كفى بالموت واعظا

الشيخ د عصام بن عبدالمحسن الحميدان

2025-10-03 - 1447/04/11 2025-10-14 - 1447/04/22
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/عموم غفلة كثير من الناس 2/يقظة الإنسان عند موته 3/الموت أكبر واعظ 4/أسباب غفلة الناس عن الموت 5/الموت مكتوب على كل مخلوق

اقتباس

يغفل الناس عن الحقيقة الكبرى؛ لأنهم بدنياهم وأعمالهم ولذاتهم ومسؤولياتهم منشغلون، غارقون في الملهيات والكماليات، يعتقدون أن الموت بعيد وقته، ولا ينال إلا كبار السن، وهذا خداع الإنسان لنفسه، فملك الموت لا صداقة له تمنعه من قبض روح من أُمر به...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

قالت أم هشام بنت حارث بن النعمان -رضي الله عنها-: "ما حفظت سورة ق إلا من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ يقرأ بها في كل جمعة"(رواه مسلم).

 

لماذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ سورة ق كل جمعة؟ لأنه كان ينفذ ما أوصى به أمته، فقال: "أكثروا ذكر هادم اللذات"(رواه الترمذي والنسائي)؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن في الناس غفلة، وأنهم يحتاجون للتذكير بالموت والمصير دائماً، تلك سنة الله -سبحانه-، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- مبيناً هذه السنة الإلهية: "يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر"(رواه مسلم).

 

بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، لا يخطر له الضعف على قلب، ولا الموت على بال، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء، ولم يعد يؤنسه جليس، ولا يريحه حديث، يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، وقصورا شيدها، وضياعا جدّ وكدّ في حيازتها، ويتألم لدنيا يفارقها، مع اشتغال نفسه بمرضه وآلامه، وتعلق قلبه بما يعجل شفاءه، ولكن ما الحيلة إذا استفحل الداء، ولم يُجدِ الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب؛ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[ق: 19].

 

وما هي إلا لحظات حتى فتح له باب الآخرة، يستعد للولوج إليها، ما هي إلا دقائق تفصله عن تغسيله واستبدال ثيابه، والصلاة عليه، ما هي إلا ثوانٍ ويصبح من أهل دنيا أخرى، ويعيش في عالم آخر، وأهله حوله يرجون ويتمنون ولات ساعة الرجاء؛ (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)[الواقعة: 83 - 85].

 

أيها المسلمون: إن أكبر واعظ هو الموت، الذي قدره الله على من شاء من مخلوق، مهما امتد أجله وطال عمره، إلا وهو نازل به، وخاضع لسلطانه؛ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء: 35]، ولو جعل الله الخلود لأحد من خلقه لكان ذلك لأنبيائه المطهرين، ورسله المقربين، وكان أولاهم بذلك صفوة أصفيائه كيف لا؟! وقد نعاه إلى نفسه بقوله: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[الزمر: 30].

 

فالموت حتم لا محيص عنه، ولا مفر منه، يصل إلينا في بطون الأدوية، وعلى رؤوس الجبال، فوق الهواء، وتحت الماء، فلا ينجو منه ملائكة السماء، ولا ملوك الأرض، ولا أحد من أنس أو جن أو حيوان، ولو كانوا في بطون البروج، وغياهب الحصون؛ (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)[النساء: 78]، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن: 26 - 27].

 

ذلك هو التوحيد، فالله -سبحانه- هو وحده الحيّ القيوم، هو واهب الحياة وهو نازعها، هو الحي الحياة الكاملة، أما الإنسان فحياته قصيرة محدودة، قاصرة ناقصة، ليتذكر ربه -سبحانه- المحيي المميت؛ (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)[الشعراء: 81 - 82]، دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت، والجن والإنس يموتون".

 

يغفل الناس عن الحقيقة الكبرى؛ لأنهم بدنياهم وأعمالهم ولذاتهم ومسؤولياتهم منشغلون، غارقون في الملهيات والكماليات، يعتقدون أن الموت بعيد وقته، ولا ينال إلا كبار السن، وهذا خداع الإنسان لنفسه، فملك الموت لا صداقة له تمنعه من قبض روح من أُمر به، رضيعاً أو طفلاً أو صبياً أو شاباً أو كهلاً أو شيخاً أو هرماً، رجلاً أو امرأة أو دابة، كيف يكون بعيداً والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك"؟! أي: الموت المؤدي إليهما.

 

 

الخطبة الثانية:

 

هل الموت مخيف؟ وهل يجب أن نخاف من الموت؟ الحق أن المؤمن لا يخاف الموت، بل يرحب بالموت، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته: "بل الرفيق الأعلى"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تحفة المؤمن الموت"(رواه الحاكم وصححه)، أي: الهدية التي تهدى إليه.

 

أما المنافق فقد قال الله: (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)[الجمعة: 8]، يفرون لأنهم خائفون، ومن الاستعداد لما بعد الموت فقراء، أما المؤمنون فقد قال علي -رضي الله عنه-:

 

أي يومي من الموت أفر *** يوم لا قدر أم يوم قدر

يوم لا قدر لا أرهبه *** ومن المقدور لا ينجو الحذِر

 

ولئن كان بعض الناس يخافون من الموت فقد قيل للحسن البصري -رحمه الله-: كيف نصنع بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال الحسن: "والله لئن تصحب أقواماً يخوفونك حتى يدركك الأمن، خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى يلحقك الخوف".

المرفقات

كفى بالموت واعظا.doc

كفى بالموت واعظا.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات