عناصر الخطبة
1/التوحيد أعظم الواجبات 2/من مظاهر التوحيد في الأيام العشر 3/وجوب الالتزام بالتنظيمات التي تصدر من الجهات الرسميةاقتباس
وَمِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُلاَزِمُهَا التَّوْحِيدُ هذه الأيام العشر؛ حيث تَتَجَلَّى مَظَاهِرُ التَّوْحِيدِ للهِ فِيِهَا، ومن هذه المظاهر: اختياره واصطفاه لهذه الأيام وجعلها أفضل أيام السنة على الإطلاق؛ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَفْضَلِ الْحَسَنَاتِ، وَأَهَمِّ الْوَاجِبَاتِ، وَأَعْظَمِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللهِ -تَعَالَى-؛ هُوَ تَوْحِيدُ اللهِ -تَعَالَى- الَّذِي خَلَقَنَا اللهُ لأَجْلِهِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وَالَّذِيِ يُلاَزِمُ كُلَّ عِبَادَةٍ، وَهُوَ مَنَاطُ صِحَّتِهَا وَقَبُولِهَا، حَيْثُ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162- 163].
وَمِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُلاَزِمُهَا التَّوْحِيدُ هذه الأيام العشر؛ حيث تَتَجَلَّى مَظَاهِرُ التَّوْحِيدِ للهِ فِيِهَا، ومن هذه المظاهر: اختياره واصطفاه لهذه الأيام وجعلها أفضل أيام السنة على الإطلاق؛ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[القصص: 68]، فجعل -سبحانه- هذه الأيام الأوَل من شهر ذي الحجة خير الأيام وأفضلها، قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ" يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"(رواه البخاري).
ومن مظاهر التوحيد في هذه الأيام العشر: أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَقْسَمَ بِهَا فَقَالَ: (وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ)[الفجر: 1-2]، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إِنَّ اللَّهَ يُقْسِمُ بِمَا يُقْسِمُ بِهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا آيَاتُهُ وَمَخْلُوقَاتُهُ، فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ، وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَظْمَتِهِ وَعِزَّتِهِ، فَهُوَ -سُبْحَانَهُ- يُقْسِمُ بِهَا؛ لِأَنَّ إقْسَامَهُ بِهَا تَعْظِيمٌ لَهُ -سُبْحَانَهُ-، وَنَحْنُ الْمَخْلُوقُونَ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُقْسِمَ بِهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ"(انتهى من مجموع الفتاوى).
ومن مظاهر التوحيد في هذه الأيام العشر: التكبير والتهليل والتحميد لله وحده، من بداية العشر إلى مغرب آخر أيام التشريق، يقول المسلم: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"، فهو يعتقد ويُقر بأنه لا إله يستحق أن يعبد إلا الله، ولا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
ومن مظاهر التوحيد في هذه الأيام العشر: يوم عرفة الذي يهب فيه الرب -سبحانه- الهبات العظيمة لأهل التوحيد، ومن ذلك صيام يوم عرفة لغير الحاج، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"(رواه مسلم)، بل إن خير الدعاء هو الدعاء يوم عرفة، الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ وَأَفْضَلِ الثَّنَاءِ، كَمَا جَاءَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيِثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، وَدَعْوَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- هِيَ تَوْحِيدُ اللهِ وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ.
ومن مظاهر التوحيد في هذه الأيام العشر: فَرِيضَةُ الْحَجِّ الَّتِي شُرِعَتْ وَفُرِضَتْ لِتَحْقِيقِ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الْحَجِّ، وَهُوَ إِعْلاَنُ التَّوْحِيدِ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَصْفِيَةُ الاِعْتِقَادِ، وَإِفْرَادُ الرَّبِّ بِالْقَصْدِ وَالطَّلَبِ وَالتَّوَجُّهِ وَالإِرَادَةِ، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا إِدْرِاكاً لهذه الأيام العشر المباركات، وَأَعِنَّا فِيِها عَلَى الأعمال الصالحات، وتقبلها منا يا عظيم الهبات.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن مظاهر التوحيد في هذه الأيام العشر: الاقتداء والالتزام بهدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لمن أراد الحج، فقد قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ"، ومن ذلك الالتزام بالسكينة والصبر والرفق واللين، وتجنب إيذاء الآخرين، والعمل بالتنظيمات التي تصدر من الجهات الرسمية؛ والتي فيها الحرص على سلامة الحجاج، قال -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رواه مسلم)،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، وَجَمِيعَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعِالَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم