آداب المسجد (خطبة)

يحيى بن إبراهيم الشيخي
1447/06/20 - 2025/12/11 21:52PM

آداب المسجد (خطبة)

الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون.قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون»

معاشر المسلمين: إن ديننا الحنيف حثنا على الأخلاق الحميدة, وأرشدنا إلى التحلي بالآداب الرفيعة التي ينبغي على المسلم أن يتمسك بها, فجعل لكل أمر من أمور حياتنا آداباً يتحلى بها المسلم فلا يتجاوزها,  ومن هذه الآداب التي ينبغي على المسلم أن يتأدب بها هي: آداب المسجد ومنها أن يدخل المسجد على هيئة حسنة فيكون نظيفاً في ملابسه وبدنه, فلا يلبس ثوب نوم أو لباساً لا يليق أو يُعاب عرفاً؛ وحضور المسلم بهيئة حسنة إلى المسجد يدل على اهتمامه بصلاته وتعظيمه لها؛ فالله جميل يحب الجمال, في صحيح مسلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" وهذا يجعل يشعر بالخشوع في الصلاة لارتياحه لذلك.

. قال تعالى( يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)الأعراف: 31

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله  “كان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال, وكان يلبسها وقت الصلاة, ويقول: ربي أحق من تجملت له في صلاتي“

ومما يتناقض ويُعاب أنَّ بعضاً من الناس يأتي إلى المسجد رَثَّ الملابس, بينما يلبس أحسن لباسه في المناسبات والاجتماعات, أليس الأولى له والأجدر به أن تكون هيئته حسنة ويأخذ زينته عند كل مسجد؟!.

معاشر المسلمين: و من آداب المساجد العناية بالرائحة الطيبة سواء في البدن أو في المسجد, إذ جبلت النفوس على حب الطيب, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الطيب, عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال "كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- سُكَّةٌ يتطيب منها"أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

ولقد كان سلف هذه الأمة يعتنون بالرائحة الطيبة في أبدانهم وملابسهم, عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ  “كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- يُعْرَفُ بِرِيحِ الطِّيبِ"،  وعن أبي قلابة" أنَّ ابن عباس، كان إذا خرج من بيته إلى المسجد، عرف جيران الطريق أنَّه قد مر من طيب ريحه“

ومما يُطيِّب رائحة الفم ويطهره الاستياك, وقد جاء التأكيد على سنيته عند كل صلاة قال النبي -صلى الله عليه وسلم  “لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة" متفق عليه.

فالمسلم يحرص على أن يكون طيَّب الرائحة في بدنه وملبسه, ويتأكد ذلك عندما يقصد مجامع الناس أو المساجد.

وقد ورد النهي عمَّا يؤذي من الروائح الكريهة عند الذهاب إلى المسجد, لأنَّ الناس يتأذون منها, ومن يشم تلك الرائحة قد لا يخشع في صلاته, قال صلى الله عليه وسلم" مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ“ (أخرجه مسلم.  ويقاس على ذلك كل رائحة كريهة تؤذي المصلين, مثل رائحة الدخان والشيشة وغيرها من الروائح التي تسبب حساسية أو صداعاً لدى بعض الناس حتى وإن كان طيباً له رائحة مزعجة ربما يتضرر منها  بعض الناس, وكذلك أهمية كفِّ الجشاء وكتمه قدر المستطاع, فإنَّ مع خروجه تخرج رائحةٌ كريهة, وقد تجشَّأ رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال  “كُفَّ عنَّا جشاءك".

 عباد الله: و من آداب المساجد: عدم رفع الصوت فيها, كي لا يشوِّش على المصلين ولا على القارئين لكتاب الله وسواءً رفع صوته بقراءة أويتنحنح أثناء دخوله للمسجد لينبه الإمام لينتظره, وهذا كله خلاف السنة والواجب أن يمشي بسكينة, قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" أخرجه البخاري.

ومن ذلك رفع الصوت بمحادثتة  مع غيره في المسجد فهذا ينافي آداب المسجد, ففي الحديث: "من سَمِعَ رجُلًا يَنشُدُ ضالَّةً في المسجدِ فليقُلْ لا ردَّهَا اللَّهُ إليكَ فإنَّ المساجِدَ لَم تُبنَ لهذَا" أخرجه مسلم.

ومن الآداب تقفيل أصوات الهواتف أي الجوالات  فإنَّ بعضاً من الناس, لا يهتم بإقفال هاتفه, والأعظم إثماً مـن تكون نغمة هاتفه نغمة موسيقى أو معازف أو أغنية أو شيلات. وكما هو معلوم أنَّ المعازف والأغاني حرام, وتزداد حرمة ذلك إن كانت في مسجد, فالذي ينبغي أن تكون نغمة الهاتف مباحة لا محرَّمة, وكذلك الواجب على المسلم أن يُقفل هاتفه تماماً أو يجعله على الصامت حتى لا يؤذي المصلين, ولا يتسبب في عدم الخشوع في الصلاة.

و من آداب المساجد أيضاً: العناية بنظافتها, وعدم تلويثها, في صحيح البخاري

عن أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله عنهما- "أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحكها” وفي رواية قال الإمام النووي -رحمه الله: "في هذا الحديث تعظيم المساجد وتنزيهها من الأوساخ ونحوها وفيه استحباب تطييبها, وفيه إزالة المنكر باليد لمن قدر, وتقبيح ذلك الفعل باللسان“

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدلله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:

معاشر المسلمين: من وقع منه ما يكون فيه تلويث المسجد, فإنَّه يأثم بذلك والكفَّارة الإزالة, قال صلى الله عليه وسلم:  “التفل في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها“.أخرجه مسلم. وقياساً  على ذلك من يترك مخلّفاته من علب الماء أو المناديل المستعملة أو يزيل أظفاره في المسجد  عامداً فهذا تلويث وضرربالمصلين مما يلوث المسجد ويساعد في انتشار العدوى.

وكذلك عظيم ثواب من يتولى كنس المسجد لما ثبت في الصحيحين "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- “صلى على قبر امرأة سوداء كانت تقم المسجد" فحري بالمرء إذا رأى في المسجد ما يحتاج إلى تنظيفه أن ينظِّفه, إذا رأى منديلاً رفعه, أو رأى ورقة رفعها, حتى ولو صغيرة, وإذا رأى وسخاً أزاله.

معاشر المسلمين: ومن آداب المساجد الدعاء عند الدخول إليها والخروج منها, في صحيح مسلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ِ" إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ". ويدعو بما ثبت في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دخل المسجد قال: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم”  قال: أَقَطْ؟ قلت: نعم، قال: “فإذا قال ذلك, قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم".

ومن السنة عند الدخول إلى المسجد تقديم الرجل اليمنى للحديث المتفق عليه أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم: “كان يعجبه التيـمـن، في تنعله، وترجله، وطُهُوره، وفي شأنه كله".

 ومن آداب المساجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد, في صحيح مسلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ". قال النووي -رحمه الله: "استحباب تحية المسجد بركعتين..سنة بإجماع المسلمين".

وكذلك من آداب المساجد عدم تخطي الرقاب لما في ذلك من الإيذاء, قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل يتخطى الرقاب يوم الجمعة:  "اجلس فقد آذيت".

 ومن الآداب عدم مزاحمة المصلين أو التضييق عليهم وعدم حجز مكان خاص كما يفعل البعض, قال الشيخ ابن باز رحمه الله" لا يجوز لأحد أن يحجز مكانًا في المسجد، ولهذا قال النبي ﷺ: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهمواأي: لاقترعوا،[رواه البخاري ومسلم]  فحجزه أمر لا يجوز وغصب للمكان ولا حق لمن غصبه، فالسابق أولى منه وأحق به حتى يتقدم الناس إلى الصلاة بأنفسهم.

فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.....الدعاء

المشاهدات 5 | التعليقات 0