عناصر الخطبة
1/فضائل صلاة الفجر في جماعة 2/ظاهرة النوم عن صلاة الفجر 3/عواقب ضياع صلاة الفجر 4/عقوبات في الدنيا والآخرة 5/بشارات لأهل صلاة الفجر.اقتباس
لو سألنا أئمة المساجد عن المتخلفين عن صلاة الفجر لهالنا الأمر، ولوجدنا من تفوته صلاة الفجر في كل يوم، يصلون مع النساء في البيوت، يصلون إذا أشرقت الشمس، يصلون إذا دقت ساعة الدوام، وكأن الأمر لا يهم ولا مشكلة أن تفوت صلاة الفجر في المساجد، أما الدوام ومواعيد السفر والطلعات مع الأصدقاء والسهرات في المقاهي فلا تفريط ولا تخلف ولا تأخر...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب: 70].
عباد الله:
يا صلاة الفجر يا نور اليقين *** أخبرينا يا صلاة الفجر ممن تشتكين
صلاة الفجر صلاة الصبح دليل الإيمان، دليل اليقين، دليل حياة القلب، ودليل الخير، ودليل القرب من الله، دليل النجاة من النفاق.
صلاة الفجر في المسجد مع جماعة المسلمين لا في البيوت مع جماعة المتخلفين، أحوال تُشتكى إلى الله من كثير من أبناء الإسلام الذين أنعم الله عليهم، أنعم الله عليهم بالصحة في الأبدان والأمن في الأوطان واليسر والسهولة والاطمئنان، وبالقرب من بيوت الرحمن، ومع ذلك يغيبون عن صلاة الفجر في المساجد... تحبسهم الشياطين في فرشهم حتى تفوتهم صلاة الفجر في المساجد، يا الله ما أعظمها من خسارة! وما أعظمها من معصية! إذا فاتت المسلم صلاة الفجر في المساجد من غير عذر شرعي.
اختار الله -تعالى- لها وقتًا حساسًا ليختبر المسلم إيمانه وحرصه وإقباله على الله، لو سألنا أئمة المساجد عن المتخلفين عن صلاة الفجر لهالنا الأمر، ولوجدنا من تفوته صلاة الفجر في كل يوم، يصلون مع النساء في البيوت، يصلون إذا أشرقت الشمس، يصلون إذا دقت ساعة الدوام، وكأن الأمر لا يهم ولا مشكلة أن تفوت صلاة الفجر في المساجد، أما الدوام ومواعيد السفر والطلعات مع الأصدقاء والسهرات في المقاهي فلا تفريط ولا تخلف ولا تأخر؛ ما هذه الموازين المقلوبة؟ والمفاهيم المنكوسة والبصائر المطموسة؟ ثقوا تمام الثقة أن مَن تخلف عن صلاة الفجر جماعة أنه بات على معصية أو عاش يومه مضيعًا مفرطًا.
من فاتته صلاة الفجر مع جماعة المسجد من غير عذر نجده نام وقد اغتاب الناس وملأ موازين سيئاته من لحومهم فأثقلته عن صلاة الفجر في المسجد، نجده قد فرَّط أو تساهل في الصلوات الأخرى الظهر والعصر والمغرب والعشاء... فرَّط في السنن الرواتب وفي صلاة الضحى والوتر، فقصرت به خطاه عن صلاة الفجر في المسجد، نجده ما فتح المصحف وما قرأ شيئاً، وليس له ورد ولا تدبر مع آيات القرآن العظيم كلام الله.
تجده سهرانًا في الضياع وفي اللغو، ولو ترك هذه المعوقات كلها وتداركها لجعل الله له قلبًا حيًّا يسمع أذان الفجر ويقيمه للوضوء والصلاة في المساجد، ولذلك لا تعجب ممن تعسرت أمورهم وانسدت مسالكهم في الحياة، لا تعجب من الغضبى وضيقي الصدور وأهل المشاكل وأهل العقد النفسية والأمراض الروحية.
لا تعجب ممن فارقت السعادة دورهم وصدورهم؛ لأن من أعظم أسبابها ضياع صلاة الفجر في المساجد (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[سورة طه:124]، (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)[سورة الانفطار: 13-14].
نعيم في الدنيا وفي القبر ويوم الحشر، أو جحيم في الدنيا وفي القبر ويوم الحشر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ"(أخرجه البخاري ومسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ"(صحيح مسلم).
هذه بعض عقوبات الدنيا.
أما في القبر في الحفر تحت اللحود؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث الرؤيا: "إنَّه أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثانِي، وإنَّهُما قالا لي: انْطَلِقْ، وإنِّي انْطَلَقْتُ معهُما، وإنَّا أتَيْنا علَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بصَخْرَةٍ، وإذا هو يَهْوِي بالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ ها هُنا... -وفي رواية: فَيَشْدَخُ به رَأْسَهُ- فذكر الحديث ثم قال: "قالَا لِي: أما إنَّا سَنُخْبِرُكَ، أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الذي أتَيْتَ عليه يُثْلَغُ رَأْسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّه الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ"(الحديث رواه البخاري).
وأما يوم القيامة فيقول الله -تبارك وتعالى-: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[سورة الماعون: 4-5]، ويقول -عز وجل-: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[سورة مريم:59]، غيًّا: وادي في جهنم.
فلماذا؟ لماذا نُعرِّض أنفسنا لهذه الأخطار وهذه المدلهمات؟ هل نقوى عليها؟ هل نستطيعها؟ هل هي أهون أم الذهاب للصلاة في المسجد؟ هل هي أهون أم تقوى الله ومخافة الله والمحافظة على الصلاة؟
قال جرير -رضي الله عنه-: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ - فَقَالَ: "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ)[سورة ق: 39]، قَالَ إسْمَاعِيلُ: "افْعَلُوا لا تَفُوتَنَّكُمْ"(صحيح البخاري).
فالله الله -أيها الأحبة-، يا من تفوته صلاة الفجر مع جماعة المسجد، حَكِّم عقلك وراجِع نفسك واعزم على مرضاة ربك، فتِّش عما أذهلك وأشغلك وأقعدك عن صلاة الفجر في المساجد.
اللهم أحي قلوبنا بالإيمان، وسخِّرنا فيما يرضيك عنا يا رحمن، نعوذ بك من الغفلة ومن النفاق ومن سيئ الأخلاق.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحبّ ربُنا ويرضى.
عباد الله: يا مَن يحافظ على صلاة الفجر في جماعة المسجد أبْشِر بالخير وبالسعادة وبالأجر، أبشر برضى الله وجنته ورحماته.
البشارة الأولى: أنك إذا صليت الفجر في جماعة فكأنك قمت الليل كله، قال عبد الرحمن بن أبي عمرة: دَخَلَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ المَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إلَيْهِ فَقالَ: يا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ"(صحيح مسلم).
البشارة الثانية: أنك في ذمة الله وحفظه ورعايته وحمايته حتى تمسي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ فيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ"(صحيح مسلم).
البشارة الثالثة: البراءة من النفاق، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ".
البشارة الرابعة: إن سُنة الفجر خير لك من الدنيا وما فيها، فكيف بالصلاة؟ بالفرض؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا"(صحيح مسلم)، وفي رواية أخرى لمسلم: "هُما أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعًا".
البشارة الخامسة: لقد حضرت صلاة تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ"(أخرجه البخاري ومسلم).
البشارة السادسة: إن صلاة الفجر جماعة ضمان للجنة بإذن الله؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ"(صحيح البخاري).
البشارة السابعة: إنها حجاب من النار، صلاة الفجر في جماعة حجاب من النار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، يَعْنِي الفَجْرَ وَالْعَصْرَ"(صحيح مسلم).
فأين المشمرون وأين العازمون على نيل هذه البشارات؟
اللهم اجعلنا منهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم