عناصر الخطبة
1/منزلة المرأة ومكانتها في الإسلام 2/مبايعة النساء لرسول الله 3/ثناء الله على النساء الملتزمات شريعة رب السماوات.اقتباس
وشَرِيْعَةُ اللهِ لَمْ تُهْمِلْ تِلْكَ الفَوارِقَ في الأَحْكامِ والتَكْلِيْفِ، وَلَمْ تَغُضَّ الطَرْفَ عَنْها؛ فَالمرأَةُ هِيَ الأَضْعَفُ بُنْيَةً وقُوَّةً وخِلْقَةً، وهِيَ الأَقْوى عاطِفَةً ورِقَّةً وحَناناً؛ والرَّجُلُ هُو الأَقوى تَحَمُلاً وصَلَفاً وبأَساً...
الخطبة الأولى:
الحمد الله حمداً يليقُ بِجلالهِ، حمداً يَلِيْقُ بكِبْريائِهِ وعَظَمَتِهِ وكَمالِه، حَمداً كَثِيْراً طَيباً مباركاً فيهِ، كما يحب رَبُنا ويَرَضى، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرحمنِ الرحيمِ، مالكِ يومِ الدينِ، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ، إله الأولين والآخرين، وفاطِرُ السماواتِ والأَرضِين؛ (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص:٧٠].
وأَشهد أن محمداً عبده ورسوله، بَعَثَهُ اللهُ خاتَماً للنبِيين؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: ١٠٧]، -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً- أَما بعد: فاتقوا الله يا -عباد الله- لعكم ترحمون.
أيها المسلمون: شِقَّانِ مُتَكامِلَانِ، وجُزْآنٍ مُتَّصِلان، لا غِنَى لأَحِدِهِما عَنْ الآخَر؛ أَوجَدَهُما اللهُ لِحِكْمَةٍ، ولا بَقاءَ للبَشَرِيَّةِ إِلا بِوُجُودِهِما؛ ذَكَرٌ وأُنْثَى، رَجُلٌ وامْرأَة، هُما عُنْصُرُ الإِنْسانِ وهُما مادَةُ بَقائِهِ، وَلَوْ عُدِمَ أَحَدُهُما لَما كَانَ للآخَرِ بَقاء، كَذا قَدَّرَ اللهُ، وكَذا في حُكْمِهِ قَضَى؛ (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الذاريات: ٤٩]، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ)[النجم: ٤٥–٤٦].
أَوْجَدَهُما اللهُ لِحِكْمَةٍ، وَهُما في مِيْزانِ الشَّرِيْعَةِ سَواءٌ، كِلاهُما عِبادٌ مُكَلَّفُون، وعلى أَعْمالِهِم مُحاسَبُون، وعِنْدَ رَبِهِمْ مَجْزِيُّون؛ شَمَلَهُم خِطابُ الشَّارِعِ في الأَمْرِ والنَّهيِ، وإِنْ كانُوا في بَعْضِ الأَحْكامِ يَتَفاوَتُون؛ مَنْ اسْتَجابَ مِنْهُم لِرَبِهِ واسْتَقامَ على رُشْدِه؛ فإِنَّهُ مَوعُودٌ مِنَ اللهِ بأَكْرَمِ وعَدٍ؛ ومَنْ أَعْرَضَ مِنْهُم عَنْ أَمْرِهِ واسْتَنْكَفَ عَنْ عِبادَتِه؛ فإِنَّهُ مُتَوَعَّدٌ مِنْ اللهِ بأَعْظَمِ وعِيْد؛ فَهُم في الثَّوابِ والعِقَابِ لا يَتَفاضَلُون لأَجْلِ أَجْناسِهِم، ولا يَخْتَلِفُون؛ (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غافر: ٤٠]، (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء: ١٢٤]؛ (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)[آل عمران: ١٩٥]؛ ذَكَرٌ وأَنْثَى، وَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما خَصائِصُهُ التِيْ تُناسِبُ خِلْقَتَهُ؛ (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ)[آل عمران: ٣٦].
وشَرِيْعَةُ اللهِ لَمْ تُهْمِلْ تِلْكَ الفَوارِقَ في الأَحْكامِ والتَكْلِيْفِ، وَلَمْ تَغُضَّ الطَرْفَ عَنْها؛ فَالمرأَةُ هِيَ الأَضْعَفُ بُنْيَةً وقُوَّةً وخِلْقَةً، وهِيَ الأَقْوى عاطِفَةً ورِقَّةً وحَناناً؛ والرَّجُلُ هُو الأَقوى تَحَمُلاً وصَلَفاً وبأَساً؛ وهو الأَقْدَرُ على تَحَمُلِ أَعْبَاءِ الحَياةِ ومُواجَهَةِ المَصاعِب؛ فأَوْلَتِ الشَّرِيْعَةُ تِلْكَ الفَوارِقَ كُلَّ اعْتِبار، وشَرَعَتْ لِكُلٍ مِنْهُما مِنَ الأَحْكامِ ما يُناسِبُ حَالَه.
المَرْأَةُ خُلِقَتْ ضَعِيْفَةً، وضَعْفُها لا يُنْقِصُ مِنْ قَدْرِها وَمَكَانَتِها. ضَعْفُها أَوجَبَ لَها على الرِّجالِ حَقَّ العِنايَةِ والرِّعايَةِ والإِكْرام؛ ضَعْفُها جَلَبَ لَها القُوَّةَ حِيْنَ أَمَدَّتْها الشَّرِيْعَةُ بالاهْتِمام؛ أَوْصَتِ الشَّرِيْعَةُ بالمرأَةِ خَيْراً، وأَفْجَرُ النَّاسِ مَنْ جَحَدَ تِلْكَ الوَصِيَّةَ أَو اسْتَخَفَّ بِها؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا"(متفق عليه).
حَرَّجَتْ الشَّرِيْعَةُ حُقُوقَها، وحَرَّمَتْ ظُلْمَها، وحذَّرَتْ مِنْ الاعْتداءِ عليها. فَلا شَرِيْعَةَ حَمَت المَرْأَةَ كَما حَمَتْها شَرِيْعَةُ رَبِّ العَالَمِيْن، عَنْ أَبِيْ هَرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَعِيفَين: اليَتِيمِ والمَرْأَةِ"(رواه ابن ماجة).
في شَرِيْعَةِ اللهِ، مَنْ رُزِقَ بِبِنْتٍ؛ فأَحْسَنَ إِليها، كَانَتْ تِلْكَ الضَّعِيْفَةُ حِجَاباً لَهُ مِنَ النَّار؛ وإِنَّ ضَعْفاً حَجَبَ مِنْ نارِ الجَحِيْمِ لَهُو قُوَّة؛ عَن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بِشَيءٍ؛ فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ"(رواه البخاري ومسلم).
ومَعْنَى مَنْ ابْتُلِيَ أَيْ: مَنْ اخْتُبِرَ، والمرءُ يُخْتَبَرُ ويُمْتَحُنُ بِما يُوهَب؛ فَمَن اجْتازَ ذاك الاخْتِبارُ بالإِحْسانِ إليها، أَدْرَكَ فَوزاً، ومَنْ أَخْفَقَ فِيْهِ وأَخَلَّ، كَشَفَ سِتراً كانَ يَحْجِبُهُ مِنَ النار.
تِلْكُم هِي المَرأَةُ في شَرِيْعَةِ الإِسلامِ، وتِلْكُمْ بَعْضُ أَوامِرِ الشَّرِيْعَةِ بالإِحْسانِ إليها، ولَئِنْ خَاطَبَتِ الشَّرِيْعَةُ الرِجالَ بِشأَنِ المَرْأَةِ؛ فَلَقَدْ خاطَبَتِ الشَّرِيْعَةُ المرأَةَ بِما يَجِبُ عليها؛ خاطَبَ القُرآنُ المرأَةَ، وبَيَّنَ لَها حُدودَ ما شُرِعَ لَها؛ فَكَمْ في القُرآنِ مِنْ أَمْرٍ ونَهِيٍ، وتُوجِيْهٍ وتَبْصِيرٍ، وتَحْفِيْزٍ وتَحذِيْرٍ، كَانَ الخِطابُ فِيْهِ مُوجَهاً للمرأَةِ؛ وكَمْ في السُّنَّةِ مِنْ حَدِيْثٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَتْ المَرأَةُ هِيَ المُخاطَبَةُ بِه.
فَهْلَ تَنْهَضُ هِمَّةُ المُسْلِمَة إِلى تَقَصِّيْ تِلْكَ الأَوامِرِ الرَّبانِيَّةِ، وتَعَلُّمِ تَلِكَ النُصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، والتَفَقُهِ في تِلْكَ الأَحْكامِ والآدابِ الزَكِيَّةِ؛ ثُمَّ تَنْهَضُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلى العَمَل بِما عَلِمَتْ، والاسْتِقامَةِ على ما أُمِرَت؟! كَذَا كَانَتْ المُؤْمِناتُ في عَهْدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَذَا كانَتْ هِمَمُهُنَّ وغايَتُهُنَّ؛ قَالَ أَبُوسَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ -رضي الله عنه-: "جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلى رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ أَيْ اسْتأَثَرُوا بالجُلُوسِ مَعَكَ فَسَمِعُوا العِلْمَ مِنْكَ ولَمْ نَسْمع فَاجْعَل لنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأَتِيكَ فِيْهِ تُعَلِّمُنَا مما عَلَّمَكَ الله، قَالَ لَها النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْتَمِعْنَ يَوَم كَذَا وكَذَا؛ فَاجْتَمَعْنَ، فأتَاهُنَّ فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ الله"(متفق عليه).
اجْتَمَعْنَ فاسْتَمَعْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ما اسْتَمَعْنَ، وتَعَلَّمْنَ مِنْهُ ما تَعَلَّمْنَ؛ فَكُنَّ أَصْدَقَ إِيْماناً، وأَسْرَعَ قَبُولاً، وأَسْبَقَ اسْتِجابَة؛ لَمْ يُشاقِقْنَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ولَمْ يُحاجِجْنَه، ولَمْ يُمارِيْنَهُ ولَمْ يُعارِضْنَه؛ أُمِرْنَ بالوَقَارِ في البُيُوتِ فَوَقَرْنَ، وأُمِرْنَ بالحِجابَ؛ فاحْتَجَبْنَ، وأُمِرْنَ بالحِشْمَةِ فاحْتَشَمْنَ، وأَمِرْنَ بالقُنُوتِ والاسْتِجابَةِ لأَوامِرِ اللهِ فاسْتَجَبْنَ؛ يُلَبِيْنَ أَمْرَ اللهِ حُباً ورَغْبَةً، وخَوْفاً وتَعْظِيْماً، وإِجْلالاً وهَيْبَةً.
نِساءٌ صَالحَاتٌ، بايَعْنَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- على الاستْجابَةِ لأَمرِ اللهِ ورسُولِهِ، وعلى أَنْ يَلْزَمْنَ الكَرامَةَ في أَنْفُسِهِنَّ وفي سُلُوكِهِن، وعلى أَنْ لا يَعْصِيْنَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأَنْ لا يُخالِفْنَهُ في مَعْرُوف؛ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الممتحنة: ١٢].
فَمِنْ أَحْضانِهِنَّ نَهَضَ رِجَالٌ حَمَلَوا الدِيْنَ ونَشَرَوا المِلَّة؛ وفَتُحوا الأَمْصارَ، وهَزَمُوا الكُفَّار، فالحاضِنَةُ الصَالحَةُ لَها مِثْلُ أَجْرِ مَنْ حَضَنْتهُ فَأَدَّبَتْهُ ورَبَّتْهُ على المَكارِمِ وعَلَّمَتْهُ؛ (لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا)[الفتح: ٥].
باركَ اللهُ لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين-، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: والمَرأَةُ حِيْنَ تَفْقَهُ دِيْنَ اللهِ، وتَعِيْ المَعانِيْ السَامِيَةِ فيهِ، تُكُونُ أَكْثَرَ حُبّاً لَهُ، وأَشَدَّ تَمَسُّكاً تَعالِيْمِه وقِيَمِه؛ وحِيْنُ تُضَلَّلُ وتُقْصَى عَنْ تَعالِيْمِ الدِيْنِ، وتُشَوَّهُ لَها الأَحْكامُ والأَوامِرُ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَإِنَّها تَنْجَرِفُ إِلى مَسالِكِ أَهْلِ الأَهواءِ، وتَنْحَنِيْ إِلى إِغْراءَاتِهِم، وتَنْهَزِمُ أَمامَ لَمْزِهِم واسْتِهزائِهِم.
المَرأَةُ بِفِطْرَتِها هِيَ الأَمْيَلُ إِلى كُلِّ إِغْراءٍ، وهِيَ الأَضْعَفُ أَمامَ كُلَّ ابْتِلاءٍ؛ ولَكِنَّها حِيْنَ تَرْتَوِيْ مِنْ مَعِيْنِ الكِتابِ والسُّنَةِ، وتَنْهَلُ مِنْ مَوْرِدِهِما، وتَتَغذَّى مِنْ موائِدِهِما، تَقْوى ثِقَتُها بِدِيْنِها، ويَقُوى يَقِيْنُها بأَنَّ تَمَسُّكَها بِأَوامِرِ اللهِ ورَسُولِهِ هُو مَصْدُرُ عِزِّها وكَرَامَتِها، وفَوزِها وسَعادَتِها. فَيَنْهَزِمُ أَمامَها كُلُّ طَامِعٍ، ويَتَقَْهْقَرُ أَمامَها كُلُّ مُنافِقٍ، ويُصْرَعُ على عَتَباتِ ثَباتِها كُلُّ صاحِبِ هَوى. ولَفَخْرُها بِتَمَسُّكِها بِأَوامِرِ الدِيْنِ لَيَعْلُو كُلَّ فَخْرٍ مُصْطَنَعٍ تَتَظاهَرُ بِهِ مَنْ نَبَذَتْ تَعالِيْمِ الشَّرِيْعَةِ وراءَها.
ما امْتَدَحَ اللهُ امْرأَةً في القُرآنِ بِمِثْلِ ما امْتَدَحَ ذاتَ الدِيْنِ والحَياءِ والحِشْمَةِ والحِجابِ؛ ومَنْ لَمْ يُصِبْها وَصْفُ مَدْحِ اللهِ في القُرآنِ؛ فَلَبِئِسَت الحَياةُ حَياتُها، ولَبِئِسَتِ العاقِبَةُ عاقِبَتُها؛ (مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)[التحريم: ٥]، (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء: ٣٤]، (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)[القصص: ٢٥]؛ والمَشْيُ على اسْتِحياءٍ لَيْسَ تَكَسُراً، ولا تَمايُلاً، ولا غُرُوراً. وإِنَما عِفَّةً وحِشْمَةً وبُعداً عن الإِثارَةِ والإغْراء.
وكُلُّ أَمْرٍ أُمِرَتْ بِهِ المَرأَةُ في القُرآنِ، أَو في صحيحِ السُّنَةِ؛ فإِنَّ الأَخْذَ بِهِ هُو غايَةُ الفُوزِ، وإِنَّ الإِخلالَ بِهِ هُو غايَةُ الخُسْران؛ (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)[النور: ٣١]، (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)[الأحزاب: ٣٢]، (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِيعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الأحزاب: ٣٣]، (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ)[النور: ٣١]، (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)[النور: ٣١]، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: ٣٣].
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب:٥٩]، (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: ٥٣].
وما قِيْمَةُ عِلْمٍ تَتَعَلَّمُهُ المَرأَةُ إِنْ هِيَ أَضاعَتْ أَمْرَ رَبِها؟! (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)[النساء: ٦٦].
والوَالِدُ والوالِدَةُ والمُعَلِّمةُ والمُرَبِيَةُ والناصِحُ والداعِيَةُ وصاحِبُ المَسؤُولِية، ومَنْ يَمْلِكُ الأَمْرَ والقَرار، وكُلُّ صاحِبِ مَوقِعٍ إِعلامِيٍّ، وقَلَمٍ وتأَثِيْر؛ كُلُّهُم مَسْؤولونَ عَنْ الحِفاظِ على المَرأَةِ، مَسؤُولُونَ عَنْ تَثْقِيْفِها، وتَعْلِيْمِها، وتَحْصِيْنِها، والنأَيِ بِها عَنْ مواطِنِ الفِتَنِ، ومَزالِقِ الهَلاك.
أيها المسلمون: هذه وصِيةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَكُم: "اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا"(متفق عليه).
(فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: ١٨١].
وصلوا وسلموا..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم