شرح حديث "أيما مسلم كسا مسلمًا ..."

إسماعيل القاسم

2025-02-07 - 1446/08/08 2025-04-27 - 1446/10/29
عناصر الخطبة
1/فضل الإحسان إلى الخلق والرأفة والرحمة بهم 2/الراحمون يرحمهم الرحمن 3/الجزاء من جنس العمل 4/عظم أجر كسوة الضعفاء والمحتاجين 5/جزاء وثواب إطعام الطعام 6/عظم الأجر في سقيا الماء.

اقتباس

كلما كثرت الحاجة زاد الفضل، وكلما كان المتصدق عليه أكثر حاجة من غيره كان الأجر أعظم، هذا على عري، وهذا على جوع، وهذا على ظمأ، وفيه بيان لتنوع الصدقة، وأنها لا تتوقف على ما يطعم من الطعام، وإنما هي بحسب حاجة الإنسان، بل تعم كل ما يسد حاجة المحتاج...

الخطبةُ الأولَى:

 

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:

 

معشر المؤمنين: الإحسان إلى الخلق، والرأفة والرحمة بهم عاقبته حميدة وأجوره مزيدة، والراحمون يرحمهم الرحمن، ومَن لا يرحم لا يُرْحَم، وقد تجلت هذه المعاني وغيرها في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم"(رواه أبو داود).

 

ففي قوله: " أَيّمَا مُسْلِم كَسَا عري"‏؛ أي على حالة عري للمكسي أَوْ لِدَفْعِ عري، وهو يشمل عري العورة وَسَائِر الأعضاء، وخص بـ"على عري"؛ لأن هذا هو موطن الحاجة؛ إذ إنه إذا كساه في وقت غير محتاج إلى كسوة ضرورية؛ فإن هذا يسمى إحسانًا ليس فيه دفع لضرورته، وكسا المحتاج ابتغاه وجه الله لا رياء ولا سمعة، والجزاء من جنس العمل؛ فمن كسا محتاجًا كساه الله يوم القيامة، وأول من يُكسَى يوم القيامة إبراهيم -عليه السلام-؛ لأنه جُرِّد من ثيابه حينما أرادوا إلقاءه في النار.

 

فمن ألبس محتاجًا في الدنيا كساه الله "مِنْ خُضْر الْجَنَّة"‏، ‏وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ؛ "مِنْ حُلَل الْجَنَّة" و"خضر الجنة"؛ أَيْ مِنْ ثيابها الْخُضْر؛ قال المناوي -رحمه الله-: "وخصها بالخضر لأنها أحسن الألوان". وَفِيهِ إِيمَاء إِلَى قَوْله -تعالى-: (يَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا)[الكهف: 31]، واللون الأخضر لون يريح النظر ويسر النفس، ولهذا كانت عامة النباتات من اللون الأخضر.

 

والنوع الثاني من الصدقة: إطعام الطعام في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة"؛ فإذا أطعم جائعًا فإن الله يطعمه من ثمار الجنة، والجنة فيها أنواع متنوعة من الثمار؛ قال الله -تعالى-: (فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان)[الرحمن: 52]؛ فإذا أطعمت مسلمًا على جوع؛ فإن الله -تعالى- يُطعمك من ثمار الجنة وثمارها أفضل أطعمتها.

 

وقد وردت نصوص عديدة في الحث على الإطعام والترغيب فيه؛ كما في قوله -تعالى-: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)[البلد: 14]؛ أي: مجاعة.

 

والنوع الثالث من الصدقة: السقيا، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم"، ومعنى "عَلَى ظمأ"؛ أيْ عَطَش، وجزاؤه‏؛‏ "سقاه الله مِنْ الرَحِيق الْمَخْتُوم"؛‏ أَيْ: مِنْ خَمْر الْجَنَّة أَوْ شَرَابهَا وَالرَّحِيق هو: صَفْوَة الْخَمْر وَالشَّرَاب الْخَالِص الَّذِي لَا غِشّ فِيهِ، و"المختوم"؛ أي: يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك،‏ وقيل: الرحيق اللذيذ الذي له طعم لا يدانيه شيء من مشروبات الدنيا، وهو مختوم عليه في إنائه لم يمسه أحد.

 

قال المناوي -رحمه الله-: "أي يسقيه من خمر الجنة الذي ختم عليه بمسك جزاء وفاقًا، إذ الجزاء من جنس العمل، والمراد أنه يخص بنوع من ذلك أعلى، وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها، وأطعمه وسقاه من ثمارها وخمرها".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

 

عباد الله: يدل الحديث على أنه كلما كثرت الحاجة زاد الفضل، أي كلما كان المتصدق عليه أكثر حاجة من غيره كان الأجر أعظم، هذا على عري، وهذا على جوع، وهذا على ظمأ، وفيه بيان لتنوع الصدقة، وأنها لا تتوقف على ما يطعم من الطعام، وإنما هي بحسب حاجة الإنسان، بل تعم كل ما يسد حاجة المحتاج، فعريان يحتاج إلى كسا، وجائع يحتاج إلى طعام، وظامئ يحتاج إلى شراب.

 

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وإذا كان الله -سبحانه- قد غفر لمن سقى كلبًا على شدة ظمأه؛ فكيف بمن سقى العطاش وأشبع الجياع وكسا العراة من المسلمين.

 

والنظر لهذه الأعمال الثلاثة اللباس والإطعام والسقي، يحد أنها أعمال يسيرة دافعها الإخلاص والرحمة، وثوابها عظيم في الآخرة.

 

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

 

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات

شرح حديث أيما مسلم كسا مسلمًا ....doc

شرح حديث أيما مسلم كسا مسلمًا ....pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات