حماية حمى التوحيد

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-11-07 - 1447/05/16 2025-11-27 - 1447/06/06
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/التوحيد أعظم الطاعات 2/من مظاهر ضعف التوحيد 3/من أمثلة حماية النبي للتوحيد 4/نعمة التوحيد في بلاد التوحيد

اقتباس

لَقَدْ قَصَّرَ أُنَاسٌ مَعَ اَلتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى اَلْعَبِيدِ؛ فَتَقَاذَفَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمُ اَلْفِتَنُ وَالْأَدْوَاءُ، فَمِنْهُمْ مَفْتُونٌ بِالتَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ، يُعَلِّقُهَا عَلَيْهِ، وَعَلَى مَوْلُودِهِ وَمِرْكُوبِهِ وَمَسْكُوْنِهِ، بِدَعْوَى أَنَّهَا تَدْفَعُ اَلشَّرَّ، وَتَذْهَبُ بِالْعَيْنِ، وَتَجْلِبُ اَلْخَيْرَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلهِ اَلْمُتَوَحِّدِ بِالْجَلَالِ، بِكَمَالِ الْجَمَالِ تَعْظِيمًا وَتَكْبِيرًا، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَقْدِيرًا وَتَدْبِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، صَلَّى اَللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيَكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اَللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَعْظَمُ مَا يُتَّقَى اَللهُ بِهِ إِقَامَةُ اَلتَّوْحِيدِ وَاجْتِنَابُ اَلشِّرْكِ؛ فَالتَّوْحِيدُ أَعْظَمُ اَلطَّاعَاتِ، وَأَهْلُهُ هُمْ أَحْسَنُ اَلنَّاسِ مَقَامًا عِنْدَ اَللَّهِ، وَالشِّرْكُ هُوَ أَقْبَحُ اَلسَّيِّئَاتِ، وَأَهْلُهُ هُمْ أَبْعَدُ اَلنَّاسِ مِنَ اَللهِ.

 

نَعَمْ، لَقَدْ قَصَّرَ أُنَاسٌ مَعَ اَلتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى اَلْعَبِيدِ؛ فَتَقَاذَفَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمُ اَلْفِتَنُ وَالْأَدْوَاءُ، فَمِنْهُمْ مَفْتُونٌ بِالتَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ، يُعَلِّقُهَا عَلَيْهِ، وَعَلَى مَوْلُودِهِ وَمِرْكُوبِهِ وَمَسْكُوْنِهِ، بِدَعْوَى أَنَّهَا تَدْفَعُ اَلشَّرَّ، وَتَذْهَبُ بِالْعَيْنِ، وَتَجْلِبُ اَلْخَيْرَ، و"مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ".

 

فَيَا وَيْحَ مَنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ اَللَّهِ أَوْ رَجَا غَيْرَهُ، شَرِبَ اَلْمُؤْمِنُونَ صَفْوًا، وشَرِبَ هُوَ كَدَرًا، وَدَعَوْا هُمْ رَبًّا وَاحِدًا، وَدَعَا هُوَ مِنَ الأَرْبَابِ عَشْرَاً؛ (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[يوسف: 39]، وَأَيْنَ عَابِدُ الأَمْوَاتِ مِنْ عَابِدِ الحَيِّ الذِيْ لَا يَمُوتُ؟! (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[الزمر: 29].

 

قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي: "يَا حُصَيْنُ، ‌كَمْ ‌تَعْبُدُ اليَوْمَ إِلَهًا؟"، قَالَ: سَبْعَةً، سِتَّةً فِي الأَرْضِ، وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ، قَالَ: "فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟"، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَأَسْلَمَ حُصَينٌ"(سنن الترمذي).

 

إِلَّا أَنَّنَا مَدْعُوُّونَ لِنَغْرِسَ هَذِهِ اَلْمَعَانِيَ اَلْأَسَاسِيَّةَ فِي نُفُوسِ مَنْ تَحْتَ أَيْدِينَا، وَنَزْرَعَ فِيهِمْ تَعْظِيمَ اَللَّهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَأَعْظَمُ أَوَامِرِهِ التَّوْحِيْدُ، وَأَعْظَمُ نَوَاهِيْهِ الشِّرْكُ، وَإِذَا كَانَ اَللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالْعِلْمِ بِالتَّوْحِيدِ فِي قَوْلِهِ: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)[محمد: 19]، فَلَنَحْنُ مَأْمُورُونَ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا مِنَ اَلْجَهْلِ أَنْ يَقُولَ اَلْقَائِلُ مِنَّا: فَهِمْنَا اَلتَّوْحِيدَ، فَلِمَاذَا يُكَرَّرُ فِي مَدَارِسِنَا وَمَسَاجِدِنَا؟!.

 

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: مِنْ مَسَائِلِ اَلتَّوْحِيدِ اَلْمَغْفُولِ عَنْهَا: مَسْأَلَةُ سُوءِ اَلظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنَ: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)[الفتح: 6]، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ حِينَ يَرَى جَوْلَةَ اَلْبَاطِلِ، وَضَعْفَ اَلْحَقِّ، يَظُنُّ دَوَامَ عُلُوِّ اَلْبَاطِلِ، وَاضْمِحْلَالَ اَلْحَقِّ، وَهَذَا سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ، لَا يَلِيقُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ.

 

وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ حِينَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ اَلْمَرَضُ أَوْ اَلْفَقْرُ، يَظُنُّ بِاَللَّهِ ظَنَّ اَلسَّوءِ، فَيَسْتَبْعِدُ أَنَّ اَللَّهَ سَيُغَيِّرُ مَا بِهِ مِنْ شِدَّةٍ، وَهَذَا لَا شَكَّ قَادِحٌ للتَّوْحِيدِ فَادِحٌ.

 

وَانْظُرْ لِحَالِكَ كَيْفَ لَوْ أُسِيءَ اَلظَّنُّ بِكَ، كَمْ سَتَغْضَبُ وَتُنْكِرُ ذَلِكَ؟ وَأَنْتَ أَهْلٌ لِكُلِّ نَقْصٍ، فَكَيْفَ تُسِيءُ ظَنَّكَ بِرَبِّكَ، وَهُوَ أَهْلٌ لِكُلِّ صِفَاتِ اَلْكَمَالِ؟!.

 

وَفِي كِتَابِ اَلتَّوْحِيدِ لِلْإِمَامِ اَلْمُجَدِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- قَدْ عَقَدَ بَابَاً بِعُنْوَانِ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَى اَلتَّوْحِيدِ وَسَدِّهِ طُرُقَ اَلشِّرْكِ)، وَقَصْدُهُ: "أنّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَدَّ الوَسَائِلَ التِيْ تُؤَدِّيْ إِلَى الشِّرْكِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ مِنَ الشِّرْكِ؛ احْتِيَاطاً للتَّوْحِيْدِ"(إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لسماحة الشيخ صالح الفوزان).

 

وَإِلَيْكُمُ قِصَّةً قَصِيْرَةً تُؤَكِّدُ أهَمِّيَّةَ حِمَايَةِ حِمَى التَّوْحِيدِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ فَيْمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: "لَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ أُنسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا"، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فَكَانَ خَفَاؤُهَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -تَعَالَى-؛ فَلَوْ بَقِيَتْ ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً لَخِيْفَ مِنْ تَعْظِيمِ الْجُهَّالِ إِيَّاهَا"(بتصرف من شرح صحيح مسلم للنووي).

 

ثُمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ -رَضِىَ اللهُ عَنْهُ- فُتِنَ نَاسٌ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى، "فَأَمَرَ عُمَرُ بِقَطْعِهَا، قَطْعَاً لِذَرِيْعِةِ الشِّرْكْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوَا يَذْهَبُونَ فَيُصَلُّونَ تَحْتَهَا، فَخَافَ عَلَيْهِمُ الْفِتْنَةَ"(أخرجه ابن سعد في الطبقات).

 

فاللهم أَحْيِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَأَمِتْنَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وابْعَثْنَا عَلَيْهِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِيْ هَدَانَا لِنِعْمَةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَالصَلَاَةُ وَالسَلَاَمُ عَلَى إمَامِ الْحُنَفَاءِ، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُوَحِّدُ الْمُفَارِقُ لِلشِّرْكِ وَأهْلِهِ، وَيَا أَيُّهَا السُّنِّيُّ الْمُفَارِقُ لِلْبِدْعَةِ وَأهْلِهَا: هَلْ شَعُرْتَ بِنِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، بِبَلَدِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ؟ هَلْ قَدَّرْتَ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى بِبِلَادِنَا إنَّنَا -بحَمْدِ اللهِ- نَدْخُلُ الْمَسَاجِدَ وَالْمَقَابِرَ، فَلَا نَرَى مِنْ علَائِمِ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ شَيْئًا؟ هَلِ اِسْتَحْضَرْتَ عَظِيمَ فَضْلِ اللهِ عَلَيْكَ، بِأَنَّ جَنَّبَكَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، وَالتَّوَسُّلَ بِالصَّالِحِينَ وَالْمَقْبُورِينَ؟ وَهَلْ تَدْعُو بِدُعَاءِ أَبِيْكَ الثَّالِثِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السُّلَّامَ- فَتَقُولُ: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)[إبراهيم: 35 - 36].

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا -وَقَدْ حَصَلَ لَهُ وَجْدٌ أَبَكَاهُ- فَسَأَلَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيَّ مِنَ السُّنَّةِ وَمَعْرِفَتِهَا، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ شُبَهِ الْقَوْمِ، وَقَوَاعِدِهِمُ الْبَاطِلَةِ؛ فَسَّرَنِيْ ذَلِكَ، حَتَّى أَبَكَانِيَ"(مدارج السالكين).

 

فاللهم لَكَ الحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيْدِ وَالسُّنَّةِ، بِبِلَادِ التَّوْحِيْدِ وَالسُّنَّةِ، اللهم ثَبِّتْنَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ نَلْقَاكَ، وَعُمَّ بِالتَّوْحِيْدِ وَالسُّنَّةِ أَوْطَانَ المُسْلِمِيْنَ، اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ، اللهم اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَلْقَاكَ لَا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئَاً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِكَ بكَ، وأفْقَرَ خَلْقِكَ إليْكَ، اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهم وفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيْفَيْنِ، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا فِيْهِ عِزُّ الإِسْلامِ وَصَلاحُ المُسْلِمِيْنَ. وَارْحَمْ وَالِدَهُمُ الإِمَامَ المُؤَسِّسَ، وَالإِمَامَ المُجَدِّدَ، اللهم احْفَظْ أَمْنَنَا وَإيْمَانَنَا وَجُنُودَنَا وَحُدُوْدَنَا، وَمُقَدَّسَاتِنَا وَقُدْسَنَا، اللهم يَا ذَا النِّعَمِ الَّتِيْ لا تُحْصَى عَدَدًا، نَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ وَتُسَلِّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ أَبَدَاً.

 

المرفقات

حماية حمى التوحيد.doc

حماية حمى التوحيد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات