لطائف المقدور - زكاة التمور

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-10-03 - 1447/04/11 2025-10-16 - 1447/04/24
عناصر الخطبة
1/كل عسر مقرون بيسر 2/معالم الفرج في قصة يوسف 3/معنى اسم الله "اللطيف" 4/من آثار اسم الله "اللطيف" 5/الحث على زكاة التمور

اقتباس

وها نحنُ نرَى ألطافَ اللهِ فينا وفيمَنْ حولَنا، فنرَى فقيراً أعطاهُ اللهُ من النعمِ ما لم يُعطِ أكثرَ الأغنياءِ، ونرَى يتيماً عوضَهُ اللهُ ما لم يحصِّلْهُ ذوُو الأبوينِ، ونرَى وحيدَ أبويهِ نشرَ اللهُ ذكرَهُ في عقِبهِ أولاداً وأحفاداً، ونرَى مريضاً أمضَّهُ المرضُ، فحُرِمَ الصحةَ دهراً، لكن اللهَ رزقَهُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أما بعدُ: فأبشِرُوا -أيُّها الإخوةُ- وأمِّلُوا؛ فإن اللهَ -تعالى- وعَدَ، وهو لا يُخلِفُ: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح: 5، 6]، فكلُّ عُسرٍ مقرونٌ بيُسرٍ كثيرٍ، وما من مصيبةٍ يُبتلَى بها عبدٌ إلا وللهِ فيها ألطافٌ، بأن لم يجعلْها أعظمَ أو أطولَ مما هيَ عليهِ، ولنوقنْ أن العسرَ قد يكونُ في ظاهرِهِ شرّاً، ثم تكونُ العاقبةُ خيراً -بإذنِ اللهِ-.

 

وقد جرَتْ سنةُ اللهِ -تعالى- أنه حينَ تشتدُ الأزماتُ يأتيْ اليُسرُ وتفريجُ الكرباتِ، أرأيتمْ كيفَ فرَّجَ اللهُ للأمةِ بعدَ الهجرةِ وقد عاشتْ قبلَها أصعبَ الظروفِ؟ وفي الأحزابِ بلغتِ القلوبُ الحناجرَ، وظنَ الناسُ بعدَها الظنونَ، فجاءَ الفرجُ، ونزلَ النصرُ.

 

واعتبرْ من أطولِ قصةٍ في القرآنِ، إنها قصةُ يوسفَ -عليهِ السلامُ-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[يوسف: 111]، طفلٌ يُحسَدُ ويُهدَّدُ بالقتلِ، ويُروَّعُ ويُرمَى في بئرٍ، ثم يكونُ فتىً خادمًا، ثم يُفتَنُ بشهوةِ الفرجِ شابًا، وبشهوةِ المالِ وبشهوةِ المنصبِ، ويُبتَلى بالسِجنِ والغُربةِ والكُربةِ، وفُرقةِ الأبوينِ وحسدِ الإخوةِ.

 

فماذا كانتِ النتيجةُ؟! قد أجابَ اللهُ دعاءَ يوسفَ، ونفّسَ كربَهُ، وأفرحَ قلبَهُ، وجمعَهُ بوالديهِ وإخوتِهِ، وأبدلَهُ بالذلِّ عزاً، وفي نهايةِ المطافِ يقولُ: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ)[يوسف: 100]، هذا في الدنيا، وإنَّ له في الآخرةِ لَلحُسنَى.

 

وها نحنُ نرَى ألطافَ اللهِ فينا وفيمَنْ حولَنا، فنرَى فقيراً أعطاهُ اللهُ من النعمِ ما لم يُعطِ أكثرَ الأغنياءِ، ونرَى يتيماً عوضَهُ اللهُ ما لم يحصِّلْهُ ذوُو الأبوينِ، ونرَى وحيدَ أبويهِ نشرَ اللهُ ذكرَهُ في عقِبهِ أولاداً وأحفاداً، ونرَى مريضاً أمضَّهُ المرضُ، فحُرِمَ الصحةَ دهراً، لكن اللهَ رزقَهُ راحةً في صدرِهِ لا يجِدُها الأصحاءُ، فتلكَ هيَ أرزاقُ اللطيفِ الخبيرِ؛ (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ)[الشورى: 19].

 

أيُّها المؤمنونَ: من أسماءِ اللهِ العجيبةِ اسمُهُ "اللطيفُ"، ومعنى "اللطيف": الذي يسوقُ عبدَهُ إلى الخيرِ، ويعصمُهُ من الشرِ، بطرُقٍ خفيةٍ لا يَشعُرُ بها. (تفسير ابن سعدي).

 

ومن لُطفهِ -تعالَى- بعبدهِ أن يُجرِيَ عليهِ من أصنافِ المحنِ التي يكرهُها وتشُقُّ عليه، وهيَ عينُ صلاحهِ، فيظَلُ العبدُ حزينًا؛ من جهلهِ بربهِ، ولو علمَ ما دُخِرَ له في الغيبِ لَحَمِدَ اللهَ وشَكرَهُ كثيراً.

 

ففي معتركِ المصائبِ والمصاعِبِ أَوْقِدْ جذوةَ التفاؤلِ، تفاءَلْ حتى لو دهمَكَ مرضٌ أو فقرٌ أو فَقْدٌ، تفاءَلْ لأنّ في كلّ محنةٍ منحةً، ثمّ اعلمْ أن اللهَ حينَما ابتلاكَ لا ليعذبَك، ولكنْ ليهذِّبَكَ، ولِيرفعَكَ لا لِيضَعَكَ.

 

وكلَّما أصابتْكَ أقدارُ اللهِ فقُلْ كما قالَ اللهُ: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[النور: 11]، ولتوقِنْ أن المصيبةَ التي تُرجِعُكَ إلى اللهِ خيرٌ من النعمةِ التي تُبعِدُكَ عنه، وإياكَ أن تكونَ كَنُوداً؛ (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)[العاديات: 6]، قالَ الحسنُ البصريُ: "الَكَنُودُ هو الذي يَعُدُّ المصائبَ ويَنسَى نِعَمَ ربهِ"(تفسير الطبري).

 

فاللهم الْطُفْ بنا في تيسيرِ كلِ عسيرٍ؛ فإن تيسيرَ كلِ عسيرٍ عليك يسيرٌ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ العزيزِ الغفورِ، وصلى اللهُ وسلمَ على رسولهِ العبدِ الشكورِ.

 

أما بعدُ: فإننا -واللهِ- في زحامٍ من نِعَمِ اللهِ، ولا نُحصِي عليه ثناءً، ولا لنعمهِ إحصاءً، وإن منَ النعمِ الظاهرةِ ما نَنعمُ بهِ من موسمِ صِرَامِ النخلِ؛ (وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ)[الشعراء: 148]، فاشكرُوا ربَكم، وإياكم وإهانةَ تمورِكُمْ برمِيِها ببراميلِ المهملاتِ، أو بإلقائِها للبهائمِ وهي صالحةٌ لأكلِ الإنسانِ، وأدُّوا زكاتها؛ فإن أهلَ الزكاةِ شركاءُ لكم فيها.

 

وعلى المزكِّي للتمورِ، أن يراعيَ أربعةَ أمورٍ:

الأول: أنَّ مَن عندَه نخلٌ باستراحتِهِ أو بيتِهِ، ومجموعُ ثمرتِها تبلغُ ستَّ مئةٍ واثنَي عشرَ كيلوًا فأكثرَ، فتجبُ زكاتُها، والبعضُ يظنُ أن الزكاةَ في المزارعِ فقطْ، وهذا ظنٌ خاطئٌ.

 

ثانيًا: أنَّ يُخرِجَ زكاةَ تمرِهِ من أوسطِ الأنواعِ أو أطيبِها، لا من رديئِها؛ (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)[البقرة: 267]، والخبيثُ هو الرديءُ، إلا أن يكونَ المحصولُ كلُه رديئًا فيُخرِجُ منهُ.

 

الثالث: ألَّا يُخرِجَها بنيةِ الصدقةِ المستحبةِ، بل ينوِيْها عندِ إخراجِها زكاةً واجبةً، ولا يصحُّ بعدَ التصدُّقِ تحويلُ نيةِ الصدقةِ إلى نيةِ الزكاةِ.

 

رابعًا: كيفَ يزكيهِ إن كان يخْرِفُهُ؟

فيُقالُ: يُخرِجُ الزكاةَ من قيمتِهِ، وذلك أسهلُ على المزكِّي، وأنفعُ للمحتاجِ، ولحسابِ مقدارِ زكاتِها فاقسمِ المبلغَ على عشرينَ.

 

فاللهم رَبَّنا أَوْزِعْنَا أَنْ نَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَينَا وَعَلَى وَالِدَيْنَا، وَأَنْ نَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ، وَأَصْلِحْ لَنَا فِي ذُرِّيَّاتِنَا، اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهم أرشِدْنا إلى استدراكِ الهفواتِ من قبلِ الفواتِ. وألهِمنا أخذَ العُدَّةِ للوَفاةِ قبلَ المُوافاة، اللهم الْطُفْ بنا في تيسيرِ كلِ عسيرٍ، فإن تيسيرَ كلِ عسيرٍ عليكَ يسيرٌ، اللهم اكفِنا شرَ طوارقِ الليلِ والنهارِ، إلا طارقًا يطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ، اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا، ونفوسَنا وقُدسَنا، وحدودَنا وجنودَنا، وقادَتَنا، اللهم وفِّقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهُما في رِضاكَ.

 

اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.

المرفقات

لطائف المقدور - زكاة التمور.doc

لطائف المقدور - زكاة التمور.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات