسباب الوقاية والعلاج منها. وإن من الأسباب الباطنة: البلاء بالذنوب؛ فإن الذنوب تصيب الناس في مقاتلهم....
الخطبة الأولى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجه واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الناس! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
أما بعد: عباد الله: إن انتشار الأمراض في الناس لها أسبابٌ ظاهرة وأسبابٌ باطنة؛ فمن الأسباب الظاهرة هذه المأكولات والمشروبات والمستنشقات، وما يكون من حلول هذه الأوبئة، وتعاقب الناس بعدم اتخاذ أسباب الوقاية والعلاج منها.
وإن من الأسباب الباطنة -يا عباد الله- إنه البلاء بالذنوب؛ فإن الذنوب تصيب الناس في مقاتلهم، ومن ذلك أن يُعاجلوا بأنواع العقوبات ومنها هذه الأمراض والأوبئة، والمؤمن يقابل ذلك كله بأمرين.
أولاً: باستغفار ربه مما كان من تقصيره وإسرافه، واستغفاره ربه؛ لأن الاستغفار يرفع البلاء، ما نزل بلاءٌ من السماء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة.
والسبب الثاني -يا عباد الله- اتخاذ الأسباب الشرعية المباحة بالعلاج، ومن ذلك التداوي المشروع بخلاف التداوي غير المشروع، ومن التداوي غير المشروع التداوي بالحرام؛ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام؛ فإن الله -جَلَّ وَعَلا- ما أنزل من داءٍ إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله".
ومن التداوي بالحرام -يا عباد الله- أمرٌ يُخِلّ بالعقيدة ويُفْسِد الإيمان، ألا وهو الذهاب إلى الكهان والسحرة والمشعوذين، سؤالاً لهم، أو تصديقًا لأخبارهم؛ ففي الصحيح عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "من أتى كاهنًا أو عرافًا فسأله فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد"، وفي قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من أتى عرافًا فسأله لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين يومًا".
فإذا صدَّق الإنسان مدّعي الغيب فإنه يكون كافرًا بالقرآن، كافرًا بالإسلام، كافرًا بمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وما جاء به، فإن سأله على جهة الاختبار أو على جهة الاستهزاء والتمحن لا تصديقًا له فهي كبيرةٌ من كبائر الذنوب توجب لصاحبها ألا تُقبَل له صلاةٌ أربعين يومًا.
والتداوي -يا عباد الله- شرعه الله -جَلَّ وَعَلا-، والأمرُ فيه أمر إيجابٍ أو أمر استحباب، بحسب حال الداء وبحسب حال المصابين بهذه الأدواء من المرضى.
وفي صحيح البخاري عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "إن يكن الطبُّ في شيءٍ ففي ثلاث؛ شرطة مِحجم ولعقة عسل وكيةٍ من نار، وأنا أكره النار"؛ لما في النار من العذاب، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كرهها لنا، وما كره لنا شيئًا إلا لأنه مكروهٌ وإن كان في أصله مباح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)[الشعراء: 80- 82].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إن من أسباب الوقاية من هذه الأمراض: اتخاذ الأسباب الشرعية. نعم يا عباد الله؛ إن المؤمنين يتوكلون على الله -جَلَّ وَعَلا- في حصول مراداتهم، ومن ذلك حصولهم على الدواء وحصولهم على الشفاء، يتكلون به على الله النافع الضار -سبحانه-، ويتخذون لذلك الأسباب الشرعية.
جاء رجلٌ إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله، ناقتي أأعقلها أم أتوكل؟ فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "اعقلها وتوكل"، أي: افعل السبب وتوكل على الله في المسبب في حفظها وعدم ضياعها.
ومن الأسباب الشرعية -يا عباد الله- في هذا الداء الذي عمَّ الناس وبدأ يتجدد في هذه الأيام اتخاذ هذه التطعيمات الموسمية المتعلقة بهذه الأنفلونزا، وكذلك لبس الكمام على الأنف والوجه، وكذلك التباعد ما أمكن، وعدم التخالط مع الناس مخالطة الملامسة حتى يصيبهم هذا الداء.
هذه أسباب ومسبب الأسباب هو ربنا -سبحانه وتعالى-.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم رحمةً ترحم بها حالنا، وترحم بها شيوخنا، وترحم بها بهائمنا.
اللهم إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، اللهم فارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الركع والبهائم الرتع، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً.
اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب، اللهم أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك، يا ذا الجلال والإكرام، لبلدنا هذا خاصة، ولبلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.
اللهم عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الشرك والكفر وأهله، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته ومستشاريه إلى البر والتقوى، اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهديين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.
اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، يا خير الماكرين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كن لهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا.
اللهم إن هؤلاء تتابعوا عليهم، اللهم ولا ناجي لهم ولا منجي ولا حسب إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم كن لجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم ورميهم، وأعذنا وإياهم من عدوك وعدونا يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم