عناصر الخطبة
1/فضل الصلاة مع الجماعة 2/التحذير من التهاون في المحافظة على الصلاة 3/حكم تارك الصلاة 4/مسؤولية الآباء تجاه أبنائهماقتباس
وأمَّا الأحاديث الدَّالَّة على وجوب الصَّلاة في المساجد جماعة، والوعيد المترتِّب على المتخلِّف المتكاسِل والمتهاوِن بها في المساجد، فكثيرة جدًّا عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وعن صحابتِه والتَّابعين لهم بإحسان -رضي الله عنهم-...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
أيُّها الإخوة المسلمون: الصلاة عند الله شأنها عظيم؛ ولذا أكثر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذكرها وحث أصحابه عليها، وأكّد على آدائها جماعة مع المسلمين، وإليْكم هذه الأحاديثَ الدَّالَّة على فضْل الصَّلاة مع الجماعة في المساجِد مع المسلِمين، نَسُوقُ البعضَ منها لعلَّها تكُون سببًا في الهداية، وسلوك سبيل النَّجاة، لمن أراد اللهُ هدايتَه وتوفيقَه، وحجَّة على مَن سمِعها.
فقد ثبتَ في الصَّحيحَين من حديثِ ابنِ عُمَر -رضِي الله عنْهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذِّ بسبْعٍ وعشرين درجة"، وفيهما عن أبي هريرة -رضِي الله عنْه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةُ الرَّجُل في جماعة تضعَّف على صلاته في بيتِه وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا؛ وذلك أنَّه إذا توضَّأ فأَحسنَ الوضوءَ، ثمَّ خرج إلى المسجِد لا يُخْرِجه إلَّا الصَّلاة، لَم يَخْطُ خطوةً إلَّا رُفعت له بها درجة وحُطَّت عنه بها خطيئة".
وفي صحيح مسلم من حديث عثْمان بن عفَّان -رضِي الله عنْه-، أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن صلَّى العشاء في جماعة فكأنَّما قام نصْف اللَّيل، ومَن صلَّى الصُّبح في جماعة فكأنَّما قام اللَّيل كلَّه"، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتُم الرَّجُلَ يعتاد المساجدَ فاشْهَدوا له بالإيمان"، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَن غدا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجَنَّة نُزُلًا كلَّما غدا أو راح"، والمراد بالنُّزُل هنا: الضِّيافة والكرامة عند الله، وفي الحديث: "بَشِّروا المشَّائين إلى المساجد في الظُّلَم بالنُّور التَّامِّ يوم القيامة".
وعن عبادة بن الصَّامت -رضِي الله عنْه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضَّأ العبدُ فأَحسنَ وضوءَه، ثمَّ قام إلى الصَّلاة، فأتمَّ ركوعَها وسجودَها والقراءة فيها، قالتْ له الصَّلاة: حفِظَك اللهُ كما حفِظْتَني، ثمَّ يُصعد بها إلى السَّماء ولها ضوء ونور، وفتحتْ لها أبواب السَّماء حتَّى تنتهي إلى الله -تبارك وتعالى- فتَشْفع لصاحبها، وإذا لم يتمَّ ركوعها ولا سجودَها ولا القراءة فيها، قالت له الصَّلاة: ضيَّعك الله كما ضيَّعتَني، فتُغلَق عنها أبوابُ السَّماء، فتُلَفُّ كما يُلَفُّ الثَّوب الخلَق ثم يُضرب بها وجهُ صاحبها"، وفي الحديث الصَّحيح: "أثْقَلُ الصَّلاة على المنافقين صلاة العِشاء وصلاة الفجر، ولو يَعلمون ما فيهما -من الأجر- لأتوْهُما ولو حَبْوًا"(متَّفق عليه).
وأمَّا الأحاديث الدَّالَّة على وجوب الصَّلاة في المساجد جماعة، والوعيد المترتِّب على المتخلِّف المتكاسِل والمتهاوِن بها في المساجد، فكثيرة جدًّا عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وعن صحابتِه والتَّابعين لهم بإحسان -رضي الله عنهم-.
فمنها: حديث أبي هريرة -رضي الله عنْه-، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والَّذي نفسي بيده، لقد هممتُ أن آمُر بِحَطب فيُحتطب، ثمَّ آمُر بالصَّلاة فيؤذَّن لها، ثمَّ آمُر رجلًا فيؤمَّ النَّاس، ثمَّ أُخالف إلى رجالٍ لا يَشهدون الصَّلاة فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنَّار"، وفي رواية: "لولا ما فيها من النِّساء والذُّرّيَّة"، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَن سمِع النِّداء فلَم يُجب، فلا صلاةَ له إلَّا من عُذر".
وفي صحيح مسلم: أنَّ رجلًا أعمى -هو ابن أمِّ مكتوم- جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنَّه ليس لي قائدٌ يقودُني إلى المسجد، فهل تَجِدُ لي رخصةً أن أصلِّي في بيْتي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تسمَع النداء بالصَّلاة؟"، فقال: نعم، قال: "فأجبْ"، وجاء في الحديث: "لا صلاةَ لجار المسجد إلَّا في المسجد"، وجارُ المسجد هو مَن سمع النداء.
وسُئِل ابن عباس -رضي الله عنهما-: عن رجُل يصوم النَّهار ويقوم اللَّيل، غير أنَّه لا يشهد الجمُعة ولا الجماعة؟ فقال: "هو في النَّار"، ثمَّ تردَّد عليه السَّائل، فقال: "هو في النَّار".
وورد أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قيل له: إنَّ رجُلًا نام حتَّى الصَّباح، فقال: "ذاك رجُل بال الشَّيطان في أذنيْه"(رواه البخاري ومسلم وغيرهما).
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنْه-: "مَن سرَّه أن يَلقَى الله غدًا مسلمًا، فلْيُحافظ على هؤلاء الصَّلوات الخمْس حيث يُنادَى بهنَّ، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- شرع لنبيِّكم سُنَن الهُدى، وإنَّهنَّ من سُنن الهدى، ولو أنَّكم صلَّيتم في بيوتِكم كما يصلِّي هذا المتخلِّف في بيته؛ لتركتُم سُنَّة نبيِّكم، ولو تركتُم سُنَّة نبيِّكم لضللتُم"، إلى أن قال -رضي الله عنه-: "ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها -أي: الصلاة في الجماعة - إلَّا منافق معلوم النفاق".
وثبت أنَّ عتَّاب بن أَسِيد -رضي الله عنْه-، وكان عامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أهل مكَّة قال: "واللهِ، لا يَبلغني أنَّ أحدًا منكم تخلَّف عن الصَّلاة في المسجد مع الجماعة إلَّا ضربتُ عنقَه".
والأحاديث والآثار عن الصَّحابة والتَّابعين الثَّابتة في وجوب الصَّلاة في المساجد جماعة، وعقوبة المتخلِّف عنها كثيرة غير ما ذكرنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني واياكم بما فيهما من الآيات الحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر الأمة، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد كان علماء الإسلام كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وغيره من الأئمَّة المقْتدى بِهم، يَرَوْن أنَّ صلاة الجماعة شرطٌ في صحَّة الصلاة، بمعنى: أنَّه إذا صلَّى في بيته من غير عُذر شرعي، فإنَّ صلاته غير صحيحة؛ لأدلَّة كثيرة.
وأمَّا مَن ترَك الصلاة بالكلِّيَّة، أو جَحَد وُجوبَها، فهذا كافرٌ حلال الدَّم والمال؛ لِتضافُر الأدلَّة في الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأئمَّة على كفْرِه، عياذًا بالله.
فيا أمَّة الإسلام: أنقِذوا أنفُسَكم وتداركوا حياتَكم، واسلُكوا سبيلَ ربِّكم، تفوزوا بسعادة الدُّنيا والآخرة، واحْذروا سلوكَ السَّبيل المفْضِية إلى الهلاك والعطَب والبوار، وليْس بين هذا والوقوف على الحقيقة إلَّا أن يقال: "فلان مات"، ولا تغترُّوا بزهرة هذه الحياة الفانية؛ فإنَّها عمَّا قليلٍ مضمحلَّة وزائلة.
واعْلموا أنَّ عليْكم مسؤوليَّة كبيرة مُلْقاة على عاتقكم، ألا وهي مسؤوليَّة تربية الأولاد من بنين وبنات وزوجات، وزرْع المبادئ والتَّعاليم الإسلاميَّة الحقَّة في نفوسهم، وحثِّهم على عدَم التَّساهُل نحو عقيدتهم السَّمحة، فمِن واجباتِكم حتمًا إعطاء هذه المسؤوليَّة الملْقاة على عاتقكم مزيدًا من الاهتِمام، وشدَّة العناية والملاحظة والمراقبة التَّامَّة، وذلك بغرْس مَحاسن الإسلام والدِّين في نفوسهم، وتعْليمهم العلوم النافعة، وما يعُود عليهم بالنَّفع العاجِل والآجِل، والعناية بالعبادة الَّتي مِن أجْلِها خُلِقوا، وأنَّهم لَم يُخْلَقوا المسؤوليةعبثًا، ولَم يُتْرَكوا سدًى، وتَحذيرهم وزجْرهم عن الوقوع في الجرائم والمحرَّمات، وسفاسف الأخلاق والرذائل.
وعلى كل إمام مسجدٍ واجبٌ ومسؤولية كبرى نحو توْعية جماعته، بالتفقُّد والمناصحة وعدم الغفلة عنهم، قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2]، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته.
نسأل اللهَ العليَّ القدير أن يأخُذ بنواصينا ونواصي إخوانِنا المسلمين إلى سبيل النَّجاة، والفوز بالجَنَّات، ويجنِّبنا وإيَّاهم أسباب السخط، وقبائح المحْدَثات.
اللَّهُمَّ صلِّ على نبيِّنا محمَّد، وآله وصحْبه وسلَّم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم