بيان ما يشرع للموتى من حقوق على إخوانهم الأحياء

ماجد بن سليمان الرسي

2025-07-11 - 1447/01/16 2025-09-04 - 1447/03/12
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/الحكمة من خلق الناس 2/من حقوق الموتى على إخوانهم الأحياء

اقتباس

الحق الخامس من حقوق الموتى على الأحياء: الكف عن التحدث بمساوئهم، وقد جاء في النهي عن سبِّ الموتى عدة أحاديث وآثار منها: حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبُّوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه -تعالى- خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، كما قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وأرسل الرسل لذلك قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25]، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزمر: 65 - 66]، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء: 48].

 

أيها المؤمنون: تقدم في الخطب الماضية بيان بعض مظاهر إهانة القبور، والتي يجب تجنبها، واليوم نتكلم بما يسر الله عما يُشرع للموتى من حقوق على إخوانهم الأحياء.

 

 عباد الله: شريعة الإسلام شريعة كاملة، لم تأت شريعة بأحسن مما جاء فيها من بيان لحقوق الخلق، أحياؤهم وأمواتهم، وهذه جملة من حقوق الموتى على إخوانهم الأحياء من المسلمين:

الأول: الدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، سواء كان عند زيارة قبورهم أو من بعيد، ودليله قوله -تعالى- في صفة المؤمنين: (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10]، وعن عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ جبـريل -عليه السلام- أتاه فقال: "إنَّ ربَّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع؛ فتستغفر لهم"، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قُولي: "السَّلام على أهل الديار من الـمؤمنين والمسلمين، ويَرحم الله المستقدمين منَّا والمُستأخرين، وإنَّا إن شاء الله بكم للاحقون"(رواه مسلم).

 

أيها المؤمنون: الحق الثاني والثالث والرابع من حقوق الموتى على الأحياء: الصدقة عنهم، وقضاء صيامهم، والــحج عنهم، والـدليل على هذا حديث بُريدة بن الحصيب قال: بينا أنا جالس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ أتته امرأة فقالت: إنِّي تصدقت على أُمِّي بجارية، وإنها ماتت، فقال: "وجب أجرُكِ، وردَّها عليكِ الميراث"، أي: إن شريعة الميراث تَفرض عليكِ أن تكون الجارية المملوكة مِن ضمن الإرث الذي تركته أمكِ، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: "صُومي عنها"، قالت: إنها لم تحج قط، أفحج عنها؟ قال: "حُـجِّي عنها"(رواه مسلم)، وعن عائشة -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه"(رواه مسلم).

 

أيها المسلمون: الحق الخامس من حقوق الموتى على الأحياء: الكف عن التحدث بمساوئهم، وقد جاء في النهي عن سبِّ الموتى عدة أحاديث وآثار منها: حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبُّوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا"(رواه البخاري)، وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لا تذكروا موتاكم إلا بخير"، وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "سابُّ الميت كالمُشرف على التهلكة".

 

عباد الله: الحق السادس من حقوق الموتى على الأحياء: إمضاء وصية الميت كما وَصَّى، على أن لا تتعدى الثلث، وذلك بعد إخراج الدَّين الذي على الـمُتوفَّى إن كان عليه دين، قال -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 180 - 181].

 

أيها المؤمنون: الحق السابع من حقوق الموتى على الأحياء: وفاء ديونهم التي عليهم، والدليل على هذا حديث ابن عباس -رضي الله عنه-: أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنَّ أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: "أرأيتِ لو كان عليها دينٌ، أكنتِ تَقضينه؟"، قالت: نعم، قال: "فدينُ الله أحقُّ بالقضاء"(رواه مسلم)، ففي هذا الحديث يستفاد وجوب قضاء الدَّين سواء كان مالا أو صوما لم يصمه الميت، كقضاء إفطار أيام من رمضان ونحو ذلك.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا رحمكم الله أن الله -سبحانه وتعالى- أمركم بأمر عظيم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].

 

المرفقات

بيان ما يشرع للموتى من حقوق على إخوانهم الأحياء.doc

بيان ما يشرع للموتى من حقوق على إخوانهم الأحياء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات