إحذروا هدم الدّين باسم الدين
حسين بن حمزة حسين
1447/03/22 - 2025/09/14 23:38PM
الحمدُ لله أكْمل الدّين، وأَتَمَّ النعمة، وأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهَدُ أنَّ مُحمداً عبده ورسوله، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً.
إخوة الإيمان: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنّ أحْكامَ الدّينِ وشرائعَه قد كمُلتْ فلا تتغيَّر ولا تتبدَّل بعد انقطاع الوحي بموْت النبي صلى الله عليه وسلم، واحذروا عباد الله أن يُهدَم الدّين باسم الدّين، أن يُهدم بالابتداع والإحداث فيه بالبدع، والبدعُ هي كلُّ عملٍ قوْليّ أو اعتقاديّ أو فعليّ ليس عليه دليلٌ مِن كتاب الله ولا مِن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله السلف الصالح، ويزْعمُ أصحابُه أنّه من دين الله، قال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ( فإنَّه مَن يَعِشْ منكم فسيَرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليْكُم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ ) رواه أحمد، فقد تُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلّغ الرسالة أكْمل تبليغ، فلا يجوز لمسلمٍ كائناً من كان أن يَبْتدِع في الدّين عبادةً جديدة أو يغيّر أو يبدّل أو يقول قولاً أو يأخُذ وِرْداً لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان سلفُنا الصالح أشدُّ الناس حِرْصاً على الاتّباع، وأكثَرُهم خوْفا وتحذيراً من الابتداع، فقد أُثِرَ عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه قال : " مَن ابْتدَع في الإسلام بدعةً يراها حسَنةً ؛ فقد زَعَمَ أنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلّم خان الرسالة، اقرؤوا قول الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )، وقال: " ما لم يكُن ديناً في عهْد محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا يكون ديناً إلى يوم القيامة"، وقد كان هدْيُ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والسلفِ الصالح ذمُّ أهل البدع، ففي مسلم عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال (لو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم) وفي رواية (لكفرْتم)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( سيكونُ في آخِرِ الزَّمانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأحادِيثِ بما لَمْ تَسْمَعُوا أنتُمْ، ولا آباؤُكُمْ، فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ، لا يُضِلُّونَكُمْ، ولا يَفْتِنُونَكُمْ) رواه مسلم، قال محمدُ بن مسلم رحمه الله: "مَنْ وقَّرَ صاحبَ بِدْعةٍ فقدْ أعانَ على هَدْمِ الإِسلام"، قال أيوب السختياني رحمه الله : ما زاد صاحبُ بدعةٍ اجتهاداً إلا أزداد بُعداً عن الله عزوجل.
عباد الله: أمرنا اللهُ التعوذَ من الفتن تحذيراً لنا من ضيَاع وهدْم الدّين، ألآ وإنّ البدعَ من أعظم ما يُسعِّر نار الفتن، تهدِم الدّينَ وتُفسِدُه، وتفرِّقُ أهلَه، فما افترقت الأمُّةُ المحمديّة إلى بضعٍ وسبعين فرقةٍ إلا وكلّ فرقةٍ تفرّدت ببدعة مختلفةٍ عن غيرها، يستغلّها أعداءُ الإسلام لإضعاف المسلمين والتسلّط عليهم وإنهائهم، تُوجِبُ غضبَ الربّ وأليمَ عقابه في الدنيا والآخرة، تُورثُ الذل والهوان، قال النبي صلى الله عليه وسلم-: "وجُعِلَت الذِّلَّةُ والصَّغارُ على من خالَفَ أمري" رواه البخاري ومسلم.
إخوة الإيمان: من المعلوم أنّ البدعَ ليست في رتْبةٍ واحدةٍ ، فالرافضةُ الأخباث، والصوفيّةُ الضُلاّل الخرافيّون، ومن مثلُهم من قاديانية وإسماعيلية وبريلويّة من المذاهب المبْتدَعة التي تدّعي الإسلام والإسلامُ منها بريء، هُم كفارٌ خالدين مخلّدين بالنار لا شكّ في ذلك لتكذيبهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء يجبُ كُرهُهم وبُغْضُهم والحذرُ والتحذير منهم، ومثلُهم أهلُ الشركِ الأكبرِ الذين يسْتغيثون ويتوسّلون بأهل القبور الأموات يعبدونهم من دون الله وينْذُرُون لهم الذبائح والطاعات ويسألونهم المْدَد والعوْن من دون الله سبحانه، ويُسمٌّونهم أولياء ويجعلونهم وسائط بينهم وبين الله - نسأل الله السلامة-، ومن البدعِ من لا تصل بأصحابها للكفر الأكبر لكن قد تُضْعِفُ الإيمان، وأصحابُها مُعرّضون لغضبِ الرحمن، موعودون بجهنم وبئس القرار، كالخوارج من أصحاب الأحزاب والجماعات المخالفة من حزب الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ ومن في حكمهم من الجماعات باختلاف مُسمّياتهم الذين حملوا السلاح على المسلمين وكفروا المسلمين واستحلّوا دماءهم باسم الدين، أهل التفجير والتدمير والفساد والإفساد، ومن البدع المشهورة الاحتفالِ ببدعةِ مولدِ النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتفالِ بليلة النصف من شعبان، ودعاءِ الله عند قبورِ الأنبياء والصالحين، وبدعةِ البناءِ على القبور واتخاذ المساجد عليها والصلاة عِنْدَها، فكلّ تلك الأعمال مردودة على أصحابها قال صلى الله عليه وسلم (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمْرُنا فهو رَدٌّ) متفق عليه، أي مردودٌ عليه عملُه غيرُ مقبولٍ بنص الحديث. نفعنا الله بالكتاب والسنة وبما فيهما من الآيات والحكمة.
الخطبة الثانية
فاتقوا الله حق تقواه، واعلموا عباد الله: أنّ أعظمَ ما يَقِيَ المسْلمَ من البدعِ التمسُّكُ بالكتابِ والسنةِ على فهم سلف الأمة، الرعيل الأوّل، الخلفاء الراشدون، الصحابة الكرام، والتابعون لهم بإحسان، أئمة الهدى والدين، فذلك المحجةُ البيْضاءُ التي لا يزيغ عنها إلا هالك، ومن أعظمَ ما يَقِيَ المسْلمَ من البدعِ مجانبةُ مجالسةِ أهل البدع والاختلاط بهم، قال الإمام العُكْبُريُّ رحمه الله في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية": فالله الله إخواني، احْذروا مِن مجالسة مَنْ قد أصابتْه الفتْنة، فزاغ قلبُه، وعَشِيت بصيرته، لا يَحْمِلَنّ أحدًا منكم حُسْنُ ظنِّه بنفْسِه، وما عَهِدَه من معْرفَتِه بصحّةِ مذْهبِه، على المخاطرةِ بدينِه في مجالسَةِ بعض أهلِ هذه الأهواء، فإنّهم أشدُّ فتنة من الدجَّال، وكلامُهم ألْصَقُ من الجرَب، وأحرَقُ للقلوب من اللّهب، ولقد رأيْت جماعةً من الناس كانوا يلْعنُونهم ويسبُّونهم، فجالسُوهم على سبيلِ الإنْكار والردّ عليهم، فما زالت بهم المباسَطةَ وخَفِيّ المكْر ودقيقَ الكُفْر حتى صبَوْا إليهم-أي صاروا على دينهم-نسأل الله السلامة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهّاب