قضايا المراهقين: إدمان المخدرات

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-30 - 1446/12/03 2025-07-02 - 1447/01/07
عناصر الخطبة
1/أسباب سقوط الشباب المراهق في شباك المخدرات 2/خطورة المخدرات على من أدمنها دينيًّا ودنيويًّا وصحيًّا وعقليًّا ونفسيًّا 3/وسائل حماية الشباب المراهقين من إدمان المخدرات 4/علاج المؤمنين وواجب الآباء والمربين.

اقتباس

إِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ تُوهِنُ الْبَدَنَ وَتُضْعِفُهُ؛ فَتُسَبِّبُ فِقْدَانَ الشَّهِيَّةِ لِلطَّعَامِ، وَالْهُزَالَ وَالضَّعْفَ الْعَامَّ، وَتَلَيُّفَ الْكَبِدِ، وَالْتِهَابَ الْمُخِّ، وَاضْطِرَابَ الْجِهَازِ الْهَضْمِيِّ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا!... وَاشْغَلْ أَوْقَاتَهُمْ بِنَافِعٍ مُفِيدٍ، وَلَا تَنْشَغِلْ أَنْتَ عَنْهُمْ فَيَتَنَكَّبُوا طُرُقَ الرَّذَائِلِ وَالْخَبَائِثِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَارِكُ تَشْتَعِلُ فِي جَسَدِ الْمُرَاهِقِ، وَنَوَازِعُ شَتَّى تَتَجَاذَبُهُ؛ وَهُوَ بَيْنَهَا مُشَتَّتٌ حَائِرٌ لَا يَدْرِي مَا مِنْهَا يَرْفُضُ، وَمَا مِنْهَا يُجِيبُ! وَهُنَا يَأْتِي دَوْرُ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ؛ أَنْ يُرْشِدُوا انْدِفَاعَاتِهِ، وَيُوَجِّهُوا طَاقَاتِهِ، وَيُهَذِّبُوا نَفْسَهُ وَرُوحَهُ.

 

وَمِنَ الْمُرَاهِقِينَ مَنْ يَدْفَعُهُمْ فُضُولُهُمْ دَفْعًا إِلَى تَجْرِبَةِ الْمُخَدِّرَاتِ بِأَصْنَافِهَا، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَؤُزُّهُمْ حَتَّى يَقَعُوا فَرِيسَةَ الْإِدْمَانِ! فَهَذَا سَبَبٌ مِنَ الْأَسْبَابِ؛ لَكِنَّ السَّبَبَ الْأَهَمَّ لِلْإِدْمَانِ هُوَ: ضَعْفُ الْإِيمَانِ وَفِقْدَانُ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ؛ فَلَا خَوْفَ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- يَصُدُّهُمْ عَنْ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ، فَالْمُخَدِّرَاتُ سَهْمٌ انْطَلَقَ إِلَى قَلْبٍ فَوَجَدَهُ بِلَا دِرْعٍ فَاخْتَرَقَهُ! وَصَدَقَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ حِينَ قَالَ: "مَا فَارَقَ الْخَوْفُ قَلْبًا إِلَّا خَرِبَ".

 

وَمِنْهَا: مُصَادَقَةُ مَنْ يَتَعَاطَى الْمُخَدِّرَاتِ وَمُخَالَطَتُهُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:"... وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، لَكِنَّهُ صَدِيقُ السُّوءِ الَّذِي يُسَوِّلُ الْقَبِيحَ وَيُزَيِّنُهُ، وَيُغْرِي بِالْحَرَامِ وَيُسَهِّلُهُ! وَ"الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، "وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ؛ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ، أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْهَا: الرَّغْبَةُ فِي الظُّهُورِ بِمَظْهَرِ الرِّجَالِ: لَكِنَّهُ لِسَذَاجَتِهِ يَتَصَوَّرُ أَنَّ الرُّجُولَةَ هِيَ الْإِمْسَاكُ بِسِيجَارَةٍ حُشِيَتْ بِالْمُخَدِّرَاتِ! وَأَنَّهَا اقْتِحَامُ الْمَجْهُولَاتِ الْخَطِيرَاتِ!... وَكَذِبَ؛ فَإِنَّمَا الرُّجُولَةُ الْحَقَّةُ هِيَ طَلَبُ الْمَعَالِي وَتَجَنُّبُ التَّفَاهَاتِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْهَا: الِاغْتِرَارُ بِنَشْوَةِ الْبِدَايَاتِ، وَالْغَفْلَةُ عَنِ الْعَوَاقِبِ وَالنِّهَايَاتِ، فَإِنَّ الْمُتَعَاطِيَ يَشْعُرُ فِي الْبِدَايَاتِ كَأَنَّمَا يُرَفْرِفُ فِي السَّمَاءِ بِجَنَاحَيْنِ! وَكَأَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ السَّعَادَةِ قَدِ اجْتَمَعَتْ بَيْنَ جَوَانِحِهِ!... ثُمَّ مَا يَلْبَثُ أَنْ يَتَحَوَّلَ كُلُّ هَذَا إِلَى تَعَاسَةٍ قَاتِلَةٍ، وَشَقَاءٍ مُلَازِمٍ، وَرَغْبَةٍ عَارِمَةٍ فِي الِانْتِحَارِ!

 

نَعَمْ -عِبَادَ اللَّهِ- إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَا يَشْعُرُونَ وَلَا يُدْرِكُونَ كَمْ فِي هَذِهِ الْمُخَدِّرَاتِ مِنْ أَضْرَارٍ جِسَامٍ وَطَوَامَّ عِظَامٍ عَلَى دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

 

فَأَمَّا عَلَى دِينِهِمْ: فَإِنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ؛ فَحُرْمَةُ الْمُخَدِّرَاتِ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَالْحَشِيشَةُ... حَرَامٌ أَيْضًا، يُجْلَدُ صَاحِبُهَا كَمَا يُجْلَدُ شَارِبُ الْخَمْرِ، وَهِيَ أَخْبَثُ مِنَ الْخَمْرِ".

 

وَيَقُولُ الْفَارُوقُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)... بَلْ هَذَا ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَمَّا الثَّانِيَةُ: فَمَا دَامَتِ الْمُخَدِّرَاتُ مِثْلَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي نَزْعِ الْإِيمَانِ مِنْ مُتَعَاطِيهَا؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ...".

 

وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ تُشَارِكُ الْخَمْرَ فِي أَنَّهَا بَوَّابَةٌ لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ، وَأُمٌّ ثَانِيَةٌ لِلْخَبَائِثِ؛ يَقُولُ رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مَلِكًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ صَبِيًّا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى، فَاخْتَارَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ، لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرَادُوهُ مِنْهُ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَمَّا فِي الدُّنْيَا: فَهِيَ الْخَرَابُ وَالدَّمَارُ وَالْفَشَلُ الذَّرِيعُ وَالْمَوْتُ السَّرِيعُ، الْمُخَدِّرَاتُ ضَيَاعٌ لِلْمُرَاهِقِ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ؛ فَهِيَ تُعَرْقِلُهُ دِرَاسِيًّا، وَتُدَمِّرُهُ جَسَدِيًّا، وَتُحَقِّرُهُ أَخْلَاقِيًّا، وَتَجْعَلُهُ مَنْبُوذًا اجْتِمَاعِيًّا، وَمُتَخَلِّفًا عَقْلِيًّا وَذِهْنِيًّا!

 

بَلْ إِنَّ عُقَلَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ أَدْرَكُوا خَطَرَ الْخَمْرِ وَضَرَرَهَا عَلَى دُنْيَاهُمْ، فَأَبْغَضُوهَا وَحَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَاطَى مَا هُوَ أَشَرُّ مِنْهَا كَالْمُخَدِّرَاتِ؟!

 

فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَقُولُ: "وَاللَّهِ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ شِعْرًا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، لَقَدْ تَرَكَ هُوَ وَعُثْمَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ"، وَلَقَدْ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: هَلْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ!"، فَقِيلَ: وَلِمَ؟ قَالَ: "كُنْتُ أَصُونُ عِرْضِي وَأَحْفَظُ مُرُوءَتِي؛ فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ كَانَ مُضَيِّعًا فِي عِرْضِهِ وَمُرُوءَتِهِ".

رَأَيْتُ الْخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا *** خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الْحَلِيمَا

فَلَا وَاللَّهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحًا *** وَلَا أُشْفَى بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا

 

وَعِلَاوَةً عَلَى كُلِّ مَا سَبَقَ مِنْ أَضْرَارٍ، فَإِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ تُوهِنُ الْبَدَنَ وَتُضْعِفُهُ؛ فَتُسَبِّبُ فِقْدَانَ الشَّهِيَّةِ لِلطَّعَامِ، وَالْهُزَالَ وَالضَّعْفَ الْعَامَّ، وَتَلَيُّفَ الْكَبِدِ، وَالْتِهَابَ الْمُخِّ، وَاضْطِرَابَ الْجِهَازِ الْهَضْمِيِّ، وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا!

يَا صَاحِبَ الْإِدْمَانِ أَقْصِرْ وَارْتَدِعْ *** كَيْلَا نَرَاكَ مُخَيَّبًا تَتَحَسَّرُ

الصِّحَّةُ الزَّهْرَاءُ تَاجٌ شَامِخٌ *** فَوْقَ الرُّؤُوسِ مَهِيبَةٌ تَتَبَخْتَرُ

حَافِظْ عَلَيْهَا أَنْتَ مَرْهُونٌ بِهَا *** أَمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَالِكَ تَخْطُرُ؟!

 

لَكِنَّ الْوِقَايَةَ دَائِمًا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- خَيْرٌ مِنَ الْعِلَاجِ، وَالْعَاقِلُ هُوَ مَنْ يَسْأَلُ: كَيْفَ أَحْمِي أَوْلَادِي وَأُحَصِّنُهُمْ مِنْ حَمْأَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ؟

 

وَلِهَذَا اللَّبِيبِ نَقُولُ: إِنَّ أَهَمَّ مَا تَحْمِيهِمْ بِهِ هُو: الْعَقِيدَةُ وَالْإِيمَانُ؛ نَعَمْ، فَلْتُرَبِّهُمْ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ...)[الْمُجَادَلَةِ:7].

 

وَثَانِي مَا تَحْمِيهِمْ بِهِ: أَنْ تُثِيرَ فِيهِمُ الْأَنَفَةَ وَالْحِمِيَّةَ أَنْ يَقَعُوا فِي شِبَاكِ عَدُوِّهِمُ الَّذِي وَدَّ لَوْ أَرْكَسَهُمْ فِي الْإِدْمَانِ، لِيَضِيعُوا وَيُضَيِّعُوا مَنْ خَلْفَهُمْ!

 

وَثَالِثُهَا: تَوْعِيَتُهُمْ بِأَضْرَارِ الْمُخَدِّرَاتِ وَعَوَاقِبِ تَعَاطِيهَا عَلَى حَاضِرِهِمْ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ وَعَلَى دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَأَنَّهَا أُسُّ الدَّمَارِ وَالضَّيَاعِ وَالْخَيْبَةِ وَالْحَسْرَةِ.

لَا تَبْكِ مَنْ قُتِلُوا وَلَا مَنْ جَاعُوا *** وَابْكِ الْأُلَى بِخُطَى الْمُخَدِّرِ ضَاعُوا

بِئْسَ امْرُؤٌ يَشْرِي مُدَمِّرَ جِسْمِهِ *** وَلَبِئْسَ مَنْ صَنَعُوا لَهُ أَوْ بَاعُوا

دَاءٌ خَبِيثٌ لَمْ يَدَعْ لِمُرِيدِهِ *** عُضْوًا لِأَمْرِ الدَّاءِ لَا يَنْصَاعُ!

 

وَرَابِعُهَا: رَبْطُهُمْ بِالْمَعَالِي، وَبِأَبْطَالِ الْمُسْلِمِينَ: فَاصْنَعْ لَهُمْ طُمُوحًا يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ، وَارْسُمْ لَهُمْ مَجْدًا يَعْمَلُونَ عَلَى بِنَائِهِ، وَعَلِّقْهُمْ بِتَارِيخِهِمُ الْإِسْلَامِيِّ، وَقُصَّ عَلَيْهِمْ مِنْ قَصَصِ أَجْدَادِهِمُ الْمُجَاهِدِينَ وَالْفَاتِحِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ نَوَابِغِ الْمُسْلِمِينَ، وَاشْغَلْ أَوْقَاتَهُمْ بِنَافِعٍ مُفِيدٍ، وَلَا تَنْشَغِلْ أَنْتَ عَنْهُمْ فَيَتَنَكَّبُوا طُرُقَ الرَّذَائِلِ وَالْخَبَائِثِ، رَاقِبْ أَصْدِقَاءَهُمْ، وَارْصُدْ مُيُولَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ، أَصْلِحِ الْخَلَلَ، وَقَوِّمِ الْمُعْوَجَّ، وَشَجِّعْهُمْ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ فَعَلُوهُ...

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنْ لَمْ تُفْلِحْ سُبُلُ الْوِقَايَةِ، وَوَقَعَ الْمُرَاهِقُ بِالْفِعْلِ فِي بَرَاثِنِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ يَكُونُ أَصْعَبَ، لَكِنْ مَعَ صُعُوبَتِهِ فَإِنَّ لَهُ شِفَاءً وَعِلَاجًا؛ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَمِنْ عِلَاجَاتِ الْإِدْمَانِ:

التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: فَيَجِبُ أَنْ يُدْرِكَ الْمُدْمِنُ أَنَّ الْإِدْمَانَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْإِقْلَاعَ الْفَوْرِيَّ، وَالنَّدَمَ عَلَى مَا اقْتَرَفَ، وَالْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ... وَافْتَحْ لَهُ الْبَابَ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزُّمَرِ:53]، ثُمَّ ذَكِّرْهُ: "اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنَ الْعِلَاجِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ الطِّبِّيَّةِ: وَإِدْخَالُ الْمُرَاهِقِ الْمُدْمِنِ مَصَحَّةً مِنْ مَصَحَّاتِ عِلَاجِ الْإِدْمَانِ إِنْ طَلَبَ الْأَطِبَّاءُ ذَلِكَ.

 

وَمِنْهَا: هَجْرُ كُلِّ مَا يُعَلِّقُهُ بِالْمُخَدِّرَاتِ: مِنْ أَصْدِقَاءِ السُّوءِ وَأَمَاكِنِ التَّعَاطِي... وَلَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ لِمَنْ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ: "انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ، وَيَا أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: عَلَيْكُمْ بِالْيَقَظَةِ وَالْحَذَرِ؛ اجْعَلُوا عُيُونَكُمْ عَلَى أَوْلَادِكُمْ، لَاحِظُوا أَيَّ تَغَيُّرٍ فِي سُلُوكِهِمْ، حَصِّنُوهُمْ ضِدَّ التَّدْخِينِ وَالْمُخَدِّرَاتِ، ازْرَعُوا دَاخِلَهُمْ وَازِعَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، صَاحِبُوهُمْ وَتَقَرَّبُوا مِنْهُمْ، ارْبُطُوهُمْ بِصُحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَالْقُرْآنِ، لِتَعَبُرُوا بِهِمْ تِلْكَ الْمَرْحَلَةَ الْعَصِيبَةَ، وَتُوصِلُوهُمْ إِلَى بَرِّ الْأَمَانِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

قضايا المراهقين إدمان المخدرات.doc

قضايا المراهقين إدمان المخدرات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات