أثر الإيمان في النهضة والتنمية
الشيخ د عصام بن عبدالمحسن الحميدان
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة
أثر الإيمان في النهضة والتنمية
الحمد لله..
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله.... )
عندما أذن الله سبحانه لإبليس أن يفسد في الأرض ويغويهم أجمعين إلا عباده المخلصين، لم يزل هو وأعوانه من الجن والإنس يجتهدون في إفساد العقائد والعبادات والمعايش والمآكل والمشارب والأخلاق والقيم، ليدمروا الحياة والأحياء، ويفشلوا مشاريع التنمية، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) فكان لا بد من حركات تصحيحية مناهضة للظلم والفساد، وهي الرسالات السماوية الزكية الراشدة، التي تصلح الحياة، وتزكي النفوس، (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)
هل تعلمون أهم ما جاءت به الرسالات السماوية، ورسالة نبينا صلى الله عليه وسلم؟ التي أصلحت الدنيا ونهضت بالإنسان وحققت منظومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والعلمية؟ إنه الإيمان بالله سبحانه وحده، ونبذ الأوثان والأصنام المادية والمعنوية.
الإيمان بالله سبحانه يملأ القلب طمأنينة وسكينة، ويغرس في الفرد قيماً عليا كالصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة،والمسؤولية. وهذه القيم هي الركيزة الأساسية لأي نظام اقتصادي وإداري ناجح. يقول أصحاب موسى عليه السلام عندما اقترب منهم فرعون(إنا لمدركون) فقال لهم (كلا إن معي ربي سيهدين)
الإيمان بالله سبحانه يشجع على الانضباط والتحكم في الشهوات (كالطمع والجشع)، ويرفض التواكل ويحث على الأخذ بالأسباب. يقول الله تعالى: ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) تتراءى كل الزينة ويتعاظم الإغراء ويملأ المكان جو الرذيلة أمام يوسف عليه السلام فيقول بكل شجاعة(معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)
الإيمان بالله سبحانه يوحد أفراد المجتمع حول هدف ومعنى واحد للحياة، فيعزز التماسك الاجتماعي ويقلل من الصراعات الداخلية القائمة على العرق أو الطبقة. فإطعام المسكين مرتبط بالإيمان بالآخرة، قال تعالى: ((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)) فنظام البذل والعطاء أسمى من أن يكون في الجهات الرقابية، وأسمى من أن يكون أوامر قسرية تنهب الأغنياء لتعطي الفقراء، إنما هو بأصل الإيمان بالله واليوم الآخر، قال تعالى: ((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ))
الإيمان بالله سبحانه يدعو إلى الإتقان في العمل لأنه شكل من أشكال العبادة. فيرفع من جودة الإنتاج ويحفز على الابتكار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (حسن). فأين الذين يبحثون عن الجودة، ويضعون لها المؤسسات الضخمة وينفقون عليها الأموال الطائلة.
الإيمان بالله سبحانه يوفر رادعاً قوياً ضد الفساد (الذي هو آفة التنمية الاقتصادية)، فيعتبر الكسب غير المشروع إثماً وجريمة دينية، (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فيحافظ على نزاهة المؤسسات المالية والإدارية. (إن قوماً أدوا هذا لأمناء) وتختبر بلقيس نبي الله سليمان عليه السلام في النزاهة، فترسل له هدية، فيردها (أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون) وما فائدة المال الذي يهوي بصاحبه إلى الجحيم؟
الإيمان بالله سبحانه يمنح المؤمن الأمل والتفاؤل حتى في أحلك الظروف، ويحول النكسات إلى دوافع لمزيد من العمل والجهاد. يغرس فينا أن "الرزق مقسوم، والقدر مكتوب"، مما يمنح الفرد الطمأنينة والثبات، ويتحمل الصعاب لأنه مؤمن بأن ﴿مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ ومن أصدق من الله وعداً؟ أليس وعد المؤمنين بالتمكين فحقق لهم ذلك في عهد الخلفاء الراشدين؟ أليس وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بالنصر في بدر فحقق له ذلك؟
الإيمان بالله سبحانه يؤكد على مبدأ العدل والمساواة فيوفر الاستقرار السياسي الضروري للنهضة.
******************
إن الإيمان حين يغيب، تتحول العبقرية إلى وسيلة للاحتيال، ويصبح الذكاء أداة للاستغلال، وتتحول القوة إلى ظلم.
كثيرون يظنون أن السر يكمن في المال وحده، أو التكنولوجيا فقط، أو القوانين الصارمة. ولكن الحقيقة التي يؤكدها تاريخ الحضارات أن أي نهضة حقيقية ومستدامة تبدأ من مصدر قوة خفي، ولكنه صلب ومتين، ألا وهو الإيمان الراسخ، فليست كثرة المال هي سبب النهضة، ولا قلة المال مانعة من التنمية، فهذا نبي الهدى والرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبرنا فيقول: {ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم}
ومما يدل على أهمية الإيمان في النهضة والتنمية، أن الله سبحانه دمر أمماً كانت قوية مسيطرة يهابها الناس، بسبب كفرهم بالله سبحانه وجحودهم نعمته، فقوم نوح دمّروا وأغرقوا في وقت قوتهم وتمكنهم(يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا) فما نفعتهم قوتهم، وقوم عاد الذين قالوا: ((مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)) و((لم يخلق مثلها في البلاد)) كانت عاقبتهم (ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) فهل كانت أعمدتهم ومصانعهم مانعة لهم؟ وكذلك ثمود: ((الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)) الذين نحتوا الجبال، ما ردتهم جبالهم عن عذابهم (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر) وفرعون، وكسرى وقيصر، وقائمة طويلة لمن كفر بالله سبحانه فزال سلطانه، وفر أعوانه، وانهارت أركانه، ودمرت نهضته، وتهاوت تنميته.
لقد بين الله سبحانه أن الإيمان سبب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، قال سبحانه (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وقال عزوجل(ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون)
المرفقات
1760648895_أثر الإيمان في النهضة والتنمية.docx