عناصر الخطبة
1/من مظاهر ملك الله -تعالى- 2/يؤتي ملكه من يشاء وينزعه ممن يشاء 3/من الآثار الإيمانية للإيمان بأن الله ملك الملوكاقتباس
المُلْكُ بِيَدِه، يُؤْتِيْ المُلْكَ مَنْ يَشاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، يُمِدُّ أَقْوَاماً بأَسْبابِ القُوَّةِ فيُمَكِّنَ لَهُم، ويَسْلِبُ أَقْوَاماً أَسْبابَ البَقاءِ فَيَخْذُلَهُم، فَما ارْتَفَعَتْ أَمَةٌ إِلا بأَمْرِ اللهِ، ولا انْخَفَضَتْ أُمَةٌ إِلا بِأَمْرِ الله، دُوَلٌ تَعْلُو وأَخْرَى تَتَرَدَّى...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أَيُّها المُسْلِمُون: مَلِكُ المُلُوكِ -تَعالَى- لا شَرِيْكَ لَهُ، رَبٌّ عَظِيْمٌ لَهُ الأَفلاكُ تَأَتِمِرُ؛ (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)[فصلت: 11]، مَلِكُ المُلُوكِ، رَبٌّ قَادِرٌ قاهِرٌ مُدَبِرٌ عَظِيْم؛ (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الشورى: 12].
مَلِكُ المُلُوكِ، فَلا نِدٌ ولا سَنَدٌ ولا مِعِيْنٌ ولا كُفْؤٌ ولا وَلَدُ، تَفَرَّدَ بالعِزِّ والجَلالِ، وتَفَرَّدَ بالكِبْرِياءِ والكَمالِ، وتَفَرَّدَ بالقَهْرِ والمُلْكِ والجَبَرُوت، يُدَبِّرُ المُلْكَ على ما يَشاءُ، ولا مُدَبِرَ مَعَ اللهِ فِيْما مَلَك؛ (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)[المؤمنون: 91]، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الأنبياء: 22].
على العَرْشِ اسْتَوَى، يَعْلَمُ السِّرَ وأَخْفَى، يَحْكُمُ ما يَشَاءُ ويَفْعَلُ ما يُرِيِد، فَلا مُعَقِّبَ لِحُكِمِهِ، ولا رَادَّ لِقَضَائِهِ، ولا غَالِبَ لأَمْرِه؛ (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التغابن: 1]، هُوَ المَلِكُ والمُلْكُ لَه؛ (بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الملك: 1]، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 26].
هُوَ المَلِكُ الحَقُّ، ومُلْكُ اللهِ أَبْقَى، ومُلْكُ اللهِ أَكْمَلُ، ومُلْكُ اللهِ أَعْظَمُ، ومُلْكُ اللهِ أَجَلّ؛ (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)[المؤمنون: 116]، وكُلُّ مُلْكٍ لٍمَخْلُوقٍ فَمُرْتَحِلٌ، وكُلُّ مُلْكٍ لِمَخْلُوقٍ فَمَسْلُوبُ، هُوَ اللهُ المَلِك، ومُلْكُ اللهِ قَدْ عَمَّ الوُجُودَ؛ (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[البقرة: 107].
هُوَ اللهُ المَلِك، فَما مِنْ مَلِكٍ وإِنْ تَعاظَمَ إِلا وهوَ في مُلْكِ اللهِ مأَسُور، ومَا مِنْ مَلِكٍ وإِنْ تَكَبَّرَ إِلا وهُوَ في جَوْفِ الأَرْضِ مَقْبُور؛ (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الزخرف: 51]، تَعاظَمَ في نَفْسِهِ وتَكَبَّر، فأَغْرَقَهُ اللهُ بالماءِ الذيْ تَباهَى بِجَرَيانِهِ مِنْ تَحْتِه؛ (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[يونس: 90].
هُوَ المَلِكُ لا إِله إِلا هُو؛ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الحشر: 23]، المُلْكُ لَه، والعِزَّةُ لَه، والكِبْرِياءُ لَه، خَضَعَتْ لَهُ الأَفْلاكُ والأَمْلاكَ، قَالَ في الحَدِيْثِ القُدْسِيِّ: "العِزُّ إِزَارِيْ، وَالكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُنِيْ فِيْ وَاحدٍ منهُما عَذَّبتُه"(رواه ومسلم).
هُوَ المَلِكُ لا إِله إِلا هُو، هُوَ الغَنِيُّ بِذاتِهِ عَنْ جَمِيْعِ مَخْلُوقَاتِه؛ (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن: 29]، يَسْأَلُهُ المَلائِكُةُ سُكَّانُ السَماواتُ، ويَسأَلُهُ مَنْ في الأَرْضِ مِنْ سائِرِ المَخْلُوقَات، يَسألُونَهُ بمَقالِهِم أَو بافْتِقَارِ أَحْوَالِهِم، فَلا غِنَى لَهُم عَنْ مَلِيْكِهِم طَرْفَةَ عَيْن، هُوَ القَائِمُ بأَمْرِهِ فِيْهِم؛ (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ومِنْ شأَنِهِ -تَعالَى- أَنْهُ يُغِنْيْ ويُفْقِر، ويَجْبُرُ ويَكْسِر، ويُرْفَعُ ويَخْفِض، ويُعِزُّ ويُذِلّ، ويُعْطِيْ ويَمْنَع، يُدَبِرُ أَمْرَهُ في مَمْلَكَتِهِ، ويُمْضِيْ حُكْمَهُ مَمَالِيْكِه؛ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2].
المُلْكُ بِيَدِه، يُؤْتِيْ المُلْكَ مَنْ يَشاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، يُمِدُّ أَقْوَاماً بأَسْبابِ القُوَّةِ فيُمَكِّنَ لَهُم، ويَسْلِبُ أَقْوَاماً أَسْبابَ البَقاءِ فَيَخْذُلَهُم، فَما ارْتَفَعَتْ أَمَةٌ إِلا بأَمْرِ اللهِ، ولا انْخَفَضَتْ أُمَةٌ إِلا بِأَمْرِ الله، دُوَلٌ تَعْلُو وأَخْرَى تَتَرَدَّى، ودُوَلٌ تَتَغَلَّبُ وأَخْرَى تَتَدَلَّى؛ (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آل عمران: 140].
ومُدَاوَلَةُ الأَيامِ بَيْنَ النَّاسِ يُمْضِيْها اللهُ وِفْقَ حِكْمَتِهِ وعَدْلِه، تَقُومُ الأَمَةُ بأَمْرِ اللهِ؛ فَيَقْوَى مُلْكُها، ويُحْمَى عِزُّها، ويَدُومُ أَمْنُها، ويَعْلُو سُلْطَانُها، وَعْدٌ مِنَ اللهَ لَنْ يُخْلَف؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].
تَقُومُ أُمَةٌ بالعَدْلِ فَيُمَكِّنُ اللهُ لَها مُلْكَها، وتَتَمَادَى في الظُلْمِ فَيَسْلِبُها اللهُ سُلْطَانَها، وما رَكِبَتْ أُمَةٌ مَرْكَبَ الظُّلْمِ، إِلا نَزَلَتْ بِأَبْشَعِ هَوان؛ (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا)[الكهف: 59].
يُمِدُّ اللهُ دَوْلَةً بأَسْبابِ القُوَّةِ، فَلا تَزَالُ تَطْغَى وتَتَكَبَّر، وتُعادِيْ أَوْلِياءَ اللهِ وتَتَجَبَّر، فَيَسْتَدْرِجُها اللهُ ويُمْلِيْ لَها، يُمِدُّها بالعَطاءِ ويُؤَخِرُ عَنْها العُقُوبَةَ؛ (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[القلم: 44 - 45]، حَتَى إِذَا مَا بَلَغَتْ مِنْ الكِبِرِ مَبْلَغَه، ووَصَلَتْ مِنَ الطَغْيانِ ذِروَتَه، أَخَذَها اللهُ على حِيْنِ غِرَّةٍ، أَخَذَها وهِيَ في أَشَدِّ مَراحِلِ صَلَفِها، وفي أَبْشَعِ مَنازِلِ طُغْيانِها؛ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102].
يُنْزِلُ اللهُ بِهِمْ نِقْمَتَه، ويُحِلُّ بِهِم عُقُوبَتَه، فَتَتَبَدَّلُ فِيِهِمُ النِعَمُ، وتَتَابَعُ عَلِيْهِم النَّكَبات، وعُقُوباتُ اللهِ في الظَالِمِيْنَ تَتَنَوَّعُ، ونِقْمَتُهُ فِيْهِم تَحِلُّ كَيْفَ يَشَاءُ؛ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا)[الطلاق: 8 - 9].
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: اللهُ هُو المَلِكُ والـمُلْكُ لَه، اسمْهُ المَلِكُ وهُوَ بالـمُلْكِ مَوصُوف، لَهُ مُلْكُ السَماواتِ والأَرْضِ، فَما في الوُجُودِ مِنْ شَيءٍ إِلا وهو في مُلْكِه؛ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التغابن: 1]، هُو المَلِكُ وأَحاطَ بِكِلِّ شَيءٍ عِلْماً، هُو المَلِكُ وأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَددَاً، هُوَ المَلِكُ وهُوَ الغَنِيُّ؛ (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[المنافقون: 7].
هُوَ المَلِكُ وهُوَ القَوِيُّ؛ (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 18]، هُو المَلِكُ وهُوَ الحَكِيْم، هُو المَلِكُ وهُوَ العَظِيْم، هُو المَلِكُ وهُو الرَّقِيْبُ، هُو المَلِكُ وهُوَ الحَسِيْب، هُو المَلِكُ وهُو الحَيُّ، هُو المَلِكُ وهُو القَيُومُ لا تَأَخذُهُ سِنَةٌ ولا نَوم.
هُوَ المَلِكُ وهُوَ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِه؛ (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[غافر: 20]، فَما للعِبادِ مَلْجأٌ دَونَ اللهِ، وما للعِبادِ مَهرَبٌ مِنْ سُلْطَانِه؛ (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)[الرحمن: 33].
مَنْ آمَنَ باللهِ مَلِكاً قَادِراً حَكِيْماً عَلِيْماً مُدَبِراً، رَضِيَ بِكُلِّ قَضاءٍ يَقْضِيْهِ اللهُ، واطْمَأَنَ لِكُلِّ قَدَرٍ يُقَدِّرُهُ اللهُ، يَعْمَلُ بما أَمَرَهُ اللهُ بِهِ، ويَكِلُ أَمْرَهُ إِليهِ.
يَتَمالأُ الأَعْداءُ على مُحارَبَةِ دِيْنِ اللهِ ويَتَدَاعَوْن، ويَجْتَمِعُونَ عَلى مُحارَبَةِ أَوْلِياءِ اللهِ ويَتَواصَون، واللهُ مُحِيْطُ بالكَافِرِين؛ (قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ)[إبراهيم: 46]، (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[آل عمران: 54]، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال: 36].
هُوَ المَلِكُ أَمَرَ بالعَدْلِ وحَكَمَ بِه، ونَهَى عَنِّ الظُلْمِ وتَنَزَّهَ عَنْه، أَرى عِبادَهُ صُوراً مِنْ عَدْلِهِ في الظَالِمِيْن، وأَراهُم بأَسَهُ ونِقْمَتَهُ في المُجْرِمِيْن، أَرى عِبادَهُ كَيْفَ نَصَرَ قَوماً كَانُوا مَظْلُومِيْن فأَصْبَحُوا بِنِعْمَتِهِ آمِنِيْن؟ وأَراهُم كَيْفَ اسْتَدْرجَ الظَالِمِيْنَ فَضَرَبَهُم بالظَّالِمِيْن؟ هُوَ المَلِكُ لا إِله إِلاه إلا هو، فَالحمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن؛ (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 88].
هُوَ مالكُ الدُّنْيا، وهُوَ مالِكُ يَومِ الدِّيْن، ويُومَ يَحْشُرُهُم؛ (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[غافر: 16 - 17]، (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 73].
اللهم لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكَّلنا، وإليك خاصمنا، وبك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدَّمنا، وما أخَّرنا، وأسررنا وأعلنا، وما أنت أعلم به منا، لا إلهَ إلا أنت.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم