من آثار الذنوب تسلط الأعداء

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-08-01 - 1447/02/07 2025-09-22 - 1447/03/30
عناصر الخطبة
1/خطورة الذنوب والمعاصي 2/من عقوبات الذنوب والمعاصي 3/لله تعالى الحكمة البالغة 4/آيات الله في إهلاك الظالمين.

اقتباس

إن المعاصي لا تحل في ديار إلا وأهلكتها، ولا في قلوب إلا وأعمتها، ولا في أجساد إلا وعذبتها، ولا في أمة إلا وأذلتها، ولو لم يكن من المعاصي إلا أنها سبب لهوان العبد على الله، وسقوطه من عينه لكفى، فإذا هان العبد على مولاه لم يكرمه أحد....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم، الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ نبي أرسله الله إلى هذه الأمة، شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فما أكثر نعم الله على عباده، وما أوسع حلمه عليهم، وما أعظم جبروته وقدرته، وما أكثر آياته وعبره في خلقه، وما أسرع زوال من أظهر جبروته وعناده ومخالفته لأمر الله وظلمه لعباده، ما أسوأ حاله، وما أشرف من اتقى الله في جميع شؤونه وتواضع لربه وعرف للناس قدرهم وحقوقهم!

 

فاتقوا الله -عباد الله- واشكروه على نعمه العظيمة، وكونوا عوناً لإخوانكم، المجاهدين في سبيل الله والمساندين لهم في صدّ هذا العدو، وإبطال كيده ونصر المظلوم المُعْتَدى عليه وعلى محارمه وممتلكاته، وتذكروا -رحمكم الله- السبب الأول لحصول مثل هذه الابتلاءات والعقوبات، فلا شك أنها الذنوب والمعاصي، فإنها تضر في الحال والمآل إذا لم يتب صاحبها ويرجع عنها، فهي تميت القلب وتورث الذل والهوان، وتجلب الهموم والأحزان، وتسبب الغضب والعقوبة من الرحمن، فما أكثر ما حصل بسببها من بلاء وخسران.

 

 فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والسرور إلى دار الآلام والأحزان؟

 وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟ فبدّله بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحاً وبالجنة ناراً تلظى.

 

 وما الذي أغرق أهل الارض كلّهم في عهد نوح حتى علا الماءُ فوق رؤوس الجبال؟

 وما الذي سلّط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية؟

 وما الذي أرسل الصيحة الشديدة على ثمود قوم صالح حتى كانوا كالهشيم المحتظر؟

 

 وما الذي قلب قرى قوم لوط على أهلها وأمطر عليهم الحجارة؟

 وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فوق رؤوسهم تمطر ناراً تلظى؟

 وماذا حصل لفرعون هذه الأمة أبي جهل وأتباعه في بدر؟

 

هكذا -يا عباد الله-: وقع العذاب العاجل، والعار والفضيحة في هذه الدنيا، على كثير من الأمم، ولا يزال يقع بسبب كفرهم وعصيانهم، وعنادهم وكراهتهم للحق، وتكبرهم عن طاعة الله وطاعة رسلِه، -عليهم الصلاة والسلام-، ولعذاب الآخرة أشد وأعظم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

 

أيها المسلمون: إن المعاصي لا تحل في ديار إلا وأهلكتها، ولا في قلوب إلا وأعمتها، ولا في أجساد إلا وعذبتها، ولا في أمة إلا وأذلتها، ولو لم يكن من المعاصي إلا أنها سبب لهوان العبد على الله، وسقوطه من عينه لكفى، فإذا هان العبد على مولاه لم يكرمه أحد؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[الحج: ١٨].

 

 فاتقوا الله -عباد الله-، وتوبوا إليه توبة نصوحاً، وأنيبوا إليه، واعلموا -رحمكم الله- أن الحياة الشريفة، حياة القلب والروح، ولا حياة للقلب والروح إلا بمعرفة فاطر السماوات والأرض، ومحبتهِ وذكرِهِ وعبادته وحده والإنابة إليه، والطمأنينةِ بطاعته والإنسِ بقربه، فمن فقد هذه الحياة، فقد الخير كلَّه.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[يونس: ١٣ – ١٤]، بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فلا يخفى عليكم أن لله حِكَماً كثيرة وعظيمة، فيما يجري بين خلقه من سلم وقتال، ومن نصر وإذلال، وهداية وإضلال، قال -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: ٢١٦]، وقال -تعالى-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[البقرة: ٢٥١]، وقال -تعالى-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: ٢٦].

 

والحوادث الواقعة، تذكرنا بمصارع القوم ومصيرهم الأشد من عذاب الدنيا، الذي يلاقونه في هذا الحادث الرهيب، والجزاء الرادع فما أعظمه من عذاب عاجل، وما أشد ما يخاف عليهم من عذاب آجل؛ حيث إنهم يموتون في إصرار على محادة أمر الله وأمر رسوله، وعلى ظلم الحق، فالفرق كبير بين من يلاقي ربه على دين المرسلين، ومن يلاقي ربه على دين المجرمين.

 

فلا شك أن من الناس الآن من يلاقي ربه ويرجى له أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن من الناس من يلاقي ربه ويخشى عليه أن يكون مع فرعون وهامان وقارون، وأبي بن خلف، وذلك لظهور أعمالهم في هذه الحياة، بما يشهد عليهم بذلك.

 

والحمد لله الذي كسر شوكة هؤلاء الطغاة المعتدين على المسلمين في دول الخليج، ونسأله -تعالى- أن يتم نصره للمؤمنين، وأن يعلي كلمتهم وأن يجز قادتنا وكل من قام لدحض الظلم، وحماية المسلمين أحسن الجزاء.

 

اللهم ارزقهم السكينة وثبت أقدامهم وصفوفهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اجعل هذه المساندة والمعاونة على رد الظلم وحماية مصالح البشرية، سبباً في هداية القائمين بها للإسلام، ومعرفة محاسنه ومزاياه، حتى يعودوا به إلى أقرانهم مبشرين ومنذرين.

 

اللهم كما هديتهم للمساندة وحماية المصالح، فاهدهم وقادتهم وشعوبهم للإسلام، يا أكرم الأكرمين، اللهم ألْهمهم رُشدَهم وبلغهم عنا ما في قلوبنا لهم ولغيرهم، من المحبة لهدايتهم حتى ينالوا السعادتين، في الدنيا والآخرة، وارزقهم السبل الطيبة في هدايتهم، ودلالتهم على الحق يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

 

 

المرفقات

من آثار الذنوب تسلط الأعداء.doc

من آثار الذنوب تسلط الأعداء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات