عناصر الخطبة
1/فرض الصلاة وتخفيف الله على أمة محمد 2/مكانة الصلاة وأهميتها 3/من فضائل الصلاة وبركاتهااقتباس
فَمَا اسْتُدْفِعَتْ شُرُورُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا اسْتُجْلِبَتْ مَصَالِحُهُمَا بِمِثْلِ الصَّلَاةِ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ صِلَةٌ بِاللَّـهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَلَى قَدْرِ صِلَةِ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنَ الْـخَيْرَاتِ أَبْوَابُهَا، وَتُقْطَعُ عَنْهُ مِنَ الشُّرُورِ أَسْبَابُهَا، وَتَفِيضُ عَلَيْهِ مَوَادُّ التَّوْفِيقِ مِنْ رَبِّهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَمَرَنا بِشُكْرِهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ لِذِكْرِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الصَّلاَةَ سَبَبَ الفَلاَحِ، وَطَرِيقَ النَّجَاحِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَخَشَعَ، وَذَلَّ لِرَبِّهِ وَخَضَعَ، اللَّهُمَّ صَـلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أما بعد: فَأُوصِيكُمْ بتقوى الله؛ (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنعام: 72].
عَنْ أَنسِ -رضي الله عنه- وهو يحكي حالَ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ليلةَ المِعْرَاجِ، بعدَ أَنْ جَازَ السَّماءَ السَّابعةَ، قالَ: "حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْـمُنْتَهَى، وَدَنَا الْـجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللَّـهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَـمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَـبَّارِ، فَقَالَ -وَهْوَ مَكَانَهُ-: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ"(البخاري).
إخوة الإيمان: كَمْ للصَّلاةِ من مَكَانَةٍ عظيمةٍ، وكَمْ فيها من فضائلَ جَسِيمَةٍ، تَقَرُّ بها عُيُونُ الخاشِعِينَ، وتَنْشَرِحُ لهَا صُدُورُ الصَّادِقِينَ، فما أَكْثَرَ النُّصُوصَ الآمِرَةَ بمَفْرُوضِها، والمُرَغِّبَةَ في مَسْنُونِها، والمُعَظِّمَةَ قَدْرَها، والمُفَخِّمَةَ أَمْرَها، والمُنَوِّهَةَ بمَكَانَتِها، والرَّافِعَةَ مَقَامَ أَهْلِها، والمُعْلِيَةَ شَأْنَهُمْ، والواعِدَةَ لَهُمْ بأَحْسَنِ الثَّوَابِ، وأَكْرَمِ الْمَآبِ، وإِنَّ عبادةً هذا شأنُها لَعبادةٌ عظيمةٌ، وشَعِيرَةٌ جليلةٌ.
ويَكْفِي الصَّلاَةَ سُمُوَّ مَنْزِلَةٍ وَرِفْعَةَ مَكَانَةٍ أَنَّهَا حِلْيَةُ الأَتْقِيَاءِ، وَوَصِيَّةُ الأَنْبِيَاءِ، فَلِلصَّلاَةِ مَنْزِلَتُهَا السَّامِيَةُ وَمَكَانَتُهَا العَالِيَةُ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ، فَهَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَدْعُو رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ وَأَبْنَاءَهُ مِنْ مُقِيمِي الصَّلاَةِ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)[إبراهيم: 40]، وَخَصَّ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- الصَّلاَةَ بِالذِّكْرِ حِينَ أَعْـلَنَ أَنَّهُ أَسْكَنَ ذُرِّيَّـتَهُ بِمَكَّةَ لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَتَوسَّـلَ إِلَى اللـهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا لِعِمَارَةِ بَيْتِهِ الحَرَامِ، وَخَصَّها بِالذِّكْرِ لأنَّها العِبَادَةُ الـمُشْتَمِلَةُ عَلَى الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ، فَقَاَل: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[إبراهيم: 37].
وَأَثْنَى اللـهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى إِسمَاعِيلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَقَالَ: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)[مريم: 55]، وَأَمَرَ اللـهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي أَوَّلِ لَحَظَاتِ الوَحْيِ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)[طه: 13- 14]، وَكَانَتْ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَطَقَ بِهِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي مَهْدِهِ، مُعْـلِنًا أَنَّ اللـهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوْصَاهُ بِهَا: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مريم: 30 - 31]، وَهِيَ أَمْرُ اللَّـهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].
عِبَادَ اللـهِ: إن للصلاةِ فضائل، فمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّ اللـهَ فَرَضَها على نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- من غيرِ وَاسِطَةٍ، ونَبِيُّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ، وليسَ ذلكَ إِلَّا للصَّلاةِ، كما تقدمَ آنفاً.
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها ثاني أَركانِ الإسلامِ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّـهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ..."(متفق عليه).
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها أَفضلُ الأَعمالِ، فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا"(متفق عليه).
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها نُورٌ لصاحبِها في الدُّنيا والقَبْرِ والآخِرَةِ، ونُورٌ في قَلْبِهِ ووَجْهِهِ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَالصَّلَاةُ نُورٌ"(مسلم).
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها إِعَانَةٌ لصاحبِها على كُلِّ أَمْرٍ من أُمُورِ دِينِهِ ودُنْيَاهُ، قالَ اللهُ -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[البقرة: 45].
وعَجَبًا لأَمْرِ الصَّلاةِ، لا يستقيمُ عَمَلٌ صَالِحٌ إِلَّا بإِقامتِها، فبِقَدْرِ الإخْلَالِ بها يَخْتَلُّ دِينُ المَرْءِ ودُنْيَاهُ، وأُولَاهُ وأُخْرَاهُ.
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها تَنْهى عنِ المُنْكَرَاتِ؛ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45]، فبِقَدْرِ إِقامةِ الصَّلاةِ يَنْتَهِي العبدُ عنِ المُنكراتِ، وإِذا رأَيْتَ نَفْسَكَ تَوَّاقَةً إِلى المَعاصي، فراجِعْ صَلَاتَكَ، فمِنْ قِبَلِ إِخْلَالِكَ بها أُتِيتَ.
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ: قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الصَّلَوَاتُ الْـخَمْسُ، وَالْـجُمُعَةُ إِلَى الْـجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"(مسلم).
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها تَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، وتَحُطُّ الخَطِيئَاتِ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّـهِ؛ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّـهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّـهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً"(مسلم).
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها سببٌ في دعاءِ المَلَائِكَةِ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَالْـمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ"(متفق عليه).
ومِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها تَشْرَحُ الصَّدْرَ، وهذا يَجِدُهُ كأَحْسَنِ ما يكونُ مَن أَقامَها حَقَّ إِقامتَهَا، قالَ -عزَّ وجَلَّ-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الحجر: 97 - 98]، وقالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"(أَحمدُ وغيره).
ألا فاتقوا اللـهَ -عباد اللـهِ- وحافظوا على هذه الشعيرةِ العظيمةِ تفلحوا؛ (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[البقرة: 1 - 5].
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الْخـُطْبَةُ الثانية:
الحَمْدُ للـهِ رَبِّ العالَمِينَ... أَمَّا بَعْدُ:
فيا عباد الله: مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها سَبَبٌ للرِّزقِ كما قال -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)[طه: 132].
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها تَدْفَعُ الفِتَنَ والشُّرُورَ، وتُفَرِّجُ المِحَنَ والكُرُوبَ، كما قالَ -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[البقرة: 45]، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنه-، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّـهِ!، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ؟! وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟! مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجَرِ"(البخاري)، ويُرِيدُ بصَوَاحِبِ الحُجَرِ: أَزْوَاجَهُ، يُوقَظْنَ لِكَيْ يُصَلِّينَ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللـهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللـهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ"(مسلم) .
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها أَعظمُ أَسبابِ دُخُولِ الجَنَّةِ بعدَ الشَّهادَتَيْنِ، بل هي سببٌ في مُرَافَقَةِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في الجَنَّةِ، فَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: "سَلْ"، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟"، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"(مسلم) .
وَمِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ: أَنَّها سَبَبٌ في حِفْظِ الصِّحَّةِ، قالَ ابنُ القَيِّمِ: عنِ الصَّلاةِ: "وَبِالْـجُمْلَةِ فَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَقُوَاهُمَا، وَدَفْـعِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ عَنْهُمَا، وَمَا ابْتُلِيَ رَجُلَانِ بِعَاهَةٍ أَوْ دَاءٍ أَوْ مِحْنَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ؛ إِلَّا كَانَ حَظُّ الْـمُصَلِّي مِنْهُمَا أَقَلَّ، وَعَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ".
عِبَادَ اللـهِ: هذِهِ بعضُ فضائلِ الصَّلاةِ، وما أَكثرَ فضائلَها، وأَجلَّ مناقِبَها، "فَمَا اسْتُدْفِعَتْ شُرُورُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا اسْتُجْلِبَتْ مَصَالِحُهُمَا بِمِثْلِ الصَّلَاةِ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ صِلَةٌ بِاللَّـهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَلَى قَدْرِ صِلَةِ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنَ الْـخَيْرَاتِ أَبْوَابُهَا، وَتُقْطَعُ عَنْهُ مِنَ الشُّرُورِ أَسْبَابُهَا، وَتَفِيضُ عَلَيْهِ مَوَادُّ التَّوْفِيقِ مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالْعَافِيَةُ وَالصِّحَّةُ، وَالْغَنِيمَةُ وَالْغِنَى، وَالرَّاحَةُ وَالنَّعِيمُ، وَالْأَفْرَاحُ وَالْمَسَرَّاتُ، كُلُّهَا مُحْضَرَةٌ لَدَيْهِ، وَمُسَارِعَةٌ إِلَيْهِ" اهـ.
ألا فَاتَّقُوا اللـهَ -عِبادَ اللـهِ-، وَحَافِظُوا عَلَى صَلَوَاتِكُمْ، واعلَمُوا أَنَّهَا وَصِيَّةُ اللـهِ لَكُمْ فِي أَشْرَفِ كِتَابٍ وأعظمِ مسطورٍ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم