الهجرة والسفر إلى بلاد الكفر

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-10-03 - 1447/04/11 2025-10-13 - 1447/04/21
عناصر الخطبة
1/وجوب الهجرة من دار الشرك والبدع 2/تحريم الإقامة في بلاد المشركين بغير عذر ولا ضرورة 3/وجوب التمسك بالحق وترك الباطل.

اقتباس

المسلم لا تجوز له الإقامة ببلد الكفر، إلا بإظهار دينه وإنكار معصيتهم وبغضهم ومعاداتهم، فكيف بمن يذهب إليهم لقضاء إجازته عندهم، أو للنزهة، وربما وقع في الفواحش والمحرمات، وراقَ له باطلهم، فهل سيكون منه عداوة لهم وبغض، وهذه حاله أم هو محب لهم ومائل إليهم؟ أم هو هاتك لحدود الله وغير مبالٍ بها ومتّبع لهواه؟...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الولي الحميد، المنعم على عباده بما يحملهم في بَرّه وبحره وسمائه، فمنهم شاكر له -تعالى-، ومنهم غافل، ومنهم كافر وعنيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد الفرد الصمد ذو العرش المجيد.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القدوة في حله وترحاله لسائر العبيد، اللهم صلِّ وسَلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين كان جلّ أسفارهم جهاداً في سبيله، ودعوة إلى كتابه المجيد، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- في حلكم وترحالكم، واشكروه على نعمه، فشكره سبب للمزيد، واعلموا -رحمكم الله-: أنه قد دلّ الكتاب والسنة والإجماع، على وجوب الهجرة من دار الشرك والمعاصي والبدع، وتحريم الإقامة فيها؛ فقد قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء: ٩٧].

 

قال ابن كثير -رحمه الله-: "فهذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية، وهي قوله -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)[العنكبوت: ٥٦]".

 

 قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: "يقول الله -تعالى- للمؤمنين من عباده: يا عبادي الذين وحّدوني وآمنوا برسولي، إن أرضي واسعة لم تضق عليكم، فتقيموا بموضع منها لا يحل لكم المقامُ فيه، ولكن إذا عُمِل بمكان منها بمعاصي الله، فلم تقدروا على تغييره فاهربوا منه".

 

وقال البغوي -رحمه الله-: "وهذه الآية نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة، وقالوا نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة"، وساق كلاماً لسعيد بن جبير وغيره، ثم قال: "ويجب على كل من كان ببلد يُعمل فيها بالمعاصي، ولا يمكنه تغييرها: الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة".

 

 وقال ابن كثير -رحمه الله-: في تفسير قوله -تعالى-: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ)[سورة الكهف: 16]: "وإذ فارقتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ففارقوهم أيضاً بأبدانكم، فحينئذ هربوا إلى الكهف"، وروى أبو داود والحاكم عن سمرة مرفوعاً: "من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله"، ولفظ الحاكم: "وساكنهم أو جامعهم فليس منا"، وروى أبو داود والنسائي والترمذي، عن جرير بن عبد الله مرفوعاً: "أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تراءى ناراهما".

 

عباد الله: لقد تجلَّى لنا في هذه الآيات، والحديثين، وكلام العلماء: أن المسلم لا تجوز له الإقامة ببلد الكفر، إلا بإظهار دينه وإنكار معصيتهم وبغضهم ومعاداتهم، فكيف بمن يذهب إليهم لقضاء إجازته عندهم، أو للنزهة، وربما وقع في الفواحش والمحرمات، وراقَ له باطلهم، فهل سيكون منه عداوة لهم وبغض، وهذه حاله أم هو محب لهم ومائل إليهم؟ أم هو هاتك لحدود الله وغير مُبالٍ بها ومتَّبع لهواه؟ بماذا يجيب ربه إذا وقف بين يديه.

 

 إن المسلم حقاً هو المستقيم على إسلامه، فلا تميل به نفسه ولا هواه إلى مخالفة شرع الله، بل هو قابض على دينه وصابر محتسب ومحاذر عليه مما يبطله أو ينقصه.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: ٢٤ – ٢٥].

 

بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله المبدئ المعيد ذي العرش المجيد، الفعّال لما يريد، أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير قائم بنصرة التوحيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين كانوا مثلاً في الاستقامة من صالح العبيد، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، واعرضوا أقوالكم وأعمالكم على شريعة الله ليتميز الصالحُ منها فتتمسكوا به، والباطلُ فتجتنبوه، فهذا والله هو الرشد.

 

عباد الله: أرأيتم لو وجد أحد منا باباً أو طريقاً إلى النار فهل يلج ويسير معه؟ أو وجد باباً أو طريقاً إلى الجنة فهل يتراخى عن الدخول والسير معه؟ فكذلك من عرف شرع الله في حكم من الأحكام ثم أعرض عنه أو بادر إليه؛ قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: ٣٧ – ٤١].

 

 اللهم اهدنا الصراط المستقيم، وخذ بنواصينا لما يرضيك يا أرحم الراحمين.

 

 عباد الله: إن الصلاة على محمد -صلى الله عليه وسلم- كالختم والطابع في ختام الصلاة والأعمال وعند ذكره، وذلك لأنه خاتم الأنبياء ولمقامه الشريف عند الله، ولما قام به من نشر هذا الدين.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

   

 

المرفقات

الهجرة والسفر إلى بلاد الكفر.doc

الهجرة والسفر إلى بلاد الكفر.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات