وبشر المخبتين

محمد بن سليمان المهوس

2025-06-06 - 1446/12/10 2025-06-11 - 1446/12/15
عناصر الخطبة
1/ خُضُوعُ الْقَلْبِ وَاسْتِنَارَتُهُ بِنُورِ الإِيمَانِ 2/ صِفَاتٍ الْمُخْبِتِينَ 3/ ثمَرَة الإِخْبَاتَ

اقتباس

فَفِي الدُّنْيَا: السَّعَادَةُ التَّامَّةُ وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، وَفِي الآخِرَةِ: الْفَوْزُ بِرِضَا اللَّهِ وَالْجَنَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [هود:23]

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَشَعَتْ لَهُ الْقُلُوبُ وَخَضَعَتْ، وَدَانَتْ لَهُ النُّفُوسُ وَرَقَّتْ، وَعَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ وَذَلَّتْ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [الحج: 34 – 35].

 

فِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِشَارَةٌ عُظْمَى لأَهْلِ الْقُلُوبِ الْعَامِرَةِ بِتَوْحِيدِ رَبِّهَا، الْمُتَّبِعَةِ لِسُنَّةِ نَبِيِّهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّ لَهَا الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

 

فَفِي الدُّنْيَا: السَّعَادَةُ التَّامَّةُ وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، وَفِي الآخِرَةِ: الْفَوْزُ بِرِضَا اللَّهِ وَالْجَنَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [هود:23].

 

وَالإِخْبَاتُ هُوَ: خُضُوعُ الْقَلْبِ وَاسْتِنَارَتُهُ بِنُورِ الإِيمَانِ، وَاسْتِكَانَتُهُ لِخَالِقِهِ، وَفَرَحُهُ وَابْتِهَاجُهُ وَسُرُورُهُ بِرَبِّهِ، وَسَلاَمَتُهُ مِنَ الآفَاتِ الَّتِي تَعْتَرِي الْقُلُوبَ الْمَرِيضَةَ؛ مِنْ مَرَضِ الشُّبْهَةِ الَّتِي تُوجِبُ اتِّبَاعَ الظَّنِّ، وَمَرَضِ الشَّهْوَةِ الَّتِي تُوجِبُ اتِّبَاعَ مَا تَهْوَى الأَنْفُسُ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الحج:54].

 

ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الآيَةِ صِفَاتٍ أَرْبَعًا لِلْمُخْبِتِينَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ فِي عُلاهُ:

 

أَوَّلُهَا: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) فَمِنْ صِفَاتِهِمْ: وَجَلُ الْقَلْبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْوَجَلُ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: خَوْفٌ مَعَ مَحَبَّةٍ وَهَيْبَةٍ، فَهَذِهِ صِفَةُ الْمُخْبِتِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَهُ وَجِلَ قَلْبُهُ، وَهَذَا الْوَجَلُ لِقَلْبِهِ: نَاشِئٌ مِنْ حُسْنِ مَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ فِي عُلاَهُ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال: 2].

 

الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللَّهِ الْمُؤْلِمَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ) مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَأَنْوَاعِ الأَذَى، فَلاَ يَجْرِي مِنْهُمُ التَّسَخُّطُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ، وَاحْتَسَبُوا ثَوَابَهُ، وَارْتَقَبُوا أَجْرَهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمُ الْقَائِلِ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].

 

الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: إِقَامَةُ الصَّلاةِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ)؛ أَيِ: الْمُحَافِظِينَ عَلَيْهَا فِي أَوْقَاتِهَا، الْمُؤَدِّينَ حَقَّ اللَّهِ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، لاَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهَا، يُقِيمُونَهَا بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا وَوَاجِبَاتِهَا؛ خُضُوعًا وَخُشُوعًا وَحُسْنَ تَقَرُّبٍ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

 

الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: فِي قَوْله تَعَالَى: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) أَيِ: الْبَاذِلِينَ الْمَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُنْفِقِينَ لَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِهِ الْمُتَنَوِّعَةِ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْفُسُهُمْ، مُوقِنَةً بِمَوْعُودِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلاَ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ لَهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274].

 

أَلاَ.. فَأَخْبِتُوا لِرَبِّكُمْ يَا أَهْلَ الإِيمَانِ لِتَنْعَمُوا بِالْبِشَارَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ).

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ مُخْبِتِينَ، إِلَيْكَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

 أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الإِخْبَاتَ: ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) [الحج: 54].

 

وَالقَلْبُ المُخْبِتُ أَحَبُّ القُلُوبِ إِلَى اللهِ؛ لأَنَّهُ قَلْبٌ حَيٌّ سَلِيمٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطِيعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي» أَيْ: أَخْرِجْ مِنْ قَلْبِي: الْحِقْدَ وَالْغِلَّ، وَالْحَسَدَ وَالْغِشَّ.  [صححه الألباني].

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَمَّنْ حُدُودَنَا ، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، وَجَمِيعَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المرفقات

وبشر المخبتين.doc

وبشر المخبتين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات