أصول الإيمان(١)الإيمان بالله
تركي بن علي الميمان
1447/04/30 - 2025/10/22 08:36AM
عنوان الخطبة :أصول الإيمان(1) الإيمان بالله
الخطبة الأولى:
والإيمان بالله تعالى يتضمَّنُ أموراً عدة:
يتضمن(1)الإيمان بوجود الله تعالى:
الخطبة الثانية:
ومما يتضمنه الإيمان بالله: (4)الإيمان بأسمائه وصفاته.
والإيمان بالله تعالى-عباد الله-يثمر للمؤمنين ثمرات جليلة،
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}[الإسراء:111]،{وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}[المؤمنون:91]، لا إله إلا هو، لا خالق غيره ولا ربَّ سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة؛ أحمده سبحانه وأشكره، وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]
عباد الله: إنَّ علم التوحيد أشرفُ العلوم، وأجلُّها قدرًا، وأوجبُها مطلبًا؛ لأنه العلم بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده؛ ولأنه مفتاح الطريق إلى الله تعالى، وأساس شرائعه.
والدين الإسلامي: هو الدين الذي بعثَ الله به محمدًا صَلى الله عليه وسلم، وختم الله به الأديان، وأكمله لعباده، وأتمَّ به عليهم النعمة،
ورضيه لهم دينًا، فلا يُقبل من أحد دينًا سواه. والدين الإسلاميُّ: عقيدة، وشريعة.
فأما العقيدة الإسلامية: فأسسها الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر: خيره، وشره.
-قال الله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[البقرة:177]
-وقال في القدر: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]
-وفي السنة يقول النبي صَلى الله عليه وسلم مجيبًا لجبريل حين سأله عن الإِيمَانِ: الإيمانُ «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ
بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[رواه مسلم (8)]
فأول أصول الإيمان: الإيمان بالله تعالى.
إن الإيمان بالله عز وجل هو أهم أصول الإيمان، وأعظمها شأناً، وأعلاها قدراً، بل هو أصل أصول الإيمان، وأساس بنائه، وقوام أمره، وبقية الأصول متفرعة منه، راجعة إليه، مبنية عليه.
[أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة: نحبة من العلماء(ص:9)]
فالفطرة دالةٌ على وجوده تعالى؛ فإنَّ كل مخلوق قد فُطِرَ على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير، أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلاَّ من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» [رواه البخاري(1358)]
والعقل دالٌ على وجوده تعالى؛ فهذه المخلوقات: سابقها ولاحقها، لابدَّ لها من خالق أوجدها، إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها؛ ولا يمكن أن توجد صدفة. فتعيَّن أن يكون لها مُوجِدٌ هو الله رب العالمين.
قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:35]. يعني: أنهم لم يُخْلَقُوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقُوا أنفسهم؛ فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى.
والشرع دالٌ على وجوده تعالى؛ فالكتب السماوية كُلُّها تنطقُ بذلك؛ وما جاءت به من الأحكام العادلة المتضمنة لمصالح الخلق؛ دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه؛ وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها؛ دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
والحس دالٌ على وجوده تعالى.
-فما نسمعُ ونشاهدُ من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، يدلُّ دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال تعالى:{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}[الأنبياء:76]، وقال:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}[الأنفال:9]
وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا؛ لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى، وأتى بشرائط الإجابة.
-وآيات الأنبياء التي تسمَّى المعجزات ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، هي برهان قاطع على وجود مُرسِلهم، وهو الله تعالى؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى؛ تأييدًا لرسله، ونصرًا لهم.
مثل العصا آية لموسى، وإحياء الموتى بإذن الله آية لعيسى، وانشقاق
القمر آية لنبينا محمد صَلى الله عليه وسلم.
ومما يتضمنه الإيمان بالله: (2)الإيمان بربوبيَّته.
أي: إفراد الله بأفعاله. وبأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين.
والرب: من له الخلق، والملك، والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا هو، ولا أمر إلا له، قال تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف:54]، وقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}[فاطر:13]
فمدار الربوبية على ثلاثة أمور: الخلق، والملك، والأمر. وبقية صفات ربوبيته سبحانه، ترجع إليها: كالرزق، والإحياء، والإماتة، وإنزال الغيث، وإنبات الأرض، وتصريف الرياح، وإجراء الفلك، وتعاقب الليل والنهار، والحمل، والوضع، والصحة، والمرض، والعز، والذل، وغيرها. [كتاب: العقيدة الميسرة: أحمد القاضي(ص17)].
ولم يُعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد بما يقول، كما حصل من فرعون، حين قال لقومه:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:24]، وقال:{يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:38] ،لكن ذلك ليس عن عقيدة، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:14]
ولهذا كان المشركون يقرُّون بربوبية الله تعالى، مع إشراكهم به في الألوهية، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[الزخرف:9]
وأمر الله سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي، فكما أنه مدبر الكون القاضي فيه بما يريد، حسب ما تقتضيه حكمته، فهو كذلك الحاكم فيه بشرع العبادات، وأحكام المعاملات، حسبما تقتضيه حكمته، فمن اتخذ مع الله تعالى مشرِّعًا في العبادات، أو حاكمًا في المعاملات؛ فقد أشرك به، ولم يحقق الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر:3]
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه،{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18]
عباد الله:
ومما يتضمنه الإيمان بالله: (3)الإيمان بألوهيَّته.
أي: إفراد الله بالعبادة، وبأنه وحده الإله الحق لا شريك له.
قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة:163]
وكل من اتخذ إلهًا مع الله، يُعبد من دونه؛ فألوهيته باطلة، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[الحج:62]
ولهذا كانت الرسل عليهم السلام يقولون لأقوامهم:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:59]، ولكن أبى ذلك المشركون، واتخذوا من دون الله آلهة، يعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى، ويستنصرون بهم، ويستغيثون.
فهؤلاء المشركين، كانوا يقرون بأن الله تعالى وحده الرب الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجيرُ ولا يُجارُ عليه، وهذا يستلزم أن يوحِّدوه بالألوهية، كما وحَّدوه بالربوبية. قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ. فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس:31-32]
أي: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلَى الله عليه وسلم من الأسماء، والصفات، على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف:180]، وقال:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:27]، وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:11]
منها: تحقيق توحيد الله تعالى، بحيث لا يتعلق بغيره رجاء، ولا خوف، ولا يعبد غيره. ومنها: كمال محبة الله تعالى، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى، وصفاته العليا. ومنها: تحقيق عبادته بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
[نبذة في العقيدة الإسلامية: لابن عثيمين (ص29-41)-أو- شرح أصول الإيمان. بتصرف]
=فلنتق الله تعالى -عباد الله-، ولنؤمن بالله تعالى بقلوبنا، إقراراً بوجوده، وإيماناً بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:70]
وصلوا وسلموا على الهادي البشير...
المرفقات
1761111356_أصول الإيمان(1) الإيمان بالله.docx
1761111356_أصول الإيمان(1) الإيمان بالله.pdf