عناصر الخطبة
1/مكانة المسجد ومنزلته 2/النبي عليه الصلاة والسلام على آثار أبيه إبراهيم في بناء المسجد 3/مفهوم بناء المساجد بنوعيها 4/بماذا ينبغي أن تعمر المساجد؟اقتباس
ويدخل في معنى البناء الأمر اليسير كتحويط الأرض بالحجارة كالمساجد في طرق المسافرين، وهو ما يعرف بالمصليات، فذلك داخل في عموم بناء المساجد وحصول الأجر المترتب عليها؛ ففي حديث...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:
معاشر المؤمنين: المساجدُ بيوتُ اللهِ، وأحبُّ البقاعِ إليه، أُعِدَّتْ للعبادة والصلاة وذِكْر الله، وإليها يأوي مَنْ آمَن به وتولَّاه؛ قال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ)، يعمرها المؤمنون الذاكرون الراجون ثوابه في الآخرة؛ قال سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).
من مآذنها تتردَّد شهادة التوحيد كل يوم على الآذان، أشهد ألَّا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ومن مآذنها يتردَّد النداء إلى الصلاةِ عمودِ الإسلام، وثاني أركانه العظام، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، ومن محاريبها ومنابرها انطلقت رسالة الإيمان، ففتَحت القلوب والآذان، ومحَت ظلام الشرك والأوثان، فهي أول مدرسة تربوية وعلمية في الإسلام، تخرَّج منها جيل الصحابة الكرام، وهي أول صَرْح تأسَّست فيه المنابرُ الدعوية، فنشرت الإسلام في جميع الآفاق، بالدعوة والجهاد والأخلاق.
عباد الله: المساجد أحب الأماكن إلى الله -تعالى- وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإلى المؤمنين والصالحين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقهَا"(رواه مسلم).
ولقد أوحى الله -تعالى- إلى نبيّه إبراهيم -عليه السلام- أن يرفع قواعد البيت الذي هو أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، ولا تزال كعبة الله ومسجده تروي المؤمنين بالخير وتزودهم البركة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة يعني الكعبة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا"(أخرجه أحمد وابن ماجة وسنده حسن).
ثم اتبع نبينا -صلى الله عليه وسلم- أثر أبيه إبراهيم فبنى مسجده الشريف بيديه المباركتين وأصحابه -رضي الله عنهم-، وكان -صلَّى الله عليه وسلَّم- حين ذاك يقول:
اللهم إن الأجر أجر الآخرة *** فارحم الأنصار والمهاجرة
ثم انتشرت المساجد بعد ذلك في العالم كله بحمد الله، والتي يقارب عددها 4 ملايين مسجداً، واهتمت الدولة في بلادنا بالمساجد قديماً وحديثاً، كيف لا! وهي تحوي قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بناءً وتجهيزاً وإشرافاً وتنظيماً.
أيها الناس: مساجدنا هي بيوت الله وبيوتنا، أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عثمان؛ قال: كتب سلمان إلى أبي الدرداء: يا أخي عليك بالمسجد فالزَمه، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المسجد بيت كل تقي"، وفي رواية؛ "المسجد بيت كل مؤمن"(صححه الألباني).
ورواه هناد بن السري في الزهد بسند صحيح عن أبي الدرداء -رضى الله عنه- أنه قال لابنه: يا بُني، ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المساجد بيوتُ المتقين، فمن كانت المساجدُ بيوتَه ضمن الله له بالرَّوح والرحمة، والجواز على الصراط إلى الجنة".
ومما يجب علينا فعله وأمرنا الله -سبحانه- فعله تجاه مساجدنا أن نتزين لها؛ قال الله -عز وجل-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، ونكثر الخطى إليها؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ».
عباد الله: عمارة المساجد من أفضلِ وأجلِّ الأعمالِ وأعظمها منزلةً عند الله وهي من علامة إيمان صاحبها؛ قال الله: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
والعمارة نوعان حسّية ومعنوية؛ فالحسّية في بنائها وإنشائها وتجهيز مرافقها، روى البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله- بنى الله له مثله في الجنة"، وجاء في بعض الروايات في صفة المسجد: "صغيرًا أو كبيرًا"، وفي رواية أخرى: "ولو كمفحص قطاة".
ويدخل في معنى البناء الأمر اليسير كتحويط الأرض بالحجارة كالمساجد في طرق المسافرين، وهو ما يعرف بالمصليات، فذلك داخل في عموم بناء المساجد وحصول الأجر المترتب عليها؛ ففي حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من بنى لله مسجدًا؛ بنى الله له بيتًا في الجنة"؛ قلتُ: يا رسول الله، وهذه المساجد التي في طريق مكة؟ قال: "وتلك".
وأما العمارة المعنوية؛ فمثل إقامة الصلاة فيها، وحلقات الذكر والعلم، وحفظ القرآن، وهذا هو المقصود من عمارتها حسياً؛ قال الله -تعالى-: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).
وكلّما تعلّق قلب المؤمن بالمسجد عظم الله له الأجر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعةٌ يُظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه -وذكَر منهم-: رَجُلًا قلبُه معلَّقٌ بالمساجد"(متفق عليه)، وعن بُرَيدةَ الأسلميِّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال"بشِّر المشائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنورِ التامِّ يومَ القيامة"(رواه أبو داود، والترمذي).
قلت ما سمعتم ولي ولكم فاستغفروا الله ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه..
عباد الله: والمساجد يتلى فيها كتاب الله -سبحانه-، خصوصاً في شهر رمضان، والإقبال على القرآن في رمضان من سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهدي السلف الصالح؛ حيث كان جبريل يدارس الرسول -صلى الله عليه وسلم- القرآن في شهر رمضان من كل عام، أي كل ما نزل مسبقاً من القرآن، وفي السنة التي توفي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عارضه مرتين، أي راجعه مرتين، ليطمئن صلى الله عليه وسلم على صحة ودقة تبليغ الوحي.
والمساهمة في عمارة المساجد من خلال منصة إحسان، وجمعية العناية بمساجد الطرق، والمساهمة في طباعة القرآن الكريم، من الصدقة الجارية التي يستمر أجرها بعد موت المسلم.
عباد الله: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي"، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمناً مباركاً وجميع بلاد المسلمين.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل بلادنا آمنةً مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم