من غشنا فليس منا

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيُعَرَّفُ الْغِشُّ بِأَنَّهُ: خَلْطُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ، أَوْ خَلْطُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فِي الثَّمَنِ، أَوْ كَتْمُ كُلِّ مَا لَوْ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي كَرِهَهُ، أَوْ يُظْهِرُ لِغَيْرِهِ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ.

وَالْغِشُّ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ خَدِيعَةٌ وَخِيَانَةٌ، وَضَيَاعٌ لِلْأَمَانَةِ، وَضَرَرٌ بِالْعِبَادِ، وَتَشَاحُنٌ وَضَغِينَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَكْلٌ لِأَمْوَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ، وَكُلُّ كَسْبٍ مِنَ الْغِشِّ؛ فَإِنَّهُ كَسْبٌ خَبِيثٌ حَرَامٌ، لَا يَزِيدُ صَاحِبَهُ إِلَّا بُعْدًا مِنَ اللَّهِ.

وَلِذَا نَهَى اللَّهُ -تَعَالَى- عَنِ الْغِشِّ، وَذَمَّ أَهْلَهُ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ:

قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الْمُطَفِّفِينَ: 1-6]، وَالْمُطَفِّفُونَ: هُمُ الَّذِينَ "‌يَنْقُصُونَ ‌النَّاسَ، وَيَبْخَسُونَهُمْ حُقُوقَهُمْ فِي مَكَايِيلِهِمْ إِذَا كَالُوهُمْ، أَوْ مَوَازِينِهِمْ إِذَا وَزَنَوْا لَهُمْ عَنِ الْوَاجِبِ لَهُمْ مِنَ الْوَفَاءِ"(تفسير الطبري).

وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)[الرَّحْمَنِ: 9]، أَيْ: "وَلَا تُنْقِصُوا الْوَزْنَ إِذَا وَزَنْتُمْ ‌لِلنَّاسِ ‌وَتَظْلِمُوهُمْ"(تفسير الطبري).

وَقَالَ -سُبْحَانَهُ- عَلَى لِسَانِ شُعَيْبٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[هُودٍ: 85]، فَسَمَّى غِشَّهُمْ فِي الْمَوَازِينِ فَسَادًا فِي الْأَرْضِ.

وَقَالَ -تَعَالَى-: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ)[النَّحْلِ: 92]، فَقَوْلُهُ: (دَخَلًا)، أَيْ: غِشًّا وَخَدِيعَةً، وَالدَّخَلُ وَالدَّغَلُ: الْغِشُّ وَالْخِيَانَةُ، وَمِنْ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا)[الْحَشْرِ: 10]، أَيْ: ‌"غِشًّا، ‌وَحَسَدًا، ‌وَبُغْضًا"(تفسير البغوي).

وَحَذَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغِشِّ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟"، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَالْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لِأَخِيهِ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ.

وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، أَيْ: وَجَبَ تَبْيِينُ الْعَيْبِ فِيهِ لِإِتْمَامِ الْبَيْعِ، فَفِي الْحَدِيثِ: نَهْيٌ عَنْ كَتْمِ الْعَيْبِ، وَبَيَانٌ لِلُزُومِ تَبْيِينِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ - بَعْدَ الْبَيْعِ- فَلَهُ أَخْذُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِخِيَارِ الْعَيْبِ فِي الْبُيُوعِ.

وَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَمِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَمِّ الْغِشِّ:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَزْدَادُ فِي صِحَّةِ رَأْيِهِ مَا نَصَحَ لِمُسْتَشِيرِهِ، فَإِذَا غَشَّهُ سَلَبَهُ اللَّهُ نُصْحَهُ وَرَأْيَهُ"(الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب)، وعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِذَا أَقَامَ سِلْعَةً، ‌بَصَّرَ ‌عُيُوبَهَا، ثُمَّ خَيَّرَهُ، ثُمَّ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَخُذْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ"، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هَذَا لَمْ يَنْفُذْ لَكَ بَيْعٌ، قَالَ: "إِنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّصِيحَةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ"(الطبراني في الكبير).

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَلِهَذِهِ الْقَبَائِحِ -أَيِ: الْغِشِّ- الَّتِي ‌ارْتَكَبَهَا ‌التُّجَّارُ وَالْمُتَسَبَّبُونَ وَأَرْبَابُ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الظَّلَمَةَ؛ فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَهَتَكُوا حَرِيمَهُمْ، بَلْ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارَ؛ فَأَسَرُوهُمْ وَاسْتَعْبَدُوهُمْ، وَأَذَاقُوهُمُ الْعَذَابَ وَالْهَوَانَ أَلْوَانًا"(الزواجر).

وَمِنْ أَبْرَزِ أَنْوَاعِ الْغِشِّ وَصُوَرِهِ:

الْغِشُّ التِّجَارِيُّ بِأَنْوَاعِهِ، وَالْغِشُّ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَالْغِشُّ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ، عَنْ طَرِيقِ الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ، أَوْ إِخْفَاءِ عُيُوبِ السِّلْعَةِ، أَوِ الْبَخْسِ فِي الْمِيزَانِ.

وَمِنْ أَنْوَاعِ الْغِشِّ: غِشُّ الرَّاعِي لِلرَّعِيَّةِ، وَغِشُّ الرَّعِيَّةِ لِلرَّاعِي.

ومنها: الْغِشُّ فِي الْقَوْلِ، وَذَلِكَ عِنْدَ إِدْلَاءِ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ، فَيَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ فِيهَا زُورٌ، أَوْ بُهْتَانٌ وَكَذِبٌ؛ لِيُوقِعَ الضَّرَرَ بِالنَّاسِ ظُلْمًا وَزُورًا.

ومنها: الْغِشُّ فِي النَّصِيحَةِ، بِعَدَمِ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهَا.

ومنها: الْغِشُّ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ، بِتَزْوِيرِ الشَّهَادَاتِ، وَالْغِشِّ فِي الِامْتِحَانَاتِ.

وَمِنْ أَنْوَاعِ الْغِشِّ: عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ.

وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْغِشِّ:

ضَعْفُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَقِلَّةُ الْخَوْفِ مِنْهُ، والْجَهْلُ بِحُرْمَتِهِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَمِنْها: عَدَمُ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ فِي الْعَمَلِ، واللَّهْثُ وَرَاءَ الدُّنْيَا، بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ كَانَ.

وَمِنْها: عَدَمُ تَطْبِيقِ الْأَحْكَامِ، وَتَفْعِيلِ الْأَنْظِمَةِ لِمُعَاقَبَةِ الْغَشَّاشِينَ، وسُوءُ التَّرْبِيَةِ، وَالرُّفْقَةُ السَّيِّئَةُ الَّتِي تَؤُزُّهُ إِلَى الْغِشِّ أَزًّا.

وَمِنْ أَسْبَابِ الْغِشِّ: انْعِدَامُ الْقَنَاعَةِ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ، وَعَدَمُ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ، وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ أَهَمِّ أَضْرَارِ الْغِشِّ:

بَرَاءَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَاعِلِهِ، واكْتِسَابُ السَّيِّئَاتِ الْكَثِيرَةِ، ومَقْتُ النَّاسِ لِلْغَاشِّ، وَكَرَاهِيَتُهُمْ لِلتَّعَامُلِ مَعَهُ.

وَمِنْ الأَضْرَارِ: الْغِشُّ خِيَانَةٌ لِلْأُمَّةِ، وَضَيَاعٌ لِلْأَمَانَةِ، وَفِيهِ مَحْقٌ لِلْبَرَكَةِ، والْغِشُّ يُضْعِفُ الثِّقَةَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَيُوَرِّثُهُمُ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ، والْغِشُّ سَبَبٌ رَئِيسٌ فِي فَشَلِ الْمُجْتَمَعَاتِ فِي كَافَّةِ الْمَجَالَاتِ.

وَمِنْ الأَضْرَارِ: فِيهَ ظُلْمٌ لِلنَّاسِ، وَتَعَدٍّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَتُكَافَحُ ظَاهِرَةُ الْغِشِّ بِمَا يَلِي:

اسْتِشْعَارُ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى الْعِبَادِ؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[آلِ عِمْرَانَ: 5]، فَهَذَا الَّذِي يَغُشُّ النَّاسَ؛ (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[الْعَلَقِ: 14]، فَكَيْفَ جَعَلَ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْهِ؟!.

ومنها: الْقَنَاعَةُ التَّامَّةُ بِحُرْمَتِهِ، وَأَنَّهُ خِيَانَةٌ لِلَّهِ -تَعَالَى- وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلِلْأَمَانَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)[الْأَنْفَالِ: 58].

ومنها: الْغِشُّ يُنَافِي حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 11]، (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 12].

ومنها: الْخَوْفُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الْمُطَفِّفِينَ: 3-6]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ شُعَيْبٍ وَدَمَّرَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا ‌يَبْخَسُونَ ‌النَّاسَ ‌فِي ‌الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ".

منها: مُجَالَسَةُ الرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ، وَالتَّخَلُّصُ مِنَ الرُّفْقَةِ الْفَاسِدَةِ.

ومنها: مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ، وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ، وَتَذَكُّرُ الْمَوْتِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.

ومنها: التَّرْبِيَةُ الْإِيمَانِيَّةُ عَلَى الِالْتِزَامِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ وَآدَابِهِ.

ومنها: الصَّبْرُ فِي تَحْصِيلِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ، وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ -تَعَالَى-.

ومنها: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَاسْتِشْعَارُ مُرَاقَبَتِهِ.

ومنها: تَفْعِيلُ فَرِيضَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

ومنها: تَطْبِيقُ الْعُقُوبَاتِ الصَّارِمَةِ عَلَى الْغَاشِّ؛ لِرَدْعِهِ، وَزَجْرِ غَيْرِهِ.

وَمِنَ الْمَوَاقِفِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي تَرْكِ الْغِشِّ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ يَعُسُّ -أي: يطوف بالليل، يحرس الناس، ويكشف أهل الريبة- بِالْمَدِينَةِ، إِذْ أَعْيَا، فَاتَّكَأَ عَلَى جَانِبِ جِدَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَقُولُ لِابْنَتِهَا: قُومِي إِلَى ذَلِكَ اللَّبَنِ فَامْذُقِيهِ -اخلطيه- بِالْمَاءِ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّاهُ، أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا كَانَ مِنْ عَزْمَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ؟ قَالَتْ: وَمَا كَانَ مِنْ عَزْمَتِهِ يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: لَا يُشَابُ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ، فَقَالَتْ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ، قُومِي إِلَى اللَّبَنِ فَامْذُقِيهِ بِالْمَاءِ؛ فَإِنَّكِ بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاكَ عُمَرُ، وَلَا مُنَادِي عُمَرَ!، فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ لِأُمِّهَا: وَاللَّهِ، مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ فِي الْمَلَأِ، وَأَعْصِيَهُ فِي الْخَلَاءِ".